تفاصيل الخبر

رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور علاء شرارة: يمكن ان يُصاب الانسان بمرض الأمعاء الالتهابي بأي سن ولكن عادة يتم تشخيصه بين 15 و40 عاماً!

26/07/2019
رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور علاء شرارة: يمكن ان يُصاب الانسان بمرض الأمعاء الالتهابي بأي سن ولكن عادة يتم تشخيصه بين 15 و40 عاماً!

رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور علاء شرارة: يمكن ان يُصاب الانسان بمرض الأمعاء الالتهابي بأي سن ولكن عادة يتم تشخيصه بين 15 و40 عاماً!

 

بقلم وردية بطرس

مرض الأمعاء الالتهابي عبارة عن مجموعة من الاضطرابات الصحية التي تؤثر على الجهاز الهضمي. وتتضمن أنواع مرض الأمعاء الالتهابي كلاً من التهاب القولون التقرحي، والذي يسبب التهاباً مزمناً وتقرحات في البطانة الداخلية للأمعاء الغليظة والمستقيم، فضلاً عن داء كرون، وهو عبارة عن التهاب بطانة الجهاز الهضمي، ينتشر في أغلب الأحيان عميقاً في الأنسجة المصابة. وعادة ما يترافق التهاب القولون التقرّحي وداء كرون بالاسهال الدموي الشديد وآلام في البطن، والتعب وفقدان الوزن.

ولا يزال السبب الدقيق لأمراض التهاب الأمعاء مجهولاً، ففي السابق كان يُشتبه في النظام الغذائي والاجهاد، لكن يعرف الأطباء الآن ان هذه العوامل قد تتفاقم ولكنها لا تسبب أمراض الأمعاء الالتهابية... ولكن الخبراء يعتبرون ان أحد الأسباب المحتملة وجود خلل وظيفي في الجهاز المناعي، اذ عندما يحاول الجهاز المناعي محاربة فيروس او بكتيريا تغزو الجسم، تتسبب الاستجابات المناعية غير الطبيعية في ان يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة الخلايا الموجودة في الجهاز الهضمي أيضاً. كما يبدو ان الوراثة تلعب دوراً في ان أمراض الأمعاء الالتهابية أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين لديهم افراد من الأسرة مصابون. تجدر الاشارة الى انه تعيش في أمعائنا مليارات البكتيريا والتي يستكشف العلماء تأثيرها على صحتنا ودورها في زيادة او تقليل مخاطر الاصابة بالأمراض المعدية وكيفية تفاعلها مع أجهزة الجسم وأعضائه مثل الدماغ بالاضافة الى مشاكل أخرى كثيرة. ورغم انه ليس من الواضح بعد كيف يبدو التركيب المثالي لهذا المجتمع الميكروبي في الأمعاء، فهناك شبه اجماع على انه يتأثر بعوامل البيئة، مثل النظام الغذائي. وأضاف البعض الى هذه العوامل البيئية تلوث الهواء، والذي رأوا انه يزيد من احتمالات الاصابة بأمراض طويلة الأمد. وهذا يعني ان الأمعاء أصبحت أكثر عرضة للاصابة بالأمراض، في ظل تردي جودة الهواء في المدن حول العالم.

وتقول الأستاذة المساعدة في جامعة <كوبنهاغن> <ماري بيدرسن> ان تركيب المجتمعات الميكروبية قد يتغير من وقت لآخر طوال مراحل حياتنا لأنه يتأثر بالعوامل البيئية، اذ تحدث الكثير من التفاعلات بين الأمعاء وبين العوامل الخارجية التي نتعرض لها. وقد كشفت دراسات عن دور العوامل البيئية في الاصابة باضطرابات الأمعاء الالتهابية، التي تشمل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، وهما مرضان مزمنان ولم يُكتشف لهما علاج بعد. ويُصاب المرء باضطرابات الأمعاء الالتهابية عندما يضعف الجهاز المناعي وتقل كفاءته، وعندما يمضي الجسم في مهاجمة نفسه، اي يهاجم جهاز المناعة خلايا الجسم، بدلاً من مهاجمة الأجسام الدخيلة مسبباً تقرحات والتهابات في القناة الهضمية.

وبدورها تقول مديرة المعلومات في مؤسسة مكافحة داء كرون والتهاب القولون التقرحي الخيرية في المملكة المتحدة <جاينا شاه>: تخيل ان لديك جرحاً غائراً لا يندمل أبداً، وهذا الجرح ليس ظاهرياً بل يوجد داخل أمعائك. وكلما أكلت او شربت شعرت بألم شديد كأنك وضعت الملح على هذا الجرح.

