تفاصيل الخبر

رسالة وجهها حبيقة الى دمشق بعد خلوة مع (رجل الأعمال) رفيق الحريري كانت سبباً لـ «الاتفاق الثلاثي»!  

08/01/2016
رسالة وجهها حبيقة الى دمشق بعد خلوة مع (رجل الأعمال) رفيق الحريري كانت سبباً لـ «الاتفاق الثلاثي»!  

رسالة وجهها حبيقة الى دمشق بعد خلوة مع (رجل الأعمال) رفيق الحريري كانت سبباً لـ «الاتفاق الثلاثي»!  

206391 بقلم صبحي منذر ياغي

   اعتبر البعض ان <الاتفاق الثلاثي> الذي وقعه الحزب التقدمي الاشتراكي، وحركة <أمل>، والقوات اللبنانية في دمشق يوم 28/12/1985 برعاية سورية، كان <النسخة الاولى> لـ<اتفاق الطائف> الذي وقع في المملكة العربية السعودية عام 1989، وان النظام السوري الذي تلقى ضربة من خلال انتفاضة القوات اللبنانية التي قادها الدكتور سمير جعجع ضد ايلي حبيقة في 15 كانون الثاني/ يناير 1986، لافشال الاتفاق وبالتنسيق مع الرئيس امين الجميل يومذاك، عاد ليمرر مضمون هذا الاتفاق، عبر <اتفاق الطائف> الذي جرت صياغته بالتنسيق والاتفاق مع الرئيس حافظ الاسد.

كان <الاتفاق الثلاثي> نتيجة للتقارب الذي بدأه ايلي حبيقة مع النظام السوري منذ صيف 1985 حيث اتخذ حبيقة قراره بتقوية علاقاته مع سوريا بعد مرحلة من الصراع العسكري معها، فزار دمشق عدة مرات وكانت زياراته تلك - كما يشير ميشال ابو عبود - احد مسؤولي القوات اللبنانية السابقين في دردشة مع مجلة <الافكار>، بمثابة تمرد على مبادىء القوات اللبنانية وأهدافها، وتخليه عن دماء الشهداء، خصوصاً الذين سقطوا بالقذائف والقنابل السورية، وكان هدف حبيقة ان يصبح الناطق الأول باسم الموارنة، وان يؤدي تقاربه مع سوريا الى الوصول لرئاسة الجمهورية في لبنان. وبرأي ابو عبود <ان انتفاضة القوات اللبنانية احبطت خطة وضع اليد السورية على لبنان، فعاد بعضهم من خلال ضرب القوات في معارك الالغاء يضعف العصب العسكري لهذه القوات بحيث مهدت هذه المعارك لوصاية سورية عانينا منها ما عانينا..>.

q14566رسالة الى دمشق

وكان ايلي حبيقة قد قال في سلسلة حوارات مع مجلة <الوسط> الصادرة يومذاك في لندن ان قصة <الاتفاق الثلاثي>، بدأت برسالة وجهها الى دمشق في ختام خلوة استمرت أياماً في منزل رجل الأعمال آنذاك رفيق الحريري في <دوردان> قرب باريس. وحصل لقاء تعارف مع عبد الحليم خدام ولقاء آخر في يوم توقيع الاتفاق. كان اللقاء جيداً، واللقاء مع ابو جمال سهل دائماً. في اللقاء الاول قال ما معناه انه كان يشك في ان تصدر عن فريق <القوات> خطوة متقدمة في اتجاه الحل. وخيمت في الواقع على كل اللقاءات آنذاك حصيلة التجارب بين القيادة السورية والرئيس امين الجميل ومحاولات الاتفاق المتكررة وما تخللها من مناورات، <لهذا ربما كانت هناك علامة استفهام حول قدرة فريقنا على الثبات في موقفه وعلى التزام ما يتعهده>.

واضاف: <بعد عودتي من دمشق التقيت جعجع وكان كريم بقرادوني قد سبقني إلى زيارته فور عودتنا وأبلغه ان الاجواء لم تكن جيدة. هذا ما عرفته لاحقا، وقد ابلغه ما معناه ان حبيقة ابرم اتفاقاً مع السوريين، ووضعك خارجه>.

