تفاصيل الخبر

وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود يقارب الحراك الشعبي: الثورة سلمية وعفوية وحدودها مطالب الناس وحقوقهم!

15/11/2019
وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود يقارب الحراك الشعبي: الثورة سلمية وعفوية وحدودها  مطالب الناس وحقوقهم!

وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود يقارب الحراك الشعبي: الثورة سلمية وعفوية وحدودها مطالب الناس وحقوقهم!

 

بقلم حسين حمية

فرض الحراك الشعبي الذي اندلع يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي نفسه لاعباً أساسياً في المعادلة الداخلية خاصة بعدما نجح في الدفع باتجاه استقالة الحكومة والدعوة لحكومة جديدة تعبر عن وجع الناس وتوحي بالثقة وتطرح برنامجاً انقاذياً للوضع المالي والاقتصادي، لكن يطرح السؤال عما إذا كان هذا الحراك انتفاضة أو ثورة وما هي حدوده في ظل الدعوة الى اسقاط النظام واجراء انتخابات نيابية مبكرة؟

<الأفكار> التقت وزير الداخلية الأسبق زياد بارود داخل مكتبه في الجميزة وحاورته على هذا الخط وكل الاحتمالات المطروحة رسم خلال اللقاء خارطة الخلاص من الواقع القائم وحدد آفاق المرحلة المقبلة.

وسألناه بداية:

ــ الحراك الشعبي الذي انطلق من 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي هل هو انتفاضة أم ثورة وما حدوده؟

- لا تهم التسمية انما المهم هو المفعول، فالتسميات من الممكن أن تتغير بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، وإذا كان الشباب يحبون أن يسموها <ثورة> فليكن أو <انتفاضة> فليكن، لكن في تقديري ولمجرد أن تكون حركة شعبية فأثرها يكون كبيراً على الشارع.

ــ وما حدودها لأن الثورة عادة هي انقلاب على النظام؟

- إذا كان المفهوم المتوارث أو الأفكار المسبقة في موضوع الثورات بأنها دموية.. لا، فهذه ثورة سلمية.

ــ تسمى ثورة عندما يطرح شعار اسقاط النظام السياسي وبالتالي هذه ثورة من خارج الدستور والمؤسسات؟

- هذا لا يلغي سلمية الثورة. وعلى أي حال ليس المهم التسمية بل بما توصف هذه الثورة إذا كانت سلمية او دموية، وأيضاً فالانتفاضة كالثورة وهذا حال انتفاضة الحجارة في فلسطين المحتلة وتسمية انتفاضة وكانت قاسية جداً وأعطت مفعولاً كبيراً ضد المحتل..

ــ وما حدودها في المطالب العملية؟

- لمجرد أن تكون عفوية وشعبية، فهذه الثورة أو الحراك أو سمها ما شئت حدودها هي مطالب الناس وهي ليست مطالب سياسية بالكامل بل هي حقوق يطالبون بها، وعندما يكون الهدف تأمين الحقوق فالحركة تصبح مشروعة ومترامية الأشكال والمجالات، فكم بالحري إذا كانت على مدى الوطن، عابرة للمناطق وعابرة للطوائف، وعابرة خصوصاً للثقافات أو الأهواء المتنوعة وللانتماءات السياسية والفكرية المتنوعة، وأحلى ما في هذا الجو انه متنوع، والتنوع سمة لبنان.

ــ صحيح ان الانتفاضة تكسب شرعيتها من الناس لكنها تطرح شعار اسقاط النظام، أليس هذا شعاراً كبيراً على اننا نفهم ان تطالب بإسقاط الحكومة؟

- أعود الى النقطة الأساسية وأقول ان التنوع القائم في الشارع يؤدي حكماً الى مطالب مختلفة ومتنوعة، ورأينا في الشارع من يطالب بإسقاط النظام، كما رأينا من يطالب بتأميم المصارف، ورأينا من يطالب بأن تعود حماته الى منزله، وأقول هذا تحبباً وليس من باب النقد وبالتالي هذا التنوع الموجود في البلد، يؤدي الى مطالب متنوعة.

ــ وهل من المفروض أن يكون للحراك قيادة وأطر تنظيمية؟

- أبداً، أنا ضد أن يكون لديه غطاء تنظيمي لأن التعرض له يصبح أسهل آنذاك، وبما انه عفوي وشعبي وواسع النطاق فالأفضل ألا تكون لديه قيادة، لكن مع ذلك هو لديه تنظيم وهناك فارق بين التنظيم والقيادة، ومن الأفضل ألا تكون لديه قيادة.

