تفاصيل الخبر

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر تعبيراً عن الديموقراطية من التمثيل البرلماني

05/05/2017
وسائل التواصل الاجتماعي  أصبحت أكثر تعبيراً عن الديموقراطية من التمثيل البرلماني

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر تعبيراً عن الديموقراطية من التمثيل البرلماني

 

بقلم خالد عوض

saed

يبدو أن السياسيين في لبنان يعيشون على كوكب آخر. هم لا زالوا يبحثون عن قانون انتخاب يصحح التمثيل الشعبي في وقت يتغير مفهوم الديمقراطية في العالم كله. كم الإحصاءات والاستفتاءات الجارية في دول عديدة معروفة بالديموقراطية يؤكد أن النظام التمثيلي لم يعد وحده يكفي لإيصال صوت الناس إلى السلطة، بل يجب الاستماع إلى رأي الشعب بشكل متواصل وتجديد الوكالة التمثيلية عند كل قرار كبير. فلو كانت الديمقراطية المؤسساتية في بريطانيا كافية، لماذا إذاً كان اللجوء إلى استفتاء شعبي حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه؟ لو أخذ بالأكثرية البرلمانية وحدها من دون أي استفتاء، وهي مفترض أن تكون معبرة عن الأكثرية الشعبية، لما قررت بريطانيا الخروج من أوروبا ومواجهة ٢٧ دولة أوروبية أخرى تطالبها اليوم بما يناهز ٦٠ مليار دولار هي التكاليف التي ستتحملها أوروبا من جراء خروج بريطانيا.

صحة التمثيل لا تكون فقط بانتخاب نواب لعدة سنوات، يأتون إلى البرلمان فيحكمون الشعب باسم الديمقراطية بدل أن يكونوا هم صوت الشعب فيحكمون باسمه. ففي ظل وجود أدوات تكنولوجية عديدة يمكن للشعب أن يعبر عن أفكاره وآرائه من خلالها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل حية أخرى، إذ لم يعد هناك وكالة دائمة ومطلقة من الناس إلى نوابهم. الديمقراطية تحولت في لبنان من الحكم بصوت الشعب إلى حكم الشعب أي فرض قرارات ونتائج عليه من دون أن يكون عنده فرصة أن يعترض. يسمونها هذه الأيام في فرنسا بـ<الديمقراطية المحكومة> <la démocratie gouvernée> بدل أن تكون الديمقراطية هي الحاكمة <la démocratie gouvernante>. ويؤكد بعض المؤرخين والناقدين الفرنسيين أن التكنولوجيا الإعلامية الجديدة، من خلال <تويتر> أو <فايسبوك> وغيرها من الوسائل الحديثة الموجودة أو التي هي في الطريق ميشال-عونإلينا، ستعيد مفهوم الديمقراطية الحاكمة وستضعف من الشكل التمثيلي لمجلس النواب لصالح التواصل اليومي أو الدوري.

في ظل هكذا تغيرات في المفاهيم التمثيلية عامة، كيف يمكن قبول مهزلة البحث عن قانون انتخاب يعيد صحة التمثيل إلى البلد؟ وهل يعقل أن تكون فكرة مجلس الشيوخ كلها غير صالحة فقط لأن هناك خلافاً حول مذهب رئيسه، أيكون درزياً أو أورثذوكسياً؟ <خلوها بالمداورة، مرة درزي ومرة روم، بس خلصونا>! لا أحد يحسب كلفة التأخير وتضييع الفرص على البلد.

عندما يكون الدين العام على أبواب الثمانين مليار دولار، وتصبح هجرة الشباب والأدمغة ضرورة مالية للحفاظ على التحويلات التي تحمي الليرة، وعندما يتبين أن عجز الموازنة يمكن أن ينطح الخمسة مليارات دولار، وتتجه خدمة الدين إلى تحقيق رقم معادل مع استمرار الاتجاه التصاعدي للفوائد على الدولار، عندما تجف الاستثمارات الوافدة وتعاني السياحة ما تعانيه، لا يمكن إلا التعجب من هذه الخفة التي يتعاطى فيها من هم من المفروض أن يكونوا ممثلي الشعب في لبنان مع الاستحقاق الانتخابي.

هناك حقيقة اقتصادية ومالية لا يمكن حجبها. حين يكون النمو الاقتصادي فوق مستوى الخمسة بالمئة تتوافر فرص العمل وبالإمكان ساعتئذ التفكير بإطفاء الدين العام أو على الأقل فرملته. أي مستوى أقل من ذلك يعني بطالة وهجرة بدرجات متفاوتة حسب معدل النمو. ما يحصل اليوم في لبنان من تناتش على المقاعد النيابية تحت عنوان <صحة التمثيل> هو ضربة موجعة للنمو الاقتصادي لن يخرج منها بسهولة.

كل هذه المليارات يتحمل هؤلاء، من دون استثناء، مسؤولية ضياعها.