تفاصيل الخبر

رحلة البحث عن هوية مزارع شبعا

13/08/2020
رحلة البحث عن هوية مزارع شبعا

رحلة البحث عن هوية مزارع شبعا

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_80156" align="alignleft" width="444"] مزارع شبعا والهوية الضائعة[/caption]

تعود مزارع شبعا مُجدداً لتفرض نفسها كحدث مهم وبارز على الساحتين السياسية والدبلوماسية، وذلك بعد "الهمروجة" الأخيرة التي نفذها الجيش الإسرائيلي منذ اسبوع تقريباً في مزارع شبعا المحتلة، وقد عاد الضوء ليُسلّط على هويّة "المزارع" ومدى أحقيّة لبنان باستعادتها بالطرق المُتاحة ومن بينها المقاومة المُسلّحة كتلك التي يستخدمها اليوم "حزب الله" والتي تتعارض مع قناعات العديد من اللبنانيين وأيضاً مع العديد من الدول لاسيّما الولايات المتحدة الأميركية حليف إسرائيل الأبرز.

مزارع شبعا في دائرة الخطر

يوم قرّر الرئيس الأميركي" دونالد ترامب" العام الماضي السماح لإسرائيل بوضع الجولان السوري المُحتل تحت سيادتها، دخلت مزارع شبعا المُحتلّة هي أيضاً في دائرة الخطر لسبب وحيد أن اسرائيل تعتبرها جزءاً من الجولان، وكان لافتاً أن قرار "ترامب" بإهداء الجولان لإسرائيل، كان سبقته مجموعة مواقف لسياسيين لبنانيين اعتبروا فيها أن "المزارع" أراض سورية وأن على الأخيرة أن تُبت لبنانيتها في حال كانت فعلاً تمتلك الإثباتات كما يدّعي البعض.

[caption id="attachment_80157" align="alignleft" width="338"]وليد جنبلاط: هاتوا الوثائق وليد جنبلاط: هاتوا الوثائق[/caption]

واليوم ربما بات على الدولة السوريّة وضع النقاط فوق الحروف والاعتراف بلبنانية "المزارع" بدل ممارسة لعبة مزدوجة سواء عبر إحجامها عن وضع مع الحكومة اللبنانية رسماً للحدود تؤكّد فيه لبنانية مزارع شبعا، أو لجهة تصاريح لعدد من المسؤولين السوريين يؤكدون على لبنانيّة "المزارع" لكن من دون ضمّ قرية "النخيلة" إلى تأكيداتهم هذه.

المؤكد أن الدولة السوريّة ما زالت تُراهن على عامل الوقت واللعب على التناقضات والتصاريح التي تخدم مصالحها بشكل أولي، ولذلك تسعى إلى ربط مصير مزارع شبعا بمصير الجولان كـ"سلّة واحدة" على غرار الشعارات التي كان يُطلقها الرئيس الراحل حافظ الأسد حول جغرافية البلدين وتاريخهما والتي استكملها ابنه الرئيس بشار الأسد في العام 2012 عندما سُئل عن التضارب في مواقف بعض المسؤولين السوريين في شأن مزارع شبعا، فأجاب يومها أن الموضوع لن يحل إلا ضمن إطار حل شامل يشمل الجولان.

خليفة: المزارع لا تقع في الجولان

[caption id="attachment_80155" align="alignleft" width="337"] عصام خليفة.. تأكيد على لبنانية المزارع[/caption]

من جهته يؤكد المؤرخ والباحث الأكاديمي الدكتور عصام خليفة أن المزارع لا تقع على الإطلاق في الجولان إنما في حاصبيا اللبنانية وذلك وفقاً للقرار 318 الذي حدد حدود لبنان الكبير عام 1920. ويُضاف إلى المزارع مجموعة مناطق لبنانية تقع حتى اليوم ضمن الإحتلال الإسرائيلي، موضحاً أن الجولان مصطلح إداري وجغرافي له أهله وسكانه وهو ضمن الأراضي السورية مساحته 1800 كلم كربع ويضم 150 قرية.

