تفاصيل الخبر

رياض توفيق سلامة.. رجل العام والعقد وربع القرن الماضي!

30/12/2016
رياض توفيق سلامة.. رجل العام والعقد وربع القرن الماضي!

رياض توفيق سلامة.. رجل العام والعقد وربع القرن الماضي!

 

بقلم خالد عوض

salameh-1`

يكفي النظر إلى حالة تركيا ومصر اليوم ليتبين لنا حجم الاستقرار المالي في لبنان.

الجنيه المصري إنهار تماماً أمام الدولار خلال العام ٢٠١٦ من حوالى تسعة جنيهات في أول العام حتى أصبح الدولار يساوي ٢٠ جنيهاً بعدما حرر البنك المركزي المصري سعر الصرف في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. كذلك الليرة التركية هبطت أكثر من ١٥ بالمئة، من ٣ ليرات للدولار في بداية ٢٠١٦  إلى ٣ ليرات ونصف اليوم والحبل على الجرار.

في مصر وتركيا هناك رئيس للجمهورية ومؤسسات حكومية مكتملة واستقرار أمني نسبي رغم الخضات الإرهابية التي يتعرض لها البلدان، كما أن الدولتين لا تعانيان من أي مقاطعة مالية دولية، وليس هناك أي قانون أميركي أو غير أميركي يلزمهما بأي عقوبات. في مصر وتركيا موازنة حكومية منتظمة وإجراءات اقتصادية تقشفية وشبه استقرار سياسي، ورغم كل ذلك فإن عملتي البلدين تهويان.

في الأردن استقرار نقدي مثالي حيث يساوي الدينار 141 دولاراً منذ زمن طويل، كذلك في الأردن أيضاً ملك وحكومة واستقرار سياسي وأمني وموازنة ودعم خليجي بأشكال عدة، بل لديه أكثر من ذلك إذ هناك دعم مالي من الولايات المتحدة وصل مؤخراً إلى مليار دولار سنوياً، كما أن الأردن في حالة سلام مع إسرائيل توفر له مزايا اقتصادية، خاصة صناعية.

الليرة قهرت الفراغ

 

لبنان ظل لأكثر من سنتين ونصف السنة بلا رئيس للجمهورية ولا زال منذ أكثر من ١١ سنة من دون موازنة، دينه أصبح يقارب ثمانين مليار دولار، اقتصاده لم يشهد أي نمو حقيقي منذ ٢٠١١، فيه انقسام سياسي حاد ويتعرض لخضات أمنية وهجمات ارهابية  باستمرار، من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى القاع، رغم نجاحات الجيش والقوى الأمنية في ضبط الوضع إلى حد كبير. الأنكى من ذلك أن هناك قانوناً أميركياً لمعاقبة حزب الله يفرض على القطاع المصرفي اللبناني إجراءات صارمة بحق شريحة كبيرة من اللبنانيين. أمضى لبنان عام ٢٠١٦ بحكومة هشة وبمجلس نيابي معطل. عنده مليون وربع مليون نازح سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني. الفساد ينهش إدارات الدولة باعتراف النواب والوزراء كلهم، يعيش في التقنين الكهربائي فيما لديه أعلى كلفة للكهرباء والإتصالات في الشرق الأوسط. وأكثر من ذلك تعرضت العلاقات اللبنانية - الخليجية عام ٢٠١٦ لخضات كبيرة انسحب على أثرها الكثيرون من المستثمرين الخليجيين من البلد ناهيك عن انكفاء الآخرين منهم من مجرد زيارة لبنان، مع العلم أن الخليج هو رئة لبنان الاقتصادية والمالية.

رغم كل ذلك حافظت الليرة اللبنانية على استقرارها وظل الدولار على حاله أي يساوي ١٥٠٧ ليرات، وهذا مستمر منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.

من ١٩٩٣ إلى  ٢٠١٧، ربع قرن من ثبات الرؤية و... العملة  

الحالة الثابتة الوحيدة المصاحبة للاستقرار النقدي وثبات سعر الصرف في كل ما حصل في لبنان منذ التسعينات وخاصة عام ٢٠١٦ هي شخص واحد اسمه رياض سلامة.

هناك الكثيرون من الذين ينتقدونه ويركزون على تعميم صدر عنه من هنا أو تحفيز مالي آخر من هناك، كما قيل الكثير عن الهندسة المالية الأخيرة وحجمها، ولكن مسيرة الرجل منذ ١٩٩٣ يتكلم عنها سعر صرف الليرة اللبنانية والقطاع المصرفي برمته. وإذا كان هناك من رجل يستحق تمثالاً اليوم في حياته فهو حاكم مصرف لبنان. الثقة بالبلد وعملته واسم رياض سلامة صنوان.

لا يعني النجاح في حاكمية مصرف لبنان بالضرورة النجاح نفسه في رئاسة الجمهورية، ولذلك لا يمكن القول إن لبنان خسر مع عدم وصول رياض سلامة إلى الرئاسة الأولى، كما أن الأخيرة يجب ولا تكون جائزة ترضية لحاكم مصرفي أو قائد للجيش.

ولكن الأكيد أن رياض سلامة هو رجل لبنان الأول عام ٢٠١٦ بل في العقدين الماضيين، ولذلك من الضروري جداً عدم العبث بالتجديد له في حزيران (يونيو) المقبل ليس لأن التمديد جيد بل لأن عدمه يعني القفز في المجهول. وإلى أن يأتي اليوم الذي ينتظم فيه الوضع السياسي في البلد ويعود الاقتصاد إلى مسلك النمو الحقيقي، لا بد من بقاء رياض سلامة. بمعنى آخر إذا جرت الإنتخابات النيابية بقانون <يراعي صحة التمثيل> وأفرزت حكومة قادرة بالفعل وليس بالكلام على الإصلاح والتغيير، وعادت العلاقات العربية - اللبنانية إلى حالتها، ساعتئذٍ فقط يمكن التفكير في سلف لرياض سلامة.

لقب رجل العام ٢٠١٦ في لبنان هو أقل اعتراف بمجهود حاكم البنك المركزي خلال هذه الفترة العصيبة، بدءاً من لجوئه الى الضغط في بداية السنة لتشريع قوانين ضد تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب، ثم حنكته في تطبيق قانون معاقبة حزب الله من دون أن يتأثر القطاع المصرفي، وصولا إلى إنجازه الهندسة الأخيرة لتحصين لبنان مالياً في حالة استمرار الفراغ.. كل هذا أدى إلى تعزيز الثقة بأن لبنان ممسوك ولا خوف عليه، ماليا على الأقل.

مع نهاية عام صعب خرج منه البلد من دون أي خدش مالي، يستحق رياض سلامة من لبنان واللبنانيين وقفة شكر وعرفان.