تفاصيل الخبر

وزير المالية الأسبق الدكتور جهاد أزعور بكل موضوعية: الملفات المالية والاقتصادية لا بد أن تكون أولوية لأنها تشكّل جزءاً أساسياً من الاستقرار العام!

11/03/2016
وزير المالية الأسبق الدكتور جهاد أزعور بكل موضوعية: الملفات المالية والاقتصادية لا بد أن تكون أولوية  لأنها تشكّل جزءاً أساسياً من الاستقرار العام!

وزير المالية الأسبق الدكتور جهاد أزعور بكل موضوعية: الملفات المالية والاقتصادية لا بد أن تكون أولوية لأنها تشكّل جزءاً أساسياً من الاستقرار العام!

 

بقلم حسين حمية

2-(8)

أطلق وزير المالية علي حسن خليل جرس الإنذار منذ أسبوعين وقال بصراحة إن الوضع المالي سيئ ولا حل إلا بإقرار الموازنة العامة، وهذا ما أكده مجلس الوزراء في إحدى جلساته، لاسيما وأن العجز وصل الى أربعة مليارات دولار والدين العام ارتفع بوتيرة مطردة، والعجز في ميزان المدفوعات يرتفع والنمو يكاد يكون صفراً، في وقت طرح خيار فرض رسم على مادة البنزين لتمويل الانتخابات البلدية وتأمين المبالغ الضرورية لمتطوعي الدفاع المدني بعد تثبيتهم، ولتأمين رواتب موظفي القطاع العام بشكل منتظم ناهيك عن استحقاق سلسلة الرتب والرواتب. فكيف ينظر المعنيون الى هذا الواقع السيئ خاصة مع تلويح دول الخليج بإجراءات مالية  مثل سحب الودائع وإبعاد الرعايا اللبنانيين؟!

<الأفكار> التقت وزير المالية السابق الدكتور جهاد أزعور داخل مكتبه وسط بيروت وحاورته في هذا الخضم بدءاً من السؤال:

ــ الواقع المالي سيئ والوزير علي حسن خليل يقرع جرس الإنذار ويؤكد أنه لا بد من إقرار الموازنة في ظل الإنفاق المتزايد وانخفاض الواردات، فكيف تقارب هذا الوضع؟

- تسارع الأحداث والتشنج السياسي في البلد جعلا المواضيع المالية والاقتصادية خارج الاهتمام الرسمي رغم أن التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية هي بأهمية التحديات السياسية والأمنية لأن هناك جزءاً أساسياً من الاستقرار مرتبط بهذه المواضيع. فنحن نشهد منذ 5 سنوات تراجعاً تدريجياً في المناعة الاقتصادية خاصة وان نسبة النمو لا تتخطى 2 بالمئة، وهذا أمر غير كافٍ لخلق فرص عمل لا بل هذه النسبة الضعيفة خلقت هجرة الطاقة البشرية المتعلمة الى الخارج، وإذا نظرنا الى الأرقام نجد أن حوالى 40 بالمئة من المغادرين جامعيون، وكذلك في غالبيتهم بين أعمار 25 و45 سنة، وهذا نزيف كبير للبنان. كذلك هناك قطاعات تؤثر إيجابياً على فرص العمل وهي قطاع السياحة وقطاع البناء ونراها تشهد تراجعاً، كما أن قطاعات أخرى لم تتأثر بالوضع القائم لاسيما الزراعة والصناعة بسبب أن سوريا ضُرب اقتصادها في المرحلة الأولى، لكن بعد إقفال الحدود البرية تأثرت هذه القطاعات سلباً. وإذا انتقلنا الى الوضع المالي نجده يتراجع بشكل كبير، وبسبب عدم إقرار الموازنات لا يتم نقاش حول هذا الأمر، وإذا استندنا الى الأرقام نجد أن حجم الإنفاق عام 2008 بلغ حوالى 12 ألف مليار ليرة، واليوم نجد أن حجم الإنفاق وصل ما بين 22 و23 ألف مليار، أي انه تضاعف.

وأضاف يقول:

