تفاصيل الخبر

رولا الخطيب والدة سارة: ارادت طالبة الصيدلة مثالاً تحتذي به في وضعها ولم تجد...فقررت ان تكونه هي!

04/01/2019
رولا الخطيب والدة سارة: ارادت طالبة الصيدلة مثالاً تحتذي به في وضعها ولم تجد...فقررت ان تكونه هي!

رولا الخطيب والدة سارة: ارادت طالبة الصيدلة مثالاً تحتذي به في وضعها ولم تجد...فقررت ان تكونه هي!

 

بقلم عبير انطون

شدنا الاعلان عن العمل <المونودرامي> لكاتبته ومخرجته ومؤديته المسرحية حنان الحاج علي، والذي حاز حفاوة وجوائز عالمية، الى كشف النقاب عن الجمعية التي خصصت لها ريع عملها في <مسرح المدينة> في بيروت مؤخرا. ربما يجوز ربط معنى العنوانين <جوغينغ> او رياضة الهرولة التي اختارتها الحاج علي عنوانا لمسرحيتها، و«لوك فورورد> اسم الجمعية التي اختارت من جانبها النظر الدائم الى الامام مهما اشتدت الصعوبات وقست.

في <جوغينغ> الحاج علي المواجهة هي العنوان، مواجهة فلسفية وإنسانية مع الألم المطلق، مع الأمومة، الموت، القتل والشهادة والاسئلة المفتوحة... وفي <لوك فورورد> سارة الخطيب مواجهة حسية واقعية مع قدر كشر عن انيابه كوحش كاسر فروّضته الى ان ارتاحت انّ من بعدها من سيحمل المشعل... فما هي قصة سارة الخطيب البطلة التي تحدت حتى وصلت الى سنتها الرابعة في الصيدلة وقررت ان تكون مثالا يحتذى في جامعتها <ال اي يو> حيث تأسست منحة جامعية باسم <سارة الخطيب للالهام>، وهي جائزة عبارة عن منحة يتم منحها سنويا في الجامعة اللبنانية - الاميركية لخريج منها يواجه عقبات ويظهر موقفا ايجابيا وقد يؤثر على الآخرين كونه قدوة للشجاعة والتصميم والتحمل والأمل في مواجهة العقبات، مع الحفاظ على المعايير الأكاديمية العالية، هذا فضلا عن جمعية تحمل اسمها.

 من والدتها رولا كانت القصة الكاملة لـ<الأفكار>.

عرفت سارة مرض السرطان لمرتين في حياتها تقول رولا. في الاولى كانت بعمر الأربعة أشهر، لكنها حاربته وتجاوزت جميع الصعوبات التي نتجت عنه، وعاشت حياة سعيدة وايجابية، متميّزة بقدرة فائقة على التحمل والمواجهة. لم تدع اية مشكلة تحول دون تحقيق طموحاتها في الحياة. كبرت وتعافت، لكن وبعد ستة عشر عاما تم تشخيص ورم حميد تكرر للأسف الى ان تحوّل في المرة الثالثة الى <ساركوما> اي سرطان عظم خبيث وعدائي جدا لم يستجب الى اي نوع من أنواع العلاج.

 لما علمت سارة بضرورة العلاج كانت ردة فعلها الأولى: <لا بأس، لكن لا يمكن لأي امر ان يردعني عن مواصلة تحصيلي العلمي>، وكانت تلميذة صيدلة في سنتها الرابعة في الجامعة اللبنانية - الأميركية في جبيل. طلبت تنسيق أوقات العلاج الكيميائي بشكل لا يتعارض وفترات دراستها الجامعية حتى تتخرج مع اصحابها مرددة <سأجعل جامعتي فخورة بي>. لقيت تجاوبا كبيرا من طبيبها الدكتور زياد سالم وباتت تتلقى العلاج خلال عطلة نهاية الأسبوع. مرت فترة، اضطر الاطباء للأسف الى بتر يدها اليمنى. لا استطيع الادعاء، تقول رولا، ان خبر البتر كان سعيدا بالنسبة لها، لكنها لم تستغرق وقتا طويلا حتى وقفت من جديد مستعيدة قوتها واكدت لنفسها ولمن هم من حولها انها ليست نهاية العالم، ولن تُسرق منها الطموحات والاحلام. وبعد اسبوع من بتر يدها كانت في جامعتها في جبيل تكمل دراستها متجاوزة تحدياتها. لم تعرف الاستسلام اذ قررت هي بنفسها، ان سارة الخطيب لن تكون بحياتها ضحية السرطان او البتر لاحد أطرافها.

