تفاصيل الخبر

رئيس الجمهورية عطل ”لغم“ إلغاء ”التدبير رقم 3“: العمل في المؤسسات الأمنية رسالة وليس وظيفة!

16/03/2018
رئيس الجمهورية عطل ”لغم“ إلغاء ”التدبير رقم 3“:  العمل في المؤسسات الأمنية رسالة وليس وظيفة!

رئيس الجمهورية عطل ”لغم“ إلغاء ”التدبير رقم 3“: العمل في المؤسسات الأمنية رسالة وليس وظيفة!

 

عون المجلس الاعلى للدفاعلم يكن ينقص حكومة الرئيس سعد الحريري الغارقة في الخلافات والتناقضات والتجاذبات، سوى قضية <التدبير رقم 3> في الجيش والقوات المسلحة، لتزيد على همومها هماً اضافياً، وعلى مشاكلها مشكلة جديدة تؤلّب الرأي العام ضدها، فكيف إذا  تكون هذا الرأي العام من العسكريين وعائلاتهم المنتشرين في كل لبنان. وإذا كان لا يريد أي من الوزراء أن يقول انه يتحمل مسؤولية إثارة مسألة إلغاء <التدبير رقم 3> والتعويضات التي تترتب عنه وكلفتها على الخزينة، فإن الواضح ان الشرارة الأولى انطلقت من عند وزير المال علي حسن خليل عندما كان يعمل على خفض العجز في مشروع موازنة 2018 ويفتش عن أبواب يخفض اعتماداتها حتى لا يتجاوز عجز موازنة 2018، ذلك العجز الذي سُجل في موازنة 2017. ومع <التدبير رقم 3> والتقديمات التي تعطى للعسكريين، اندلع جدال بين وزراء في الحكومة من جهة، ومرجعيات سياسية من جهة أخرى تحول الى ضجة عمت البلاد لاسيما وان أخبار اقتراح إلغاء تعويضات حجز العسكريين (التدبير رقم 3) انتشرت كالنار في الهشيم ومعها صيحات الاستنكار والإدانة الرافضة تحميل العسكريين مسؤولية العجز في المالية العامة، في وقت تتزايد فيه أبواب الهدر وروائح الصفقات و<التنفيعات> وترتفع بدلات السفر للموظفين وتعويضاتهم في اللجان والمجالس والهيئات...

ولـ<التدبير رقم 3> قصة في الحياة الوطنية والعسكرية اللبناني بدأت في العام 1975 حين اندلعت أحداث دامية أدت الى حدوث تشرذم في المؤسسة العسكرية أدى الى تراجع عديدها، إما نتيجة التحاق عسكريين في صفوف الميليشيات، أو بفعل ترك الجيش، ما قلّص العديد واستوجب تعويض الباقين في الخدمة حتى يستمر الجيش ــ ولو بحد أدنى ــ من تأمين حماية المقرات الرسمية والثكنات وغيرها. وأعطي العسكريون، في حينه، ما عُرف بـ<الضمائم الحربية> التي تعادل ضعفي مدة الخدمة من 1/1/1975 وحتى انتهاء الظروف الاستثنائية التي سادت آنذاك، إلا ان الأوضاع الأمنية الشاذة استمرت طوال السنوات نتيجة تولي الجيش مهمات كثيرة في حفظ الأمن في البلاد، ولاسيما في المناطق التي تُعلن عسكرية، إضافة الى الوضع الخاص بالجنوب في ضوء التهديدات الاسرائيلية، ومؤخراً مكافحة الارهاب ومقاتلة الارهابيين. فاستمرت نتيجة كل هذه العوامل جهوزية وحدات الجيش والقوى الأمنية الأخرى في ما عُرف في ما بعد بتدبير الاستنفار رقم 3 الذي أضيف الى مبدأ الضمائم الحربية، بحيث باتت سنة عمل العسكري تحتسب لدى نهاية خدمته بـ3 سنوات ويعطى التعويض على أساس ذلك، أي ان العسكري الذي يخدم 40 سنة يتم احتساب تعويضه على أساس 120 سنة خدمة (40×3=120)، علماً ان العسكري لا يُطبق عليه ما يطبق على الموظف المدني من ساعات اضافية واجازات سنوية مدفوعة وبدل اختصاص وغيرها.

 

