تفاصيل الخبر

وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي: ميزانية وزارة الإعلام ”كلا عبعضا ما إلا معنى!“

21/11/2019
وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي: ميزانية وزارة الإعلام ”كلا عبعضا ما إلا معنى!“

وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي: ميزانية وزارة الإعلام ”كلا عبعضا ما إلا معنى!“

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

أدرجت في الورقة الاصلاحية التي اقرها مجلس الوزراء في 21 من الشهر الفائت  فقرة بشأن إلغاء وزارة الإعلام، والإستعاضة عنها بالمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع. هذا الإعلام، الذي لطالما اعتُبر <السلطة الرابعة> بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بات اليوم سلطة أولى بسبب قوّة تأثيره في الجمهور. سلطة أولى نعم، إنما تفتقد إلى ركائز الإعلام المهني والراقي لا سيما لناحية عدم فصل الخبر عن التعليق، حتى بتنا نشهد، كما حصل في الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت البلاد، نوعاً من حرب أهليّة إعلامية!

عن إلغاء وزارة الإعلام، في ظل تفشّي الإعلام المضلّل والطفرات الإعلامية الإلكترونية، تحدثت <الأفكار> مع وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي، الذي يقف وراء فكرة إلغاء وزارة الإعلام وتحويلها إلى وزارة للحوار والتواصل.

ــ فلنبدأ من عبارة تحوّلت إلى <كليشيه> في السنوات الأخيرة، ولست متأكدة من أننا نفهم معناها الحقيقي: <حرية التعبير>. ماذا تعني <حرية التعبير> هذه؟ هل تعني <إنو مين ما كان بحقلّو يقول شو ما كان>؟

- طبعاً يحق لأيٍ كان أن يقول ما يشاء، لكن ضمن معايير معينة. قبل أن نتحدث عن حرية التعبير، لا بد أن نحدّد، أولاً، مفهوم الحرية. فالكلام السائد حول <الحرية تحت سقف القانون> و<الحرية المسؤولة> ينسف مبدأ الحرية من أساسه. بمجرّد أن نربط عبارة <الحرية> بعبارة أخرى ينتفي معناها! ليس للحرية من سقف، بل معايير معيّنة أبرزها احترام آداب المخاطبة واحترام حرية الآخر.

ــ حين كنت وزيراً للإعلام، طرحت مسألة إلغاء هذه الوزارة وتحويلها إلى وزارة للتواصل والحوار. كان هدفك القيام بمحاولة إصلاحية تنسجم وروحية العصر. لكن من قال إنه يجب أن نتبع روحيّة العصر؟ أليس من الحري بنا العودة إلى الروحية الصحيحة، لتصحيح هذا المشهد الإعلامي المُثقل بالأخطاء والتجاوزات والنعرات الطائفية وخطاب الكراهية؟

- لا بل من الضروري، برأيي، إلغاء تلك الوزارة وتحويل صلاحيات وزير الإعلام إلى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وتحويل هذا الأخير من مجلس إستشاري إلى مجلس تنفيذي. وزارة الإعلام باتت وزارة متهالكة، مع العلم أنها تضم طاقات ونخباً كبيرة <حرام ما نستفيد منن>. طرحتُ تحويل وزارة الإعلام إلى وزارة للحوار، سواء أكان هذا الحوار دينياً أو حضارياً أو ثقافياً بين أي طرفين. لمَ، مثلاً، يتم الحوار حول الصراع اليمني في الأستانة أم في جنيف؟ لم لا يتم في بيروت؟ الأمر نفسه ينطبق على الصراع السوري أو، على سبيل المثال، الصراع الأرثوذكسي-الكاثوليكي حول توحيد عيد الفصح، أو الصراع الشيعي-السني، إلخ. يمكن للبنان أن يكون منصّة لكل الحوارات، باستثناء المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، لكونه طرفاً في هذا الصراع.

ــ في حين يطالب بعض الخبراء بضرورة تفعيل استقلالية المؤسسات الإعلامية على أنواعها، يعتبر البعض الآخر أننا لا نزال نعيش في مجتمعات نامية يُخشى فيها، إن غابت الرعاية الإعلامية، أن تعمّ الفوضى ويتأزم المشهد أكثر مما هو متأزم حالياً!

