تفاصيل الخبر

رسالة الى أبي بعد عام على رحيله!

09/04/2020
رسالة الى أبي بعد عام على رحيله!

رسالة الى أبي بعد عام على رحيله!

بقلم رجاء عمر مسيكة

 مرت سنة على رحيلك يا أبي والشوق يقتلني. مر الوقت وتغير العالم من حولي..فقد كسر رحيلك ظهري وأضعت وجداني وتملكني الحزن وشغل ذكراك فكري وقلبي وعقلي، ولكنني مع الوقت تعلمت أن أحيا وأنا متمسكة بك في ذاكرتي وذاكرة أولادي يومياً كي أستطيع أن أكمل مسيرتي في هذه الحياة.

يعرفك الناس بالرجل الخلوق الشهم ذي المبادئ العالية، الرجل السياسي الذي بنى نفسه بنفسه متكلاً على علمه وشهاداته وكفاءاته، واضعاً مصلحة الوطن والبلد دائماً فوق كل اعتبار. كسائر أنواع الناس، أحبك البعض وحسدك البعض الآخر وحاربك ثالثهم، ولكن رغم كل التحديات، لم يغير المركز مع كل صلاحيته صفاتك اللبقة ومبادئك وإيمانك بالله عزّ وجل. فقد أكملت مسيرتك المهنية بكل كفاءة بعيداً عن الخطأ، مثابراً على محبة الوطن وحمايته.

 هذا هو عمر كما عرفه العالم، ولكن عمر كما أعرفه أنا، فهو عمر الأب. كيف لي أن أكتب عنك ومن أين أبدأ؟ يعجز قلمي عن إنصافك بكل صفاتك، ولكنني سأحاول أن أعبر لك عن ما في قلبي من أفكار.

 من أنت بالنسبة لي؟ أنت عمر الأب العطوف، اللطيف، الحنون، الصبور، المرح، المثابر، الصارم، الطيب الصادق وغيرها من الصفات المتعددة...

 يعجز قلمي عن انصافك بكل ميزاتك...فقد كنت صارماً عند الحاجة، ولكنك كنت دائماً متميزاً بمعاملتك لنا وبمعالجتك للأمور. ما ميزك عن غيرك بالنسبة لي كان حوارك معنا وطريقتك في الحوار. فقد كنت تعارضني أحياناً في أفكاري ولكنك كنت تفتح لي دائماً باب الحوار وسمحت لي بالتعبيرعن رأيي منذ صغري.

 كنت توافقني في آرائي أحياناً وتعارضني تارةً أخرى، ولكنك لطالما كنت تحترم أفكاري، وكنت تنصحني دائماً وتقبل بنصائحي. كما أنك كنت تستمع الى آرائي إن نصحتك حين أوافقك أو أخلفك في رأيك، وكنت تعدل عن رأيك إذا أقنعتك برأيي... أتعلم كم أعطيتني من أهمية وثقة بالنفس منذ صغري يا أبي؟ فقد كنت عقلانياً بفكرك محترماً لآرائك وآراء غيرك مهما كان عمرنا أو حجمنا أو مركزنا منذ صغرنا...

 فقد احترمتنا وصنعت لنا بشخصك مثالاً لأخلاق وصفات الأب المميز والفريد من نوعه...فقد كنت مزيجاً من القوانين الصارمة، متمسكاً بمبادئك ولكن مشاعرك الطيبة وحنانك ولطفك وعطفك علينا أنا وأخوتي وأمي كانت طاغية في عينيك.

 فقد كنت حنوناً على عائلتنا الصغيرة والكبيرة دائماً وكنت دائماً جامعاً لنا. لقد كنت شعلة من المشاعر الجياشة وقد ملأت عالمي كله بوجدانك وحضورك الجميل. فقدانك أبي أحزن وأتعب قلبي، ولكنك شحنته لي ولإخوتي بذكريات كثيرة لتملأ حياتنا حتى آخر عمرنا...صحيح أنك بعيد عن العين ولكنك ما زلت تعيش في قلوبنا دائماً. يوم مرضت، قلت لنا: "سوف أموت لا تبكوا ولا تحزنوا سأكون بخير وستكونون أنتم بخير بإذن الله، لا تخافوا".

 مضت الأيام واشتد المرض. وكل ما كان يدور في خاطري سؤال واحد: "لماذا يا ربي؟ دعه يموت بلا عذاب". وكنت أقول لنفسي: "أستطيع أن أحتمل رحيله ولكنني لا أريد أن أراه يتألم". مرّ الوقت فما كان مني إلا أن أدعو ربي لك بالرحمة.

 فمرضك يا أبي علمني معنى قول الله الكريم: "كل نفس ذائقة الموت" و"إن الله غفور رحيم". حين كنت أتساءل عن حكمة ربي، كنت أنت تقول طوال فترة مرضك: "الحمد لله على مدار الساعة". حين شككت في حكمة ربي، كنت ورغم مرضك تعلمني درساً جديداً: "لا تقنطي من رحمة ربك".

 ورغم ألمك، كان همك الوحيد إقامة الصلاة، وتلاوة القرآن، والتأكد من تماسكنا كعائلة بعد رحيلك بسلام.

 كيف علمت يا أبي أن ربي كان يلطف بك وبنا معاً؟

 كيف علمت أن الله بتمديد حياتك، رغم مرضك، كان يعطي كلاً منا الوقت لتقبل الرحيل، وراحة الضمير وغسل الذنوب؟ كان إيمانك يا أبي بحكمة الخالق عميقاً لدرجة أنك أريتني معنى كلمة الإيمان بكل أشكالها، وخصوصاً عند الامتحان.

 كم اشتقت إليك يا أبي وكم يزيد حبي لك مع مرور كل يوم منذ غيابك.

 الحمد لله الذي أنعم عليّ بك لتكون أبي أنا.

 الحمد لله الذي حنّ عليّ طوال فترة مرضك لأقول لك إنني أحبك يا أبي عدة مرات في اليوم وأقبل وجنتيك ويديك.

 الحمد لله الذي أعطاني الوقت لأودعك ولكي ترضى عني وعن إخوتي.

 والحمد لله الذي أكرمني لأرى إيمانك وأقتدي به بإذن الله لآخر عمري.

 لقد رأيت بعينيّ وأحسست بقلبي نعمة ربي عليّ بجعلك أبي. أنا فخورة جداً أنك أبي يا عمر وأنني ابنتك، كما أنني أرفع رأسي فخورة أن هذا الـ"عمر" المتميز هو أبي وهذا فخرٌ أبدي لي لمدى حياتي.

 أحبك يا أبي البارحة واليوم وغداً وأتعهد لك مهما حييت أن أمشي على عهدك ووعدك..عائلة واحدة متماسكة متضامنة محبة لبعضها البعض كما ربيتنا أنت وأمي.

 ليكن مثواك الأخير الفردوس الأعلى من الجنة، وأرجو الله عز وجل أن يجمعني أنا وعائلتي وأمي وأخوتي وأولادنا وأزواجنا وأقاربنا جميعاً بك في الفردوس الأعلى من الجنة.

 رحمك الله يا حبيبي الأول والأبدي والحمد لله رب العالمين دائماً.