تفاصيل الخبر

”رحلــــة خارجـــــة عــن المألــــــوف“... جـســــر مــــن الصـــــور بـيــن قـصـــر فـــرنـسي تـاريخـي وبـلــدة شوفـيـــة مـمـيـــــزة!

26/10/2018
”رحلــــة خارجـــــة عــن المألــــــوف“... جـســــر مــــن الصـــــور بـيــن قـصـــر فـــرنـسي تـاريخـي وبـلــدة شوفـيـــة مـمـيـــــزة!

”رحلــــة خارجـــــة عــن المألــــــوف“... جـســــر مــــن الصـــــور بـيــن قـصـــر فـــرنـسي تـاريخـي وبـلــدة شوفـيـــة مـمـيـــــزة!

بقلم عبير انطون

ما الذي يجمع ما بين قصر <Bois Charmant> الفرنسي التاريخي وبلدة <معاصر الشوف> في لبنان؟ اين القواسم المشتركة لكليهما وأين الاختلاف؟ من اية زوايا تم التعاطي مع المكانين المتباعدين وما الذي جمعهما؟

ثمانية عشر طالبا من <L’ecole de l’image - Les Gobelins – Paris> ومن الاكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة <البا> جامعة البلمند، ومن خلال مشروع الشراكة بين الجامعتين قاموا بتجربتين مختلفتين، واحدة في قصر <بوا شارمان> الفرنسي امتدت على ايام شهر ايار/ مايو المنصرم وأخرى في لبنان من الرابع حتى الثامن من شهر تشرين الأول/ اكتوبر الحالي في بلدة <معاصر الشوف>، وقدموا في معرض صور لهم انطباعاتهم عن الزمان والمكان المحيط والاشخاص. جرى المعرض الاول للصور في فرنسا، في القصر تحديدا، وفي محيطه حيث الغابة الرائعة للقصر العائد الى القرن السادس عشر في منطقة <لي نوييه> وحيث لا يتجاوز عدد السكان الستمئة نسمة، اما المعرض الثاني للصور فقد جرى في <المركز الثقافي الفرنسي> في بيروت... فماذا تضمّن المعرض، وماذا عن <جسر الصور> بين البلدين؟ ما الذي ميّز عمل الطلاب وكيف شرحوا اعمالهم؟

<الافكار> حضرت افتتاح المعرض وألقت الضوء...

  غالبية الصور المنتشرة على جدران قاعة العرض في <المركز الفرنسي> مختارة من اقامة الطلاب في <معاصر الشوف>، فهذه تلف جدران الصالة الفسيحة. لكن وقبل الدخول في تفاصيلها استرعت انتباه زائري المعرض كلهم تقريبا صور ثلاث تميّزت بأنها من خارج السياق، وقد اختلفت عن البقية من حيث ألوانها واللغز الذي تحمله. اقتربنا منها لنقف عند ما تمثله، فاذا بملتقطة الصور الطالبة الفرنسية <لورلين رينو> تشرح بـأن هذه اتخذت بالقرب من مكان مخصص <للمركز الوطني لعلوم الفضاء> <CNES> في فرنسا حيث كتبت على مدخل المكان عبارة <منطقة تجريبية - ممنوع الدخول>. التنبيه لم يمنع الحشرية الفنية للطالبة واصدقائها من التقاط الصور فاذا بهم يصورون ضوءا أزرق غير معروف المصدر يخيم على المكان من دون ان يدركوا ماهيته، وما اذا كان هذا الضوء جهاز مراقبة او انذار او تدخل من قبل الجيش ام انه فقط لالتقاط تفاعلهم مع ما يرونه... اللغز ترجمته الصور بطريقة ولا أروع!

 

الالفة مع المكان...!

 

من المنطقة الفرنسية الممنوع تجاوزها، انتقلنا لنبدأ جولتنا مع صور <معاصر الشوف> في رحلة وصفها الطلاب الـ18 <بالرحلة الخارجة عن المألوف> فجعلوا العبارة عنوانا للمعرض، وذلك بمواكبة من استاذيهم <جيروم جيهيل> (غوبلان) وجيلبير حاج <البا>.

اول ما قام به الطلاب هو ان تآلفوا مع المكان. قاموا برحلات تعارف مع اهل المنطقة وسكانها، كما مع المناظر الطبيعية المحيطة وتقدموا بالتقاط صور تعكس ما شعروا به، ما اكتشفوه، ناقلين مشاعرهم واحاسيسهم عبرها...

بيرنار بو عاصي، واحد من هؤلاء الطلاب، ينقل الينا مشاهداته عن <معاصر الشوف> الغنية بالأشجار لاسيما اشجار الأرز والصنوبر. يقول ان الكثير من هذه الاشجار برية، فيما نجد مثلها في الحدائق وداخل اسوار البيوت. <هذا التناقض هو ما اردت نقله عبر لوحاتي، خاصة مع غابة الارز في اعلى البلدة حيث تأخذ شجرات الأرز مداها بملء حريتها وتنمو بذاتها مشكلة نوعا من الحاجز النباتي، بينما اشجار البلدة نفسها تظهر وكأنها محرومة من حريتها هذه>.