- سقط مفهوم المجتمع الأبوي في العالم، برأيي، مع <الربيع العربي>. والسقوط الأخير لهذا المفهوم تزامن مع الاحتجاجات المحلية الأخيرة، لا سيما بعد سيطرة الفردية Individualisme عبر التقدم التقني الهائل، إذ لم يعد من إمكانية لتطبيق مفهوم الرعاية، فغلبت عليه مفاهيم التواصل والحوار و<السيطرة> بين مزدوجين، أي جذب الآخر إلى مفهوم مشترك يتقاسمه معي.

ــ ألا ترى أن مسأله إلغاء وزارة الإعلام، الإصلاحية لربما بهدفها،غير قابلة للتنفيذ العملي إلا بتغيير البنية السياسية أولاً؟ هل يمكن، في ظل هيمنة الأحزاب على المؤسسات الإعلامية، أن نغيّب الضوابط على العمل الإعلامي؟

- تلزمنا ندوة للإجابة عن هذا السؤال... لكن نعم، نستطيع القيام بمثل هذه الخطوة الإصلاحية الأساسية، والدليل أن مجلس الوزراء تبنّى مشروع إلغاء وزارة الإعلام لكنه، للأسف، لم يتبنَّ مُقترح إنشاء وزارة للحوار والتواصل. ألغى وزارة الإعلام ووعد الموظفين <إنو يدبّرن بمطارح تانية عالطريقة اللبنانية المُعيبة> التي تزيد من تخمة البطالة المقنّعة.

 

<ما بيعرفوا يكتبوا!>

ــ إسمح لي أن أستوضح أمراً: ألا تظن أن فكرة إنشاء وزارة للتواصل والحوار <طوباوية> بعض الشيء؟

- <أبداً مش طوباوية، موجودة بغير بلدان أنا ما عم بخترع شي>. حين طرحت هذه الفكرة اتصلت بي وزيرة الحوار في كوسوفو وعبّرت لي عن رغبتها في أن نفتح قنوات حوار في ما بيننا لتنقل لنا تجربتها في هذا المجال، لا سيما أن بلادها تعيش أيضاً صراعات إتنية وطائفية وثقافية. لذا هم أوجدوا وزارة الحوار، وقد أضفنا إليها نحن عبارة <التواصل> فبات اسمها وزارة الحوار والتواصل. ففي القانون الذي تقدمت به والنائم، للأسف، في أدراج مجلس الوزراء، هناك شقّ خاص له علاقة بوسائل التواصل الإجتماعي وكيفية الاستفادة من تأثيرها على المجتمع. وقد أجريت دراسة، يوم كنت وزيراً للإعلام، مع شركتين كبيرتين حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الانتخابات النيابية بشكل خاص، وذلك لمدة شهرين قبل موعدها وفي يوم الانتخابات نفسه، لأرى ما إذا كان شق وسائل التواصل الاجتماعي الذي خصصت له حيزاً في مشروع القانون الذي تقدمت به <حرزان وإلو قيمة أو لأ>.

ــ هو حتما <حرزان>!

- طبعاً! أكثر ممّا تتصورين...

ــ رأى النائب غسان مخيبر، في إحدى الندوات، أن النصوص في لبنان سيئة وأن الممارسة الإعلامية أفضل من النصوص، لافتاً إلى أن الوعي لدى صحافيّينا هو الأعلى والأفضل. أسمح لنفسي بأن أبدي رأيي بعدم الموافقة على ما قال، والدليل <التخبيص اللي شفناه بتغطية ثورة 17 تشرين>، وإنحياز الجزء الأكبر من الصحافيين والمراسلين بشكل علني... ما رأيك في هذه النقطة؟

- أنا من رأيك أيضاً ولا أتفق مع ما تفضّل به أستاذ غسان. ففي مقابل الإعلاميين الكفؤين، هناك عدد كبير من الإعلاميين الذين يحتاجون، للأسف، إلى ثقافة في علم الإعلام وثقافة في علم السياسة وثقافة في ما يتعاطون به. لا يمكنني، أنا مثلاً، أن أكتب عن فن الغناء، <ما شغلتي! بس عاللبناني بعمل مقابلة مع شي وحدة طلعت غنّت شي مرة بالحياة>. ممكن أن أتناول لوحة فنية أو عملاً فنياً لكن كذوّاقة وليس كخبير، وبالتالي ما أكتبه يكون رأياً. أما الصحافي، فيجب أن يكتب بخبرة وعلم، وهو ما ينقصنا في لبنان. وأنا لا أتحدث هنا بصفتي صحافياً ووزير إعلام سابقاً فحسب، إنما كأستاذ جامعي أيضاً.