وتتابع الوالدة:

- أكملت سارة دراستها بتفوق ولم تضع حدا لطموحها على الرغم من صعوبات العلاج الكيميائي ومضاعفات البتر، خصوصا وان الأمر يتطلب من الأطباء وصف علاجات لما يسمى بـ(فانتوم بين Phantom pain) وهي آلام يعرفها من خضع لبتر عضو في جسده. إلى هذه الآلام، بات وجع السرطان غير محتمل ولم يكن اي نوع من الادوية يهدئ منه، وعلى الرغم من كل ذلك، استمرت سارة حاملة راية الأمل وتفوقت وسافرت الى <فونتينبلو> جنوب شرق باريس عند اختها نجلاء، وترافقتا ايضا لمشاهدة عرض فرقتها المفضلة <كولد بلاي> وكان من بين أمانيها أن تشاهدها. سافرت مع عائلتها وعاشت كل لحظة في حياتها على أكمل وجه. هي طبعا كانت تحلم بأن تتخرج في اختصاص الصيدلة لكن للاسف حلمها لم يتحقق بحمل شهادتها النهائية وغادرتنا قبل ذلك. كان آخر حلم حققته سارة الـ<تيديكس توك 3 TEDx Talk> في 23 آب/ أغسطس 2014، وهي عبارة عن دروس أربعة شاركت الناس بها، وتحدثت فيها كيف واجهت وكيف استمرت وكيف تمسكت بالحياة. كانت دروسا تشع منها قوتها وايجابيتها وسبل مواجهتها للمرض حتى آخر لحظة.

ــ ونسأل رولا : من اين استمدت تلك القوة، الم ينضب نبعها وهي تعاني منذ طفولتها؟

 - مستعيدة السؤال من جديد، تجيب رولا بعد تنهيدة عميقة: استمدت قوتها من طريقتها في التعاطي مع التحديات. سارة وأنا أم سارة التي فقدت ابنتها لديها واحد من خيارين، إما التخلي عن وجود تحديات الحياة الرئيسية أو إيجاد طريقة لمواجهة تحدياتنا والاستمرار في النظر والمضي قدما. الأهم هو أن تتحول خسارتنا الى تأثير في حياة آخرين.

وتكمل رولا:

- في نهاية <Ted X> شاركت سارة حلمها في تأسيس مجموعة دعم لمبتوري الأطراف للالتقاء والتحدث وتبادل الخبرات. جاءت الفكرة من الحاجة إلى إيجاد نموذج يحتذى به والحاجة إلى إيجاد وسيلة للناس للالتقاء والتعلم من بعضهم البعض.

وأضافت:

- المشاركة هذه عبر الدروس انطلقت من حاجة، إذ لطالما قالت سارة: أفتش عن مثل أعلى أقتدي به أكان شخصاً عانى من السرطان او فقد احد اعضائه، ولم تكن تجد فارادت ان تكونه لغيرها. من هنا كانت فكرتها تأسيس فرق دعم لمصابي السرطان و /او لمبتوري الأطراف، حتى يجتمعوا ويتعلموا ويتشاركوا التجارب والمخاوف، وانطلاقا من هنا دعت سارة كل من عانى جراء ذلك الى لقاء جامع في لبنان. للاسف تركتنا بعد اسبوعين من <تيدس توك> وادعوكم لمشاهدتها عبر <اليوتيوب> الخاص بالامر، ومنها تتعرفون عن اي نموذج من الصبايا الـ<سورفايفر> أتكلم.