الطالب <اليكس> كان له مجال آخر يعبّر عنه، فقد لفتته الآثار التي تركها العديد من الثنائيات التي مرت بالمكان، اكان ذلك على قارعة الطريق، او محفورة في جذوع اشجار ارز المحمية: <رحت احوم حول البلدة محاولا <القبض> على هذه الـ<حميميات> في اماكن عامة كهذه، بحيث تصورت رغبة الثنائي في أن يكون في مكان <عام - خاص> في الوقت عينه>.

والى صور سيندي سعادة كانت النقلة الآتية: <ما صورته يجسد الهروب من الفوضى وضغط المدينة الى بلدة <معاصر الشوف> حيث الشعور بالحرية والطمأنينة، فتجوالي في الشوارع والطرقات الخالية كان بمثابة البحث عن وضوح في الرؤية، عن مكان للنمو والاطمئنان. شكلت لي الاقامة في البلدة مسارا جيدا لوضع الضغوطات والتوقعات المختلفة جانبا، وعيش اختبار اللحظة الحاضرة واعادة بناء جمال الطبيعة. كان الامر تجسيدا لتجربة نوع من الاسترخاء في تناقض مع ضغط المدينة، وكان ذلك الخيط الاساسي الذي اردت عكسه في مشروعي>...

حتى الطفل يختلف...!

زميلة سيندي هي <دانييلا تاباراني> تتحدث عن تجربتها في عيش اربع وعشرين ساعة في <جلدة روان> <Dans la peau de Rawan>، ماذا عنت بذلك؟ نجدها تشرح:

- طفل المدينة وطفل القرية شخصان مختلفان كثيرا. فعلى الرغم من المظاهر الجامعة، نجد ان لكل منهما ثقافته، قناعاته الخاصة، وحتى عاداته اليومية المختلفة. فطفل القرية باستطاعته ان يتلهى ويقضي وقتا ممتعا بواسطة وسائل بسيطة ومتواضعة، فيما نجد طفل المدينة غير قادر على الانقطاع عن الالعاب الجديدة وكل ما هو الكتروني. بالنسبة لـ<روان> التي حدثتكم عنها فانها تعيش مع اختيها وامها في حي صغير من <معاصر الشوف> وافضل الأوقات بالنسبة لها هي التي تقضيها مع صديقاتها.

الطالبة <كابوسين ليفي> اختارت بعدا آخر في <معاصر الشوف>. انهن نساء العالم! فقد جاء مشروع <كابوسين> في <معاصر الشوف> كجزء من مشروعها الكبير حول وضع النساء في العالم. <انا التقي بنساء من بلدان مختلفة تقول الطالبة بهدف القاء الضوء على وضع النساء في العالم. اقوم بذلك من خلال ستة اسئلة اطرحها هي نفسها على النساء في مختلف البلدان. ليس هدفي من ذلك القيام بنوع من الاحصاءات، انما أهدف الى ابراز وجهات نظر مختلفة حول بلد واحد، لذلك تجدونني قمت بـ<البورتريهات> الثلاث التي رأيتموها في صور ثلاث مختلفة، اذ من خلال اجابات السيدات كان حديث عن المجتمع والاحلام وعن الحب ايضا، ومع تصويري لهؤلاء النسوة واسئلتي لهن ادخل في حميمياتهن... لقد تحدثن الي عن الثقة بالنفس، ما يشعرن به، ما يحلمن به، وطبعا عن اختلافهن عن الرجال.

ثرى وثريا...!

 

بين الارض والسماء جاءت صور الين سعادة، فبعيدا عن فوضى المدينة وضجيجها، استطعت في <معاصر الشوف> ان اعود الى التواصل مع الطبيعة، ونسيان هموم الحياة اليومية، فالسلام الذي كان يشع من هذا المكان الساحر جعلني اغوص في وضع من الطمأنينة الكامل. واثناء جلوسي في الصمت التام غير المقطوع بأي نوع من الضجيج، كنت اتأمل ذلك الخط الذي يفصل ما بين السماء والارض وهو يختفي في الافق. في هذه الاثناء دخلنا، الطبيعة وانا في نوع من الاتحاد، فلم نعد نشكل سوى واحد. الآن اترك البلدة ببال هانئ وقلب ممتلئ.

الطالبة جوان معماري من ناحيتها اشتغلت في مشروع صورها على حياة البيوت المهجورة في البلدة، فـ<معاصر الشوف> بلدة جميلة تركها اهلها خلال الحرب. البعض من هؤلاء عادوا اليها ورمموا بيوتهم فيها فيما بقيت بيوت اخرى مهجورة. اردت، تقول معماري، ابراز جمال هذه البيوت على الرغم من هجرانها وذلك من الداخل ومن الخارج. لقد كان مهما بالنسبة لي ان ابرز كيف ان التاريخ والزمن يغيران الاشياء، قد يفسدان امورا الا انهما يعطيان لبعضها قيمة مضافة ايضا في الوقت عينه.

