تفاصيل الخبر

رسائــل ”بومبيــو“ نُشرت في بيــروت ”بقــوة وقســاوة“ لكن مــا سمعــه من مــواقف لا يقــلّ صراحــة والـتـزامـــاً!

28/03/2019
رسائــل ”بومبيــو“ نُشرت في بيــروت ”بقــوة وقســاوة“ لكن مــا سمعــه من مــواقف لا يقــلّ صراحــة والـتـزامـــاً!

رسائــل ”بومبيــو“ نُشرت في بيــروت ”بقــوة وقســاوة“ لكن مــا سمعــه من مــواقف لا يقــلّ صراحــة والـتـزامـــاً!

 

بقلم وليد عوض

72 ساعة أمضاها وزير الخارجية الأميركية <مايك بومبيو> في بيروت يومي الجمعة والسبت الماضيين، زرعت قلقاً وتوتراً نتيجة المواقف التي أطلقها الضيف الأميركي الذي أتى الى العاصمة اللبنانية بعد غياب استمر أربعة أعوام، إذ كانت آخر زيارة له في العام 2015. لم تكن مواقف <بومبيو> مفاجئة للمسؤولين اللبنانيين لأن وسائل الاعلام العربية والدولية والاميركية لم تقصّر في إرسال كميات كبيرة من الانباء والتحليلات والتكهنات، ما أحدث بلبلة في الأوساط السياسية اللبنانية التي شعرت - وعن حق - بأن رئيس الديبلوماسية الأميركية آتٍ  الى لبنان بهدف واحد هو الضغط على هذا البلد الصغير للابتعاد كلياً عن حزب الله وايران وسلوك نهج جديد في التعاطي مع المحور الذي يقود حرباً ضد الحزب وإيران، وهو ما ركز عليه الوزير <بومبيو> في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين والسياسيين الذين التقاهم إما جماعياً على مائدة السيدة نايلة معوض ونجلها النائب ميشال، وإما إفرادياً في زيارات ليلية الى السفارة الأميركية في عوكر أو في امكنة أخرى توافرت الحماية القوية حولها، أسوة مع ما حصل في تنقلات <بومبيو> خلال وجوده في بيروت.

والواقع ان <بومبيو> لم يترك كلمة <عاطلة> إلا وقالها عن حزب الله وايران، وما لم يقله للمسؤولين مباشرة، قاله في البيان الذي ألقاه في وزارة الخارجية بعد محادثات مع نظيره اللبناني جبران باسيل، والذي احتوى على عبارات قاسية في حق حزب الله وايران لم ترد في معظم اللقاءات التي عقدها مع الرسميين، لاسيما الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري، لاسيما في توصيفه حزب الله <الذي يقف عائقاً أمام آمال الشعب اللبناني>. وهو <من خلال الترهيب المباشر للناخبين بات ممثلاً في البرلمان ويتظاهر بدعم الدولة>. كما أفاض في الحديث عن نواب حزب الله <الذي يسرق موارد الدولة ويجب ألا يُجبر الشعب على أن يعاني بسبب طموحات الحزب...>. ومع هذا التوصيف المتشعب لم <يرحم> <بومبيو> ايران التي حملها مسؤولية دعم حزب الله <التي تعتمد سلوكاً إرهابياً>، والتي يتولى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني <مسؤولية تقويض المؤسسات الشرعية والشعب اللبناني>.

 

دعم القوات المسلحة

إلا أن <بومبيو> مرر، مع التصعيد والتوصيف غير المسبوقين، محطة مضيئة في كلامه من خلال إعلانه عن رغبة بلاده في مساعدة لبنان والاستمرار في تقديم الدعم للقوى المسلحة التي عبّر المسؤول الأميركي عن تقدير بلاده لجهوزية هذه القوى لاسيما الجيش ودوره الأساسي في حفظ الأمن والاستقرار. كما لم يفته إبداء الاستعداد للمساهمة في تسهيل ترسيم الحدود البحرية والبرية على طول الحدود حتى يتعزز الاستقرار في الجنوب. في المقابل سمع <بومبيو> كلاماً من الرئيس عون أكد فيه على أن حزب الله هو حزب لبناني ممثل في مجلس النواب بـ12 نائباً من أصل 128، وممثل في الحكومة بثلاثة وزراء من أصل 30 وزيراً، كما أن أنصار هذا الحزب والمحازبين هم من الشعب اللبناني الذي يمثل الطائفة الشيعية التي تعتبر من الطوائف الأساسية الكبرى مع الموارنة والسنة. وفيما جزم الرئيس عون باستمرار الوضع هادئاً على الجنوب ما لم تعتد اسرائيل التي تنتهك السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، ركز رئيس الجمهورية عن عودة النازحين السوريين الى بلادهم نظراً لعدم قدرة لبنان على المزيد من تداعيات نزوحهم على القطاعات كافة، وهو ما أيده الوزير <بومبيو>، لكنه تميز عن الموقف اللبناني الداعم للعودة بربطها مع الحل السياسي الذي توحي كل المؤشرات أنه سوف يتأخر إذ لا جهوزية دولية بعد للوصول الى اتفاق حوله.

ولأن موعد زيارة <بومبيو> كان قبل أيام من الزيارة الرئاسية الى روسيا الاتحادية، بدا <بومبيو> مهتماً لمعرفة تفاصيل عن هذه الزيارة والأفكار التي يحملها الرئيس عون للبحث فيها مع نظيره الروسي <فلاديمير بوتين>، لاسيما في الشق المتعلق بما شاع عن إمكانية حصول تعاون عسكري مع روسيا من خلال توقيع اتفاقات لذلك. إلا أن <بومبيو> ارتاح للشروحات التي قدمها الرئيس عون حول تصوره للعلاقات اللبنانية - الروسية وإطارها. وإذا كان <بومبيو> بدأ معظم لقاءاته في بيروت <متوتراً>، فإنه أنهاها كلها بابتسامات وزعها يمنة ويسرة على الذين التقاهم في زيارته السريعة الى بيروت التي استنتج منها أن الجميع في لبنان لا يريد علاقات مميزة مع ايران، ويضع ضوابط في وجه أي محاولة للتقارب الذي يقوم بها المسؤولون في الجمهورية الاسلامية الايرانية تجاه الدول العربية كافة.

