سلام يحصر التعيينات بالشواغر الأمنية والقضائية والمالية ويعمل لتطبيق المداورة على المراكز الادارية غير الحصرية
إذا كانت المهمة الأبرز لحكومة الرئيس تمام سلام تأمين الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل 25 أيار (مايو) المقبل موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، ومعالجة الشأن الأمني المتدهور ومواكبة أوضاع النازحين السوريين واستكمال ملف التلزيمات النفطية وغيرها من المواضيع الملحة التي <تجمّد> البحث فيها خلال سنة تقريباً من عمر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تصريف الأعمال، فإن ثمة من يعمل، بعيداً عن الأضواء، على <تمرير> تعيينات ادارية تتطلب موافقة مجلس الوزراء، لإحلال أشخاص معينين في مواقع ادارية معينة، أو لتثبيت وضع أشخاص سبق أن عينوا في مراكزهم بالانابة أو بالوكالة. وينطلق هؤلاء السعاة من كون بعض المراكز الادارية والأمنية بحاجة الى من يشغلها بالأصالة نظراً لدقتها أو لطبيعة العمل فيها، وذلك في محاولة للاستفادة من ضرورة ملء هذه الشواغر في مواقع حساسة من أجل <اسقاط> المرغوب بهم في المواقع الادارية <عل ضهر البيعة>، كما يقول المثل العامي.
نواب حاكم مصرف لبنان
إلا أن مراجع حكومية مسؤولة كشفت لـ<الأفكار> أن الرئيس تمام سلام ليس في وارد الدخول في <بازار> التعيينات وما يُحاك حوله باستثناء بعض المواقع الضرورية التي لا يجوز استمرار إشغالها بالوكالة أو بالانابة، ومواقع لا يمكن تكليف
أحد تسلمها بالانابة، ويأتي في مقدمة هذه المواقع ــ استناداً الى المراجع الحكومية نفسها، نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة الذين تنتهي ولايتهم مع نهاية شهر آذار (مارس) الجاري ما يجعل مجلس حاكمية مصرف لبنان يقتصر على الحاكم رياض سلامة وحده من دون نوابه الذين يتولون عادة متابعة دوائر وأقسام المصرف كافة. وفي هذا السياق، تشير معلومات <الأفكار> الى أن الاتجاه يصب بتجديد تعيين نواب الحاكم الأربعة 4 سنوات جديدة، وهم السادة: رائد شرف الدين، محمد البعاصيري، هاروتيون صاموئيليان، سعد عنداري، لأن الجهات التي دعمت تعيين هؤلاء الأربعة في الولاية الأولى ترغب في التجديد لهم لولاية ثانية لتأمين الاستمرارية على مستوى ادارة القطاع المالي بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ولعل ما يدفع في اتجاه ابقاء القديم على قدمه، عدم الرغبة في الدخول بتغييرات يمكن أن تؤثر على عمل مصرف لبنان حيث الاستقرار أحد عوامل نجاحه. ومن المرجح أن تصدر تعيينات نواب الحاكم خلال أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء.
مدير قوى الأمن والمجلس العسكري
في المقابل، تعمل مراجع أمنية على استكمال التعيينات في عدد من المواقع الأمنية في الجيش وقوى الأمن الداخلي على أساس أن الظروف الراهنة تحتم شمول <الاستقرار> القيادات الأمنية لتتمكن من القيام بمسؤولياتها وهي مطمئنة الى الغد الذي لن يحمل تغييراً مرتقباً لاسيما إذا ما تضاربت الآراء السياسية وتجددت الخلافات. ومن هذه المراكز المدير العام لقوى الأمن الداخلي حيث يتوقع أن يقترح وزير الداخلية نهاد المشنوق تثبيت اللواء ابراهيم بصبوص في الموقع الذي يشغله اليوم بالانابة لاسيما وان قادة الوحدات في قوى الأمن الذين يتألف منهم مجلس قيادة قوى الأمن باتوا أصيلين في مراكزهم، في حين رئيسهم اللواء بصبوص موجود على رأس هذا الجهاز الأمني... بالانابة.
وبالتزامن تسعى المراجع نفسها الى أن تنسحب التعيينات باتجاه أعضاء المجلس العسكري في وزارة الدفاع الوطني الذي يفتقد الى ثلاثة من أعضائه هم: المفتش العام، المدير العام للادارة، العضو الرديف، فيما منصب رئيس الأركان يشغله اللواء وليد سلمان ومنصب قائد الجيش يشغله العماد جان قهوجي بحكم تأخير تسريحهما منذ انتهاء فترة خدمتهما الأساسية. أما العضو السني وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير فهو العضو الأصيل الوحيد في المجلس العسكري إذ تم تعيينه في آخر جلسة عقدتها حكومة الرئيس ميقاتي قبل أن يقدم رئيس الحكومة استقالته احتجاجاً على عدم تجديد تعيين اللواء أشرف ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي.