- كما أن العجز وصل الى أربعة مليارات دولار لأن الإيرادات في تراجع والدين يزداد وخدمته تزداد وأيضاً ميزان المدفوعات يثقل كاهله بالرغم من تراجع سعر النفط على اعتبار أننا نستورد بحوالى 6 مليارات دولار مشتقات نفطية سواء للكهرباء أو للاستهلاك الداخلي، ولكن هذه الفاتورة انخفضت حوالى النصف، ومع ذلك لا يزال هناك عجز في ميزان المدفوعات، في وقت نجد أن أزمة النزوح السوري عميقة بتداعياتها الاجتماعية لأنها تؤثر على المناطق الأكثر ضعفاً وعلى الذين يتعلمون في المدارس الرسمية وعلى الأطراف والقرى الفقيرة، وكذلك أثرت على فرص العمل للذين لا يملكون المؤهلات، نظراً لوجود منافسة، وبالتالي هذا التراجع الاقتصادي لا يأخذ المساحة الكافية من النقاش رغم أهميته لأن الاستقرار الاجتماعي مهم ولا يقتصر الأمر على الاستقرار الأمني، حتى انه لا يمكن تأمين الاستقرار النقدي إذا لم يتأمن الاستقرار الاجتماعي لأن الدورة الاقتصادية هي التي تعطي للموظف والعامل القدرة الشرائية، ناهيك عن حراجة الوضع الإقليمي وتأثيره السلبي على لبنان وتسارع الملفات السياسية وعدم وجود أي أفق للحلول، ما جعل الناس ينسون هذه الأولويات ويهتمون بالأمور الضاغطة، إضافة الى أن عدم انتظام عمل المؤسسات يزيد الطين بلة ولا يفسح في المجال للحوار حول الملفات الاقتصادية، فلا رئيس للجمهورية ولا حكومة تستطيع وضع برناج اقتصادي مالي، والمجلس النيابي لا يجتمع بطريقة منظمة، والحكومة لا تقدم أي موازنة لكي يتابعها المجلس ويراقب أعمالها.

المرحلة الانتقالية والموازنات

ــ ماذا تطلق على هذه المرحلة؟

- هذه مرحلة انتقالية قد تطول وكلفتها عالية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية دون أن تكون مرئية، وعام 2016 هي مرحلة تحتاج لكي نكون جديين في المحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، حيث ينطلق من مسألتين: الأولى الثقة بأن الأمور تحت السيطرة وعدم زعزعتها، والثانية هي اهتمام الحكومة بشكل فاعل بالملف المالي والاقتصادي.

ــ هل الحل بإقرار الموازنة المتوقعة منذ العام 2005، وهل أسباب عدم إقرارها سياسية أم قصة الـ11 مليار دولار التي صُرفت في عهدك كوزير للمال عند استحضار قطع الحساب عن السنوات الماضية؟

- الموازنة هي صك تشريعي أساسي ناظم لعمل الدولة، وجزء أساسي من عمل المجلس النيابي ونص الدستور عليها وأعطاها أولوية التشريع، وبغض النظر عن كل النقاط التي يدور الخلاف حولها، ففي الأساس الموازنة أهم بكثير من الحالة التي يتم التعاطي معها، وكل النقاش خارج الخطوط العريضة الأساسية لا يغير شيئاً في المعادلة بضرورة إقرار الموازنة، هذا أولاً. وثانياً فالمشرع اللبناني عالج الكثير من الأمور، وهو قادر على معالجة هذه المشكلة. وثالثاً فالمعالجة لا يجب أن تتم على حساب إدارة المال العام، وأنا هنا أؤكد أن إقرار الموازنة لا يلغي ولا يجب أن يلغي أي مراجعة للحسابات الماضية،ومن لديه شيء يخاف منه يقول العكس، وأنا ليس لدي ما أخافه يوم كنت وزيراً للمالية، بل بالعكس لدي ما أحب أن أُبرزه وهو مجموعة من القوانين الإصلاحية التي إن طُبّقت تحسّن الكثير من شفافية الإدارة المالية وتضبط عجز الدولة وتحسن في استعمال الموارد التابعة للدولة والتي بسبب تعطيل التشريع متوقفة.

واستطرد قائلاً:

- لذلك ففتح هذا الملف لا يخيفني بل بالعكس، أتمنى أن يحصل بطريقة عقلانية. لكن في المبدأ أعود وأكرر بأن إقرار الموازنة شيء وموضوع مراجعة الحسابات أو الشق السياسي منه لسوء الحظ شيء آخر، ولا بد من فصل الموضوعين عن بعضهما البعض، فانتظام الدورة المالية له التأثير الكبير على انتظام عمل الدولة التي تتفكك تدريجياً وتضعف وتطغى السياسة عليها، ولهذا السبب لا بد من المعالجة السريعة لأن الموضوع المالي اساسي ليس لأنه عصب الدولة فقط، بل لأنه معيار لتقييم الاداء والفاعلية ولمراجعة السياسات المتبعة، وبالتالي لا بد من العودة الى المؤسسات وعلى هذا الأساس ينتظم العمل السياسي وتتم المحاسبة والمساءلة ولا تبقى مجرد وجهة نظر.

