يتسابق أهل التوزير للحصول على حقائب سيادية وخدماتية، ويختلف الاطراف المشاركون في الحكومة لهذا السبب، ولذلك ولدت حكومة الرئيس تمام سلام وفق توازنات دقيقة، لكن المؤسف أن وزراء الاختصاص لم يتسلموا حقائب ضمن اختصاصهم حتى ان وزير البيئة محمد المشنوق هو من الرعيل الإعلامي بامتياز، ومع ذلك أُبعد عن الاعلام ولم يتسلم حقيبة الثقافة كما كان متوقعاً بفعل المداورة والحصص للقوى المشاركة في الحكومة، رغم أن اسمه طرح بداية لتولي وزارة الداخلية قبل أن ترسو على ابن عمه الوزير نهاد المشنوق. فكيف يقرأ ما جرى، وما هي نظرته الى وزارة البيئة التي يعتبرها كثيرون أم الوزارات لارتباطها بغالبية الوزارات من جهة، ولدورها في الحفاظ على بيئة لبنان الذي كنا نتغنى يوماً بجماله واخضراره ونقول إنه لبنان الاخضر وسويسرا الشرق.
البيئة أم الوزارات
<الأفكار> التقت الوزير محمد المشنوق داخل مكتبه الوزاري في بناية اللعازارية وحاورته على هذا الخط، بالإضافة الى شؤون وشجون البيئة وما يخطط من مشاريع على هذا الصعيد بدءاً من السؤال:
ــ وزارة البيئة ينظر إليها البعض كوزارة هامشية رغم أنها في أوروبا وزارة طليعية.. وكنت مرشحاً في البداية لوزارة الداخلية وبعدها لوزارة الثقافة، فوجدناك في البيئة. ما الذي حكم بذلك؟
- صحيح ما قلته عن وزارة البيئة وهي أم الوزارات، أما ورود اسمي بالنسبة لوزارة الداخلية، فكان هناك اتجاه بأن تكون حقيبة الداخلية مع الوسطيين كوزارة أمنية، وبالتالي يكون من يشغلها قريباً من رئيس الحكومة تمام سلام، وكذلك كان الاحتمال وارداً في حال كانت خارج الإطار السياسي القائم، لكن عندما كان لا بد من أن يتسلمها أحد الطرفين من 8 أو 14 آذار، تغير الموضوع وأصبحت من حصة 14 آذار، وكان الخيار بالاتجاه الى ابن العم نهاد المشنوق، في وقت كان من المفترض أن تتسلم 14 آذار وزارة الخارجية مقابل تسلم 8 آذار وزارة المالية، إلا أنه عند انتقال الخارجية الى التيار الوطني الحر، عادت وزارة الدفاع الى الوسط، وبالتالي هذا التقسيم جاء من باب التوافق، ومن بعدها طرحت وزارة الثقافة لأتسلمها وليس الاعلام، لكن المداورة حكمت أيضاً بالابتعاد عنها على اعتبار أن من كان يتسلمها سابقاً هو الوزير وليد الداعوق، وبالتالي تمت المداورة بين الطوائف والمذاهب وحصل الوزير ريمون عريجي على الثقافة وأنا أخذت وزارة البيئة التي أعتز بها وأعتبرها وزارة حيوية وسيادية وأساسية، ولا بد أن تلاحظوا في المستقبل أهمية هذه الوزارة.
ــ يعني أخذت وزارة المستقبل من خارج <المستقبل..>!
ضحك طويلاً من دون جواب..
ــ عندما تسلمت الوزارة في اليوم الاول ما كان شعورك؟
- صدف أنني أسست مع مجموعة من الاعلاميين ما سميناه <جمعية الإعلاميين للبيئة والتنمية>، وعلى اثرها عملنا في إطار الاعلام الاقتصادي والبيئي في <ايكو بيروت> وكانت ناشطة كإذاعة في هذا المجال، وبالتالي كان لديّ تصور مسبق وكبير عن كيفية التعاطي مع البيئة. وما تكتشفه عندما تدخل الى الوزارة تجد أنها وزارة فتية تأسست في نيسان (أبريل) عام 1994، ومعظم العاملين فيها من الشباب، وهذا شيء يشعرني برغبة بأن ننتج أكثر ونتكل أكثر عليهم، خاصة وأنهم يملكون الخبرة العلمية والاختصاص، بالإضافة الى الاستعانة بالأشخاص من قبل الـ <UNDP> (وكالة التنمية الدولية)، وهؤلاء للعلم يقبضون رواتبهم من الدولة اللبنانية وليس من الـ <UNDP>، وبالتالي عندما دخلت الى الوزارة كان لديّ هذا الانطباع، لاسيما وأنني أفهم بعض الشيء في البيئة، لكن لا بد أن أتعلم أكثر. والوزير السابق الأستاذ ناظم الخوري وهو صديق وقريب، ترك وزارة جيدة تعمل بانتظام، وبالتالي لم أشعر بنفسي غريباً عن هذا المناخ، بل بالعكس كان المناخ مريحاً واجتمعت مع الجميع والحمد لله كل الأمور على ما يرام.
