تفاصيل الخبر

”ريـشـــة بيــــار“ برسم الجيـــل الجديــد..

17/03/2017
”ريـشـــة بيــــار“ برسم الجيـــل الجديــد..

”ريـشـــة بيــــار“ برسم الجيـــل الجديــد..

 

بقلم عبير انطون

1--A

بيار صادق. من منا لا يذكر التوقيع اليومي لاسيما بين زهور ريشته شمال الكاريكاتور في صحيفة <النهار> لتلاقيه في التلفزيون رنة تلك الموسيقى التي ما ان ترتفع حتى يستعد المشاهد لمقال بيار يكتبه امامه بخطوط وشطحة قلم وفكر، فيصادق بختمه الموثوق به على الحدث الابرز لـ<النهار> مؤرخاً منذ الستينيات يوميات لبنان والمنطقة والعالم بريشة وحركة وتعليق من <توما> لسان اللبنانيين جميعهم. بيار صادق المبدع المتواضع رحل عن هذه الدنيا بالمرض الفتاك، فكان الدواء يسري الى جسده النحيل بعروق يده اليسرى، فيما الحبر بيمناه يخط به رسوماته حتى آخر رمق. صاحب المدرسة الرائدة في الكاريكاتور وجامع الاحساس بالتقنية العالية في المهمة التي نذر حياته لأجلها تلقى التهديدات وعرف الصعوبات انواعا وأشكالاً في بلد مزقته الحرب، وأراده بريشته وكلماته واحة سلام وحرية..

 

غادة بيار صادق تتحدث

عن والدها

 

بالامس اطلقت <مؤسسة بيار صادق> جائزة <ريشة بيار للكاريكاتور> في موسمها الاول بعد ان غاب حامل اسمها في العام 2013، فلماذا الجائزة ومن هي الصبية الاولى التي عادت بها؟

مع غادة صادق ابيلا رئيسة <مؤسسة بيار صادق> كان لقاء <الافكار> الذي شمل ايضاً الحديث مع الفائزة بالمرتبة الاولى بريسيلا باسيل.

تعيد غادة صادق التأخر في اطلاق المؤسسة التي تنبثق الجائزة عنها حتى العام 2014 الى الظروف حينذاك:

- كما تعرفون استلزمنا بعض الوقت لاجتياز فترة الحداد بعد رحيل بيار لوضع الأسس ولترتيب افكارنا، علماً ان الاوراق الرسمية للمؤسسة كانت منتهية منذ العام 2013. انتظرنا عيد مولد بيار في الحادي والعشرين من شهر حزيران/ يونيو للاطلاق الرسمي. وقبل ذلك، انجزنا العديد من المهمات بينها جمع وترتيب كاريكاتورات بيار صادق التي وصلت الى ثلاثين ألفاً في الصحف والمجلات والتلفزيونات والكتب المختلفة، وأنجزنا المجلد الأول لكاريكاتوراته وهو عبارة عن <كوفريه> ( صندوق) من أوائل رسوماته التي تمتد من العام 1964 حتى العام 1974 ولا يزال المجلد موجوداً في المكتبات، فبيار صادق ترك كمية هائلة تعتبر ارثاً فنياً ووطنياً وتاريخياً على مدى نصف قرن يشكل قدوة ورمزاً في هذا المجال. كذلك، اطلقنا تسمية شارع في الاشرفية باسم بيار صادق امام فندق <لو غابريال> بالتعاون مع بلدية بيروت حينذاك، واصدرنا في العام 2015، وكان الوزير بطرس حرب وزيراً للاتصالات، طابعاً تذكارياً باسمه.

وتزيد غادة قائلة:

 - وفي جامعة <سيدة اللويزة> جسدناه في تمثال نصفي حتى يتعرف الجيل الجديد به. بعد ذلك نضجت فكرة الجائزة، وحان الدور بعد طول تحضير لاطلاق <ريشة بيار> (la plume de Pierre) التي أتت ثمرة تعاون مع جامعة <البا> او <الاكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة> التي تخرج منها بيار وتعلمت فيها انا ايضاً، وبالتعاون مع جامعة <البلمند> وجامعة <استيان> في باريس. وللحشد للجائـــــزة زرنـــــــا نحن افـــــــراد العائلــــــــة جامعات لبنان في كافة أقضيته اي نحو 12 جامعة تعلم الفنون، بما يشكل حوالى ألف ومئة طالب في هذا الميدان اخبرناهم عن بيار والجائزة.

 

2016...