ــ وكيف إذن يحاور أهل السلطة بعدما تمت دعوته الى الحوار؟

- لا أحد يستطيع أن يتكلم باسم الشارع ولا يجوز لأحد أن يدعي تمثيل هذا الشارع، فهذا شارع يشبه الناس في تنوعهم وبالتالي هو غير خاضع لقيادة معينة، وطبعاً هناك حالة تنظيمية، وهناك أكثر من مئة مجموعة تشارك في هذا الحراك، وبالتالي هناك تنسيق بين هذه المجموعات دون أن تكون هناك قيادة، والتفاوض هنا على ماذا؟ فالمطلب الأول كان إسقاط الحكومة وهي سقطت، والمطلب الثاني هو تشكيل حكومة، فلتشكل حكومة، فأين الحاجة للتفاوض؟ لا حاجة للتفاوض لأن المطالب المحقة لا تحتاج الى تفاوض بشأنها وهي تستوجب الاستماع من قبل السلطة.

حكومة توحي بالثقة!

 

ــ وكيف تتشكل الحكومة وممن تشكل وما هو برنامجها؟

- هذا رهن بما ستؤول إليه مشاورات الطبقة السياسية التي ينظر إليها الشارع نظرة ارتياب لأن تشكيل الحكومات قبل 17/10/2019 كان يخضع لآليات خاصة بالطبقة السياسية على قاعدة توزيع الحصص، ورأينا منذ عقود وليس الآن حتى لا نظلم الحكومة الحالية، كيف تتشكل الحكومات بهذا الشكل، وبعد 17/10/2019 لا أعتقد ان تشكيل الحكومة العتيدة سيكون على ذات النحو بل سيخضع لرقابة ليست فقط برلمانية وانما لرقابة شعبية، وفي رأيي انه أصبح لدينا اليوم بالإضافة الى مجلس النواب بما هو مؤسسة دستورية رقابية، أصبح لدينا مؤسسة إذا صح التعبير غير دستورية بالمعنى الضيق للكلمة وهي مؤسسة شعبية رقابية أعني بها الشارع الذي سيقول كلمته ايجاباً أو سلباً، ولذلك عندما نسأل عن شكل الحكومة هي في الواقع يجب أن تراعي معايير موضوعية تريح الشارع وتعطيه ما يكفي من الاطمئنان لجهة استقلالية هذه الحكومة. ونسمع ان الشارع يريد بأن تكون مصغرة وانتقالية ومؤلفة من أشخاص يوحون بالثقة، أما كيف يسترجم ذلك على مستوى التشكيل فأغلب الظن ان بعض الطبقة السياسية حتى لا أشمل الجميع ــ وأنا لا أحب التعميم ــ مربكة لأن ثمة رقابة شعبية قد تنتفض وتقول لسنا موافقين على ما تقدمونه من تشكيلة.

ــ وألا تتطلب الحكومة رضا الكتل النيابية التي لا بد أن تقول كلمتها؟

- دون أي شك ولكن حتى مجلس النواب لا يستطيع ألا يراعي الارادة الشعبية بدليل ان ما قام به دولة الرئيس نبيه بري من تأجيل لجلسة، حيث تم التأجيل على وقع الشارع كما قال بنفسه وعلى وقع اعتراض الشارع على ادراج بند قانون العفو تحديداً.

ــ لكن الجلسة كانت تتضمن أيضاً مطلباً للمحتجين وهو قانون استعادة الأموال المنهوبة...؟

