تفاصيل الخبر

"رغبة فرنسية" أدخلت البابا فرنسيس على خط مبادرة الراعي التوفيقية!

06/01/2021
"رغبة فرنسية" أدخلت البابا فرنسيس  على خط مبادرة الراعي التوفيقية!

"رغبة فرنسية" أدخلت البابا فرنسيس على خط مبادرة الراعي التوفيقية!

[caption id="attachment_84524" align="alignleft" width="444"] الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري وثالثهما التعطيل الحكومي.[/caption]

 وسط تعدد الروايات حول من تقع عليه مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون او الرئيس المكلف سعد الحريري، نتيجة تقاذف الاتهامات الحاصل على جهتي الفريقين، يبرز تحرك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي كان له الفضل في إعادة التواصل بين الرئيسين عون والحريري في ما قيل انه اكثر من مبادرة واقل من دور مؤثر. الا ان التدخل البطريركي لم يصل الى حد تأمين اتفاق الرئيسين الشريكين على ولادة الحكومة، فتعثرت الخطى وعاد الجمود سيد الموقف.

وعليه بدا ان مبادرة البطريرك الماروني لم تنجح في كسر حلقة الجمود، ولم تحظ بفرصة حقيقية كان طلبها البطريرك من الرئيسين من اجل الوصول الى تذليل العقبات القائمة امام التأليف. ولعل هذا ما دفع البطريرك ليس الى رفع سقف خطابه السياسي فحسب، وانما الى توجيه الاتهام المباشر الى من لم يفوا بوعودهم. وبدلاً من ان يحدث كلام البطريريك صدمة لدى من توجه اليهم بالمباشر على خلفية وعود اطلقوها ولم يلتزموا بها، غاب رئيس الجمهورية عن قداس الميلاد في بكركي بذريعة تجنب الاختلاط بسبب كورونا، فيما غادر الرئيس المكلف بصمت الى الخارج لقضاء إجازة عائلية في عطلة الأعياد.

في الرواية المعلنة والتي تتقاطع بين بعبدا وبكركي ان رئيس الجمهورية الذي كان ابلغ سابقاً البطريرك عندما زاره، مشاركته في القداس الميلادي، متجاوزاً السقف العالي والسلبي لموقف سيد بكركي من الرئاسة، عاد واتصل عشية الميلاد بالراعي معتذراً بسبب المخاوف من كورونا خصوصاً بعد اصابة كريمته كلودين، والتزاماً بنصائح الأطباء عدم الخروج او الاختلاط.

بعد هذا التطور كاد البطريرك الراعي ان ينكفىء ويعلق مبادرته تاركاً الأوضاع على حالها بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، ولاحظ الذين زاروه في بكركي انزعاجه من عدم وصول مبادرته الى خواتيم سعيدة.

 

الا ان تطوراً حصل أعاد البطريرك الى الواجهة التفاوضية من جديد، تمثل بالرسالة التي وجهها البابا فرنسيس الى اللبنانيين عبر البطريرك الراعي علماً ان البابا  كان قادراً على توجيه الرسالة عبر السفير البابوي في بيروت المونسنيور جوزف سبيتري، لكن إصرار الأب الاقدس على ان يتلو البطريرك الراعي رسالة البابا بنفسه، شكل دخولاً مباشراً للبابا في الازمة اللبنانية معتمداً على البطريرك الراعي ليكون "لسان حاله" لاخراج لبنان من التأزم الذي لا يزال يؤخر تشكيل الحكومة العتيدة. وقد تلاقى مضمون رسالة البابا مع بكركي في مطالبة المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على البقاء خارج الصراعات والتوترات الإقليمية، وعلى الخروج من الازمة الحادة وعلى التعافي للنأي بالشراكة بين اللبنانيين والعيش المشترك عن الحروب السياسية والعسكرية المشتعلة في دول الجوار.

تدخل فرنسي لدى الفاتيكان

ويقول متابعون لمسار المبادرة البطريركية ان رسالة البابا الى اللبنانيين قبل "زيارة المحبة" التي ينوي القيام بها لبيروت، وفرّت غطاء سياسياً وروحياً للمبادرة التي اطلقها البطريرك الراعي، في محاولة مدروسة لتهيئة الظروف المؤاتية للإسراع في عملية التأليف لوقف الانهيار الشامل وإنقاذ البلاد على قاعدة إعادة تعويم المبادرة الفرنسية للحفاظ على الكيان اللبناني وفك اسره، كما قال الراعي في رسالته الميلادية عن ملف المنطقة وصراعاتها. وفي هذا الاطار، تقول المعلومات المتوافرة ان تنسيقاً حصل في المدة الأخيرة بين باريس والكرسي الرسولي ابدى خلاله مسؤول فرنسي كبير رغبته في ان يتدخل البابا فرنسيس في الوضع اللبناني، لاسيما وان الايليزيه لاحظ وجود "عتب" لبناني على غياب البابا عن الازمة اللبنانية وبعده عن تفاصيلها، خلافاً لمواقف الباباوات السابقين، لاسيما البابا القديس