وتابع حبيقة: <في الفترة التي كنا نتفاوض حول <الاتفاق الثلاثي> كان سمير يحاول، من تحت الطاولة، مد خيوط مع أمين بواسطة مخابرات الجيش التي كانت بقيادة العقيد سيمون قسيس. وبدأت عملية تنسيق بين (جماعة سمير) وفريق من المخابرات. وأرسل سمير في اتجاه أمين اشارات مفادها انه لا يؤيد العملية التي تحدث. هنا نشأت علاقات بين جعجع وفريق من الكتائبيين المؤيدين للجميل، وتحديداً ما كان يسمى سابقاً قوات-جعجع-أجهضت-الاتفاق<قوات الـ75> واقليم المتن الشمالي الكتائبي. وضع سمير هذه العلاقة على نار خفيفة في انتظار حصوله على ضمانات وتأكده من حصته، وأوحى اليه بقرادوني بأن وضعه ليس مضموناً فقرر سمير السير في علاقته مع أمين>.

عون أعدّ الجانب العسكري

 

وعن اللقاء مع الرئيس الراحل سليمان فرنجية قال حبيقة: <كان اللقاء جيداً، وقلت له يا فخامة الرئيس أنت قمت سابقاً بمحاولة وفاقية نحن نريد منك أن تساعدنا لانهاء هذه الحرب ونريد دعمك. وقد أبدى الرئيس فرنجية حماسه، فقد كان الرئيس فرنجية مهتماً بالتوجه العام وليس بالتفاصيل...>.

وقال حبيقة: <إن سقوط الاتفاق يرجع في جانب منه الى عدم تمكن <شريكه> العماد عون من القيام بما وعد به. انا كنت استبعد الحسم العسكري بسبب وجود هذا الشريك. كان عون مطلعاً على تفاصيل الاتفاق والى اين نذهب، وكان مطلعاً ايضاً على تحركات استخبارات الجيش وبدايات التنسيق بينها وبين سمير. والحقيقة ان لقاءات سرية كانت تعقد ليلاً بيني وبين العماد عون مرة في حالات، وأخرى في منزله، وكان الواحد منا قريباً من الآخر. والجانب العسكري في <الاتفاق الثلاثي> اعدّه عون وتسلمناه بخط الضابط فؤاد الاشقر وهو كان المسؤول عن امنه ومن اقرب الناس اليه وضابط التنسيق بيننا>.

جبران-تويني-ايلي-حبيقة-وميشال-سماحة  

ايلي سالم يتذكر..

اما نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق إيلي سالم فقد تذكر كيف <كانت سوريا في تلك الفترة قد بدأت هي ايضاً تبني جسوراً جديدة مع القوات اللبنانية بقيادة حبيقة، ولم تكد تحل نهاية ايلول (سبتمبر) 1985 حتى كانت اجتماعات القوات اللبنانية وحركة <أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي تعقد في دمشق بتشجيع من نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام. وكانت القوات اللبنانية ترغب في بحث المسائل الامنية كإزالة حواجز الطرق واطلاق سراح الرهائن. اما <أمل> و<التقدمي الاشتراكي> فكانا يرغبان في بحث الاصلاحات السياسية اللبنانية، ولا سيما مستقبل الطائفية السياسية>.

وأضاف: <في منتصف تشرين الأول/ اكتوبر عام 1985، سرت شائعات بأن زعماء الميليشيات توصلوا الى اتفاق على مجموعة من المبادئ الاصلاحية الرئيسية. واستُبعد الرئيس ورئيسا مجلس النواب ومجلس الوزراء من العملية برمتها. وانتهت محاولات الجميل لاختراق اسرار المفاوضات الى الفشل. وأخذ حبيقة يهيىء الطائفة المارونية لتقديم التنازلات التي قال انه “يقدمها من اجل لبنان لا من اجل هذا الحزب او ذاك. وكان الرئيس مهتماً بدخول العملية السياسية تلك.. وفي العشرين من ذلك الشهر غادر الجميل الى دمشق لعقد اجتماع قصير مع الرئيس السوري، ومن هناك طلب مني الحضور والاجتماع بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي ابلغني ان زعماء الميليشيات الثلاثة بري وجنبلاط وحبيقة سيتوصلون الى اتفاق في شأن وثيقة مشتركة. وسيُعقد مؤتمر وطني في دمشق للموافقة على تلك الوثيقة، وستُشكل حكومة لتنفيذ بنودها، وسيكون دور السوريين حفظ السلام في انحاء لبنان حتى لو كان ذلك على مستوى المراقبين>.