وتضيف رولا:

- كان السرطان منتشرا في كل جسدها فيما الابتسامة تعلو وجهها. وبعد اسبوعين من وفاتها اسست اختها نجلاء <جمعية لوك فورورد> لأنها تشبه سارة وترمز الى نضالها ونظرها الدائم الى الأمام.انطلقنا بالجمعية في العائلة محاولين جعل الحلم حقيقة، اما الأهداف فعديدة ويمكننا ايجازها كالآتي:

 - التواصل مع مدربين، منهم مرضى سرطان تعافوا من المرض، وغيرهم من مبتوري الأطراف، أو فاقدي أي من أعضائهم، ليكونوا بمثابة موجهين خلال رحلة المرضى الحاليين.

 - تنظيم جلسات افرادية بين المريض ومندوبين طبيين للجمعية للإجابة عن كافة التساؤلات.

 - تنظيم جلسات جماعية لخلق الثقة بالنفس وتطوير الذات مثل ندوات الحوار، ونشر حالات الشفاء من مرض السرطان وغيره.

 - تنظيم نشاطات جماعية لخلق روح التضامن مثل عروض سينمائية، نشاطات ترفيهية وجلسات حوارية.

- توفير الامكانية لنشر وتعميم قصص المرضى ليصبحوا بدورهم مدربين لغيرهم.

- تنظيم جلسات استشارية مجانية مع اختصاصيين.

- توفير الاطراف الاصطناعية.

ومن اهم خدماتنا زيارة للمستشفيات وبيوت محاربي السرطان لدعم الاشخاص وعائلاتهم خلال فترات المرض والعلاج.

وتشرح رولا:

 - كانت الفكرة بدايةً دعما معنويا لمبتوري الاطراف ومحاربي السرطان وعائلاتهم، والحمد لله أننا وصلنا الى مرحلة نقدم فيها اطرافا اصطناعية للمحتاجين اليها، وقد بدأنا بالأطراف السفلى. والجدير بالذكر ان مهمة جمعية <لوك فورورد> لا تنحصر في تأمين الاطراف لمصابي السرطان وحدهم، إذ ان فتاة اسمها <لولو> وفتاة أخرى في الحادية عشرة من نهر البارد حصلتا عليها، كذلك استفاد منها فتى في الخامسة عشرة من عمره خسر رجله في حرب حلب وهرب الى لبنان، فضلا عن المنقذ في الدفاع المدني حسن جبيلي الذي خسر رجليه الاثنتين وهو يخلص أشخاصا في حرب تموز/ يوليو العام 2006... لقد بدأنا بالتعاون مع <شركة كورية ناشئة> <Mandro Hand> تصنع الاطراف الاصطناعية المتطورة وقد استفاد منها اثنان حتى الآن بانتظار ثلاثة آخرين، وعبر مجلتكم نطلق نداءً لكل شخص مهما كانت جنسيته وبحاجة لطرف اصطناعي ان يتصل بنا للعمل على مساعدته في الحصول عليه.

وتزيد:

- لم نتخيل يوما منذ ثلاث سنوات اننا سنستطيع تأمين هذه الاطراف، وهنا ادعو كل شخص أن لا يضع سقفا لما يمكن بلوغه يوما ما. نحن سعيدون اننا وصلنا الى هذه المرحلة وبات بامكاننا الدعم المادي حتى لمحاربي السرطان من خلال التكفل بفحوصات طبية مكلفة قد لا تتحملها بعض الجمعيات فضلا عن الخدمات الطبية الأخرى، وكذلك نؤمن بالتعاون مع العديد من المنظمات غير الحكومية فنستكمل خدماتها من خلال توفير الدعم الطبي أحياناً لبعض المرضى. هدفنا ان نستمر ونتكامل، حتى يستمر حلم سارة بابتسامتها وارادتها وكأنها تدلنا على الطريق.

 

من زجاج... وحميم...!