مخلوقات عجيبة...!

وفي <معاصر الشوف> ايضا قرر ليث مقدس ان يرينا عبر مشواره الى البلدة صور المخلوقات المختبئة في ارز <معاصر الشوف>، فأثناء اجتياز محمية الشوف مع الاشجار المهيبة المحيطة لا ننتبه للتو باننا دخلنا في عالم جديد. هناك مخلوقات غريبة وحتى <وحشية>، صغيرة وكبيرة تسكن الغابة. من الاكبر عمرا التي تعود الى ثلاثة آلاف سنة، الى الاحدث، جميعها كبرت وتجذعت، وقد تولّد من هذه الاشجار من خلال التحولات والاشكال التي طرأت عليها ما يشبه المخلوقات الخرافية والسحرية في آن معا.

من جانبه، قام الطالب <لوكاس مورين> من خلال ما صوره بـنزهات غير مألوفة كما عنوان المعرض، فهو يشير للقارئ انه لحظة الدخول الى <معاصر الشوف> تكفي نظرة واحدة للتنبه الى البيوت التي تتسلق الجبل في ناحيتين متقابلتين... وفي الاعالي، تنتصب عمارات كثيرة في طور البناء، فيما اشجار الارز موجودة بكثرة وتتعايش مع السكان بشكل ممتاز. ويشير <لوكاس> الى ان تاريخ واجواء البلدة الهادئة اعطت لكل من الأمكنة التي التقطت الصور منها اهمية كبرى. اردت ان آخذ صوري من الاعالي، من بعد، في وجهات نظر مختلفة عن البلدة، محاولا ابراز شجرات الارز التي تنسكب على <معاصر الشوف> بكمية كبيرة كما الانهيار الثلجي. المشهد منحدر جدا وتقصدت ابراز <العامودية> في النقاط المشتركة ما بين المساكن والجبال.

حدائق... وشبح!

 

الطالبة مدينة المصطفى وثقت في صورها من <معاصر الشوف> بعدا آخر. بالنسبة لها بعض الملاذات تنامت بافراط وحتى انها اصبحت منبوذة، بينما اخرى مقلمة بعناية ورعاية. الهدوء يسكن بقوة، نجد الحدائق في <معاصر الشوف> مدهشة الاعداد والتنسيق، ومنها ما يعود لعقود او حتى لقرون حيث زرعها الجد والجد الذي قبله، وعندما تدخل اليها تشعر وكأنك تمشي في احدى الحكايات الخيالية.

بعد آخر، تاريخي هذه المرة، تناوله <مارك ريتر> في بعثة الطلبة الى <معاصر الشوف>، وهو يشرح:

- البلدة ذات التاريخ المضطرب سنحت لنا قطع وصلنا مع يومياتنا المدينية، حتى لكأننا انقطعنا عن العالم الضاج والقلق. فمع هبوط الليل، حتى القطط لم تكن تخرج. اردت القبض على هذا الشعور، الجانب < الشبح>، المخفي لهذه البلدة. ومن خلال عناويني المعروفة، اخرجت الجانب المظلم، القلق، الذي يخيم على بلدة <معاصر الشوف>.

شعور البعد عن المدينة وصخبها تتشاركه يارا داغر مع زميلها <مارك>. بالنسبة لها كانت الرحلة نوعا من <التطهير السحري>، فالمنطقة مليئة بالمساحات الخضراء التي تبدأ من قمة الجبال وصولا للاحاطة بمنازل القرية. والعدد الضئيل من السكان الموجودين فيها اليوم على مدار السنة، ساعدوا جدا في الابقاء على الخضار حيا، بعكس بلدات اخرى في لبنان تحولت الى ما يشبه الادغال الحقيقية. لقد اردت ومن خلال ما صورته واعرضه هنا ان اعكس الحاجة للمحافظة على الخضار وتمدده في لبنان.

يوميات...!

 

<ماسياس بونار> اهتم من ناحيته بسكان <معاصر الشوف>:> ذهبت الى لقائهم لاكتشف يوميات مختلفة احيانا عن نسق العيش في القرية، لكن بطبيعة الحال على علاقة قوية معها. اكانوا اطفالا، مراهقين او متقدمين في السن، الاشخاص الذين تمكنت من تصويرهم كانوا على علاقة حب عميقة بقريتهم. حاولت ان التقي بهم في محيطهم اليومي واصررت على تبادل اطراف الحديث معهم، وكان عند جميعهم ما يعلمونني اياه او ما يطلعونني عليه في البلدة او المنطقة.

وختاما، وجد <بيار بواسيل> في اقامته في البلدة، ضالة كاميرته، ففيها نجح في ان يصور الاجواء التي تبعثها القرية من خلال المساحات الطبيعية الشاسعة فيها، ومن خلال سكانها الذين يجوبون الطرقات الضيقة فاتحين ذراعيهم وقلوبهم!