 وقال خدام: <ان الطرف السوري اتفق مع الجميل على تأليف حكومة من أربعة وعشرين وزيراً، لكنه بدلاً من ذلك شكّل حكومة من عشرة وزراء نصفهم بلغ سن الخرف. مع ذلك نحن ندعم الجميل ونقول لحلفائنا اننا لن نجبره على الاستقالة. والعملية الدستورية يجب ان تأخذ مجراها، والرئيس الجميل يجب ان ينهي فترة رئاسته. والموارنة لن ينعموا بالامن اذا اصروا على الاحتفاظ بامتيازات الماضي. وليس في وسع سوريا ان تدعم الطائفية. وبري وجنبلاط وحبيقة لا يزالون شباباً، وعندهم افكار جريئة ويهدفون الى الغاء الطائفية. وحبيقة رجل ذكي. ولن نبحث مع الرئيس الجميل او معك (أي مع حبيقة) الآن محتوى الوثيقة التي يجري اعدادها. وحين تنتهي سنرسلها اليكم للتعليق عليها، وفي امكانكم حتى طرحها في استفتاء شعبي>.

 

خدام-. مواجهة حبيقة

وكان الموارنة يتضايقون من تحركات حبيقة في سوريا، وأخذ حزب الكتائب بزعامة جورج سعادة يدرس امكانية مواجهة حبيقة عسكرياً اذا دعت الضرورة، لكن اسهم حبيقة كانت على ارتفاع متزايد، وأطلق السوريون سراح واحد وثلاثين رهينة من المسيحيين ليظهروا لمسيحيي لبنان ان حبيقة قادر على تحقيق مكاسب لطائفته. ويوم السبت في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1985 وصل من دمشق اللواء محمد الخولي مبعوثاً من الرئيس الاسد حاملاً وثيقة الاتفاق.

كانت الوثيقة التي تسلمناها من الخولي مؤرخة في 26/10/1985. وجاء في ملحوظة بخط اليد على صفحتها الاولى انها حظيت بموافقة الاطراف الثلاثة: القوات البنانية و<أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي، وانها قرئت كاملة بحضور مروان حمادة وأكرم شهيب عن التقدمي الاشتراكي ومحمد بيضون عن حركة <امل>، وأسعد الشفتري وميشال سماحة عن القوات اللبنانية، وبشهادة عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري الذي وقّع عليها. وكانت وثيقة <الاتفاق الثلاثي> المعنونة: <مشروع اتفاق من اجل الحل الوطني في لبنان> مؤلفة من خمس وعشرين صفحة ومقسمة الى الفصول الآتية: مقدمة، مبادئ عامة، المبادئ الأساسية للنظام السياسي، الفترة الانتقالية، العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا وملحق خاص بانهاء الحرب. وأبرز ما في هذه الوثيقة، التي عُرفت لاحقاً باسم <الاتفاق الثلاثي> انها دعت الى ايجاد “تكامل استراتيجي بين لبنان وسوريا وتعاون وثيق في مختلف المجالات، كما انها دعت الى توقيع اتفاقات امنية واقتصادية وفي مجالات عدة بين لبنان وسوريا. وعلى الصعيد الداخلي اقترحت الوثيقة تعديلات جذرية في النظام اللبناني ومنها الغاء الطائفية.

 

.. ووقّع الاتفاق

amin-jmail2

وفي الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 1985 وقع بري وجنبلاط وحبيقة <الاتفاق الثلاثي> بإشراف سوري. وأعلن السوريون والزعماء اللبنانيون الثلاثة على الفور ان على الجميع قبول الاتفاق المنجز من دون اي تعديل. وجرت فور ذلك ايضاً محادثات حثيثة لتشكيل حكومة لبنانية جديدة من اوساط الفرقاء موقعي الاتفاق أو الشهود في دمشق.

وأعلن كل من رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، ورئيس مجلس الوزراء رشيد كرامي تأييدهما الاتفاق الجديد على رغم انهما لم يكونا طرفين فيه. وكان الجميل لا يزال يأمل في ادخال تعديلاته على نص الاتفاق الجديد خلال لقائه المرتقب مع الاسد. يوم الاثنين في الثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر 1985 قدم فاروق الشرع وزير الخارجية السوري <الاتفاق الثلاثي> في نصه المعدل الجديد الى الرئيس الجميل. وكان يحمل ايضاً دعوة عاجلة للقاء الرئيس الاسد ووافق الرئيس على مضض. وكان يعلم ان الاسد سيضغط عليه لانتزاع موافقته على النص الجديد من دون ادخال اية تعديلات عليه.

