تفاصيل الخبر

رفع دعم مصرف لبنان عن السلع الضرورية يطلق العنان للدولار والأسعار!

26/08/2020
رفع دعم مصرف لبنان عن السلع الضرورية يطلق العنان للدولار والأسعار!

رفع دعم مصرف لبنان عن السلع الضرورية يطلق العنان للدولار والأسعار!

 

[caption id="attachment_80645" align="alignleft" width="375"] حاكم مصرف لبنان رياض سلامة[/caption]

 ثلاثة أسطر أوردتها وكالة "رويترز" الأسبوع الماضي، كانت كفيلة بدب الذعر في صفوف اللبنانيين، لا بل كل مقيم على الارض اللبنانية. قالت الوكالة الدولية المعروفة بصدقيتها ودقة معلوماتها إن "مصرف لبنان لن يدعم الوقود والقمح والدواء لاكثر من ثلاثة اشهر أخرى في ظل تناقص احتياطات العملات الاجنبية لديه". هكذا من دون أي إنذار مسبق، دق مصرف لبنان ناقوس الخطر وارتفع منسوب القلق لدى القيمين على القطاعات والمؤسسات والوزارات المعنية، من دون أن يصدر أي توضيح يبدد الهواجس التي سكنت قلوب اللبنانيين والمقيمين على الأرض اللبنانية على حد سواء.... صحيح أن الدعم لم يكن ليستمر الى الأبد لأنه يرهق موجودات مصرف لبنان، الا ان تسريب هذا الخبر في توقيت سيء، جعل الجميع يضرب اخماساً لأسداس لاسيما لجهة ما سيتركه هذا التدبير من انعكاسات سلبية على الواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، اضافة الى حصول خلل كبير على مستوى الامن الصحي. في لغة الارقام يتضح ان الكلفة التي يدفعها مصرف لبنان  شهرياً على السلع المدعومة، تراوح بين 600 و 700 مليون دولار، موزعة كالآتي: 400 مليون دولار شهرياً تقريباً لدعم استيراد المواد الاساسية من محروقات وقمح وأدوية وذلك عبر تمويل المصرف المركزي  80% من اعتمادات استيراد هذه السلع على السعر الرسمي 1515 للدولار و200 مليون دولار شهرياً لدعم السلة الغذائية والاساسية عبر تأمين الدولارات للتجار على السعر 3900 ليرة. ويأتي هذا الدعم الشهري في ظل تراجع القدرة الشرائية والغلاء الفاحش بالتزامن مع وصول سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى مستويات قياسية. وكان المصرف المركزي يؤمن غالبية تمويل الدعم من احتياطه بالدولار باستثناء السلة الغذائية التي كان يحاول تمويل جزء منها من خلال الدولارات التي كان يجمعها من شركات تحويل الاموال وذلك عندما فرض عليها ان تسلم الحوالات بالليرة. لكن المصرف عاد والغى هذا القرار لأنه أدى الى تراجع في التحويلات. ومع صدور الكلام عن ان هذا الدعم لن يستمر طويلاً، او أكثر من ثلاثة اشهر لتناقص في الاحتياط، تبرز تساؤلات كثيرة حول الوضع الذي ستكون عليه السلع الضرورية المدعومة لاسيما القمح والمحروقات والادوية، على رغم سلسلة تطمينات من المصرف بأن الاحتياطات كافية وقادرة على الصمود!.    يذكر أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان أعلن في 29 نيسان (ابريل) الماضي أن احتياطي المصرف يوازي 20.9 مليار دولار من دون أن يذكر بأن نحو 17 مليار دولار هي أموال للمصارف تغطي قيمة ودائع المواطنين وهي احتياطات الزامية وبالتالي لا يمكن المساس بها. واذا ما استمرت عملية الدعم بكلفة 600-700 مليون دولار شهرياً، فإن الاحتياط سيصل بعد ثلاثة اشهر الى 17 مليار دولار ما يعني انه وصل الى الخط الاحمر لأن هذا المبلغ ( 17 مليون دولار) لا يمكن التصرف به لأنه يغطي ودائع المودعين. من هنا حرصت مصادر المصرف المركزي على القول إن المجلس المركزي في مصرف لبنان، سوف يبحث عن خيارات بديلة في الاسابيع المقبلة، لكن القرار يبقى في يد الحكومة الجديدة التي ستتولى- من حيث المبدأ – البت بالاصلاحات وتأمين التمويل الخارجي لمعالجة الازمة الراهنة.

أسعار الدواء والمحروقات...نار!

