خلال شهر واحد استطاعت مصر أن تجمع العالم في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، واستطاعت أيضاً أن تجمع العرب في مرحلة فارقة تمر بها المنطقة، في جو من التفاؤل يسود الأوساط العربية باِستعادة مصر لمكانتها ودورها على المستويين الإقليمي والدولي.
انطلقت أعمال القمة العربية السادسة والعشرين تحت شعار <سبعون عاماً من العمل العربي المشترك> وذلك في مدينة شرم الشيخ بحضور 14 رئيساً وملكاً وأميراً ورئيس وزراء وبقي مقعد سوريا الوحيد الشاغر بين مقاعد الدول العربية حيث كان وزراء الخارجية العرب اتخذوا قراراً في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2011 بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، بينما تم رفع العلم السوري ذي النجمتين بجوار المقعد الخالي وبين أعلام الدول العربية المشاركة في القاعة الرئيسية للقمة، وسط توافق عربي كبير بين الدول في ظل ظروف استثنائية تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وبكلمات هادئة أشعلت حماس قادة الدول وأعادت بث روح القومية العربية، وناقش فيها المؤتمرون 11 بنداً على جدول الأعمال الذي وضعه وزراء خارجية العرب.
وهيمنت <عاصفة الحزم> التي أطلقتها قوات سعودية إماراتية مشتركة مدعومة من دول الخليج ومصر والأردن والمغرب والسودان بناء على طلب يمني على اجتماعاتهم التحضيرية للقمة، وبرزت قضية الأمن على رأس الموضوعات التي شغلت مناقشاتهم.
وفي الاجتماع المغلق ألتشاوري الثاني لوزراء الخارجية العرب والذي سبق الافتتاح الرسمي لمجلس القمة على مستوى وزراء الخارجية، وضم الدول التي تدعم ضرب معاقل الحوثيين في اليمن وفي مقدمتها مصر الأردن والمغرب والسودان ودول الخليج جرى تقييم الموقف العربي من مشروع قرار عربي حول تحديات الأمن القومي العربي، واستعراض المستجدات الراهنة والتداعيات الخطيرة في اليمن وسبل التعامل العربي معها، بعد مناشدة اليمن على لسان وزير خارجيته الدكتور رياض ياسين، بضرورة استمرار التدخل العربي العسكري في اليمن والانتقال الى التدخل البري لردع التصعيد الحوثي. وأشار وزير الخارجية اليمنى إلى أن التحرك العسكري الفوري حظي بترحيب شعبي واسع وكبير في اليمن وأعاد الثقة إلى نفوس اليمنيين والعرب في العمل العربي المشترك. ونقل وزير الخارجية اليمني خلال الاجتماع شكر وتقدير الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدول التحالف على استجابتها السريعة لدعوته للتدخل العسكري لإنقاذ اليمن من براثن الانقلاب الحوثي على الشرعية والهادف إلى زعزعة استقرار اليمن.
وقال وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة ان بلاده ترى ضرورة أن تكون الأولوية للحل السياسي في اليمن عبر الحوار بمشاركة كل أطراف الأزمة، مشيراً إلى أن محور هذه القمة هو تعزيز الأمن القومي العربي والدعم للقضية الفلسطينية وحل المشاكل بالطرق السلمية في العالم العربي وتعزيز منظومة الأمن الجماعي، لافتاً إلى أن نقاطاً رئيسية مطروحة كان للجزائر رأي فيها وستواصل التعاون مع الأطراف كافة والخروج بنتائج تدفع بالعمل العربي والمزيد من التضامن العربي خلال هذه المرحلة العصيبة التي تواجه أمتنا.
وجاء موقف سلطنة عمان محايداً في الاجتماع المغلق وبرر مصدر مطلع ذلك بأن السلطنة تلتزم الحياد حتى تستطيع أن تفتح حواراً مع جميع أطراف الأزمة، فيما تحفظ وزير خارجية العراق على استعمال القوة وطالب باللجوء للمفاوضات.