وعما اذا كان الجيل الجديد من ابناء الجامعات يعرفه قالت كريمته:

- البعض عرفه من موسيقى الكاريكاتور التي كانت ترافقه، ومنهم من تابعه صغيراً او سمع عنه من أهله. حثيناهم على الاشتراك بالجائزة عبر ارسالهم رسماً كاريكاتورياً عن الحدث الابرز برأيهم في العام 2016، فوصلتنا 160 رسمة كاريكاتورية تمت غربلتها الى 57 عرضت جميعها في متحف <قصر سرسق> وذلك من قبل لجنة مؤلفة من ممثل صحيفة <لوموند> الفرنسية العريقة منذ العام 1971 السيد <جان بلانتورو> المعروف بـ<بلانتو> كرئيس للجنة، وممثلة جامعة <استيان> الباريسية السيدة <لوس موندور> فضلاً عن الوزيرين السابقين طارق متري وزياد بارود، والصحافيين فيليب ابي عقل ومي منسى، وارملة الصحافي الكبير شادية غسان التويني، وغابي نصر واخي عمر صادق. اما الجائزة، فقيمتها ألفا دولار للمشترك الاول مع سفر الى باريس على نفقة المؤسسة لعرض اعماله مع الرابحين في المرتبتين الثانية والثالثة من ضمن معرض <برس سيترون> (presse citron) العريق. والجميل انه لهذا العام طلبت الرسومات الست عشرة الاولى لعرضها، وانا سأقصد باريس هذا الاسبوع لمواكبتها تحت مظلة <بيار صادق>.

واستطردت غادة قائلة:

- كنا تكلمنا في الجائزة والمؤسسة قبل وفاة والدي بستة أشهر حتى لا تكون ريشته أرّّخت للبلد ومرت من دون ترسيخها في الوجدان الوطني اللبناني. فقد كان بيار لجميع اللبنانيين ولم يميز يوما بينهم.

 وعما اذا ما كان الموقع الالكتروني الرسمي لبيار صادق ينشر كل رسوماته تؤكد رئيسة المؤسسة انها تنشرها دورياً وتختارها بحسب الحدث ويتداولها آلاف الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الجيل الجديد 2---aبشكل خاص. كذلك فإن من بين ابرز اهداف الجائزة السنوية بناء جسر تواصل مع هذا الجيل الجديد ليبقى على تماس مع فن الكاريكاتور التعبير الابلغ بالرسمة والكلمة المقتضبة.

وعن وضع الكاريكاتور في الجامعات اليوم بعد جولتها عليها، فقد اعجبت غادة باهتمام الشباب بالسياسة، وهي عرفت عبر الرسومات التي اشتركت الخلفيات التي يأتي منها المشتركون: فهذا من بيت مسيّس، وذاك محايد، وثالث يهتم بالبيئة دونا عن غيرها الخ..  وقد أثنت اللجنة على <ضربة القلم> التي تميز بها العديدون وباللعب على الكلام الذي يتقنونه. وتلفت غادة الى ان من مهام <مؤسسة بيار صادق> ان تدعم هؤلاء وتبقى الى جانبهم وهي لأجل ذلك تتواصل مع كبريات الجامعات الفرنسية بهذا الشأن. فعلى منوالهم كان بيار صادق مبتدئاً شغوفاً، الى ان برزت موهبته شيئاً فشيئاً ونماها بمواكبة من آمنوا به ونشروها، فهو طور نفسه من الكاريكاتور بالريشة في الصحف والجرائد في صورة صغيرة في الصفحة الثانية الى مساحة كبيرة مفردة له في الصفحة الاخيرة وصولاً الى الكاريكاتور المتحرك، وكان الاول من نوعه على شاشة لبنانية بحيث تغني الشخصيات وتضحك وترقص وتنتقد، فكان رائداً في مجاله سبق عصره الذي يزخر اليوم بالصور والكاريكاتور المتحرك عبر مواقع التواصل الاجتماعي..

خارج الحدود..

 

 في خطوتها الاولى بقيت <جائزة بيار صادق> محصورة بالمواهب اللبنانية من دون ان تقفل الباب على امكانية تعديها الحدود اللبنانية، لكن لا بد من دراسة هذه الخطوة جيدا تقول غادة حتى تأتي في مكانها الصحيح. فجائزة بيار يجب ان تشبهه وتشبه اخلاقه العالية وشفافيته ونفسيته وطريقة رؤيته، واي خطوة في هذا المجال يجب ان تكون محسوبة جيداً وعلى مستوى ما قدمه.

بالنسبة للمؤسسات او الافراد الداعمين للمؤسسة تؤكد غادة ان هدف هذه ليس ربحياً أبداً، وجل ما يرتكز عليه الدعم، هم الرعاة الذين يرغبون بأن تقترن رعايتهم باسم بيار الجميل والنظيف، وذلك لتغطية التكاليف فقط.

وعما اذا انتقلت موهبة الرسم الكاريكاتوري الى احد ابناء بيار صادق غادة وعمر ووليد تقول الابنة الكبيرة ان جميع من في العائلة وبينهم الاحفاد لديهم ميول فنية من دون ان تكون الكاريكاتور منقولة اليهم بالوراثة. وهي في ذلك تجد ما هو ايجابي، ذلك أن المقارنة حينئذٍ ستكون <كبيرة ولا ترحم> و<ما في حدا مطرح حدا..>. وتشير الى موهبة أخيها عمر الذي برع في مجال آخر وهو يجيد اللعب بالكلمات ايضاً.