الرسم على البنزين

ــ طُرحت فكرة فرض رسم على البنزين لتمويل الانتخابات البلدية ولتأمين الأموال لمتطوعي الدفاع المدني بعد تثبيتهم ولتمويل الإنفاق الجاري على أكثر من صعيد. فكيف ترى ذلك؟

- خلال السنوات الماضية وبسبب عدم إقرار الموازنات كان موظف الدولة يتعرض الى التهديد بعدم وجود اعتمادات كافية لدفع المعاشات، فهذا الموضوع يجب أن يتخذ حوله الإجراء اللازم بغية تأمين الاعتمادات بشكل منظم وقانوني، وهذا أيضاً ينطبق على تأمين خدمة الدين العام. فهذان البندان هما أسهل بندين يمكن أن نقدر تكاليفهما في مطلع السنة ولا يجب أن ننتظر حتى تفرغ الاعتمادات حتى نقول إنه لم يعد هناك اعتمادات كافية لا بل لا بد من استباق ذلك. كما أنه مع زيادة العجز، لا بد من إيجاد موارد لتخفيضه، وأنا هنا أنطلق من تسلسل الأمور، وقبل أن أبحث الإجراء يجب أن أبحث في  الاستراتيجية، وأسأل عن سبب ارتفاع العجز وما هي الإجراءات الواجب اتخاذها، وبكل بساطة أرى أن العجز يرتفع لأن الدولة ترفع نسبة الإنفاق بطريقة غير مقبولة قياساً الى إمكانياتها في ظل تراجع اقتصادها، وبالتالي لا بد من الذهاب الى مصدر الهدر والبحث عن كيفية المعالجة كي تكون صحيحة.

وأضاف:

- اليوم لا بد من وجود اتفاق والتزام بعدم رفع النفقات. وهنا أعطي مثلاً عن موضوع حل النفايات حيث ارتأينا اعتماد الحل الأعلى كلفة وهو الترحيل وكل ذلك لحل خلاف سياسي حول هذا الملف وليس لأنه الحل البيئي السليم والأوفر مالياً على الدولة. وبالتالي لا يمكن لنا أن نبقى نستعمل المال العام لحل الخلافات السياسية ولا يمكن للوزراء المزايدة على بعضهم البعض في مسألة الإنفاق، بحيث أن بعض الوزراء يزايدون على وزير المالية في موضوع تثبيت متطوعي الدفاع المدني وكأنهم يقولون له بأنه لا يمكنه زيادة الإنفاق، وبالتالي زيادة العجز، ومن جهة أخرى يطلبون الاعتمادات للإنفاق ولتثبيت المتطوعين، ما يبرز التضارب وعدم الواقعية، وبالتالي فالخطوات التي تتخذ ترفع الإنفاق وفي الوقت ذاته يمنع على الوزير زيادة الإيرادات فما العمل؟! هنا تكمن المناورة في السياسة، لكن في مسائل المال لا يمكن ذلك، ولا بد من العودة الى الأساس، وهو التزام الحكومة بضوابط على الإنفاق، لأنها ليست بقادرة على رفع إيراداتها وليست بقادرة أن تستدين أكثر. هذا أولاً، وثانياً أنا بطبعي لا أتطلع الى أي إجراء إلا بما يخدم وما هي الجدوى منه، ومن هنا يمكن للإجراء أن يكون مفيداً إذا كان يستطيع أن يخدم بشكل إيجابي.

واستطرد قائلاً:

- وبالتالي لا يمكن فصل الأمور عن بعضها البعض ولا بد من إعادة قراءة السياسة المالية والأخذ بعين الاعتبار توقعات النمو وتوقعات الفوائد التي يمكن أن تعود للارتفاع، وعلى أساس ذلك نحدد الإجراء الواجب اتخاذه، وثالثاً لا بد من الأخذ بالاعتبار نقطة أساسية وهي أننا لا نعلم كم ستطول هذه المرحلة الانتقالية، وهي أصعب المراحل ولبنان في عنق الزجاجة حالياً، ما يستلزم تعزيز الإمكانات الدفاعية أمام هذا الواقع وتأمين القدرة على مرحلة تشهد تقلبات ما يتطلب وجود سيولة عالية في الخزينة، خاصة إذا حدث تشنج سياسي ولم تجتمع الحكومة لأي سبب كان ما يؤمن كل الحاجات بطريقة مسبقة، إضافة الى اعتماد القوانين والاستفادة من الظروف لتمرير هذه المرحلة بأقل الخسائر وتأمين اعتمادات الرواتب وتكلفة خدمة الدين العام، والاستمرار في مراقبة السوق وكيف يتحرك، علماً بأن السوق شهد تقلبات وخضة بعد وقف الهبة السعودية للجيش والقوى الأمنية. فهذه الأمور تعزز الثقة وتجعل المصرفي يرتاح وتجعل مصرف لبنان يرتاح أيضاً ولا يضطر لرفع الفوائد، وتجعل الموظف يرتاح ويصرف أكثر ما يخلق دورة اقتصادية كاملة.. فهذا ما نحتاجه لكن ليس لدي الشعور كمراقب أن هذه الأمور تؤخذ بالاعتبار وتناقش من ضمن صلب الاهتمامات الحكومية.