وقال الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية انه لم يستبعد الحل السياسي وإن بلاده لا تمانع حل الأزمة بالمفاوضات إذا انسحب الحوثيون وعاد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى موقعه. بينما قال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية أن الصراع في اليمن ليس صراعاً سنياً - شيعياً، وإنما هو صراع عربي- فارسي يجب التصدي له بكل حزم. فيما أعلن نائب رئيس الوزراء وزير خارجية الكويت الشيخ صباح خالد الحمد الصياح رئيس الدورة السابقة، عن دعم دولة الكويت الكامل ووقوفها التامين مع المملكة العربية السعودية الشقيقة وحقها في الدفاع عن النفس، مطالباً الأطراف المعنية في اليمن بضرورة التنفيذ الفوري لقرارات مجلس الأمن وتطبيق بند المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، والالتزام بنتائج الحوار الوطني الشامل والاستجابة لعقد المؤتمر الخاص باليمن والذي رحب الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود باستضافته بحضور الأطياف اليمنية كافة وتحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتجنيب اليمن الانزلاق نحو المزيد من الفوضى والدمار.
كما أكد وزير خارجية الكويت خلال كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب على دعم الشرعية الدستورية في اليمن ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، قائلاً إن الضربة التي وجهها الائتلاف الداعم للشرعية جاء استجابة لطلب رئيس اليمن تقديم المساندة الفورية عربياً ودولياً لحماية اليمن وشعبه وصون سيادته واستقلاله أمام التهديدات والاعتداءات التي قام بها الحوثيون على أراضي السعودية والتي شكّلت تهديداً للأمن القومي الخليجي والعربي.
وأضاف الشيخ صباح الخالد ان الضربة تمت بموجب ما نصت عليه اتفاقية الدفاع العربي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربية المشتركة واستناداً لنص المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي أقرت الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن نفسها واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
وقال وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزوار إن بلاده عبرت عن موقفها من دعم الضربة العسكرية لدعم الشرعية في اليمن، وان الجميع يتفهم المشكلة في اليمن بأن هناك انقضاضاً على الشرعية وفرض الهيمنة، والتدخل العسكري كان لا بد منه لأن هناك تهديداً لأمن دولة عربية، والمغرب عبر عن تضامنه على ارض الواقع وأصدر قرارات على كافة المستويات الأمنية واللوجستية، وأشار إلى إمكانية استمرار العمليات العسكرية إلى أن ترجع الأمور إلى نصابها ويمكن حينئذ العودة للحوار وهو هدف نسعى إليه بين الفرقاء اليمنيين. وأوضح انه يجب القضاء على الإستقواء والعنف والسماح لليمنيين أن يسلكوا في مسارهم نحو عودة الاستقرار والأمن.
كلمة لبنان
وألقى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل كلمة أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب للقمة العربية، منها: <نحن في لبنان ننطلق من ثابتة، هي أن ما يتفق عليه الجميع، وفيه وحدة موقف وقوة موقف، فإننا نسير به، وما يختلف عليه العرب بشأن عربي فيه ضعف للموقف، وبالتالي فإننا من خلال سياسة النأي بالنفس نمتنع عنه>.
أضاف: <أقول هذا تعبيراً عن الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية، وفي الوقت نفسه اقتناعاً مني بأننا في مواقفنا الشائكة المطروحة أمامنا اليوم، وخصوصاً في موضوع اليمن، نحن متفقون أكثر بكثير مما نحن مختلفون، ومشتركاتنا في هذه القضية عديدة ويجب أن تكون عديدة لأننا باتفاقنا عليها، نؤسس لعمل عربي وانطلاقة عربية جادة، وأبرز هذه المشتركات دعم الشرعية في أي بلد عربي، وخصوصاً في اليمن، لأن في اليمن إسقاطات عديدة على دولنا، ومنها لبنان، أي التخلي عن فكرة دعم الشرعية الدستورية المنبثقة من أي دولة تعرض أي دولة عربية لمخاطر مشابهة. أما الأمر الثاني، فهو اعتماد الحلول السياسية، أي الحوار والتفاهم، لا الحلول العسكرية التي أظهرت في لبنان وسوريا والعراق أن الركون إليها لا يؤدي إلى أي نتيجة سوى هدر الدماء والأموال والجهود والوقت للوصول في النهاية إلى الحلول السياسية>.