 

الاتفاق وشرارة الزلازل

وبرأي الباحث محمد عبد الله، ان <الاتفاق الثلاثي> عام 1985 كان شرارة الزلازل الكبرى التي دهمت المعسكر المسيحي بفعل الانتفاضات المسلحة على خلفية التحكم بالقرار المسيحي من خلال العلاقة بسوريا. وبدأ الصدام المسيحي في تلك الحقبة بانتفاضة ايلي حبيقة داخل القوات اللبنانية، وكان ميشال سماحة انتقل الى معسكر حبيقة، وافضى الامر الى ابرام <الاتفاق الثلاثي> كاتفاق انقلابي على عهد الرئيس امين الجميل والجبهة اللبنانية، لكن الانتفاضة المضادة لسمير جعجع عليه اجهضته، وأسقطت جناح حبيقة واخرجته من “المناطق الشرقية>. كان الفعل العسكري والامني آنذاك ينذر بمرحلة حربية مدمرة جرجرت ذيولها الى نهاية عهد الرئيس الجميل، وبنشوء الفوضى التي حذر منها الموفد الاميركي <ريتشارد مورفي> وصولاً الى ذروة الزلزال المسيحي في <حرب الاخوة> بين العماد ميشال عون وسمير جعجع.

 

تكريس النفوذ السوري

 

فيما رأى نزيه حداد (مسؤول سابق في حزب يميني) ان سوريا حاولت من خلال هذا الاتفاق تكريس نفوذها الواقعي في لبنان، من خلال ما نص عليه <الاتفاق الثلاثي> حول <التكامل الاستراتيجي> بين لبنان وسوريا. وفي مجال السياسة الخارجية، نص الاتفاق على <تعاون تام وثابت في كل القضايا العربية والإقليمية والدولية>. وبالنسبة للعلاقات العسكرية، نصّ على <أن لا يكون لبنان باباً تستطيع اسرائيل من خلاله توجيه ضربة الى سوريا أو تهديدها>.هذا إضافة الى بقاء مواقع سورية في لبنان، و<تحديد مشترك لأهم التهديدات لأمن واستقلال نظامي البلدين>. كذلك نصّ الإتفاق على إعادة تأهيل الجيش بمساعدة سوريا. وهكذا برزت من خلال <الاتفاق الثلاثي> حقيقة إرادة السوريين من لبنان والمتمثلة في تنسيق موحّد وشامل في السياستين اللبنانية والسورية الخارجية والأمنية تحت هيمنة سورية.

حبيقة

فرح: الخيار الأسلم للبنان

 

المستشارة الاعلامية السابقة للوزير حبيقة والامين العام لحزب <الوعد>، ريما فرح اعتبرت في مقابلة صحفية، ان خيار حبيقة بقبوله <الاتفاق الثلاثي> كان الخيار الأسلم للبنان، من اجل تحقيق الاصلاحات والمساواة وهو يساعد المسيحيين بالدرجة الاولى. وروت واقعة عندما ابلغ حبيقة المجتمعين في بكركي عام 1985 بأنه ذاهب الى سوريا ليوقع اتفاقاً، حيث قال: <فالمسيحيون ما زالوا يلبسون ثياباً عسكرية ويحملون البنادق، اخاف ان يأتي يوم اسوأ منه قد نضطر فيه الى توقيع اتفاق من دون بندقية ومن دون ثياب.. انا ذاهب لتوقيع اتفاق اذا تبين لخير المسيحيين يقطف الجميع ثماره، واذا فشل انا اتحمل نتائج تبعاته>.. وتؤكد فرح بأن الرئيس كميل شمعون كان من بين الحضور اضافة الى المدير الرسولي المطران ابراهيم الحلو وعدد من اركان الطائفة المارونية..

وتضيف فرح: <لو انخرط المسيحيون بـ<الاتفاق الثلاثي> لكانوا وفروا خمس سنوات من الحروب بعد ذلك لتمرير <اتفاق الطائف> الذي هو صورة طبق الاصل عن <الاتفاق الثلاثي>، ووقتئذٍ كانت موازين القوى لصالح المسيحيين...>.

سقط <الاتفاق الثلاثي> عام 1985... وعاش <اتفاق الطائف> عام 1989، واغتيل الوزير حبيقة في كانون الثاني/ يناير 2002. .. وما زال لبنان يعيش صراعات داخلية وإشكاليات دستورية لم تجد حلاً... وما زال يشهد تسويات واتفاقات لاشكاليات سياسية وأمنية لا تنتهي...