تفاصيل الخبر

رئيس الجمهورية ودور المسيحيين  في لبنان  أولاً... والليرة ثانياً!

13/11/2015
رئيس الجمهورية ودور المسيحيين   في لبنان  أولاً... والليرة ثانياً!

رئيس الجمهورية ودور المسيحيين  في لبنان  أولاً... والليرة ثانياً!

 

بقلم خالد عوض

salame خسر مصرف لبنان أكثر من ثلاثة بالمئة من احتياطه من العملات الأجنبية خلال الشهر المنصرم. فقد تراجع هذا الاحتياطي الذي يشكل صمام الأمان لاستقرار سعر الصرف لأنه يمنح البنك المركزي القدرة والسرعة في مواجهة وتغطية أي هروب سريع من الليرة، تراجع من أكثر من ٣٩ مليار دولار إلى أقل من ٣٨ مليار دولار في فترة لا تتجاوز الثلاثين يوما. التقديرات المالية تشير إلى أن تفاقم الأزمة السياسية في البلد سيعجل في هبوط الاحتياطي النقدي وبالتالي سيزيد الخطر على الليرة. حتى إقرار قوانين مكافحة غسيل الأموال والإرهاب لن يعيد الساعة إلى الوراء بالنسبة للمسار الانحداري الذي سلكه الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. كما أن الكلام الأرعن لبعض المسؤولين السياسيين، الذي فيه الكثير من التهويل، فتح باب الخوف من هبوط الليرة على مصراعيه. والمعروف أن أكبر عدو للاستقرار النقدي هو خوف الناس من انزلاق سعر صرف عملتهم الوطنية.

ولكن هل الليرة حقاً في خطر أو أن كل النظام المصرفي اللبناني مهدد؟ بعض هذا بسبب ذاك. هناك خوف من مقاطعة النظام المالي العالمي (خاصة الأميركي والأوروبي) للبنان ومن هروب رؤوس الأموال بسبب ذلك. ولو حصل هذا، ستضطر المصارف اللبنانية إلى زيادة الفوائد على الودائع، بالليرة كما في الدولار، لتحافظ على ودائعها فتتكبد خسائر كبيرة من جراء ذلك. وبالإضافة إلى تداعيات خطر خفض تصنيفها الإئتماني، فإن البنوك اللبنانية ستضطر عندئذٍ إلى التشدد أكثر مما تقوم به حاليا في إقراض الدولة، وهذا يفضي إلى حلقة مفرغة من التقشف الحكومي وتنامي عجز الخزينة والدين العام وصولا إلى كساد اقتصادي مزمن.

وفي حال تسارع هكذا مسار، من الصعب أن نجد باباً للخلاص مثل مؤتمرات <باريس1> أو <باريس2> أو <باريس3> ولا حتى ودائع خليجية بالمليارات كما حصل في السابق. وسندخل إذ ذاك في مرحلة تضخم مالي مكلفة جداً للبلد.

هذا يعني أن القلق على الليرة هو بقدر الخوف على الودائع الموجودة في البنوك اللبنانية... بأية عملة كانت. صحيح أن مصرف لبنان قادر على التصدي لأية محاولة مضاربة على الليرة كما أنه يستطيع إلى حد كبير تغطية هروب رؤوس الأموال من الليرة إلى الدولار من دون أن يتزحزح سعر الصرف، ولكن ما لا يستطيع مصرف لبنان تحمله هو هروب رؤوس الأموال من البنوك اللبنانية إلى الخارج بحثا عن ملاذ آمن لأن نبيه-بري-3ذلك سيجبره على رفع سعر الفوائد لوقف هجرة الودائع.

ليس الحل لكل ذلك في <مهزلة تشريع الضرورة>. الحل الحقيقي هو في العودة إلى نقاط القوة في الكيان اللبناني.  وإحدى أهم هذه النقاط هي الوجود المسيحي الفاعل في البلد. من دونه لا وجود للبنان الذي نعرفه. هذا الوجود له عناوين، أهمها هو رئيس الجمهورية، المسيحي الوحيد بين إثنين وعشرين رئيساً عربياً. وبما أن <بازار> الهرطقات الدستورية مشرع فلن يكون صعباً التوافق على رئيس جمهورية لسنتين أو ثلاث قابلة للتمديد مرة واحدة فقط. ولن يهم في هذه الحالة إذا كان الرئيس هو قوياً مثل ميشال عون أو توافقياً مثل الكثيرين من المرشحين الآخرين. والسؤال لرافضي النزول إلى مجلس النواب: أيهما أفضل للبنان ولمسيحييه، بلد بلا رئيس جمهورية كما هي الحال منذ أكثر من سنة ونصف السنة، أو بلد برئيس <مرحلي> يجتاز لبنان معه الأخطار المحدقة على أنواعها ولاسيما الخطر المالي المستجد؟

من الصعب فهم عدم توافق الأطراف السياسية في لبنان على تمرير الظرف عن طريق انتخاب رئيس جمهورية ماروني لسنتين. هل أصبح ممنوعاً على لبنان أن يأتي برئيس مسيحي؟ أو أن رئيس جمهورية لبنان بات بمنزلة <قميص عثمان> في اللعبة السياسية الإقليمية؟

مصرف لبنان تمكن من المحافظة على الاستقرار النقدي في أحلك الظروف، من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام ٢٠٠٥، إلى حرب تموز (يوليو) عام ٢٠٠٦، إلى ٧ ايار/ مايو عام ٢٠٠٨، إلى الأزمة المالية العالمية من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٠. ولا شك أن البنك المركزي استطاع المحافظة على الوضع المالي من خلال سياسته الحكيمة والثقة التي يتمتع بها حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة. ولكن في كل هذه الظروف، كان ظل الوجود المسيحي ودوره في البلد هو الغطاء الحقيقي للاستقرار المالي. أما وقد أصبح هذا الوجود مهدداً بغياب رأس الهرم المسيحي في البلد، يبقى <تشريع الضرورة> خلاصاً مرحلياً وشراء للوقت.