وبينما يصيب التهاب القولون التقرحي الأمعاء الغليظة فقط، فان داء كرون قد يصيب اي جزء من القناة الهضمية، لكن كلا المرضين يمتد تأثيرهما الى جميع أعضاء ووظائف الجسم تقريباً، من الهرمونات والهضم ومستويات الطاقة الى الصحة النفسية. وان المصاب بهذين المرضين يحتاج الى علاج طوال حياته، واذا تطور المرض فقد يحتاج الى جراحة. والى جانب العامل الوراثي تزداد احتمالات الاصابة بمرض كرون والتهاب القولون، بسبب استجابة مناعية شاذة تجاه بعض البكتيريا التي تعيش في الأمعاء، وربما يكون سببها مؤثرات بيئية خارجية.

 

المؤثرات البيئية!

وقد ذكرت بعض الأبحاث ان هذه المؤثرات البيئية قد يكون من بينها الأنظمة الغذائية والضغوط النفسية. لكن ثمة أدلة تشير الى ان البكتيريا غير المضرة تساعد في تقوية الجهاز المناعي وتدريبه لمحاربة السلالات الأكثر ضرراً من البكتيريا، ولهذا فان البقاء في بيئات خالية من البكتيريا والجراثيم ليس مفيداً للجهاز المناعي. وكان الأستاذ المساعد في جامعة <كالغاري> <جيلاد كابلان> قد قام بدراسات عدة عن العلاقة بين الأمعاء وتلوث الهواء وفي ذلك يقول:

- ان العوامل الوراثية والعوامل البيئية قد تتسبب في اختلال التوازن بين البكتيريا النافعة والضارة في القناة الهضمية بطرق مشابهة. لقد اكتشفنا أكثر من 200 طفرة جينية حتى الآن تزيد من خطر الاصابة باضطرابات الأمعاء الالتهابية. وهذه الجينات لها علاقة بالجدار المعوي، وبعضها يؤثر على الطريقة التي تحارب بها الخلايا المناعية في الجدار المعوي، البكتيريا الضارة. فكما تؤثر الطفرات الجينية على كفاءة الحاجز المعوي في الوقاية من مسببات الأمراض، كذلك تعوق العوامل البيئية هذه الأنظمة الدفاعية عن القيام بوظائفها. فاذا كنت تحمل طفرة جينية تضعف الجهاز المناعي او الأمعاء، فهذا يعد مؤشراً على احتمال الاصابة بالمرض.

وهذه النتائج دفعت الباحثين الى اجراء دراسات عن دور تلوث الهواء في زيادة احتمالات الاصابة باضطرابات الأمعاء الالتهابية، واستدلوا بنتائج دراسات سابقة أثبتت ارتفاع معدلات الاصابة باضطرابات الأمعاء الالتهابية في المدن والبلدان الأكثر تقدماً. وخلص تحليل لدراسات الى ان أعلى معدلات الاصابة باضطرابات الأمعاء الالتهابية سُجلت في أوروبا وأميركا الشمالية، بينما يتواصل انتشار المرض في البلدان التي شهدت تطوراً صناعياً مؤخراً في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.

نسبة الاصابة بالمرض!

 

وعلى الصعيد الدولي يتراوح معدل الاصابة بمرض الأمعاء الالتهابي 0.5 ــ 24.5 حالة لكل 100 ألف شخص سنوياً بالنسبة لالتهاب القولون التقرّحي، و0.1 ــ 16 حالة لكل 100 ألف شخص سنوياً بالنسبة لداء كرون. وبشكل عام يبلغ معدل انتشار مرض الأمعاء الالتهابي 396 حالة لكل 100 ألف شخص سنوياً. ويبلغ المعدل السنوي للاصابة بداء كرون في الشرق الأوسط 5 لكل 100 ألف شخص، بينما يصل معدل حالات التهاب القولون التقرّحي الى 6.3 لكل 100 ألف شخص.

ويسلّط الخبراء الاقليميون الضوء على حاجة الدول لتعزيز التوعية بمرض الأمعاء الالتهابي وتأثيراته على المرضى، إذ قد تسهم التوعية في الحد من ارتفاع معدلات الاصابة، بينما يمكن للتعرف على داء كرون وتمييزه عن التهاب القولون التقرحي ان يسهم في الحد من حالات التشخيص الخاطىء لشكلي مرض الأمعاء الالتهابي. وكان المدير التنفيذي للخدمات الطبية والتنظيمية وضمان الجودة في <تاكيدا> في الشرق الأدنى ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الدكتور ماجد كامل قد أشار قائلاً:

- قد تكون عوارض مرض الأمعاء الالتهابي غير متوقعة بالنسبة للمرضى، وتتمحور أعمالنا حول فهم التحديات المشتركة التي تُملي احتياجات كل من المصابين بمرض الأمعاء الالتهابي والأطباء الذين يعالجونهم، وتسهم الشراكات والأبحاث المستمرة في منحنا نظرة قريبة على تجربة المريض من وجهات نظر مختلفة، والعمل على توفير العلاج الكفيل بتأمين الشفاء من المرض، وسيتم الاعلان عن نتائج أول تجربة مباشرة بين العلاجات البيولوجية المعنية بمرض الأمعاء الالتهابي الأوروبي لداء كرون والتهاب القولون التقرّحي في <كوبنهاغن>.

