تفاصيل الخبر

رفع أجور العمال آخر رصاصة يستخدمها الغرب للقضاء على الأزمة المالية!

01/04/2016
رفع أجور العمال آخر رصاصة يستخدمها الغرب للقضاء على الأزمة المالية!

رفع أجور العمال آخر رصاصة يستخدمها الغرب للقضاء على الأزمة المالية!

 

بقلم خالد عوض

David-Cameron  

الموضوع الاقتصادي الساخن في العالم هذه الأيام هو الحد الأدنى للأجور. بريطانيا تبدأ في أول نيسان (ابريل) زيادة تصاعدية للحد الأدنى للأجر للأشخاص الذي هم فوق سن الخامسة والعشرين، من حوالى عشرة دولارات للساعة (ستة جنيهات وسبعون بنساً بريطانيا) إلى حوالى خمسة عشر دولاراً للساعة مع حلول عام ٢٠٢٠. ولاية كاليفورنيا الأميركية اتخذت القرار نفسه أي رفع الحد الأدنى للأجور من عشرة دولارات للساعة إلى ١٥ دولاراً للساعة بحلول عام ٢٠٢١. ولاية نيويورك تبحث في الموضوع نفسه وبالأرقام نفسها. المنطلق هو نفسه بالنسبة للحكومة البريطانية أو الولايتين الأميركيتين: تحفيز الاقتصاد يجب أن يبدأ من تحت، من العمال والأجراء الذين يحصلون على أجر بالكاد يكفيهم للأكل والشرب والمواصلات، ولذلك لا يساهمون في الاستهلاك وبالتالي في تكبير الاقتصاد. وإذا تحسن مدخول هذه القاعدة الكبيرة من الناس، يمكن أن يزيد انفاقهم بشكل ملحوظ وينعكس ذلك على النشاط الاقتصادي العام. ولو كان هذا الإجراء يُتخذ في روسيا أو الصين لكنا اعتبرنا أنه عودة طبيعية إلى المفاهيم الإشتراكية، ولكن عندما يُتخذ في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية يعني أن قلب النظام الرأسمالي يقر بأن كل اجراءات التحفيز، من طبع العملة وشراء السندات وتخفيض الفوائد، لم تنجح لأنها لم تشمل عامة الناس أو الطبقة العاملة منهم، أي من كان يسميهم <أب الإشتراكية> <كارل ماركس> بـ<البروليتاريا>. فكل المليارات التي ضختها المصارف المركزية بأشكال مختلفة لم تنفع في رفع نسبة النمو كما يجب. كانت هذه كلها محاولة من فوق أي عبر البنوك. ولكن الأخيرة لم تستطع زيادة الاقراض لأن الطبقة المتوسطة مشبعة بالديون، إما لبطاقة الإئتمان أو لأقساط المنزل أو السيارة أو لتكاليف دراسة الأبناء الجامعية. أما الأجراء والعمال أصحاب المداخيل الدنيا، فهم أساسا غير مديونين لأنهم لا يستوفون شروط الاقتراض ولا يملكون منزلاً ولا سيارة، ويكدحون لتوفير مصاريف ابنائهم في المدارس المجانية. ولذلك فأسرع طريقة للوصول اليهم هي عبر رفع الحد الأدنى للأجور.

اليوم تحاول الحكومة البريطانية تجربة التحفيز من تحت، وكل العالم ينتظر النتائج. فإذا نجحت تكون قد رسمت الطريق لحكومات عديدة في العالم. المهم أيضاً في هذا الإجراء علي-حسن-خليلأنه يجر معه القطاع الخاص، أي أن الدولة لن تتكلف وحدها عبء الزيادة. هناك بالطبع من يعارض ذلك لأنه سيؤثر على كلفة القطاع الخاص وقدرته التنافسية، خاصة في القطاعات التي يشكّل فيها العمال بالأجر الأدنى جزءاً كبيراً من مجموع العمالة، ومنها القطاعات السياحية. في المقابل فإن الحكومة البريطانية مقتنعة أن هذا الإجراء، ولو شكّل في البداية عبئاً على القطاع الخاص وأكل من ارباحه، فإنه سينعكس في النهاية على الدورة الاقتصادية وسيعود بالنفع  على القطاع نفسه عندما يكبر حجم الاستهلاك الكلي.

العبرة في النتائج، والوقت وحده كفيل بأن يقول كلمته إذا كانت الحكومة البريطانية قد وجدت وسيلة ناجعة لإعادة النمو الاقتصادي إلى الغرب.

ما تحاول الحكومة البريطانية الوصول إليه يُسمى في لبنان <سلسلة الرتب والرواتب>، التي يبدو أنه انقضى أمرها وأصبح في خبر كان. فحسب المنطق البريطاني، لا هيئة التنسيق اللبنانية، إذا كانت سلسلة الرواتب ستكلف الخزينة مليار ونصف مليار دولار سنويا، يعني أن جزءا كبيرا منها، لنقل حوالى المليار دولار على الأقل، سيدخل إلى الاقتصاد بشكل مباشر، لأن معظم الناس الذين سيستفيدون من الزيادة سيصرفونها ولن تتحول إلى ودائع مجمدة في البنوك. أليس هذا ما يحاول مصرف لبنان القيام به عن طريق القروض المدعومة؟

وبدل أن يضطر البنك المركزي إلى توفير قروض مدعومة يمكنه <إقراض> الدولة (أي توفير سيولة إضافية) بمليار دولار  لدعم السلسلة في إطار اجراءاته التحفيزية، خاصة أن هذا المبلغ سيقابله مبلغ مشابه من القطاع الخاص، إذا افترضنا أن زيادة الأجور ستُعمم على القطاعين الخاص والعام. ولو دخل سنويا الى الاقتصاد اللبناني وبالتحديد إلى الأسواق الاستهلاكية مليارا دولار، لا بد وأن يرتفع معدل النمو، وعندما يكبر النمو تزيد مداخيل الدولة وتكون السلسلة قد غطت كلفتها. أما بالنسبة لموضوع العجز المترتب والتضخم المرتقب، فالحال ليس أفضل اليوم خاصة في ظل تزايد التململ الاجتماعي ونسبة الفقر ومفاعيل ذلك على الاقتصاد.

وبدل انتظار جلاء الصورة في بريطانيــــــــــــــا، يمكن إعادة النظر في موضوع السلسلة، والتركيز على رفع الأجور المنخفضة بشكل تدريجي سنوياً، وتقدير الحجم المالي الذي سيستفيد منه الاقتصاد اللبناني. الحل الاقتصادي والمالي لم يعد موجوداً خارج الحدود كما اعتدنا، ولا بد من استنباط الحلول الداخلية. وليكن لبنان صنو بريطانيا في الإجراءات الماليـــــــــــــة، خاصة إذا كانت الوسيلة هي توفير بعض العدل إلى أصحاب المداخيل المتدنية.

<كارل ماركس> عاش أكثر من نصف حياته في لندن، ولكن الاقتصاد البريطاني لم يتأثر بأفكاره قيد أنملة. يبدو أن الحال يتبدل بعد قرن ونصف القرن من الزمن.