ــ ماذا تقصد؟

- لدينا مشكلة حقيقية على صعيد الثقافة، ولا بد أن يبدأ الحل في المدرسة قبل أن يصل الطلاب إلى الجامعة! وهناك، قبل مشكلة الثقافة، مشكلة لغة. <في ناس بالجامعة ما بيعرفوا يكتبوا عربي. في ناس بيكتبوا الفعل بتاء قصيرة. في إشيا مش مقبولة ومش دايماً بدنا نفتش عحدا نحُطّ الحق عليه!>. ثمة مسؤولية تقع على عاتق كل منا في المجال الذي يعمل فيه.

ــ قامت جمعية <مهارات> بدراسة حديثة استطلعت فيها 20 مؤسسة إعلامية عن مدى تطبيق المعايير المهنية في غرف الأخبار عند جمع المعلومات وتحريرها. وقد تبيّن أن 90% من هذه المؤسسات ليس لديها معايير في هذا المجال، مقابل 10% فقط تطّبّق المعايير المهنية. كيف، والحال كذلك، يمكنك إقناعي بعدم ضرورة فرض رقابة معيّنة على الأجهزة الإعلاميّة يا معالي الوزير؟

- أنا ضد الرقابة من حيث المبدأ، وأعتبر أنه على المؤسسة أن تضم رئيس تحرير قديراً يقوم برقابة داخلية ليقيّم ما الذي يستحق أن يقرأه الناس وما لا يستحق. الناس مثقّفون ومسيّسون، وإن كنا لا نستطيع أن ننكر بأن المجتمع، بشكل عام، يعاني من مشكلة التسطيح نتيجة قصر النفس الناتج عن التطور التقني الهائل، وزحمة الحياة والهموم والمشاكل المعيشية، إلخ.

دولتنا تكره الإعلام والإعلاميين

ــ <طيب> ماذا عن إلغاء الحصول على تراخيص؟ <إنو مين ما كان فيه يفتح مؤسسة إعلامية متل ما مين ما كان في يأسّس جمعية>؟

- طبعاً! أنا ألغيت الامتيازات في مشروع القانون الجديد...

ــ ولكن ألا يساهم ذلك في تعزيز التضليل الإعلامي؟ وهنا أتحدث بشكل خاص عن طفرة المواقع الالكترونية الإخبارية...

- لا لا لا، لا علاقة لذلك بالتضليل الإعلامي. لذلك علاقة بالقيمة المهنية للوسيلة الإعلامية، وبالحرية وحق التعبير بشكل أساسي، وهو أمر مكفول في الدستور. لا أستطيع أن أحصر وسائل الإعلام بعدد معيّن مع إمتيازات وتكاليف بملايين الدولارات. من يرغب في تأسيس موقع إلكتروني يكفي أن يتقدّم بعلم وخبر ولا يحق لأحد منعه من القيام بذلك، على أن يلتزم بالمعايير التي يضعها القانون، لا سيما لناحية الموضوعية المفقودة تماماً اليوم. كنت أتلقى شكاوى كثيرة في هذا المجال، يوم كنت وزيراً للإعلام، من مؤسسات أو أطراف تم شتمها من قبل وسيلة إعلامية معينة. كنت أتصل بصاحب الوسيلة المعنيّة وأقول لمديرها: <إنت كنت تريد أن تشتم فلاناً فليكن، لكن خذ رأيه أيضاً! هو له حق في الدفاع عن نفسه! للأسف الأحادية سائدة في البلد...

ــ معالي الوزير، كيف يمكن أن يُنظّم عمل الصحافة الإلكترونية، في غياب قانون ينظّم العمل في هذا المجال؟

- القانون موجود في مجلس النواب وقد عملت عليه شخصياً مع النائب حسن فضل الله وهو اليوم في لجنة الإدارة والعدل. هناك باب كامل له علاقة بالصحافة الإلكترونية، وباب آخر متعلّق بالآداب الإعلامية، مُستوحى من الآداب الطبية لنقابة الأطباء.