 

البروفيسور علاء شرارة

وعوارض الامعاء الالتهابي!

 

فماذا عن عوارض مرض الامعاء الالتهابي؟ وكيف يتم التشخيص وغيرها من الأسئلة أجاب عنها رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور علاء شرارة ويستهل حديثه قائلاً:

- ان مرض الأمعاء الالتهابي هو مجموعة من الأمراض الالتهابية التي تصيب الجهاز الهضمي خصوصاً القولون والأمعاء الدقيقة، وهو يتضمن مجموعة من الأمراض أهمها داء كرون والتهاب القولون التقرحي. وداء الكرون لا يصيب القولون والأمعاء الدقيقة فقط، انما يمكن ان يصيب الفم، المريء، والمعدة.

ويتابع:

- تختلف عوارض داء الأمعاء الالتهابي وهذا يتوقف على شدة الالتهاب ومكان حدوثه. وقد تتراوح العوارض من خفيفة الى شديدة، ومن المحتمل ان تمر فترات مرضية نشطة تليها فترات تختفي فيها عوارض المرض. وتشمل العلامات والعوارض الشائعة في داء كرون والتهاب القولون التقرحي ما يلي: الاسهال، والحمى، والتعب، والآلام في البطن، والتشنج، والدم في البراز، وانخفاض الشهية، وفقدان الوزن غير المقصود، وبالتالي عند ظهور هذه العوارض يجب ان يقصد المريض الطبيب لاسيما اذا كان يعاني من تغيير مستمر في عادات الأمعاء او اذا كان لديه اي من علامات وعوارض داء الأمعاء الالتهابي. وعلى الرغم من ان داء الامعاء الالتهابي عادة غير مميت، الا انه مرض خطير قد يؤدي في بعض الحالات الى مضاعفات تهدد الحياة.

وعن التشخيص ونسبة الاصابة بالمرض يشرح البروفيسور شرارة:

- يمكن ان يُصاب الانسان بمرض الأمعاء الالتهابي بغض النظر عن عمره، لكن تشخيصه يتم عادة بين سن 15 ــ 40 عاماً. وفي لبنان تزداد الحاجة لدراسات طبية بهدف فحص عوامل الخطر المحلية والأنماط الجينية للأمراض والأنماط الظاهرية والاتجاهات الزمنية الوبائية. ويلعب العبء النفسي الاجتماعي لمرض التهاب الأمعاء في لبنان دوراً كبيراً. وفي دراسة حديثة شملت 15073 شخصاً، تم تشخيص 8 منهم بداء كرون و16 بالتهاب القولون التقرحي، الأمر الذي يعكس نسبة انتشار 53.1 لكل 100,000 شخص مصاب بداء كرون (داء كرون هو مرض التهاب الأمعاء يصيب الجهاز الهضمي والذي يمكن ان يؤدي الى ألم في البطن، واسهال شديد، وشعور بالتعب، وفقدان الوزن وسوء التغذية، وان الالتهاب الناتج عن داء كرون يمكن ان يتضمن مناطق مختلفة من الجهاز الهضمي لدى الأشخاص) و106.2 لكل 100,000 شخص مصاب بالتهاب القولون التقرحي (يعد التهاب القولون التقرحي أحد أمراض الأمعاء الالتهابية التي تسبب التهاباً طويل الأمد وقرحاً في الجهاز الهضمي. يصيب التهاب القولون التقرحي أعمق بطانة في الأمعاء الغليظة <القولون> والمستقيم. وعادة ما تظهر العوارض تدريجياً بمرور الوقت لا فجأة. وقد يسبب التهاب القولون التقرحي وهناً وضعفاً، وقد يؤدي في بعض الأحيان الى مضاعفات تهدد الحياة. وبرغم عدم وجود علاج شاف له، فان العلاج قد يقلل الى درجة كبيرة من علامات المرض وعوارضه، بل وقد يحقق راحة طويلة الأمد).

ويختم البروفيسور شرارة حديثه قائلاً:

- يعاني كل من المتعايشين مع مرض الأمعاء الالتهابي، ومنكريه والمستسلمين له، من التأثيرات النفسية السلبية ومضيعة الوقت والطاقة في علاج العوارض بدلاً من التفكير في معالجة المرض على المدى الطويل، وينتهي المطاف بزيادة تأثيرات المرض على الخيارات الشخصية والمهنية. وتشير رؤيتنا الى احساس المصابين بمرض الأمعاء الالتهابي بالتقييد جراء العوارض وتأثير المرض على حياتهم، كما يعاني البعض من الاحباط جراء دوامة التشخيص دون التوصل لاجماع حول كيفية العلاج، وهنا تبرز الحاجة المباشرة لدفع عجلة الرعاية المتعددة التخصصات عبر التشخيص المبكر وعلاج الحالات المرضية المتقدمة.