بريسيلا.. والحلم

الفائزة بالجائزة الاولى هي الطالبة الجامعية بريسيلا باسيل. سعادتها لا توصف بالصدفة التي ستحملها لعرض رسومها في فرنسا، هي التي لم تغادر ارض لبنان مرة. تشرح بريسيلا لـ<الافكار> وهي طالبة في جامعة <الروح القدس الكسليك> كيف نجحت وتربعت على عرش الجائزة الاولى لـ<ريشة بيار>..

تقول بريسيلا:

- انا أتخصص في مجال <الغرافيك ديزاين> ( التصميم الغرافيكي) في سنتي الثانية. زارتنا في الجامعة السيدة غادة كريمة بيار صادق بهدف اعلامنا بالجائزة وطرحت علينا موضوع المشاركة وهو اختيار حدث من العام 2016 ورسمه كاريكاتورياً. لم اقرر المشاركة للتو اذ كنت منهمكة بالكثير من المشاريع الدراسية المطلوبة في جامعتي، الا انني بلحظة ما قررت ان ارسم ما يضايقني في بلدي بطريقتي الخاصة من دون ان يكون كاريكاتوراً تقليدياً، فرسمت اعصاراً في قلب البحر ومجموعة من أسماك القرش بعدد سبع عشرة تحيط به. في الاول اي الاعصار عنيت لبنان، وبأسماك القرش من حوله جسدت الطوائف التي تتناتشه. فنحن نعيش في قلب هذه المشاكل الطائفية ونتائجها منذ اعوام. استلزم الوقت بين اختيار الفكرة وتنفيذها حوالى الساعة وعنها اشتركت.

3--Aوتزيد بريسيلا:

- لما زرت <متحف سرسق> حيث عرضت الرسومات المختارة، لم اتوقع الفوز، فمن بينها ما ينم عن مواهب مبدعة.

أما عن سبب اختيار اللجنة لرسمتها برأيها دونا عن غيرها، فتجيب بريسيلا:

- لأنني عبرت عنها بطريقة خاصة، وهي في الوقت نفسه واضحة وقوية.

 لكن هل ستختار بريسيلا الكاريكاتور مهنة للمستقبل؟

 تؤكد بريسيلا ان الفوز شجعها على ذلك واعطاها دفعاً قوياً وقد تكون <كاريكاتوريست> في صحيفة لبنانية يوماً ما. فالجائزة التي حملتها وهي عبارة عن مجسم <توما> الذي اشتهر به بيار صادق، كانت على قلبها اغلى من الالفي دولار التي حصدتها والسفرة الى فرنسا التي لا زالت تنتظر بفارغ الصبر الحصول على <الفيزا> التي تقدمت بها لتحقيقها. فالمؤسسة التي تكفلت باقامتها لأربعة ايام في العاصمة الفرنسية فتحت لها باباً واسعاً قد تخرج به الى عالم اوسع.

فابنة جزين التي تبلغ العشرين ربيعاً، المتمسكة بلبنان ولا تريد ان تغادره على خلاف الكثير من الشباب اللبنانيين الطامحين الى ذلك، قد تستغل الفرص التي قدمتها لها الجائزة لكنها ستعود الى بلدها في حال وافقت مرحليا على الدراسة خارجه. فقد هنأتها جامعتها (الروح القدس) على انجازها كاول من يحمل جائزة <رشة بيار> وقدمت لها منحة تنهي فيها دراستها التي تتطلب عامين بعد، وهي خيّرت ان رغبت بإكمال دراساتها العليا خارج لبنان حيث تعقد الجامعة اتفاقيات مع مثيلات لها خارجه.

ولما نسأل بريسيلا عما اذا كانت تعرف عن بيار قبل نيلها جائزته تقول:

- بالطبع سمعت عنه قبلاً ولا زالت في ذاكرتي بعض الرسومات التي كنت اشاهدها في نهاية نشرة الاخبار حيث كانت تعنيني حينئذٍ كرسومات، لا كخلاصة موجزة للحدث الابرز، اما الاخبار فأتابعها حالياً حتى أبقى على اطلاع على المستجدات.

وعن الكاريكاتور الذي لا زال عالقاً في ذاكرتها من رسومات بيار فتسترجع بريسيلا ذلك الذي كان <ينغّم> عبره الصادق على الخلاف السابق ما بين العماد ميشال عون يومئذٍ، وهو رئيس الجمهورية حالياً، والدكتور سمير جعجع، وتضيف بريسيلا: اعتقد انه لو كان بيار حياً اليوم لأنجز كاريكاتوراً لن ينساه جميع اللبنانيين حول المصالحة متمنياً لهما الدوام والتوفيق كما كان يحلم بين جميع الاطراف اللبنانية!