وانتقل باسيل إلى نيويورك عبر لندن لإلقاء كلمة في مؤتمر نيويورك داخل مجلس الأمن، دعا إليه وزير خارجية فرنسا <لوران فابيوس> حول صراع الأقليات ليعود إلى شرم الشيخ للمشاركة ضمن الوفد اللبناني في القمة والذي تشكل برئاسة تمام سلام وعضوية كل من وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العمل سجعان القزي وسفير لبنان لدى مصر الدكتور خالد زيادة ورئيس الدائرة السياسية في الخارجية السفير شربل وهبي والسفير رامز دمشقية والمستشار في السفارة اللبنانية أنطوان عزام وحضور نقيبي الصحافة والمحررين عوني الكعكي والياس عون وعدد من الإعلاميين.
أمير الكويت والمشهد السياسي
وبالعودة إلى مؤتمر القمة في دورته السادسة والعشرين، أعرب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح في الجلسة الافتتاحية عن تقديره وامتنانه للرئيس عبد الفتاح السيسي ولحكومة وشعب مصر على حسن الاستقبال والضيافة، كما شكر الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمناء المساعدين وجهاز الأمانة العامة على جهودهم المقدرة خلال فترة ترؤس بلاده (دولة الكويت) دورة القمة العربية الـ 25 مشيراً إلى أن المشهد السياسي في الوطن العربي يزداد سوءاً وتعقيداً، ولكن العزاء أمام كل ذلك أن من سيتولى قيادة العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة هو الرئيس السيسي الذي تسلم رئاسة الدورة من أمير الكويت وأكد أن ما تتعرض له دول المنطقة يستدعي إقامة قوة عربية موحدة، يكون هدفها الأساسي الدفاع عن الدول العربية ومصالح شعوبها، وفقاً لأحكام ميثاق جامعة الدول العربية واتفاقية الدفاع العربي المشترك، وبما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة لمواجهة المخاطر الجسيمة التي تهدد أمن واستقرار الشعوب العربية، مشدداً على ضرورة تفويت أية محاولات لبث الفرقة والتشرذم بين الدول العربية، حيث تستهدف تلك المحاولات البغيضة إضعافها والحيلولة دون وحدتها. ونوّه السيسي إلى أن قوة العرب تكمن في تكاتفهم وتعاونهم وتوحيد صفوفهم.
السيسي والتحديات ولبنان
وأورد الرئيس السيسي عدداً من التحديات التي تواجه العالم العربي وقال: ليس أكثر إلحاحاً اليوم، ولا أشد تجسيداً للمدى الذي بلغته تلك التحديات من الأوضاع في اليمن.. حيث وصلت إلى حد النيل من أمننا المشترك وليس المساس به فحسب.. فما بين استقواء فئة بالسلاح وبالترويع لنقض شرعية التوافق والحوار.. وبين انتهازية حفنة أخرى طامعة بالاستئثار باليمن وإقصاء باقي أبنائه.. وبين تدخلات خارجية تستغل ما أصاب اليمن لنشر عدواها في الجسم العربي.. فشلت مساعي استئناف الحوار.. وذهبت أدراج الرياح كل دعوات تجنب الانزلاق إلى الصراع المسلح.. فكان محتماً أن يكون هناك تحرك عربي حازم.. تشارك فيه مصر من خلال ائتلاف يجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية وأطراف دولية، بهدف الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه ومصالح شعبه الشقيق ووحدته الوطنية وهويته العربية.. وحتى تتمكن الدولة من بسط سيطرتها على كامل الأراضي اليمنية واستعادة أمنها واستقرارها.
وأشار الرئيس السيسي إلى أن مصر تتابع باهتمام التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية في ظل التحديات الكبرى التي تشهدها المنطقة.. وقال: لا يفوتني في هذا الصدد أن أعرب عن ترحيب مصر بالحوار القائم بين مختلف القوى السياسية اللبنانية.. لاستعادة الاستقرار في هذا البلد الشقيق.. ووقف حالة الاستقطاب.. وتخفيف حدة الانقسام بما يمكن لبنان من اجتياز هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ.. ويحفظ مقدرات الشعب اللبناني ومؤسسات دولته.. ويحقق الاستقرار الإقليمي المنشود، ونأمل أن تفضي هذه الجهود إلى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية دون مزيد من الانتظار.