المدعي العام التمييزي
وعلى خط مماثل، ثمة سعي الى تثبيت القاضي سمير حمود في منصب المدعي العام التمييزي الذي يشغله بالإنابة منذ إحالة المدعي العام السابق القاضي حاتم ماضي الى التقاعد، لاسيما وأن هذا المنصب هو أحد المناصب الثلاثة الحكمية في مجلس القضاء الأعلى، الى جانب رئيس مجلس القضاء القاضي جان فهد ورئيس هيئة التفتيش القضائي أكرم بعاصيري. وتأمل مراجع قضائية معنية أن يؤدي تعيين مدعي عام أصيل الى تحريك ملف المناقلات القضائية بعد تعثر المحاولات التي تمت في العامين الماضيين وكان آخرها <تجميد> مشروع مرسوم التشكيلات الجزئية في رئاسة الحكومة بعدما كان أقره مجلس القضاء وحمل توقيع وزير العدل السابق النقيب شكيب قرطباوي، وقيل يومئذ في تبرير <التجميد> ان الحكومة كانت في واقع تصريف الأعمال، وأن عدم وجود مدعي عام تمييزي أصيل حال دون مشاركته مجلس القضاء الأعلى في وضع هذه المناقلات لأن إشغال موقع المدعي العام التمييزي بالإنابة لا يخوله حضور جلسات مجلس القضاء الأعلى. وفي هذا الإطار تتحدث المعلومات عن ضرورة تحريك وزير العدل أشرف ريفي هذا الملف، في وقت أشارت مصادر قضائية الى وجود مرشحين اثنين (غير القاضي حمود) لمنصب المدعي العام التمييزي يمكن أن يتم اختيار أحدهما لهذا المنصب القضائي البارز. وخلال الزيارة التي قام بها الوزير ريفي لنقابة المحامين في بيروت، أكد أمام النقيب جورج جريج أنه سيوقع أي تشكيلات قضائية يقرها مجلس القضاء الأعلى بالاجماع انطلاقاً من التزامه الحفاظ على استقلال القضاء ومتابعة ورشة العمل داخل المؤسسة القضائية ادارياً وعملانياً.
مجلس الخدمة المدنية
وفي المواقع المالية والأمنية والقضائية التي يجري العمل على ملء الشواغر فيها، برزت محاولة لكي تشمل التعيينات منصب رئيس مجلس الخدمة المدنية الذي شغر بعد إحالة الوزير السابق خالد قباني الى التقاعد، حيث يجري التداول باسم اداري بيروتي لتولي هذه المهمة. ولفتت مصادر متابعة الى أن 3 مواقع أمنية وقضائية وادارية تعود عرفاً للطائفة السنية وهي: مدير عام قوى الأمن الداخلي، المدعي العام التمييزي، ورئيس مجلس الخدمة المدنية، ولا تدخل ضمن سلة المداورة في الطوائف التي ينوي الرئيس سلام اعتمادها في المراكز الادارية أسوة بما حصل خلال عملية تشكيل الحكومة حيث طُبقت المداورة على مستوى المذاهب والطوائف في كل الوزارات في ما عدا وزارة الدفاع لأن من تولاها هو نائب رئيس مجلس الوزراء الأرثوذكسي عرفاً.
وتوقعت مصادر سياسية أن تصطدم رغبة الرئيس سلام في اعتماد المداورة الطائفية في المراكز الادارية غير المحددة حصراً وعرفاً، باعتراض رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يرغب في أن تتم التعيينات خلال ما تبقى من ولايته الرئاسية وفق الآلية التي كانت حكومة الرئيس سعد الحريري قد أقرتها، والتي لا تلحظ تغييراً في طائفة المديرين العامين. إلا أن بعض الوزراء اعتبر أن اجراء المداورة على غير المواقع المحددة حصراً، أمر ينسجم مع توجه الحكومة التي طبقت المداورة على مستوى الوزراء، فكيف الحال بالنسبة الى كبار الموظفين؟
ثغرة بروتوكولية يمكن تفاديها بتعديل مرسوم التشريفات...
