[caption id="attachment_79669" align="alignleft" width="411"] وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية[/caption]
من المقرر ان يطلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال الايام القليلة المقبلة، الخطة الرسمية التي تتضمن ورقة السياسة العامة لعودة النازحين، وهي الاولى من نوعها منذ ان طرحت قضية النازحين السوريين قيد البحث بعدما بلغ عددهم نحو مليون و 500 الف نازح سوري يتوزعون في عدد كبير من المناطق اللبنانية وفي كل المحافظات والاقضية. لقد كان من الصعب في حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى والثانية، التوافق على خطة موحدة نظرا للتباين في وجهات النظر بين القيادات السياسية اللبنانية. وفي ظل الحكومة الحريرية الثانية تسلم الملف الوزير صالح الغريب وباشر باعداد الخطة واستطاع انجازها، الا انه كان من المتعذر عرضها على مجلس الوزراء بسبب ممانعة الرئيس الحريري آنذاك. ومع رحيل الحكومة الحريرية وتشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، انتقل الملف الى وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور رمزي المشرفية الذي عمل عليه انطلاقا مما توصل اليه سلفه وادخل بعض التعديلات التي تتناسب والتطورات التي حصلت في قضية النازحين....
واذا كان من غير الواضح بعد ما سيكون مصير خطة عودة النازحين السوريين التي تفترض تواصلاً رسمياً مع الحكومة السورية، مع ما يمكن ان يستتبع ذلك من تداعيات في ظل " قانون قيصر"، الا ان الواضح جداً في هذا المجال، ان الرئيس عون مصمم على المضي حتى النهاية في موضوع عودة النازحين الذي جعله العنوان الاول في مختلف محادثاته مع المسؤولين العرب والاجانب الذين يزورون لبنان لقناعته بأن هذا الملف يشكل تحديا كبيرا للدولة اللبنانية وخطرا مباشرا على مصالح اللبنانيين لاسيما في ظل الازمة الاقتصادية والمالية الراهنة التي تدفع بالبلاد الى الانهيار الاقتصادي، خصوصا متى اتضح ان كلفة النزوح السوري الى لبنان معطوفة على تداعيات الحرب السورية واغلاق الحدود وطرق الترانزيت، قاربت الـــ 25 مليار دولار اميركي لا يجد لبنان من يعوضها عليه وهو الذي بات بحاجـــة الى كل دولار للانطلاق بالخطة الاقتصادية ومفاعيلها.
وتتوقع مصادر معنية ان تكون مسألة البحث مع السوريين من النقاط الصعبة في مسار طي ملف النازحين وعودتهم الى سوريا، اضافة الى مقاربات مختلفة من قبل الاطراف السياسيين اللبنانيين. لكن تصميم الرئيس عون على السير بهذه الخطة وتبنيها بعد ادخال بعض التعديلات الضرورية سوف يشكل رافعة اساسية في تحقيق "الحلم" الرئاسي برؤية النازحين السوريين يعودون الى بلادهم لاسيما المناطق الآمنة فيها، عودة طوعية لا اكراه فيها ولا ضغط.
ماذا تتضمن الخطة؟
وفقاً لما توفر لموقعنا فإن ورقة السياسة العامة لعودة النازحين تنطلق من مجموعة مبادىء اساسية لا بد من الاقرار بها والاجماع حولها للسير بها وهي التمسك بحق النازح السوري بالعودة ورفض التوطين واي شكل من اشكال الادماج او الاندماج في المجتمع اللبناني وفق ما نص عليه الدستور اللبناني، وعدم ربط عودة النازحين بالعملية السياسية في سوريا، والانفتاح والتعاون والتنسيق مع جميع الاطراف المعنية بملف النزوح بهدف ضمان وتأمين عودة آمنة للنازحين الى سوريا، والاستناد الى التجارب الدولية السابقة في تنظيم العودة والتي تتطلب من الدولة اللبنانية كونها الدولة المضيفة التنسيق مع الدولة السورية بصفتها بلد الاصل ومع الامم المتحدة ممثلة بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، واحترام حقوق الانسان والالتزام بمبدأ عدم الاعادة القسرية" Non Refoulement كما تستند هذه الخطة الى مجموعة من الحقائق والمعطيات الميدانية التي توفرت لدى وزارة الدولة لشؤون النازحين والتي من شأنها دعم وتسريع خطة العودة، وهي: تحسن الاوضاع الامنية في سوريا، حيث اصبحت معظم الاراضي السورية آمنة، كما ان احصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين اظهرت ان ما يقل عن 89% من النازحين يرغبون بالعودة الى بلدهم، وكذلك ترحيب الدولة السورية بعودة كل السوريين واستعدادها لبذل كل ما يلزم من جهود لتبسيط وتسهيل اجراءات هذه العودة من خلال ترميم الاف المدارس والعمل على اعادة المؤسسات والخدمات وتأهيل البنى التحتية وتأمين متطلبات مواطنيها كما احداث مراكز ايواء مؤقتة وتقديم مستلزمات العيش الكريم، واتخاذ الاجراءات والقرارات من قبل الحكومة السورية لتسهيل وتسريع العودة ومنها صدور 9 مراسيم تشريعية القاضية بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة من الاعوام 2011 حتى 2019، وتوفير اجراءات وتدابير تسهل عودة النازحين.