ونوّه الرئيس ان مصر لا تزال تتعامل مع الأزمة السورية من زاويتين رئيسيتين: الأولى دعم تطلعات الشعب السوري لبناء دولة مدنية ديموقراطية.. والثانية هي التصدي للتنظيمات الإرهابية التي باتت منتشرة.. والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة السورية. كما شملت كلمته الأوضاع في جميع الدول العربية التي تعاني من مشاكل.
كلمة الملك سلمان
وقال العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في كلمته الافتتاحية إن <العدوان الحوثي> في اليمن يشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة العربية، ووصف التحركات الحوثية في اليمن بأنها <انقلاب على السلطة الشرعية واحتلال للعاصمة صنعاء>، مضيفاً ان الحملة العسكرية في اليمن ستستمر حتى تحقق أهدافها.
وتطرق الى القضية الفلسطينية قائلاً: أن القضية الفلسطينية في مقدمة اهتمامنا ويظل موقف المملكة العربية السعودية كما كان دائماً مستنداً الى مرتكزات تهدف جميعها إلى تحقيق السلام الشامل والعادل فى المنطقة، على أساس استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه المشروع فى إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بما يتفق مع قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وعن الأزمة السورية قال الملك سلمان أنها ما زالت تراوح مكانها وتستمر معاناة الشعب السوري المنكوب بنظام يقصف القرى والمدن بالطائرات والغارات السامة والبراميل المتفجرة، ويرفض الحلول السلمية الإقليمية والدولية، وأن الجهد لإنهاء مأساة الشعب السوري يجب أن يستند إلى إعلان مؤتمر جنيف الأول.
وأشار إلى أن موقف المملكة واضح وثابت بالدعوة إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
وأكد العاهل البحريني الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ان مصر لم تقصر يوماً إزاء أشقائها العرب، مشيراً إلى أن اتخاذ قرار القيام بعمل عسكري عربي مشترك لإنقاذ اليمن أعاد الأمل إلى نفوس الشعوب العربية، وأكد على قوة وقدرة الدول العربية على صون أمنها والدفاع عن شعوبها، مشيداً بدور مصر وقيادتها في لم الشمل العربي وتوحيد الصف لمواجهة المخاطر المحدقة بالدول العربية.
أمير قطر والسلام العادل
وقال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر: تنعقد القمة في ظل أوضاع معقدة وتحديات خطيرة تواجهها امتنا العربية، وتأتي القضية الفلسطينية في مقدمة التحديات، فلن يتحقق الأمن والاستقرار إلا بالتوصل لحل عادل وفق مبدأ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لافتاً إلى أن السلام العادل والشامل خيارنا الاستراتيجي منذ أمد طويل وما زالت العملية تترنح دون فائدة، ونوّه تميم بأن مفاوضات السلام وصلت إلى منتهاها في ظل التعنت الإسرائيلي، مطالباً القادة العرب بدعوة المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل، وعمل ما بوسعنا لرفع الحصار.
وبشأن الأزمة السورية قال الشيخ تميم إن النظام السوري حوَّل الدولة إلى ركام وأصبح السوريون عرضه للغربة وتعرض الأطفال لأهوال مشاهد القتل والدمار، والنظام قابع في غيه ويمارس أشد أنواع بشاعة القتل والتعذيب والأسلحة الفتاكة ضد المدنيين.
ونوّه قائلاً: <لم يعد أمامنا سوى وقف الحرب ضد الشعب السوري، وتوفير سبل الأمان لهم، وعلينا أن نوضح بشكل حازم ان هذا ليس جزءاً من حل الأزمة، ولكن يجب تطبيق الحل السياسي بتلبية مطالب الشعب السوري وإتاحة المجال لتشكيل حكومة انتقالية تعمل على تحديد الطرق أمام الشعب السوري واختياراته من خلال انتخابات حرة.
وقال <بان كي مون> الأمين العام للأمم المتحدة ان الحروب والعنف في المنطقة وكذلك الأعمال الإرهابية البغيضة، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي لا تبدو له نهاية، تسبب معاناة هائلة، ويتجاوز تأثير هذه التهديدات العالم العربي، فهي تشكل خطراً مباشراً على السلام والأمن الدوليين، ولكي لا تستمر هذه الاتجاهات، علينا أن نعالج الأسباب الجذرية للتطرّف والعنف. والحلول الأمنية يجب أن تتم بشكل يحمي حقوق وكرامة الإنسان.