- صحيح، لكن بالنسبة لي لدي رأي آخر حول هذا الموضوع وهو انه لا يجوز لمجلس النواب أن يشرع قبل البت بالموازنة. وبحسب المادة 32 من الدستور يجتمع المجلس في عقدين عاديين، والعقد الثاني يبدأ الثلاثاء الذي يلي 15/10/2019 ويستمر حتى نهاية السنة، ويقول النص بأن جلساتها تخصص لبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل أي أمر آخر، وبالتالي لا يستطيع مجلس النواب أن يشرع قبل أن يقر الموازنة خاصة وانه موضوع يخضع لمهل دستورية وهو عالي الأهمية بالنسبة للناس ولا بد من الدخول إليه قبل أي تشريع آخر، بالإضافة الى ذلك يجب ألا ننسى ان المادة 69 من الدستور تقول بكل صراحة بأن مجلس النواب يصبح في حالة انعقاد عندما تصبح الحكومة مستقيلة. فهذه كلها أمور تستدعي التنبه الى ضرورة عدم الدخول في التشريع قبل ذلك خصوصاً مع عدم وجود حكومة لأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال علماً بأن هناك سوابق حصلت حيث جرى التشريع في ظل حكومة مستقيلة، لكن لو كانت هناك سوابق فنحن اليوم أمام حالة شعبية لا بد أن تراعي الأمور التي تريح الشارع وتعطيه انطباعاً بأن ثمة استماعاً لمطالبه. وطبعاً هناك قوانين لا بد أن تقر وعلى رأسها القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، ولكن فلنسرع بتشكيل حكومة تحصل على ثقة المجلس وعلى ثقة الشارع وبعدها ندخل الى التشريع وسواه حتى أنا من القائلين بأن الحكومة الانتقالية التي توحي بالثقة لا بد من أن تعطى صلاحيات استثنائية وتحديداً أن تعطى امكانية اصدار مراسيم تشريعية في القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد والملف المالي والاقتصادي لأن هذه الأمور هي عنوان المرحلة المقبلة ولا شيء يمنع من أن تعطى الحكومة قانون تفويض يسمح لها بأن تشرع في مواضيع محددة جداً لمدة محددة جداً لتسريع الأمور ولاعطاء الشارع الانطباع بأن ثمة جدية وجذرية في التعاطي مع هذه المسائل.

ــ وماذا عن مطلب الانتخابات المبكرة؟

- هذا مطلب يأتي عادة بعد تغير أساسي في المناخ الشعبي، وقد حصل تغير أساسي اليوم لأن الشارع المنتفض هو تعبير عن مناخ شعبي مختلف عما كانت عليه الأمور في أيار (مايو) من العام 2018، ولذلك فالدعوة الى انتخابات مبكرة هي دعوة مشروعة ومطلب مشروع لكن على مستوى الآليات، فالانتخابات المبكرة لا تحصل إلا في حالتين: إما حل مجلس النواب وهذا أمر صعب جداً لأنه يتطلب الثلثين في مجلس الوزراء بناء لطلب رئيس الجمهورية وفي حالات محددة حصراً في الدستور هي غير متوافرة في الوقت الحاضر، وإما أن يعمد مجلس النواب الحالي الى تعديل قانون الانتخاب الحالي في مادة واحدة منه بحيث يقصر مدة ولايته ولكن هذا الأمر لن يكون ذات فعالية إلا إذا اقترن بقانون جديد للانتخابات، وآنذاك إذا تم الاتفاق على هذا القانون يتم الاتفاق على تقصير ولاية المجلس ولكن هذا موضوع رهن ببحث معمق بعد تشكيل الحكومة.

ــ تطرح حكومة التكنوقراط بهدف استبعاد فريق محدد أو شخصيات سياسية معينة ويتقدم خيار التكنوسياسية. فأي حكومة تتطلب المرحلة؟

- ليس بالضرورة أن يحصل ذلك، ونحن دائماً نتميز بالتعابير، وأظن ان الحكومة لا بد أن توحي بالثقة نظراً للاعتراض الكبير عن قسم كبير من الشخصيات السياسية، فمن المستحسن أن تكون هذه الحكومة بوجوه تتمتع بصدقية ومستقلة وأخصائية في المسائل التي ستتولاها، ولكن هذا أيضاً يحتاج الى تدقيق لأن الكل مسيس وليس مطلوباً أن يكون المستقل غير مسيس، وليس مطلوباً أيضاً أن نأتي بأشخاص من المريخ، وليس مطلوباً أن نأتي بأشخاص جربناهم ولم ينجحوا، لكن طبعاً الشارع ليست لديه أسماء وهو لن يقدم أسماء وإذا فعل ذلك يكون في موقع التفاوض وهو ينأى بنفسه عن ذلك، لذلك فالمطلوب من الطبقة السياسية أن تعالج هذا الموضوع بأكبر نسبة من الاختصاص والقدرة على تقديم بدائل ومواجهة المرحلة التي ستكون مليئة بالتحديات الهائلة لا سيما على المستوى الاقتصادي والمالي..

