تفاصيل الخبر

وسط مهزلة تضارب أرقام الخسائر هذه هي مطالب صندوق النقد للمساعدة!

22/07/2020
وسط مهزلة تضارب أرقام الخسائر هذه هي مطالب صندوق النقد للمساعدة!

وسط مهزلة تضارب أرقام الخسائر هذه هي مطالب صندوق النقد للمساعدة!

[caption id="attachment_79671" align="alignleft" width="348"] رئيس الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد وزير المالية غازي وزني[/caption]

 مرة بعد مرة، يخرج مسؤول أو أكثر في صندوق النقد الدولي ليسأل الحكومة أين اصبحت الأرقام الدقيقة للخسائر المالية اللاحقة بلبنان، وأي رقم يفترض أن يعتمد، رقم فريق التفاوض الحكومي أو رقم لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من لجنة المال والموازنة النيابية التي يرأسها النائب ابراهيم كنعان؟ يخشى المراقبون أن يتحول صندوق النقد الدولي الى لاعب اضافي على الساحة اللبنانية فيدخل في دهاليزها ويضيع في شعابها، وبين مستشار من هنا ونائب من هناك تضيع الفرصة على لبنان ليكون صندوق النقد الى جانبه يساعده في تجاوز محنته الاقتصادية ويخفف العبء عليه. لكل من فريقي "النزاع" حجته المقنعة، فالفريق الحكومي المثقل بالمستشارين يقول إن الحق معه، والفريق النيابي بزعامة كنعان يعتبر أن ارقامه هي الادق، الامر الذي ادى عملياً الى تجميد المفاوضات في انتظار توحيد الرؤية التي قيل إن العمل بدأ جدياً في سبيل الوصول الى مقاربة واحدة تضع حداً للجدل الذي كان وقعه سيئاً على فريق المفاوضين في البنك الدولي اذ سجلوا غياب "الصدقية" في كل ما قام به الفريق اللبناني ما حتم اعادة النظر في امكانية استمرار التفاوض وما دفع بمسؤولين في صندوق النقد الى اطلاق التحذير تلو الاخر علّ يبدل المسؤولون في بيروت من طريقة تعاطيهم مع هذا الملف الحساس.

صحيح ان ثمة من قال في صندوق النقد إن ارقام الحكومة هي الاقرب لرؤيته، مبدياً قلقه حيال محاولات لبنان تقديم خسائر اقل لأزمته المالية ودعا الى التوافق حول خطـــة الانقاذ المالي الحكومية، لكن الصحيح ايضاً ان اعلان "افلاس" لبنان ليس بالامر السهل وهو كان الحافز للجنة المال- كما تقول مصادرها- للعمل على التقريب بين مقاربات الحكومة والمصارف والبنك المركزي وتوحيد موقف المفاوض اللبناني.

 وفي هذا الاطار تقول مصادر في لجنة المال والموازنة  إن تخفيض الخسائر الذي توصلت اليه اللجنة عقب تشريح دقيق، هو تخفيض حقيقي وليس تلاعباً كما يوحي بعض المستشارين خلال تواصلهم مع صندوق النقد لتحفيزه على الوقوف الى جانبهم، كاشفة عن معلومات تفيد بأن بعض هؤلاء عملوا لدى رئيسي الجمهورية والحكومة سعياً الى اجهاض نتائج عمل لجنـة المال والترويج بانها تدفع في اتجاه "تهشيل" الصندوق.

 وتشدد المصادر، على ان اهم ما فعلته اللجنة تمكنها من ايجاد خط ثالث بين خطي الحكومة والقطاع المصرفي، اللذين يحاول كل منهما التفلت من مسؤوليته عن الخسائر والقاءها على الاخر او على الناس. موضحة أن "لجنة المال اعتمدت خيار تغيير المقاربات التي تؤدي حكماً الى تصحيح الارقام بموافقة المرجعيات الرقابية النقدية المختصة، وتوزيع الخسائر والاعباء بطريقة عادلة على الدولة ومصرف لبنان والمصارف باستثناء المودعين على قاعدة حماية حقوق اللبنانيين في المصارف وعدم السماح باستعمالها في اي جلسة.

 وفي هذا السياق، يقول رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان إن الحكومة معنية في ان تأخذ في الحسبان الخلاصات التي توصلت اليها اللجنة بعد عمل لا يرمي سوى الى حماية حقوق المودعين بمعزل عن حسابات الحكومة ومصالح البنك المركزي والمصارف، مؤكداً على ان توحيد الموقف ولو حول الخطأ، هو افضل بكثير من الانقسام فكيف اذا كان موحداً حول الصواب المرتكز على قراءة موضوعية للخطة.

