تفاصيل الخبر

ربيع شديد السخونة مع إنجاز الاتفاق النووي بين أميركا وإيران

06/03/2015
ربيع شديد السخونة مع إنجاز الاتفاق النووي بين أميركا وإيران

ربيع شديد السخونة مع إنجاز الاتفاق النووي بين أميركا وإيران

بقلم وليد عوض  

Houland2200017

أين نحن مما يدور حولنا؟! أين نحن من الهجوم العسكري للنظام العراقي ضد قوات <داعش> في محافظة صلاح الدين، وتحمل شعار <لبيك يا رسول الله>؟! أين نحن من هذه المعركة الحاسمة المسماة <إنزال النورماندي رقم 2>، تشبهاً بإنزال الحلفاء في ساحل <النورماندي> الفرنسي عام 1944؟! أين نحن من سيطرة النظام السوري بعسكره ومدافعه وبراميله المتفجرة في الشمال والجنوب من سوريا؟!

   من حقنا أن نطرح كل تلك الأسئلة، لأن الفعل للمنطقة، والمرآة لبيروت. وكانت بيروت، بل لبنان كله، الكتلة المشتعلة في هذه المنطقة من عام 1975 الى عام 1991، فيما كانت المنطقة كلها في سبات وسكون، وهذا ما جعل لبنان حلبة تصفية الحسابات السياسية والعسكرية وأتاح للصحافي الكبير الراحل غسان تويني أن يسميها حرب الآخرين على أرضنا. أما الآن فالصورة معكوسة تماماً، كل المنطقة مشتعلة كالبركان، ووحده لبنان هادئ نسبياً، ويستقبل المتزلجين من الخارج على ثلوج فاريا والأرز، ويحتفل بإقامة مباراة ملكة جمال أوروبا، وعلى أرضه يجري تصوير عدد من الأفلام العربية.

   ولو كان غسان تويني على قيد الحياة لسمى ما يحدث في المنطقة بحرب بعض اللبنانيين على أرض الغير، ذهاباً من قوات حزب الله المشاركة في معارك سوريا والعراق، وكل معادلة إنقاذ وطني تنطلق الآن من ضرورة انسحاب قوات حزب الله من سوريا، والعراق الذي رفده الحزب بألف مقاتل لدحر قوات <داعش> في محافظة صلاح الدين، وصولاً الى الموصل، إضافة الى تجفيف مصادر تمويل وتسليح تنظيمي <داعش> و<النصرة>.

   ويتابع اللبنانيون بكل عناية مجريات الأحداث في المملكة العربية السعودية التي استضافت في أسبوع واحد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التركي <رجب طيب أردوغان>، وكان المأمول أن يتكون هناك لقاء بين الرئيس المصري والرئيس التركي، وتضع الخلافات بين البلدين أوزارها. ولكن الرئيس السيسي اكتفى بزيارة يوم واحدة للمملكة السعودية، فيما كان <أردوغان> يقوم بأداء العمرة في مكة المكرمة، ويزور ضريح الرسول عليه السلام في مسجد المدينة المنورة، وكأن المطلوب من السيسي أن لا يلتقي <أردوغان> قبل تصفية بعض الشوائب في علاقات البلدين.

   فما هي هذه الشوائب؟

 

السيسي و<أردوغان>!

   عندما كان عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع، وكان محمد مرسي يحتل سدة الرئاسة، كانت تركيا تجاهر علناً بتأييدها لحكم الاخوان المسلمين، وظلت على هذا المنوال حتى بعد سقوط عهد محمد مرسي، ولم تتورع عن انتقاد الرئيس السيسي، وعن الإساءة الى العهد المصري الجديد، بل وأبدت استعدادها لاحتضان الاخوان المسلمين التي طلبت دولة قطر ترحيلهم عن أراضيها، انسجاماً مع وحدة السياسة الخليجية. واحساس <أردوغان> بالعزلة في المنطقة العربية هو الذي جعله في الكواليس يتوسط المملكة السعودية ذات التواصل الكبير مع مصر لتهدئة الاحتقان السياسي بين القاهرة وأنقرة.

   ورأب الصدع بين العاصمة المصرية والعاصمة التركية يحتاج الى وقت، خصوصاً بعدما تحاشى الرئيس السيسي لقاء <أردوغان> وهو يزور مكة المكرمة ويؤدي حج العمرة، واكتفى السيسي بزيارة الرياض ليوم واحد.

   وبدا واضحاً من زيارة الرئيس السيسي للرياض انه أراد استمزاج رأي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز في مشروعه الداعي الى إنشاء قوة عربيObama-and-Hassan-Rohaniة لمواجهة الارهاب الذي لا يستثني الآن أية دولة عربية، ولم يأت لطلب المصالحة مع <أردوغان>، وإن كان الأخير يطلبها ويسعى لها بقضه وقضيضه.

   وتجتمع المؤشرات كلها على ان ربيع المنطقة سيكون ساخناً، كما عادة ربيع الحروب، خصوصاً إذا تم توقيع الاتفاق الموعود حول الملف النووي بين الولايات المتحدة وإيران، على اثر التقدم الذي أُحرز في مدينة <مونترو> السويسرية مطلع هذا الأسبوع بين وزير خارجية الولايات المتحدة <جون كيري> ووزير خارجية إيران <محمد جواد ظريف>. والذين زاروا <مونترو> يذكرون تماماً ملاعب كرة المضرب المنتشرة حول البيوت، ويتابعون باهتمام كرة المضرب السياسية الطائرة بين رئيس الديبلوماسية الأميركية ورئيس الديبلوماسية الإيرانية، على أمل أن ينتهي <الماتش> مع أواخر هذا الشهر.