 ولعل ما يقلق اللبنانيين حالياً، هو تداعيات رفع الدعم عن القمح والادوية والمحروقات. وفي هذا السياق يعتبر مستوردو الادوية ان رفع الدعم عن استيراد الدواء هو عملية انتحارية ستكون مفاعيلها على المواطن اللبناني مشابهة لكارثة انفجار مرفأ بيروت، في حين ستكون تداعياتها كارثية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث سترتفع اسعار الادوية بين ليلة وضحاها، 5 الى 6 اضعاف علماً ان لا قدرة اليوم للمواطن اللبناني، بعد الكوارث التي مر بها وما زال يتعامل مع تداعياتها، على تحمل ارتفاع اسعار المواد الاساسية اي القمح والمحروقات والدواء. بالاضافة الى زيادة اسعار مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية الاخرى التي تشكل المحروقات جزءاً من كلفة انتاجها. ويتساءل المستوردون ماذا سيحل بالجهات الضامنة في حال تم رفع الدعم عن الدواء؟ كيف ستتحمل ارتفاع اسعار الدواء كل الصناديق الضامنة التي تخصص لها موازنات بالليرة اللبنانية، كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والطبابة العسكرية في الجيش اضافة الى مصلحتي الصحة في قوى الامن الداخلي؟ ويلفت هؤلاء الى ان ايرادات صندوق الضمان الاجتماعي،على سبيل المثال، تعتمد بشكل اساسي على الاشتراكات الناتجة عن رواتب وأجور الموظفين والتي لم يتم تعديلها بل تراجع جزء كبير منها بعد تسريح عدد كبير من الموظفين، وبالتالي كيف سيغطي الضمان قيمة الادوية بعد ارتفاع اسعارها 6 اضعاف، وسيكون مصير الصناديق الضامنة اما الافلاس او تغطية 20 في المئة من المرضى.  ويطالب المستوردون بتنظيم عملية رفع الدعم من خلال تحديد تاريخ معين يتم على اساسه احتساب كل المستوردات التي دخلت قبل هذا التاريخ على سعر الصرف الرسمي، منعاً لافلاس الشركات المستوردة التي سبق وأن قامت ببيع تلك المستوردات على سعر الصرف الرسمي، بالاضافة الى تنظيم وفرض رقابة على اسعار الادوية المستوردة سابقاً، والتي اصبحت في الاسواق. وبالنسبة الى احتمال فقدان انواع من الادوية وانقطاعها من السوق بعد رفع الدعم يقول المستوردون إن هذا الامر يتوقف على موازنات الجهات الضامنة التي تسدد حوالي 65 في المئة من فاتورة الدواء. وبالتالي في حال تم رفع ميزانياتها لتعويض ارتفاع الفارق في اسعار الدواء، قد تتمكن الجهات الضامنة من الاستمرار في تغطية كلفة الدواء . الا ان الفارق في الاسعار قد يكون اكبر من امكانياتها في بعض الحالات المرضية، مما سيؤدي الى انقطاع تلك الأدوية.   اما بالنسبة الى قطاع المحروقات فإن القيمين عليه يرون ان رفع الدعم كان متوقعاً لأن مصرف لبنان يتحمل كلفة تبلغ 10 ملايين دولار يومياً لدعم استيراد المحروقات، وكان من المفترض عند البدء بقرار الدعم في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي ان يتم وضع خطة محددة ضمن فترة زمنية معينة للتمكن لاحقاً من رفع الدعم الا انه بعد حوالي العام، لم تباشر الحكومة بأي اجراءات بديلة تخفف من وطأة رفع الدعم وقوة الصدمة على المواطن الذي سيدفع حوالى 6 اضعاف سعر صفيحة البنزين بعد رفع الدعم عنها". واقترح مستوردو المحروقات في السابق وقف الدعم بشكل تدريجي يؤمن "الهبوط السهل"   soft landing  بعد رفعه، إلا أن القرار كان سياسياً ولم يتم الشروع في اي خطط لتفعيل النقل المشترك من اجل خفض استهلاك البنزين، وترشيد استهلاك المازوت، وتفعيل الطاقات الشمسية...   في اي حال، الخطر الداهم في حال توقف المصرف المركزي عن دعم المحروقات والطحين والادوية، سيكون له داعيات كبيرة تزيد من معاناة اللبنانيين لأن رفع الدعم سيدفع بالمعنيين الى الاتكال على السوق السوداء لتأمين دولارات لاستيراد تلك المواد، ما يعني زيادة في الطلب على الدولار، وارتفاعاً في سعر صرفه الى مستويات سيكون من الصعب تقديرها!.