التدابير... والجهوزية

ولأن تدبير الاستنفار في المؤسسات العسكرية والأمنية ينقسم الى 3 أقسام، التدبير رقم 1 الذي يعني جهوزية الجيش بنسبة 25 بالمئة من عديده، والتدبير رقم 2 الذي يعني جهوزية نسبتها 50 بالمئة، والتدبير رقم 3 الذي يرفع نسبة الجهوزية الى 70 بالمئة. وتلجأ القيادات الأمنية الى التدبير الأقصى، أي رقم 3، كي تبقى الجهوزية كي تتمكن هذه القوى، ولاسيما الجيش وقوى الأمن الداخلي، من القيام بالمهام المطلوبة منها في كل أنحاء البلاد. ومع مرور الزمن باتت تعويضات التدبير رقم 3 جزءاً من التعويضات التي يتقاضاها العسكري لأنها تحتسب على أساس نسبة مئوية من أساس راتبه وفقاً لكل رتبة، ونتيجة ذلك <طلعت الصرخة> عندما طرح وزير المال وأيده بادئ الأمر وزراء أيضاً في الحكومة، إعادة النظر بتدابير الاستنفار في المؤسسات العسكرية والأمنية للتخفيف من التعويضات المالية التي تلازمها خصوصاً انه لدى مناقشة مسألة سلسلة الرتب والرواتب لم تطرأ على رواتب العسكريين زيادات كبيرة على أساس انهم يتقاضون تعويضات تدابير الاستنفار وخصوصاً <التدبير رقم 3>، وقيل يومها ان تعويضات الاستنفار لن تمس، فقبل العسكريون بالأمر وصدرت السلسلة على هذا الأساس.

وفي هذا الصدد يجري العسكريون مقارنة بين أساس راتب الموظف المدني وأساس راتب العسكري، ليخرجوا بالمعادلة الآتية: أساس راتب الموظف المدني مليون و200 ألف ليرة وهو يعمل 35 ساعة أسبوعياً أي 140 ساعة شهرياً ويتقاضى تعويض انتقال، إضافة الى تعويضات عن ساعات اضافية يعمل فيها. في حين ان أساس راتب العسكري هو مليون و200 ألف ليرة ويعمل 456 ساعة شهرياً أي بزيادة تفوق عن 300 ساعة من دون أن يتقاضى أي تعويضات اضافية، إلا تعويض التدبير رقم 3. فضلاً عن ان سن التقاعد للعسكريين لا يتجاوز سن الـ58 من العمر، فيما الموظف المدني يتقاعد في عمر الـ64 سنة أي بفارق 6 سنوات. وظروف عمل الموظف المدني تختلف كثيراً عن ظروف عمل العسكريين الذين يعايشون الخطر لاسيما في المناطق الحدودية وتلك التي تعاني من اضطرابات أمنية في الداخل.

 

عون: رسالة وليست وظيفة

 

هذه المعطيات وغيرها دفعت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، الى دعوة المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع عقد الأسبوع الماضي في قصر بعبدا وضعت خلاله النقاط على الحروف، وعرضت فيه المعطيات التي تكونت لدى القادة الأمنيين الذين استمعوا الى وزير المال يعرض الواقع المالي للدولة وما تعانيه الخزينة العامة، وكان حوار صريح حول موجبات العسكريين وحقوقهم، وتم درس حالات خاصة لدى العسكريين لاسيما المعاقين منهم وعائلات الشهداء، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة خفض العجز في الموازنة. وعرض قائد الجيش العماد جوزف عون وضع المؤسسة العسكرية والعاملين فيها من مختلف الرتب، وكذلك المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وطغت لغة الأرقام على النقاش وتباينت المواقف وتشعب النقاش، ما دفع بالرئيس عون الى لفت الحاضرين بأن العسكري، سواء كان في الجيش أو في أي مؤسسة أمنية أخرى، لا يمكن التعاطي معه على أساس انه موظف فقط، ذلك ان عمله يرتقي الى مستوى الرسالة التي تحتاج الى تشجيع واهتمام ومن غير الجائز بالتالي أن تُضرب الأسس التي تقوم عليها <مهنة> العسكريين في القوات المسلحة، أو النظر إليها كأنها وظيفة ادارية عادية.

وقد تركت مداخلة الرئيس عون وقعاً على الحاضرين فتم الاتفاق على صرف النظر راهناً على المساس بتعويضات تدابير الاستنفار 1 و2 و3، على ان تزاد في مقابل ذلك سنوات خدمة العسكريين من مختلف الرتب خمس سنوات اضافية عن تلك المعتمدة راهناً في المؤسسات العسكرية والأمنية، ما يؤدي عملياً الى زيادة عمل العسكريين وتأخير تقاعدهم. أما الذين لا يريدون الاستمرار في الخدمة فبامكانهم الاستقالة ويعطون تعويض صرف من دون راتب تقاعدي. وستدرج التعديلات الجديدة على سنوات خدمة العسكريين في مشروع موازنة 2018 من دون المساس بتعويضات تدابير الاستنفار التي لن يطرأ عليها أي تعديل.

وبذلك تم تعطيل <لغم> مجهول المصدر كاد يؤثر على عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية بحجة عصر النفقات وخفضها، وذلك من خلال تهديد العسكريين بلقمة عيشهم وكأن الأخطار التي تحيط بهم وهم يقومون بمهامهم الأمنية لا تكفي لتضاف إليها مخاطر جديدة. وقد نقل أحد الوزراء المشاركين في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع ان أحد القادة الأمنيين حذّر من أن أي تغيير في مداخيل العسكريين قد يؤدي الى ترك كثيرين منهم الخدمة مع ما يعني ذلك من خلل في أداء المهمات الأمنية الموكلة الى الجيش والقوى المسلحة الأخرى!