ــ يقول الإعلامي القدير عادل مالك، الذي قضى أكثر من 55 عاماً في مهنة الإعلام، يقول إن ما نعيشه اليوم هو أكثر عصور الإعلام ظلاماً، وهو يعتبر أن الواقع الإعلامي سيبقى في حالة تخبّط وفوضى لفترات طويلة. هل توافقه الرأي؟

- طبعاً!

ــ وعلى من يقع الحق في ذلك: على مقدِّمَ المادّة الإعلاميّة أو على المتلقّي. أم أن الخطأ مشترك بينهما؟

- الخطأ مشترك.

ــ سؤالي الأخير وقد يكون الأهم: ما سيكون مصير المؤسسات التابعة لوزارة الإعلام في حال ألغيت هذه؟ وهل تعتقدون أن إلغاء تلك الوزارة يقلّص الهدر في الإدارات العامة؟

- وسائل الإعلام التابعة لوزارة الإعلام ستصبح وسائل إعلام منبثقة من سلطة الشعب، بحيث يصبح المواطن اللبناني مساهماً فيها على غرار <هيئة الإذاعة البريطانية> البي بي سي (تمويلها يأتي بشكل مباشر من المواطن البريطاني من خلال الضرائب التي تضعها الدولة على كل جهاز تلفاز في بريطانيا، مما يعزّز مبدأَي الشفافية والحياد)، وتُخصخَص بمعنى الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد تقدمت بكتاب حول هذه النقطة أخاطب فيه رئيس الحكومة الذي حوّله إلى الهيئة العليا للخصخصة لإجراء المقتضى، سواء لإذاعة لبنان التي تملك أرشيفاً ضخماً غير موجود في الشرق الأوسط ويُثمّن بملايين الدولارات، أو لتلفزيون لبنان.

ــ وماذا عن تقليص الهدر؟

- نعم، يتقلّص الهدر بشكل كبير لأن ميزانية وزارة الإعلام <كلا عبعضا ما إلا معنى>، باستثناء بعض الأمور الأساسية المرتبطة بنقطتين: النقطة الأولى مركز الدراسات الذي لا بد من تعزيزه وتفعيله لأنه يقدّم خدمات مهمة جداً للدولة إن تمت الاستفادة منه كما يجب، والنقطة الثانية تحويل وسائل الإعلام إلى وسائل منتجة تجني الأرباح للدولة وليس العكس. الدولة اللبنانية ليست مُجبرة، مثلاً، أن تدفع سنويا رواتب الموظفين في تلفزيون لبنان لأنه مملوك من وزارة الإعلام، ولا أن تتناحر الدولة لإدارة وسائل الإعلام الرسمية!

وأردف الرياشي:

- هناك مسألة جوهرية أود التوقف عندها، وهي ضرورة أن تضم وسائل الإعلام الرسمية فترات أو موجات خاصة للأطفال والوثائقيات، <مش بس تفاهة وسخافات>. هذا ضروري سواء في الإذاعة أم في التلفزيون! أما النقطة الأهم والأخطر فتتعلّق بنقابتَي المحررين والصحافة <الغايبين عن الوعي>. على وزارة الإعلام أن تتوقف عن دفع المخصصات لهما، بانتظار أن تصبحا نقابتين تعبّران حقيقة عن حاجات الإعلاميين ومشاكلهم. على نقابة المحررين أن تضم جميع الإعلاميين، سواء عملوا في التلفزيون أو الإذاعة أو غيرهما على أن تحتفظ باسمها، وعليها أن تؤمن التعاقد الكريم للإعلامي والتعاضد الصحي والمهني له. كما عليها أن تؤمن الحصانة النقابية للإعلاميين، <مش إنو حيلا مخفر بيبعت ورا الإعلامي من دون العودة لنقابتو>. ثم إنه على المحرر أن يكون حراً ليعمل بضمير ومهنية، لا أن يكون عبداً للقمة عيشه أو للزبائنية. فالحاجة تولد الزبائنية والزبائنية تولّد الإستزلام. كل تلك النقاط مفقودة حالياً. <إذا راح الإعلام من هيدا البلد ما بعود إلو قيمة وبيفقد رسالتو>. لذا من مصلحة الدولة أن تحمي الإعلام، ولكن دولتنا تكره الإعلام والإعلاميين لذا فالإعلام في صراع دائم معها.