 

تأثير الإجراءات السعودية

ــ طالما جئت على ذكر الهبة السعودية، فكيف تقارب هذا الملف، خاصة مع تلويح بلدان الخليج بسحب الودائع المالية من لبنان وإبعاد الرعايا اللبنانيين العاملين في تلك البلدان ما يضعف التحويلات المالية وأثر ذلك على الاقتصاد او المالية العامة؟

- بغض النظر عن رؤيتنا للعلاقة مع دول الخليج سواء أكانت إيجابية أم سلبية، وسواء كنا من المؤيدين لهذه الأنظمة أم لا، فمصالح لبنان الاستراتيجية على الصعيد المالي والاقتصادي هي التي تحدد حركتنا، وهذا هو الاهم، ومصلحة لبنان الاستراتيجية بحكم الرابط القوي بينه وبين دول الخليج تحدّدها الوقائع بحيث أننا نصدر حوالى 40 بالمئة من نسبة صادراتنا الى دول الخليج، وأكثر من ثلثي التحويلات المالية تأتي من دول الخليج.

ــ هنا يُقال إن نسبة التحويلات هي 55 بالمئة والأرقام مبالغ فيها، بما في ذلك الودائع وهذا ما أشار  إليه حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة. أليس كذلك؟

- من دون اختلاف، لو اعتبرنا أن النسبة كما قلت 55 بالمئة، فهناك درجة من الترابط مع دول الخليج، لاسيما وأن اقتصاد لبنان منفتح وليس منغلقاً، وبالتالي لا يتحمل أي ضغوط ويتأثر بمحيطه، ولهذا السبب يجب أن تتم المقاربة بشكل عقلاني للحفاظ على العلاقة الاقتصادية والتجارية والمالية مع دول الخليج. هذا أولاً، وثانياً يجب أن نتعاطى مع هذا الملف بطريقة منهجية وليس بطريقة عاطفية.

وأضاف:

- وأعطي هنا مثلاً عن قرار الكونغرس الأميركي المجحف بحق لبنان والمضر باقتصاده وبقطاعه المصرفي، حيث تعاملنا مع هذا القرار بعقلانية وتحرّك القطاع المصرفي ووظف <لوبي> لمتابعة الموضوع، والشيء ذاته فعله مصرف لبنان، والمجلس النيابي أرسل وفداً نيابياً للمتابعة رغم أن أميركا ليست دولة صديقة لعدد من اللبنانيين، لكن مصلحة لبنان اقتضت محاورة الولايات المتحدة، فاليوم يجب أن نفعل الشيء ذاته مع دول الخليج عبر التواصل والحوار والتأكيد على ديمومة العلاقة مع هذه الدول، ونتلمس هواجسهم لنعمل على تبديدها، لكن المشكلة هي أننا نتحدث مع بعضنا البعض كأفرقاء سياسيين مع السعودية وضدها ونتساجل في هذا الإطار وترتفع الصرخة ونترك معالجة الملف مع المعنيين أي دول الخليج. فهذا موضوع لا بد من أن يسحب من بازار السجال السياسي ومن المقاربة العاطفية ونأخذه الى مقاربة مجردة تستند الى مصلحة لبنان، على أن تتحرك الدولة كعمود فقري في العلاقات الخارجية وترسل رسائل بهذا المعنى أو توفد أي وفد لمعالجة الذيول والتداعيات.

وتابع قائلاً:

- كما أن القطاع الخاص لا بد أن يتحرك ولا يقتصر الأمر على زيارة السفارات الخليجية في لبنان، ولا ضرر أن يتحرك مجلس النواب أيضاً، أي بمعنى لا بد من تحريك كل قنوات التواصل ومقاربة الملف مؤسساتياً لما فيه مصلحة لبنان وبهدف نقل النقاش من نقاش داخلي الى عمل جدي للمحافظة على مصالح لبنان الاستراتيجية.

وختم قائلاً:

- لا بد من خفض منسوب الخوف الداخلي وإعطاء إشارة بأن الأمور المتعلقة بحياة الناس تدخل في أولوية الاهتمام الرسمي وأنها تحت السيطرة والذهاب الى الحلول السياسية ممكن طالما ثبت أن لا عداوات دائمة ولا خصومات دائمة، وهذا ما برز خلال الترشيحات للرئاسة وتغيرت المواقع والمقاربات، ولا بد من البناء على هذا التطور والابتعاد عن مسار اللعب على حافة الهاوية واعتماد خيار التعقل والواقعية لتمرير هذه المرحلة الدقيقة في حياة لبنان.