ــ هناك مؤتمر عن لبنان الأخضر في كازينو لبنان في شهر نيسان (أبريل) المقبل، هل ستحضر؟
- أكيد إذا جاءتني الدعوة، ولا مشكلة لديّ، وهناك اهتمام بالبيئة والبعض مستنفر بيئياً ونحن نتلقى الدعوات لكل الأنشطة سواء للرعاية أو للحضور أو للمشاركة، ونحن نحضر كل المؤتمرات، حيث يجب بدون استثناء خاصة بما يتعلق بالوكالات الدولية أو بهيئات المجتمع المدني الناشطة بيئياً. وأذكر هنا على سبيل المثال جمعية <أصدقاء كمال جنبلاط> حيث دعونا الى طاولة مستديرة عن ملف مطمر الناعمة والى احتفال توزيع جوائز البيئة الذي جرى في الأسبوع الماضي في ذكرى رحيل الشهيد كمال جنبلاط، وأنا أحبذ ذلك، بالإضافة الى حرصي على معرفة كل النشاطات البيئية. وكذلك اطلعت على ملف المحميات، ملف الليطاني وتلوثه، وتلوث الهواء والنفايات الصلبة، والمرامل والكسارات و<الفقاشات> أي البحص الصغير. وطبعاً انفتحت على كل ما له علاقة بالبيئة، حتى إذا دخلت اليوم على موقع الوزارة تجد أنه قد أصبح أكثر نشاطاً، وارتفع خلال يومين العدد الخاص به على <الفايسبوك> من 300 الى ألف، وهذا دليل أن الناس يتابعوننا ويتجاوبون معنا، لأنهم شعروا أن هناك طرفاً يشتغل للبيئة ويفتح المجال أمامهم، ونحن نعمل على تنشيط الخط البيئي الخاص بالشكاوى وهو خط ساخن رقمه 1789 سنة الثورة الفرنسية، ونتابع كل حالات الأخبار.
حمامات بلاستيك يابانية
ــ ما هي العلاقة مع باقي الوزارات؟
- وزارة البيئة لها علاقة مع كل الوزارات، ففي الصناعة مثلاً أي واحد يريد إنشاء معمل لا بد أن ينال من وزارتنا شهادة الأثر البيئي، وكذلك الحال في الزراعة، الاقتصاد، الصحة لاسيما الأدوية، وطبعاً الخارجية من خلال البروتوكولات التي يتم التوقيع عليها، ومع الداخلية لدينا مجموعة كبيرة من العلاقات على مستويات مختلفة وأبرزها مع البلديات، وهي الوحدات الاصغر في الادارة المحلية والتي يمكن الاعتماد عليها بيئياً، ونحضر لها عقوداً من خلال الشراكة البيئية حتى تقوم البلديات بواجبها في هذا الإطار من ضمن صلاحياتها. بالإضافة الى هذا المجال سنقوم ببروتوكولات تعاون كامل مع الوزارات الاخرى، نظراً للعلاقات المترابطة، وبالتالي أؤكد بأن هذه الوزارة إذا لم تكن سيادية فهي على الاقل حيوية وأساسية وضرورة للبنان، وبالأمس كان عندي السفير الياباني < سييتشي اوتسوكا> بهدف التعاون خاصة وأن البيئة أساسية في اليابان.
ــ ماذا قدم لك السفير الياباني؟
- اليابانيون يعملون في ملف تلوث الهواء والتلوث في منطقة صيدا، وهم على استعداد للقيام بورش للتوعية في قضايا تلوث المياه ويعملون على تلوث حوض الليطاني وذلك بالتعاون الثنائي مع لبنان، عدا عن إطار مجموعة الدعم الدولية التي تخصص مبالغ كبيرة للبيئة، وهم يتدخلون مباشرة سواء بالنسبة للبيئة أو للنازحين، حتى انهم أمنوا حمامات البلاستيك لأماكن النازحين وهي كيميائية التصريف، وقد وزعنا منها في كل أماكن النازحين، وبالتالي حلوا مشكلة بيئة صعبة، وإذا نظرنا الى وزارة ما نجد أن لها علاقة بالبيئة، سواء البيئة السكنية، أو مع وزارة الطاقة والمياه، لا سيما وأننا نعاني من نقص كبير في هطول الأمطار، فبالتالي لدينا أزمة مياه في الصيف وهي لا تقتصر على ذلك، بل ستتحول الى أزمة بيئية، ناهيك عن البيئة السياحية والسياحة البيئية.