وأضاف: ان محاربة التطرف مع الوقوع في الانتهاكات ليس خطأ فقط، بل هو غير مجد وذو نتائج عكسية. إنني اليوم إذ أخاطب قيادات العالم العربي المبجّلة، أعترف لكم بأنّي أشعر بالغضب وبالعار. أشعر بالغضب لمشاهدة الحكومة السورية والجماعات المعارضة والإرهابيين وهم ماضون في تدمير بلدهم بلا هوادة. وأشعر بالعار لأنني أتحمل قسماً من وزر الفشل الجماعي للمجتمعَين الدولي والإقليمي في التحرك الحاسم لوقف المجزرة التي أبتلى بها الأخوة والأخوات العرب في سورية. وإنني أدعو لأن نتحرك في تنفيذ بيان جنيف بشكل جماعي.
وتطرق <مون> إلى ما يجري في فلسطين قائلاً: إن إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عمل غير مشروع يشكل عقبة خطيرة تعوق السلام، كما أن عملية السلام العربية - الإسرائيلية تشهد تهديداً إضافياً من جرّاء الأصوات المنادية بإسقاط أو تقويض حل الدولتين الذي أيّده المجتمع الدولي، وتضمنته مبادرة السلام العربية، تلك المبادرة المتبصّرة التي اعتمدتموها في بيروت خلال مؤتمر قمتكم لعام 2002 وإنني أحث إسرائيل، مرة أخرى، على إنهاء احتلال بلغ اليوم ما يقرب من نصف قرن، وأحث الفلسطينيين على إنهاء انقساماتهم.
لبنان والموقف العربي
وأعرب رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في كلمته التي لاقت ترحيباً وتقديراً من جميع الحاضرين، عن حزنه لعدم وجود رئيس للبنان في القمة العربية، مشيراً إلى أن <التأخير المتمادي في انتخاب رئيس للجمهورية>، أدى <إلى تعثر عمل مؤسساتنا السياسية، وانعكس سلباً على دورتنا الاقتصادية>، آملاً بنجاح الحوار القائم بين الأطراف السياسية، الذي أشاع أجواء إيجابية في البلاد.
وبالنسبة لتطورات المنطقة، أعلن سلام <ان لبنان وانطلاقاً من حرصه على دعم الشرعية الدستورية في اليمن، وعلى الإجماع العربي ووحدة جميع البلدان العربية واستقرارها، يعلن تأييده أي موقف عربي يحفظ سيادة اليمن ووحدة أراضيه وتماسك نسيجه الاجتماعي>.
وأكد حرص لبنان الدائم <على المصلحة العربية العليا وتضامننا مع أشقائنا العرب في كل قضاياهم المحقة>، ودعا إلى تحييد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية التي قد تكون لها انعكاسات سلبية على الوضع اللبناني.
كما أعلن تأييد لبنان لإنشاء قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب وصون الأمن القومي العربي.
وأشار رئيس الوزراء اللبناني إلى أن حالة عدم الاستقرار التي تعصف بمنطقتنا العربية أدت إلى بروز وتضخم ظاهرة الإرهاب، الذي يزرع العنف في بلداننا باسم الإسلام، والإسلام منه براء.
كما تطرق سلام إلى القضية الفلسطينية والأزمة السورية التي أختار لبنان فيها مبدأ النأي بالنفس عن الحريق المستعر في جوارنا. ولقد سعينا، ولا نزال، لكي يكون الالتزام بهذا المبدأ كاملاً.
وتابع: على رغم كل المآسي المحيطة بنا، وعلى رغم كل الضيم والوجع والأسى نقول: العيش في الظلام ليس قدر العرب، والعجز ليس سمة موروثة فيهم. هذه الغمة المديدة ستنقشع، وسنخرج مما نحن فيه من ضيق، بوعينا لذاتنا، بإدراكنا مكامن قوتنا، بإيماننا بما في هذه الأمة من قدرات، نعم نحن قادرون. علينا أن نثبت ذلك، لكي نتمكن من النظر في عيون أطفالنا، ونقول لهم: لن تكونوا على قارعة العصر. نحن العرب، لنا تحت شمس هذا العالم، مكان ثابت وراسخ وفسيح.