[caption id="attachment_84523" align="alignleft" width="375"] "البابا فرنسيس" والبطريرك بشارة الراعي .. محاولات التوفيق بين الأفرقاء.[/caption]

يوحنا بولس الثاني، والبابا المستقيل بنديكتوس السادس عشر، وكلاهما زارا لبنان خلال ولايتهما البابوية. وتضيف المعلومات ان الدوائر الفاتيكانية تواصلت مع مرجعيات روحية لبنانية وأخرى على صلة دائمة بها في محاولة لمعرفة مدى تجاوب اللبنانيين مع مبادرة بابوية مباشرة، فأتى الجواب بالترحيب وإبراز ضرورة مثل هذا الحضور البابوي في الملف اللبناني. وبعد التشاور داخل الفاتيكان كانت الرسالة البابوية الى البطريرك لاعطائه الدعم المعنوي والسياسي في حراكه من اجل تسهيل ولادة الحكومة لأن الظروف الراهنة في لبنان لم تعد تحتمل المزيد من التأجيل....

وتقول مصادر مطلعة على موقف الفاتيكان انه يفترض ان يبادر البابا فرنسيس الى التواصل مع الأطراف الدولية المعنية بمساعدة لبنان انسجاماً مع ما ورد في رسالته للبنانيين، خصوصاً انها غير مسبوقة، ولم يسجل له في رسائله الى شعوب العالم ان توجه اليهم برسائل سياسية بامتياز تجاوزت دعواته للالتفات الى الشعوب الفقيرة التي تعاني من الجوع، وتطالب بحقوقها المدنية، الى اطلاق صرخة مدوية داعياً فيها الى تضافر الجهود لمساعدة لبنان لاستعادة عافيته السياسية والاقتصادية. لذلك سيكون لرسالته مفاعيل سياسية يدعو فيها اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، للتفاعل إيجابياً مع التحذيرات التي اطلقها، لاسيما انها جاءت رداً على تعاطي بعض الأطراف المحلية مع دعوة الراعي لحياد لبنان الإيجابي، وكأنها لا تحظى برعاية فاتيكانية.

وفي هذا السياق، تقول المصادر نفسها ان ما حملته رسالة البابا فرنسيس من ابعاد سياسية واجتماعية جاءت ترجمة لمداولاته مع الراعي في زيارته الأخيرة للفاتيكان في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، سواء بالنسبة الى مقاربته للتأزم السياسي الذي يعيق تشكيل الحكومة في ضوء تحذير بكركي من جر البلد الى فراغ يدفع باتجاه اقحامه في الفوضى الشاملة، او في خصوص تبني الفاتيكان لحياد لبنان الإيجابي الذي من شروط تحقيقه الابتعاد عن المحاور الإقليمية.

ارتياح إسلامي

ولاحظ المراقبون ان رسالة البابا تركت ارتياحاً لدى الفريق المسلم في لبنان، لاسيما الرئيس المكلف سعد الحريري التي قالت مصادره ان مواقفه تلتقي مع مواقف البابا والبطريرك لجهة رؤية المعايير الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، لاسيما الدعوة الى الحفاظ على الكيان اللبناني، وعدم تعريضه الى مشاريع من شأنها ان تهدد الوجود المسيحي بالدرجة الأولى وهذا يتناغم مع ما يطرحه الحريري الذي يتموضع تحت سقف المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، باعتبار ان الحريري وبكركي يتعاملان معها على انها الممر الاجباري لمنع سقوط الدولة واسترداد قرارها الداخلي المستقل ومنع مصادرته من الخارج. وتلفت المصادر الى ان الفاتيكان كان ولا يزال يحث القوى السيادية والاستقلالية في الشارع المسيحي على الانتفاضة وعدم التسليم بمشاريع الامر الواقع والانفتاح على المسلمين الذين يؤمنون بالتوجه ذاته، لانه من دون التلاقي بين جميع هؤلاء لا يمكن الانخراط في انقاذ لبنان قبل فوات الأوان.

ويتوقع المراقبون ان يعيد البطريرك التحرك في اتجاه الرئيسين عون والحريري معززاً هذه المرة بــ "إرادة" بابوية لا يمكن تجاهل أهميتها وتأثيرها في المجتمع الدولي الذي لا يزال "ينصح" لبنان بالتوافق على ولادة الحكومة ليتمكن هذا المجتمع من المساهمة في إعادة الاهتمام وتوفير الدعم المناسب للنهوض من جديد اقتصادياً ومالياً.