 

نقل <بأمانة> توجهات <ترامب>!

في أي حال، أتى <بومبيو> ورحل بعد جولة سياحية ودينية وزوادة كبيرة مليئة باللقاءات قال خلالها ما طلب منه رئيسه <دونالد ترامب> ان يقوله للبنانيين، وهو وإن أصغى الى محدثيه يشرحون ويوضحون ويعلقون على كلامه، إلا أنه لم يبد أي استعداد للمناقشة المفيدة أو البحث في مقاربة الأفكار التي طرحها. صحيح أنه استمع، إلا أنه بالنسبة اليه فما هو مكتوب فهو مكتوب، وهو أراد أن يعبّر <بأمانة> عن توجهات الرئيس <ترامب> بأسلوب امتاز به نظراً لثقافته العسكرية والمخابراتية، كما الديبلوماسية. أما الرسائل التي أوصلها <بومبيو> بجرأة ووضوح وزرعت قلقاً في نفوس السياسيين والمسؤولين على حد سواء، فأبرزها ارتفاع منسوب التوتر على الساحة اللبنانية خصوصاً إذا ما ترافقت لاحقاً مع موجة جديدة من التصعيد أو التخوين لمجرد تباين الآراء والخيارات. كذلك فإن حصيلة جولة <بومبيو>، يتوقع منها بروز مزيد من التشدد في مواقف حزب الله في الكثير من الملفات السياسية والديبلوماسية بعيداً عما يؤدي الى إبراز حجم سيطرته على مقدرات البلاد ودوره الأمني والعسكري في سوريا واليمن، مع حرصه على الحد الأدنى من الهدوء والاستقرار لحماية الرعاية اللبنانية الداخلية التي يتمتع بها أياً كانت كلفتها في الإدارة الداخلية للشؤون اللبنانية والحصص المرتقبة في التعيينات الإدارية المقبلة.

ويخشى المسؤولون في لبنان من بدء تحضير مجموعة من التحركات للتعبير عن رفض جزء من اللبنانيين لمواقف <بومبيو> التي أعقبها مباشرة إثارة ملف طلب اسرائيل بضم الجولان المحتل الى الدولة القومية اليهودية. وثمة من قال إن صدور هذا الأمر بالنسبة الى الجولان لم يكن صدفة بل أتى على نحو متعمد مع وجود <بومبيو> في المنطقة مما يعزز وضع رئيس وزراء العدو <بنيامين نتنياهو> في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة. بحيث يحصل على المزيد من عوامل الدعم والقوة لاسيما لدى المتطرفين الذين يتطلعون الى الاستمرار في قيادة السياسة الاسرائيلية. ويرى المطلعون على أن المواقف التي صدرت عن <بومبيو> في جولته، و<تغريدة> الرئيس <ترامب> حول الجولان، حققتا بالنسبة الى رئيس وزراء اسرائيل الكثير من التقدم على خصومه في الانتخابات على رغم إدراك هؤلاء أن ما صدر من مواقف أميركية خلال الأسبوعين الماضيين <بروباغندا> لمصلحة المرشح <نتنياهو> وليس أكثر.

وعلى رغم الارتياح الذي عبّر عنه بعض القادة اللبنانيين لجهة الفصل بين مواقف بلاده من حزب الله وايران، وبين إبقاء المساعدات العسكرية للجيش والقوى الأمنية على حالها، إلا أن ثمة خشية من ان يتوسع نطاق العقوبات على شخصيات لبنانية مقربة من حزب الله وفق قانون جديد لتطوير العقوبات تعمل مجموعة من أعضاء الكونغرس على تحضيره بالتنسيق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وعليه، فإن ثمة من دعا الى ترقب مرحلة ما بعد زيارة <بومبيو> لبلورة نتائجها وعدم التسرّع في الترحيب بها أو رفضها، علماً أن ما صدر في البيان الذي ألقاه الوزير الأميركي في وزارة الخارجية شكّل <خيبة أمل> للذين راهنوا أن <بومبيو> آتٍ بمواقف معتدلة وداعية للحوار... ومتفهّمة للخصوصية اللبنانية. في المقابل هناك من يرى أن مفاعيل زيارة <بومبيو> انتهت مع انتهاء الزيارة لأن ما سمعه في لبنان لا يمكن أن تتجاهله الولايات المتحدة الأميركية التي من مصلحتها أن يبقى لبنان مستقراً وقادراً على استيعاب الخلافات الداخلية بالتزامن مع العمل على استمرار عودة النازحين الى بلادهم، لأن بقاءهم في لبنان لن يكون <نزهة> وأن ثمة صعوبات ستواجههم نظراً لما سبّبوه من ضرر للبنان على مختلف الصعد...

ويرى مراقبون أنه إذا ما أبدى <بومبيو> تمسكاً <موجعاً> بمواقفه المعدة سلفاً، كما البيان الذي تلاه، فإن زيارتــــه الى لبنان لن تبدّل في الواقــــع شيئـــاً، أما إذا استوعب ما سمعه من مضيفيه وأدرك بعض المعطيات التي كان يجهلها فإن مردود جولة رئيس الديبلوماسية الاميركية سيكون أفضل لواشنطن ولسائر الشعوب العربية ودولها.