وتابع يقول:
- وأنا هنا رفعت شعار <بيئتي وطني> لأنني أؤمن به، فإذا كانت بيئتك نظيفة فالوطن يكون على شاكلتك، وإذا كنت تشكو من البيئة فالوطن يشكو بالتأكيد، وبالتالي لا بد أن نكون على شاكلة البيئة التي نطمح إليها، ولذلك فالهدف أن نتعاون مع المواطن الذي لا بد من أن يعطي من تلقاء ذاته. وهنا فالوزارة تعالج أكبر الملفات وهي النفايات الصحية خصوصاً وأننا في 17 كانون الثاني (يناير) من العام 2015 سيغلق مطمر الناعمة كلياً ويتأهل ويتحول الى حديقة كبيرة، وبالتالي سيتم تحضير خطتين كبديل عنه. الأولى بدءاً من العام 2015 لمدة ثلاث سنوات وهي خطة طارئة لكيفية المعالجة في هذه المرحلة، والثانية تتعلق بالنظام وإعداده الذي يستلزم مدة ثلاث سنوات حتى نسير به، وبالتالي فنحن خلال عملنا للتحضير لخطة الطوارئ كان البند الأساس الذي ننطلق منه هو دور المواطن والبلديات، بحيث أن المواطن لا بد أن يبدأ بفرز النفايات من المصدر، أي من البيت بحيث تفرز النفايات العضوية في جانب، والباقي من خشب وكرتون وزجاج في جانب آخر. وبالتالي فالتعاون أساسي مع البلديات بهذا الخصوص، وهنا يأتي دور الشراكة البيئة، بحيث لا بد من تكليف البلديات بهذه المهمة، لأننا اكتشفنا أيضاً أن هناك ضابطة بيئية في الوزارة ولديها شرطة ولا بد من إحياء هذا الموضوع طالما أن القانون موجود، وبالتالي لا بد من إصدار المراسيم الضرورية بهذا الخصوص، ويمكن للشرطة البلدية أن تتولى الموضوع بسبب قربها من المواطن، بحيث تجعل الأمور ممسوكة أكثر.
لا تكب في البحر!
ــ وماذا عن تلوث الشواطئ؟
- هذا موضوع حساس، فنحن نعاني من تلوث كبير على الشواطئ ولكن هذا التلوث يعكس تعاطي المجتمع معه، والمؤسف أن يكون لدينا 736 مكباً عشوائياً في لبنان، أي على باب كل بلدية أومدخل كل ضيعة، وهذا الأمر في غاية الخطورة، وهذا خطأ كبير يرتكبه المواطن. وأنا هنا أستغرب كيف يطالب من يقبل بذلك بالنظافة وكيف يقبل أن يرمي النفايات في البحر، ناهيك عن المجارير التي تصب في البحر والأوساخ وعوادم المعامل من خلال قنوات أو انها تصب في نهاية الأمر في البحر؟ فلا شك أن كل الشواطئ تستلزم العناية البيئية، وصحيح أن المثل يقول: <اعمل مليح وكب بالبحر>، لكن لا بد من اعتماد مثل جديد يقول: <اعمل مليح وما تكب بالبحر>. فهذا إعلان وضع لحماية البحر ولا بد من الحفاظ على نظافة البحر، خاصة وأننا نملك في بحرنا سلاحف نادرة لاسيما في الجنوب. أضف الى ذلك ان حوض الليطاني كله من المنبع الى سد القرعون ومنه الى القاسمية ملوث، ولا بد من العمل على منع تلوثه من خلال عدم رمي النفايات والأوساخ والمجارير والمبيدات الزراعية وعوادم المعامل فيه.
ضرورة حصول الاستحقاق الرئاسي
ــ وهل تستطيع أن تفعل الكثير خلال 3 أشهر فقط من عمر الحكومة؟
- طموحي أن أعمل... وكما قلت لفخامة الرئيس سليمان بأنه لا يزال أمامنا 65 يوماً من العمل. فضحك، فقلت له إنني أحسب لغاية 25 أيار (مايو) تاريخ انتهاء ولاية الرئيس، لكن إذا شطبنا أيام الآحاد والأعياد والعطل الرسمية تبقىالمدة 65 يوماً، ولذلك فطموحنا أن نقوم كل يوم بإنجاز نقدمه لبلدنا، لاسيما وأن الحكم استمرار ووزارة البيئة استمرار ولا أحد يقوم بعمل بيئي سنوي أومن خلال عيد للبيئة أو أسبوع للبيئة، وبالتالي نحن نقوم باللازم ويكمل الآخرون.