 

ــ اين تعقد لقاءات <المحاربين> للمرض، نسأل رولا فتجيب:

 - في اغلب الاوقات نحجز قاعة محاضرات في <كاليه كافيه> في منطقة مار مخايل. تعنينا جدا هذه القاعة وهي من الزجاج ننظر منها الى الخارج فنشعر باننا بين الناس وفي الوقت عينه هو مكان خاص وحميم... وقد تم تصميم جلسات المجموعة الداعمة الأولى لمبتوري الأطراف من جميع الفئات العمرية، وتم تسهيلها من قبل دارين باربار وهي إحدى الناجيات من السرطان، والتي فقدت ساقها منذ سنوات عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها. كانت تجربتها مهمة جدا شاركتها عبر مجموعة الدعم فاعطت الخبرة في التعاطي مع واقعها الى الآخرين، وقد أصبحت الملهمة لعديدين بينهم مثلا <لولو> التي تبلغ 13 عاما الآن، وهي مصابة بالسرطان ايضا وتشكل دارين مثالها الأعلى اذ كل حلمها ان تحقق ما حققته دارين التي أصبحت الآن مدرباً شخصياً ومتحدثاً تحفيزياً.

وزادت رولا:

- كما قمنا بتنظيم جلسة دعم جماعية أخرى لمبتوري الأطراف للالتقاء والتحدث بالتنسيق مع <ARTICHOKE> وقد تم تيسير هذه الجلسة من قبل ميرا سعد وهي اختصاصية في الفن ومنال الشافعي وهي معالجة نفسية للعائلة، كذلك تم تنظيم جلسة أخرى لمرضى السرطان والناجين في عيادة <ACTIVE HEALTH> بالتنسيق مع شادي حاتم، وهو اختصاصي في العلاج الطبيعي ومدرب شخصي لتشجيع محاربي السرطان على القيام بنشاط بدني خلال علاج السرطان وبعده.

وأضافت رولا قائلة:

- المجتمعون يتشاركون التجارب في دينامية رائعة تجعلنا نرى بأم العين الى اي مدى كانت سارة مصيبة في فكرتها بانشاء مجموعات الدعم هذه لان الطاقة التي يمدون بها بعضهم البعض أساسية.

 وتشرح أكثر:

- نحاول ألا تتجاوز مجموعة الدعم <Support Group Session> الاشخاص العشرة لترك المجال لكل منهم التعبير والكلام عن قصته ومواجهته فُيسمع له.

بحاجة؟ اتصل!

 تمويل الجمعية والتبرعات لها انطلقا مما كانت سارة تحبه، تقول رولا، وهي حفلات أربع على مدى اربع سنوات بدأناها بحفلة أغنيات لفرقة <كولد بلاي> المفضلة لديها. وفي السابع عشر من كانون الاول (ديسمبر) كانت مسرحية <جوغينغ> التي قدمتها المخرجة والممثلة حنان الحاج علي، وهي مسرحية جابت حنان بها العالم وحازت عنها <جائزة فيرتيبرا> لأفضل ممثلة في <مهرجان فرينج ادنبرة> 2017 وكان الريع لـ<جمعية لوك فورورد>.

الحماسة التي تتحدث بها رولا عن الجمعية وارادة سارة جعلتنا نسأل الام التي فقدت ابنتها وتلاقيها يوميا عبر رسالتها:

ــ ألم تتعبي والرحلة كانت منهكة وطويلة؟

فتجيب:

- عندي اوقاتي الصعبة طبعا، لكنني أتعب لو شعرت بأنني فقدت سارة نهائيا، كذلك كان يجب ان أستمر أيضا كرمى لنجلاء ابنتي، أخت سارة. انا ام الاثنتين. خسرت سارة جسديا لكن ذكراها لن تمحى حتى آخر نفس من عمري، وعلى الرغم من أن الدنيا لن تعود كما كانت من قبل <We Will Always Have a Before and After>، نريد ان نرسخ ذكراها وننشر رسالتها محاولين أن نخفف من خسارتها... وبعملنا من خلال الجمعية نشعر فعلا انها ما زالت بيننا.