تفاصيل الخبر

REWIND أو العودة الى الوراء

11/06/2015
REWIND أو العودة الى الوراء

REWIND أو العودة الى الوراء

شارل حلو :<حافظنا أنا وزوجتي بعد الرئاسة على الحياة البسيطة والمعتدلة التي كنا نعيشها قبل الرئاسة>.  

بقلم سعيد غريب

Saad-kحُكي في إحدى نوادر الأدب السياسي ان رجلاً ضاق صدراً من كثرة ما سمع من حديث الزعماء اللبنانيين و<بطولاتهم>، فأقسم ليطلبنّ مكاناً لا يدور فيه لهؤلاء أي ذكر... فرحل شطر الشرق موغلاً في أعماق آسيا فأوروبا حتى خُيّل إليه انه قد وطأ أرضاً لا يمكن أن يكون قد بلغ إليها منهم أثر...

فـألقى فيها عصا التسيار وقصد في أول يوم أحد  مقهى رصيف ليسبح في تفكيره، فإذا بشبّان أربعة يجلسون قبالته، يتساجلون ويتراشقون بالتهم، ولما علا صراخهم تبيّن أنهم لبنانيون وطبقهم الساخن الزعماء أنفسهم...

واليوم، وعشية مرور مئة عام على تكوين لبنان الحالي وبزوغ عصر النهضة، يعيش المؤسسون  - أعني المسيحيين وبخاصة الموارنة - مزيداً من الانكفاء والإحباط، وحقيقة مفقودة إلا من الشتّامين...

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لم يبذل المسيحيون ولاسيما الموارنة أي جهد لإنتاج أي جديد في النظرة الموضوعية الى مستقبل أبنائهم وأبناء أبنائهم.

لم يستطيعوا، ولم يحاولوا حتى، إنتاج طقم سياسي جديد، بل جيل جديد من السياسيين لأنهم باتوا عاجزين عن الخروج الى غدٍ أفضل خالٍ من رواسب الأمس بفعل ارتباطهم بزعمائهم، لا بدولتهم، ارتباط النفس بالجسد.

لم يتمكنوا من إيجاد مَنْ ينقذ المجتمع المسيحي ومن هو القادر على إيقاظ هذا المجتمع من غيبوبة فكرية وروحية، لأنهم يعيشون في الماضي!

كرهوا قبل حوالى خمسة وخمسين عاماً من بنى لهم دولة ومؤسسات، فقط لأن مجموعة من السياسيين الكبار أرادت ذلك.

نبذوا من حافظ على العملة الوطنية ولم يفرّط بالسيادة، فقط لأن هناك من قال لهم: لا أريده... إنه ضعيف...

أطاحوا بالمؤسسات التي بناها الأول وضربوا العملة التي حماها الثاني، فقط لأن الزعيم يمتلك نعمة لم يمنحها الخالق لا للأول ولا للثاني: <الكاريزما>...

وبلغ التأزيم حد الجنون: أنت غير مصطف، إذاً أنت لست مسيحياً أصيلاً، أنت مشكوك بكفايتك ووطنيتك وحتى بهويتك...

والمشكلة الكبيرة ان جنون اليوم لا يريد أن يتعرف الى مشروع الدولة الحديثة أو على الأقل الإدارة الحديثة التي دخلت لأول مرة في تاريخ لبنان عام 1959 ولم تعش أكثر من سبع سنوات بفضل الزعيم...

وقبيل وفاة الرئيس فؤاد شهاب بشهر تقريباً، قال للأستاذ باسم الجسر: <إنهم - أي الزعماء - مستمرون في اعتبار الدولة بقرة حلوباً، ولا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية أو الطائفية أو الإقليمية، ولا يشعرون بأن الأرض تتحرّك من تحتهم، إنهم سيستيقظون يوماً ليروا الثورة في كل مكان وقد يطردهم <الطفرانون> والمسحوقون حتى من منازلهم ويضربونهم في الشوارع>...

إن كل الذين قاربوا فؤاد شهاب بعد العام 1970 شعروا بأنه كان يائساً من إصلاح الحال وخائفاً على المصير اللبناني وكان يردد: <لم يبقَ من أمل للبنان سوى أجياله الطالعة، فقد يوفق هؤلاء إن لم تجرفهم الطائفية وشهوة المال والتبعية للزعيم الى إيجاد معادلة وطنية جديدة ترمم وتبعث روح ميثاق 1943>.

سقط رهان فؤاد شهاب على الأجيال الطالعة لأنها غرقت في حروب لبنان، واستعاد الزعيم الزمام بعد أفولها لبعض الوقت.

ولا يزال <يذبح بظفره> واستمرت كلمته مقدسة.

في الالفية الثالثة، مطلوب من الناس ان تخاف كل يوم، ان تعيش الخوف وهي في الفراش، فخوف الناس أوكسيجين الزعيم، وهو يموت اختناقاً ومن الهمّ إذا ارتاح الناس وزال عنهم الخوف...

ماذا يعمل الزعيم إذا ارتاح الناس، سيكون خارج الخدمة، إنه عاطل عن العمل...

نردّد بعد هذا كله مع أنسي الحاج رحمه الله ما كتبه قبل مدة قصيرة من وفاته:

<الديكتاتورية تبني دولة، ونحن اللبنانيين في حاجة الى دولة، الى جيش دولة ودرك دولة وموظفي دولة، لا الى فاشلين يستمدون وجودهم من طوائفهم. والديكتاتورية في لبنان لا تدوم، إلا بدوام صاحبها، وبعده الطوفان، أو حاكم ذكي يستغل ما بناه سابقه ليكمل البناء عليه.

ولن تكون هناك ضرورة للطغيان. لقد بنى الطغيان الدولة في فرنسا. وجاء <نابوليون> بعد الثورة يصادر الطغيان، ولكنه يعزّز ويكمل بناء الدولة.. ولما ماتَ عادت الملكية ولكن دامت الدولة ومؤسساتها الى الآن... ليس مثل الطاغية من <يربي> الطفيليات>...

وبعيداً من هذا الكلام الوجداني النابع من وجع، نقول انه وكما كان الموارنة أول المتمسكين بقيام لبنان، يجب ان يظلوا آخر المتمسكين ببقائه، بقيادات حكيمة تعيد البلد الى صفائه وقيمته ورسالته الحضارية، بتكرار رجالاته الذين بنوا بلداً لا نزال نغرف مما تبقى من خيراتهم.

لقد أسسوا لبنان لأنهم كانوا سادة الحوار، وقد يخسره الأحفاد وأبناء الأحفاد لأن مجتمعهم تعسكر...

لبنان بعد أربعين سنة من النزاعات في حاجة الى رئيس يكون للبنان وليس فقط للطائفة المارونية.

والموارنة إذا عرفوا كيف ينقذون لبنان، يكونون قد أنقذوا الشعب اللبناني بأسره، ولا يمكن إنقاذ لبنان إلا إذا فكر الموارنة - رغم ضعفهم اليوم - بإنقاذ لبنان فقط لا غير...

صحيـــح أن سائـــــر الطـــــوائف ليـــست بأفضــــل حـــــــالاً، وإن ابتعد أحد المكونات عن <ثقافة> التوريث، ولكن المشكلة الكبرى لــــــدى الموارنـــــة انهم يعيشون منذ سبعة وعشرين عاماً علــــــى REWIND  أو العـــــــودة الى الوراء...  لعلّها مأساة المآسي...