وأكد أن هناك ترسيم حدود بين لبنان وسوريا موقع من قاضيين عقاريين لبناني يُدعى رفيق الغزاوي وسوري يُدعى عدنان الخطيب. كما أن الجولان يخضع للقرار 242 بينما مزارع شبعا تخضع للقرار 425 الذي يُشير إلى انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية. وللتذكير، فعندما تم ترسيم الخط الأزرق الفاصل، تحفّظ لبنان على خلفية أن المزارع لبنانية ولم تُستعاد حتى الساعة خصوصاً أن الترسيم تناسى بلدة اسمها "النخيلة" التي توصل المزارع بسهل الحولة.

بين حزب الله وحلفائه وخصومه

وفي وقت يرى البعض فيه أن لبنان لم يُقدّم حتى اليوم أي اثباتات تؤكد لبنانية مزارع شبعا وأن تقاعسه هذا يُسقط مُلكيّته للمزارع، تُشير مصادر مُقربة من "حزب الله" إلى أن الخطر يكمن في أدبيات الإدارة الأميركية تجاه المزارع، فالأمم المتحدة تقر بلبنانيتها، لكنها تقرنها بالجولان بناء على التبعية العملانية. كما أن الأدبيات السياسية الإسرائيلية تنصّ على التعامل مع المزارع على أنها مكمّل للجولان، وهنا تكمن الخشية من أن يكون القرار الأميركي بـ"أسرلة" الجولان قراراً ضمنياً لـ"أسرلة" المزارع.

أمّا خصوم "الحزب"، فيسألون أوّلاً عن قدرة اللبنانيين في تحمّل تبعات حروب تُضاف إلى مُعاناتهم الاقتصادية والاجتماعية، وثانياً حول قدرة حزب الله نفسه بتحمل الاستنزاف الذي يُعرض نفسه وبيئته له في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

أمّا رئيس الجمهورية ميشال عون الحليف الأبرز لحزب الله، فقد أعلن العام الماضي على مسمع وفد أميركي وأممي ضم نائب رئيس مؤسسة الأمم المتحدة "بيتر ييو"، وأعضاء من الكونغرس الاميركي، رفضه جعل قسم من هضبة الجولان السورية المحتلة، الذي يضم اراضٍ لبنانية هي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، تحت السيادة الإسرائيلية، مشدداً يومها على ان من حق لبنان العمل على استعادة اراضيه التي تحتلها إسرائيل "بكل السبل المتاحة".

الضغط باتجاه سوريا لفض النزاع

[caption id="attachment_80154" align="alignleft" width="333"] الجولان المحتل[/caption]

واللافت أن موقف الرئيس عون الذي يتمسّك به اليوم أكثر من أمس بحسب مصادر مقربة من "بعبدا"، أعاد تسليط الضوء خلال الفترة الحالية على مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وتحديد الهوية اللبنانية للمزارع رسمياً، خصوصاً في ظل تنامي المخاوف من ان يشمل القرار الاميركي الأراضي المحتلة في مزارع شبعا، والتي تعدها إسرائيل جزءاً من الجولان. وفي السياق تُشدد مصادر دبلوماسية عبر "الأفكار" على ضرورة عدم ترك هذا الملف في الادراج، بل التوجّه الى الامم المتحدة صاحبة الحق في فضّ نزاعات حدودية كهذه، كي تضغط على الحكومة السورية من اجل الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا كخطوة اوّلية في تثبيت هويتها.

وعن الهدف من التوجّه الى الامم المتحدة ما دامت العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا قائمة، اعتبرت الاوساط ان العلاقات الدبلوماسية لا تكفي وحدها لمعالجة مسألة شائكة وحسّاسة كهذه، خصوصاً انها مترابطة مع اهداف استراتيجية لدولة ثالثة هي اسرائيل. من هنا، ضرورة ان تُبادر سوريا الى الاعتراف قولاً وفعلاً وعملياً باستقلال لبنان وسيادته على ارضه في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ليتم بعدها تثبيت حدود دولية بين البلدين ويتبعها اعتراف من قبل الامم المتحدة بلبنانية المزارع.