مطالب صندوق النقد

في المقابل، ثمة من يرى انه مهما كانت الارقام النهائية التي سيتم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، فإنها مطالبة محددة وسيضعها في عهدة الحكومة ويطالب بتنفيذها، جزء منها معروف ويشبه الوصفة الموحدة لاي دولة تطرق بابه للمساعدة، والجزء الاخر يمكن تلخيصه بخمسة عناوين تشكل مدخلاً الى عملية الاصلاح الشامل وهي:

أولاً: تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار. فالصندوق سيعود الى مطلب تحرير سعر الصرف حينما تسمح الظروف، لكن يرجح ان يحصل ذلك تدريجياً مع اطلاق آليات هيكلة وجدولة الدين العام والقطاع المصرفي، وذلك افساحاً في المجال امام المواطنين لامتصاص الصدمة واستيعاب الخسائر. فلا يعقل ان يصبح سعر جميع السلع او الرسوم والخدمات محرراً دفعة واحدة، كما يستحيل ان يتمكن المواطنون الذين يحصلون على رواتبهم بالليرة اللبنانية من تلبية احتياجاتهم من مآكل مشرب ومحروقات وخدمات....على سعر 9000 ليرة للدولار الواحد، ولهذا يعطي الصندوق مهلة لتحرير سعر الصرف قد تصل الى العام 2026.

ثانياً: رفع الدعم عن الاستيراد والسلـــــع والخدمات، لأن الدعــــم يشجع على التهريب، ولأنه "نفقات بلا جدوى" تضرب روح التنافس التجاري، فإن الصندوق يطالب برفع الدعم عن السلع كلها، ويفضل دعم الناس بالاموال على دعم السلع. حتى دعم الكهرباء الذي يكلف خزينة الدولة نحو ملياري دولار في السنة امر مطلوب بقوة ان يتوقف، لأن اصابة الناس بقدرتها الشرائية افضل من دعم المحروقات او القمح والسلة الغذائية وتهريبها الى خارج الحدود واستنزاف احتياطات العملة الصعبة في المصرف المركزي.

ثالثاً: تقليص القطاع العام واعادة هيكلته، علماً ان تكلفة القطاع العام قد انخفضت الى نحو النصف واكثر. فالكتلة النقدية للرواتب والاجور والتعويضات تراجعت بعد ارتفاع سعر صرف الدولار. لكن ذلك ليس حلاً، لأن الحكومة ستواجه مستقبلاً معضلتين:

الاولى ان فائض الموظفين في الادارة كبير فعلاً، اذ يصنف لبنان ثالث دولة عربية من حيث عدد موظفي القطاع العام، وهو بحاجة الى صرف ما يقدر بثلثهم ( 100 الف موظف من اصل 300 الف) اضف الى ذلك 96 مؤسسة عامة اتفق على اقفالها في الحكومات المتعاقبة لكن قرار البت بها مرمي في الادراج. اما الثانية، فاذا لم "ينظف" القطاع العام الآن، فإن العدد الفائض سيبدأ مستقبلاً بالمطالبة بزيادة على الرواتب. وعليه، فإن الوقت داهم ولا بد من انجاز الامر سريعاً.

رابعاً: خصخصة الكهرباء فالصندوق يصر على خصخصة قطاع الكهرباء وكذلك خصخصة القطاعات ذات الطابع الانتاجي كلها مثل الاتصالات والمياه والانترنت والطيران والريجي. الخصخصة ليست مطلباً بمعناها الضيق، وانما هي محاولة انفتاح على المنافسة مع القطاع الخاص. الهدف من ذلك محاولة كسر الاحتكارات، لاننا بحاجة الى "منافسة خاصة" وليس الى "احتكارات خاصة لكن الخصخصة في ظل نظام فاسد تكون مستحيلة، خصوصاً اذا انعدمت الشفافية واستقلالية القضاء وعينت هيئات ناظمة للقطاعات، لتكون فارغة بلا صلاحيات.

خامساً: اعادة هيكلة القطاع المالي، ذلك انه على الرغم من ادراج الحكومة في خطتها بند اعادة هيكلة القطاع المالي، الا ان "خطر المحسوبيات والزبائنية" بقي حاضراً بقوة من خلال "بدعة الرخص الخمس" التي خرجت بها الحكومة، ومع تشقق الخطة الحكومية، اعادت المصارف الاعتبار لطرحها واخذت الحيز الاهم من الافضلية، مستبعدة حتى اللحظة خيار هيكلتها.

 وتركز خطة المصارف على اعادة اموال المودعين بهدوء بالليرة اللبنانية وبأقل من سعر الصرف الحقيقي. في هذه الحالة تكون المصارف قد ردت اموال المودعين من حسابهم، وعادت الى الــ "status quo " الذي كان قائماً من قبل، من دون اي عملية هيكلة للقطاع، لكن من الواضح ان صندوق النقد لن يوافق على هذا الامر، وسيطالب بحل سريع، ولا يستبعد ان يضغط على المصارف المتعثرة من اجل اشهار افلاسها او اعادة هيكلتها سريعاً، لكن اعادة الهيكلة امر مستحيل في ظل غياب خطة واضحة تخص اولاً اعادة جدولة الدين العام وهيكلته، وثانياً، اجراء تقييم جدي تقوم به المصارف ذاتياً، لمعرفة "صحة وسلامة" ديون القطاع الخاص لديها، والتي بات تصنيفها شبه متعثر نتيجة استفحال الازمة الاقتصادية.

 حيال هذه المطالب، يقول مطلعون إن المسألة لم تعد مقاربة واحدة للارقام لتسهيل التفاوض، بل المباشرة باقناع اللبنانيين بما ينتظرهم من اجراءات تشكل شرطاً اساسياً ليقدم الصندوق خدماته... كاملة!.