ــ بدأ التداول بأسماء وزراء جدد واسم زياد بارود يتقدم. فماذا تقول؟

- كل التداول بأسماء غير مجدي طالما لم يتم تسمية رئيس الحكومة، وحتى بعد التسمية فالتداول بالأسماء غير مجدي لأن المطبخ في مكان آخر، ولو كان الناس هم الذين يختارون لكان التداول بالأسماء مقبولاً لكن الاختيار في مطابخ أخرى وهي التي ستقدم الأسماء في النهاية، لكن السؤال الأبرز هو عندما تصدر التشكيلة هل سيقبل الناس بها أم لا وكيف سيتعاطى مع التشكيلة الجديدة؟ وبما خصني لست جزءاً من كل هذه الأمور ولا علاقة لي بها ولا أقبل شخصنة الموضوع لأن الموضوع في المطالب والحقوق وفي الآليات الدستورية التي يجب احترامها، وفي مطالب الناس التي يجب أن نستمع إليها، أما موضوع الأسماء فيأتي لاحقاً.

 

الحراك لبناني محض!

ــ نعود الى الحراك ونسألك: هل العامل الداخلي هو الذي أدى الى هذا الحراك أم ان هناك عاملاً خارجياً؟

- أنا أحب جداً أن أنظر الى الحراك انه عامل لبناني لبناني لبناني محض وأي تدويل لهذا الحراك هو خسارة لجمالية ولبنانية هذا التحرك. وأتمنى ألا يقترب التدويل منه بأي شكل من الأشكال. وجميل جداً أن نرى اللبنانيين واللبنانيات في حالة وطنية لم نر مثلها تماماً ربما منذ عقود وعلى مستويات عمرية مختلفة وعلى مستوى كل المكونات في البلد سواء جغرافياً أو دينياً أو فكرياً أو سياسياً. فجميل جداً ما يحصل ويجب المحافظة على لبنانيته.

ــ وهل يصح شعار <كلن يعني كلن>؟

- يمكن تفسيره على ان الجميع تحت المحاسبة، وإذا كان بهذا المعنى نعم أنا معه وليس ثمة أحد فوق المحاسبة، وأن يكون الجميع تحت امكانية السؤال عن مصادر أموالهم وعن أي هدر حصل أو اختلاس في المال العام، ولكن أن نقول مسبقاً ان الجميع فاسدون فهذا أمر ضد قرينة البراءة والمنطق الدستوري، ويشمل الفاسد كما الصالح لا بل يستفيد منه الفاسد. ومع ذلك أتفهم الناس عندما يطرحون هذا الشعار لكن لا يجوز التعميم بل ان يكون الجميع تحت المحاسبة وآنذاك يظهر بالغربال من هو الفاسد ومن هو غير الفاسد، وأعود لأقول إنني أفهم الناس خاصة وان هذا الشعار أعطى قوة للشارع بأنه لم يدخل في لعبة المفاضلة بين الأسماء. وكان خيار الشارع الاستراتيجي بعدم الدخول في لعبة الأسماء لأن الشارع أيضاً ليس محكمة، وما يجب أن يحصل اليوم هو أن يكون الجميع تحت المحاسبة.

ــ الحراك طرح شعار ارحل ويقصد الرئيس ميشال عون، والرئيس حسين الحسيني اقترح على الحراك أن يعطي لنفسه شرعية شعبية ويعيد انتاج السلطة. فكيف تقرأ ذلك؟

- كل هذه التحركات والتظاهرات طالما هي ضمن سقف الدستور وضمن سقف القانون مرحب بها من مجموع اللبنانيين واللبنانيات، ورأينا انه عندما خرجت هذه التظاهرات عن الإطار السلمي بدت خطورة انزلاقها الى شيء آخر، انما يحمي هذه التحركات هي سلميتها وخضوعها لسقف الدستور وهي خاضعة تلقائياً واختيارياً لسقف الدستور ولا أرى في الانقلاب حلاً لأزماتنا بل بالعكس أنا من دعاة الالتزام بدولة الحق وليس بأي شكل من أشكال الانقلاب. أما شعار ارحل للرئيس فأقول إنه لو كان الرئيس منتخباً من الشعب مباشرة ولو كنا في نظام رئاسي يمنح الرئيس امكانية شطب أي شيء بشطحة قلم ربما كان مطلب استقالته في محله، لكن طالما ان الرئيس ليس منتخباً من الشعب ولسنا في نظام رئاسي فلا أرى دقة في هذا الموضوع.