وفي ختام الأعمال، اعتمد مجلس الجامعة على مستوى القمة قرارات تخص العمل العربي المشترك أبرزها قرار إنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي والتطورات في ليبيا والنظر في تعديلات مجلس السلم والأمن العربي دون إقراره ومتابعة أعمال فريق العمل لتطوير الجامعة من ضمنها ميثاق الجامعة.
وقررت القمة اعتماد مبدأ إنشاء قوة عسكرية عربية تشارك فيها الدول اختيارياً وتضطلع هذه القوة بمهام التدخل السريع وما تكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية وتشكل تهديداً مباشر للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات للتنظيمات الإرهابية وذلك بناء على طلب من الدولة المعنية.
كما كلّف المجلس الأمين العام للجامعة نبيل العربي بالتنسيق مع رئاسة القمة بدعوة فريق رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة للدول الأعضاء للاجتماع خلال شهر من صدور القرار لدراسة جوانب الموضوع كافة واقتراح الإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة العسكرية المشتركة وتشكيلها، على أن يتم عرض نتائج أعماله على القادة العرب بواسطة لجنة تضم رئاسة القمة الحالية والسابقة والقادمة توطئة لطرح نتائج تلك المشاورات وأعمال الفريق رفيع المستوى في غضون أربعة أشهر على اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك لإقرارها.
وتحفظ العراق على القرار لأنه رأى أن مثل هذه المبادرة كان لا بد من حوار مسبق بشأنها على أن لا تتعارض مع ميثاق الجامعة العربية.
وأكد المجلس التزامه القوي بصيانة الأمن العربي معرباً عن قلقه الشديد إزاء التطورات في الدول العربية التي استجدت من جراء العمليات الإرهابية التي أصبحت تهدد الأمن القومي العربي بأبعاده كافة.
وأكد على ضرورة تعزيز الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب واتخاذ جميع التدابير والإجراءات التي تتضمن صيانة الاستقلال الوطني وإعادة الأمن والاستقرار في الدول العربية وتجفيف منابع تمويل الإرهاب داعياً إلى تعزيز التواصل والتنسيق بين مختلف المبادرات والجهود الوطنية لمكافحة هذا الإرهاب.
وقد جاءت هذه القرارات استناداً للمادة الثانية من ميثاق الجامعة العربية والمواد ذات الصلة من معاهدة الدفاع المشترك وقرارات مجلس الجامعة على مستوى القمة بشان المحافظة على السلام والأمن بين الدول الأعضاء وصيانة الأمن القومي العربي.
وبشأن التطورات في ليبيا أكد المجلس مجدداً على ضرورة الالتزام باحترام وحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والحفاظ على استقلالها السياسي والالتزام بالحوار الشامل بين القوى السياسية النابذة للعنف والتطرف، والترحيب بدعوة مجلس الأمن الداعي إلى إنشاء آلية تضمن عدم تدفق السلاح والعتاد بحراً وجواً إلى التنظيمات الإرهابية، وتجديد الدعوة للحكومة الليبية في جهودها لتأمين وضبط الحدود مع دول الجوار.
ورحب بقرار مجلس الأمن المقدم من الأردن حول مكافحة الإرهاب في ليبيا متضمناً دعوة لجنة الأمم المتحدة المشرفة على حظر السلاح إلى سرعة البت في طلبات التسليح المقدمة من الحكومة الليبية لتمكينها من مواجهة الإرهاب.
لقد رسم العرب في هذا المؤتمر شرق أوسط جديداً بعيداً عن الذي رسمته الولايات المتحدة الأميركية، ووجهوا رسائل إلى العالم مفادها أن العرب سوف لن يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة وأنهم عقدوا العزم على توحيد جهودهم والنظر في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية لصيانة الأمن القومي العربي في مواجهة التحديات الراهنة والتطورات المتسارعة وخاصة تلك المرتبطة بالممارسات لجماعات العنف والإرهاب، وقد أعادت <عاصفة الحزم> السودان إلى حظيرته العربية وأكد العرب أن التكامل الاقتصادي العربي هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي بما في ذلك استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وتحقيق الأمن الغذائي.
بقي أن نوجه كلمة شكر إلى السفير صلاح الدين عبد الصادق رئيس هيئة الاستعلامات المصرية وفريق عمله لما بذلوه من جهد في مساعدة الإعلاميين لتغطية هذا الحدث التاريخي.