لماذا لا يقام حفل تسليم وتسلّم في السرايا بين رئيسي الحكومة السلف والخلف أسوة برئاسة الجمهورية؟
أبدت مصادر ديبلوماسية استغرابها لعدم حصول تسليم وتسلّم بين رئيس الحكومة الجديد ونظيره السابق، على غرار ما يحصل في رئاسة الجمهورية وبين الوزراء الجدد والسابقين، نظراً لما تحمله مثل هذه الخطوة من بعد ديموقراطي حول الاستمرارية في المؤسسات الدستورية للدولة. وتساءلت هذه المصادر عن الأسباب التي تحول دون حصول احتفال يسلّم خلاله رئيس الحكومة المنتهية ولايته خلفه، طالما أنه لا يحصل أي فراغ في موقع رئيس الحكومة لأن مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة يصدر بالتزامن مع مرسومي قبول استقالة الحكومة السابقة وتكليف رئيس الحكومة الجديد، ما يعني في المفهوم الدستوري ان الرئيس المستقيل يظل يمارس صلاحياته مع وزرائه، حتى صدور مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، ما يجعل عملية التسليم والتسلم طبيعية ومنطقية، كما يحصل بين رئيس الجمهورية المنتهية ولايته والرئيس الجديد للجمهورية بعد أداء الأخير قسم اليمين في مجلس النواب.
وفي هذا السياق، يقول خبير المراسم اللبنانية أن لا شيء يحول دون إقامة احتفال التسليم والتسلم بين رئيس الحكومة الجديد وسلفه في السرايا الكبير في اليوم نفسه لصدور مراسيم تشكيل الحكومة أو في اليوم التالي، وأن <الزيارة التقليدية> التي يقوم بها الرئيس المكلف بعيد تكليفه لرؤساء الحكومات السابقين قبل بدئه الاستشارات النيابية، لا يمكن أعتبارها بمثابة تسليم وتسلّم طالما أن الرئيس المكلف لم يصدر مرسوم تكليفه وفقاً للدستور، بل ان واقعة التكليف تمت من خلال بيان يصدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية. ويضيف الخبير نفسه ان ما حصل مع الرئيس تمام سلام دليل حي على أن الزيارة التقليدية التي قام بها الى الرئيس ميقاتي غداة تكليفه لم تكن تسليماً وتسلماً، إذ بقي الرئيس سلام أكثر من 10 أشهر وبضعة أيام قبل أن يشكل حكومته الجديدة، في وقت استمر فيه الرئيس ميقاتي يمارس مسؤولياته الحكومية من السراي الكبير طوال هذه المدة، وكذلك الحال بالنسبة الى الوزراء في حكومته الذين صرفوا الأعمال الوزارية حتى لحظة صدور مرسوم تشكيل حكومة سلام.
مندرجات التعديل
وفي رأي الخبير نفسه انه لا بد من معالجة هذا الخلل الذي قد يتكرر مرة أخرى إذا لم يتم تحديد مهلة معينة لتشكيل الحكومة، وهو أمر مستبعد حالياً في ظل التجاذبات السياسية القائمة، ما يجعل اقامة احتفال للتسليم والتسلم بين رئيس الحكومة وسلفه بُعيد صدور مرسوم تشكيل الحكومة، من المراسم المكملة لتسليم رئيس الحكومة الجديدة مسؤولياته، فعوضاً أن يستقبله أمين عام رئاسة مجلس الوزراء مع كبار الموظفين، يكون سلفه في استقباله في السرايا ويتم التسليم والتسلم، على أن يودع الرئيس الجديد سلفه بالحفاوة نفسها. ويعتقد الخبير في المراسم أن تكريس احتفال التسليم والتسلم بين رئيسي الحكومة السلف والخلف ممكن من خلال تعديل مرسوم التشريفات والمراسم رقم 4081 الذي صدر بعد موافقة مجلس الوزراء في حكومة الرئيس سليم الحص في 11/10/2000 خلال عهد الرئيس السابق اميل لحود، والذي اعتبر أول مرسوم يحدد التشريفات في الجمهورية اللبنانية، بعد نظام التشريفات الذي وضع في 2 آب (أغسطس) 1944 في العهد الاستقلالي الأول. ويلحظ نظام التشريفات المنصوص عنه في المرسوم 4081 المراسم الواجب اعتمادها في مناسبات رسمية عدة، بينها احتفال التسليم والتسلم بين رئيس جمهورية سابق ورئيس جمهورية منتخب بعد أدائه القسم في مجلس النواب.
ولفت الخبير نفسه الى أن اقامة احتفال للتسليم والتسلم بين رئيسي الحكومة السابق والجديد، لا تلغي الزيارات التقليدية التي يقوم بها رئيس الحكومة بعد تكليفه لرؤساء الحكومات السابقين لأن هذه الزيارات هي <شكلية>، فيما احتفال التسليم والتسلم له مدلولاته البروتوكولية والمعنوية والدليل على تداول السلطة في نظام ديموقراطي يطبق ــ مبدئياً ــ في لبنان!