ــ أنت مع التمديد؟
- مع التمديد للبيئة أكيد، وأيضاً للبيئة السياسية الجيدة التي تشكلها الحكومة لكي تقطع المرحلة المصيرية التي نعيشها.
ــ يقال إنك ساهمت في اختيار كلمات البيان الوزاري. فأين كانت بصمتك؟
- الكل ساهم في إنجاز البيان الوزاري، وهناك مسودة قدمها الرئيس تمام سلام للجنة الوزارية التي اشتغلت عليها ونقحت بعض عباراتها، ومن ثم عند الوصول الى الفقرة المتعلقة بسيادة الدولة ودور المقاومة، تحولت هذه الفقرة الى ما يشبه الفقرة الذهبية لتميزها عن باقي الفقرات، وإذا كانت التشكيلة استغرقت 10 أشهر و10 أيام، فإن هذه الفقرة استغرقت 10 جلسات في اللجنة، واستغرقت 10 ساعات في مجلس الوزارء الى أن صدرت بعد التوافق عليها عبر نزع نقاط الاختلاف والتفاهم على الموضوع بشكل عام، فهي أدت الغاية منها واعتبر كل طرف ان حقه وصله.
ــ ليس كل الاطراف، فالكتائب تحفظت واعترضت!
- لا بد من النظر الى البيان كله، وليس فقط الى هذه الفقرة وسيادة الدولة مذكورة في كل البيان الوزاري ولا تراجع عنها وهي واضحة سيادياً وأمنياً وفي كثير من الأماكن. وفي تقديري ان كل واحد يستطيع أن يجد فيها ما يريد رغم أن تغيير الواقع على الأرض غير متاح، وبالتالي لا بد من معالجة هذه المسألة وتشكيل شبكة أمان حتى نصل الى انتخابات الرئاسة، وتكون الظروف أفضل.
مشروع رئيس جمهورية
ــ أنت كوزير، مشروع رئيس جمهورية لأنه إذا حصل الفراغ الرئاسي لا سمح الله، تتحول الحكومة الحالية الى حكومة لتصريف صلاحيات الرئيس. فهل تعتقد أن الانتخابات ستحصل ام لا؟
- لا بد أن نصل الى انتخابات رئاسية، وهذا الأمر مناط بالمجلس النيابي وكل النواب يؤكدون أنهم سيحضرون الجلسة الأولى، ومن الممكن ألا يتم انتخاب رئيس الى أن تتم تفاهمات بين المعنيين، ويتم انتخاب رئيس جديد، لكن إذا قطعت فترة 25 أيار (مايو) بدون انتخاب، فهذا معناه إلغاء مسألتين: التجديد أو التمديد أو قطع الطريق على بعض المرشحين الذين يحتاجون الى تعديل دستوري لكي يتم انتخابهم، وبالتالي من الممكن أن تحل الحكومة محل رئيس الجمهورية لفترة بسيطة.
ــ يعني هل هناك رئيس جديد؟
- أكيد.. البلد يحتاج الى الاستقرار ورئاسة الجمهورية لا بد أن تستكمل بانتخاب رئيس طالما أن الحكومة نالت الثقة بعدما أنجزت البيان الوزاري، ولدينا مجلس نواب سيستمر حتى الخريف، على أمل أن تتم انتخابات الرئاسة قبل 25 أيار (مايو) وإذا لم تتم لأي سبب من الاسباب، فحتماً لا بد من جهد كبير لإتمام عملية الانتخاب في الفترة اللاحقة.
ــ يقال إن الرئيس سليمان لا يريد التمديد. فهل هذا صحيح؟
- هكذا قال، وعندما يقول ذلك إنما يقوله صادقاً، لكن إذا أملت الظروف التمديد فآنذاك الواجب الوطني هو الذي يتقدم، رغم أننا سمعنا أن فخامته مرشح بعد انتهاء ولايته ليكون الأمين العام للفرانكوفونية في العالم، وبالتالي سيكون مكرماً من خلال اختياره لمنصب من هذا النوع. وكل من ساهم في تشكيل الحكومة، فهو يريد الاستقرار في البلد، ومن ساهم في التوافق على الجملة الذهبية في البيان الوزاري إنما يساهم في المزيد من الاستقرار، وإذا بقيت هذه الموجة ووصلنا الى الاستحقاق الرئاسي فحتماً هي ستساعد على إتمامها بحيث لا تؤثر عليها أي تدخلات إقليمية أو أي حالات من أنماط الربيع القائم.