   والمتضرر الأول من وصول هذا <الماتش> الى منتهاه هو رئيس وزراء اسرائيل المنتهية ولايته <بنيامين نتانياهو> لأنه يحمل رسم القنبلة النووية الإيرانية ويطوف به على منابر العالم الغربي تماماً كما فعل في أيلول (سبتمبر) 2012 من منبر الأمم المتحدة.

   ويعرف <نتانياهو> تماماً من خلال استخباراته، وفي طليعتها <الموساد> ان إيران لا تملك قدرة الحصول على <اليورانيوم> المخضب لانتاج قنبلة نووية، ومع ذلك يجعل من هذا الموضوع <فزاعة> للعالم، تماماً كذلك الفلاح الذي كان يصرح بأن الذئب قد أتى إليه، فهب الأهالي لنجدته في صراخه الأول، وتبينوا أن لا ذئب هناك ولا من يهجمون، ثم تكرر صراخه الكاذب في المرة الثانية، فهبوا الى نجدته، ولم يعثروا على الذئب، وحين أتى الذئب بالفعل في المرة الثالثة وراح الفلاح يصرخ، لم يصدقه أحد، ووقع فريسة الذئب!

حرف الباء!

 

   و<أوباما> و<نتانياهو> يعتمدان في توصيف علاقات تل أبيب وواشنطن أسلوباً واحداً: <أوباما> يقول إن الخلاف مع <نتانياهو> لا يعني الخلاف مع اسرائيل، و<نتانياهو> يقول في زيارته الأخيرة لواشنطن والخطابة أمام <الكونغرس> ان الخلاف مع الرئيس <أوباما> الذي يحترم فيه الرجل والمقام لا يعني الخلاف مع الولايات المتحدة. مجرد عملية تمويه للأزمة المستعرة بين رئيس الولايات المتحدة و<نتانياهو>. أو بين حرفي الباء: <بنيامين> و<باراك>!

   فرئيس وزراء اسرائيل يريد تخريب المحادثات الأميركية ــ الإيرانية حول الملف النووي، بذريعة تعطيل الوصول الإيراني الى انتاج قنبلة نووية، ويحاول أن يأخذ في طريقه الرئيس <أوباما> بحيث يجرده من سلطة السياسة الخارجية. ورئيس الولايات المتحدة لا يريد إفساد المحادثات الأميركية ــ الإيرانية لأن نجاحها يعني نجاح واشنطن وطهران في تقاسم المصالح على مستوى الشرق الأوسط. وإيران محيطة بهذه اللهفة الأميركية، وترفع من منسوب شروطها في المفاوضات، بدءاً من وقف العقوبات الاقتصادية والمالية الأميركية والأوروبية مرة واحدة عنها، لتحريك اقتصادها المتأثر بالمقاطعة. والإدارة الأميركية تريد رفع العقوبات بالتقسيط، لترى مدى صدقية إيران في التعامل مع الملف النووي وتخصيب <اليورانيوم>. وقد جاء وزير الخارجية الأميركي بالأمس الى الرياض ليطمئن السعودية بأن الاتفاق النووي مع إيران لا يعني اطلاق يد إيران في المنطقة، ولاسيما اليمن.

   وهذه الريح تنفخ الآن في أحداث المنطقة من ليبيا الى اليمن، وتترك آثارها وتداعياتها على كل دولة في الشرق الأوسط، ولاسيما العراق وسوريا واليمن ولبنان. وها هي إيران تلتقي مع الولايات المتحدة في العراق حيث يشارك الحرس الثوري بقيادة الجنرال <قاسم سليماني> في معارك تكريت وباقي مدن محافظة صلاح الدين ضد قوات <داعش>. أي الولايات المتحدة تقصف جحور <داعش> من الجو، وإيران تقصف هذه الجحور من البر، والاثنان في فلك واحد يسبحان.

سيسي-و-سلمانحكاية النواب الأربعة

 

   ومن يدري؟! فقد يمتد هذا التعاون الى مناطق أخرى، مثل شمالي سوريا، لأن الولايات المتحدة وفرنسا تقصفان الأراضي العراقية من الجو، ولكنهما لا تفعلان ذلك في سوريا، وتتكل الولايات المتحدة في تطهير الشمال السوري من قوات <داعش> على الأتراك الذين وافقوا على مشاركة واشنطن في تسليح وتدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة.

   ولا تسقطوا من الحساب زيارة النواب الفرنسيين الأربعة لسوريا، ولقاءهم الرئيس بشار الأسد، وفي هؤلاء النواب واحد ينتمي الى حزب <الاتحاد من أجل حركة شعبية> برئاسة <نيقولا ساركوزي>. صحيح ان الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> ووزير خارجيته <لوران فابيوس> أدانا في تصريحاتهما زيارة النواب الفرنسيين الأربعة لسوريا، إلا ان النواب الأربعة يعترفون بأنهم أخبروا وزارة الخارجية الفرنسية بهذه الرحلة، ولم يمارسوها بطريقة التهريب. وهذا معناه ان التصريحات شيء والواقع المخفي شيء آخر.

   كل هذه التطورات يجب أن تسترعي اهتمامنا نحن في لبنان، لنعرف أين يتجه بنا المركب، ومتى يؤذن لنا بأن ننتخب رئيس جمهورية.

   قبل وضع عبارة <الختام> على محادثات واشنطن وطهران مع نهاية هذا الشهر، وانكشاف المشهد في العراق وسوريا، تخطئون إذا تصورتم بأن الفرج قريب!