العرقلة المتعمدة جنوباً

اللافت في ملف مزارع شبعا وترسيم الحدود جنوباً، هو التحرّك الروسي الذي أتى مُفاجئاً منذ فترة وجيزة وذلك بعد مساعي أميركية هدفها البدء بمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. ولا تزال هذه المساعي تتراوح بين الإيجابية حيناً والسلبية أحياناً إذ يعلن لبنان تمسكه بحقوقه كاملة وعدم التنازل عن أي شبر منها، فيما يستعجل الطرفان الأميركي والإسرائيلي إنجاز عملية الترسيم. إلا أن الحكومة اللبنانية، وخصوصاً منها الأفرقاء المتحالفين مع دمشق، يمارسون الحذر والتروي، ربما التزاماً بمبدأ "وحدة المسار والمصير"، وحرصاً على ربط الملفات ببعضها البعض وعدم فصلها أو تفريقها.

[caption id="attachment_80153" align="alignleft" width="367"] "دونالد ترامب" و"بنيامين نتانياهو" وثالثهما هدية الجولان[/caption]

وفي هذا السياق، ترى مصادر معنيّة بعمليّة الترسيم الحدودي أن العملية يُمكن ان تتعرقل بشكل أكبر خلال المرحلة المُقبلة، وعنوان عرقلتها سيكون بلا شك ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهذه معضلة لا يمكن حلّها من دون إدخال سوريا في لعبة المفاوضات. وذكّرت المصادر بالتكيك السياسي الذي اتُبع في العام 2006، عندما أقرت طاولة الحوار مبدأ تحديد الحدود بما يسهل توسيع القرار 425 ليشمل مزارع شبعا، فجاء الجواب من دمشق بأن عملية الترسيم يجب أن تبدأ من أقصى الشمال، من النهر الكبير، ثم البقاع وأخيراً الجنوب، للهدف ذاته الذي يبرز الآن، أن تبقى سوريا ممسكة بمصير حدود لبنان..

وتُشير المصادر نفسها، إلى ان الظاهر بأن هناك صعوبة كبيرة في الوصول الى نتائج مرجوّة لبنانياً إذ انه لا يمكن الفصل بين الرسالة السورية، وبين المساعي الأميركية للترسيم جنوباً، خصوصاً أن النظام السوري ثابر باستمرار على منع لبنان من المفاوضة وحيداً، إذ إن شعار وحدة المسار والمصير لا يزال قائماً بالنسبة إلى الأسد، حتى وإن ظهر راهناً وكأن هناك بعض الاستقلالية اللبنانية أثناء المشاورات والجولات التي يقوم بها الأميركي والروسي.

يوم نشبت أزمة المزارع في لبنان

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، أثارت تصريحات رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط، حول ملكية مزارع شبعا، سجالاً سياسياً داخلياً حصل على أثره حملة استنفارات استدعى بعضها تخوين جنبلاط الذي قال إن مزارع شبعا ليست لبنانية، وإن ضباطاً لبنانيين أجروا تغييراً في الخرائط اللبنانية بالاشتراك مع سوريين، بعد تحرير الجنوب اللبناني في عام 2000. أمّا على ضفّة حزب الله، فقد اعتبر يومها أن مقاربة جنبلاط لملف "المزارع" كانت خاطئة شكلاً ومضموناً، مستغرباً في حينه كيف أن جنبلاط استسهل التنازل عن مبدأ السيادة اللبنانية على هذه المنطقة، بالتزامن مع اعتراف الرئيس الاميركي "دونالد ترامب" بالسيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل الذي تُدرج "المزارع" ضمنه وفق تصنيف العدو. وفي خضم هذا السجال جاء رد النظام السوري على لسان سفيره في بيروت علي عبد الكريم علي بتأكيد منه على لبنانية مزارع شبعا وإقرار دولته بذلك، مع الأخذ في الاعتبار أنه قد توجد بعض الأراضي المتداخلة أو المشتركة مثلما يمكن أن يحصل عند أي حدود بين دولتين. وأضاف علي: كما أن هناك مواقف صادرة عن وزير الخارجية السورية وليد المعلم في هذا السياق، والمسؤولون اللبنانيون يعرفون أننا أبدَينا كل تجاوب ممكن في هذا الملف. وحتّى لو افترضنا أن هذه المزارع سورية، لا يجوز أن يصدر كلام من هذا النوع، فكيف إذا كانت لبنانية مئة في المئة.