أركان الخطة
ومن اجل تحقيق العودة الامنة تقترح الورقة اتباع خطة ثلاثية الابعاد، الاول البعد اللبناني، والثاني البعد اللبناني- السوري والثالث البعد اللبناني الدولي.
أولاً: في البعد اللبناني، ترى الخطة ضرورة احياء اللجنة الوزارية المكلفة متابعة قضية النازحين السوريين وتكليفها رسم السياسة العامة المراد اتباعها في ملف النزوح، وانشاء لجنة على مستوى المدراء العامين في الوزارات المعنية تتمثل فيها المنظمات الدولية والجمعيات المحلية وغير الحكومية تكون مهمتها اعداد الدراسات والمشاريع المراد تنفيذها في مختلف القطاعات مع سلم الاولويات المقترحة. ترفع هذه اللجنة اعمالها الى اللجنة الوزارية للمصادقة عليها وعرضها على الجهات المانحة. كما تقترح حصر ادارة ملف عودة النازحين بوزارة الشؤون الاجتماعية لأنها الجهة المعنية وذلك احتراماً لقواعد الاختصاص وحرصاً على حسن سير العمل، وبهدف بناء الثقة مع النازحين لحثهم على اتخاذ القرار بالعودة وحصر التواصل بمؤسسات الدولة اللبنانية لتفادي المبادرات الفردية وتخفيف التوترات والمشاحنات على ان تندرج خطة العودة ضمن خطة لبنان للاستجابة للازمة LCRP وتكون تحت الاشراف المباشر لوزير الشؤون الاجتماعية. ومن الاجراءات تعداد شامل للنازحين السوريين الموجودين على الاراضي اللبنانية، وبناء منصة الكترونية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية تحوي جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بالنازحين على ان تحدث بصورة مستمرة، التنسيق مع السلطات والادارات المعنية من اجل اعادة تصنيف النازحين وسحب بطاقة النزوح من النازح المتنقل بحرية بين البلدين، والعمل مع الوزارات المعنية والادارات المحلية، خصوصا البلديات، على تفعيل تطبيق القوانين خاصة تلك المتعلقة بالعمل والاقامة وتفعيل فرق التفتيش في وزارتي العمل والاقتصاد والبلديات كافة، كما اتخاذ الاجراءات العقابية القانونية القصوى بحق المخالفين، واعتماد سياسة التحفيز لتشجيع النازحين على العودة وبناء الثقة بأن مشروع العودة سيضمن امنهم وسلامتهم ويحفظ كرامتهم، والعمل على ازالة العقبات القانونية التي من شأنها اعاقة عودة النازحين، والعمل على التنفيذ الفوري للاحكام القضائية القاضية بالاخراج من البلاد والصادرة بحق المحكومين السوريين، بجرائم مرتبطة بالارهاب، من الذين لا ينطبق عليهم توصيف اللجوء. كما والعمل على قبول طلبات الاسترداد المقدمة اصولاً من قبل الدولة السورية على ان تراعي هذه الطلبات القوانين المرعية الاجراء لاسيما المواد 30 الى 36 ضمناً من قانون العقوبات اللبناني وألا تتعارض مع اتفاقية الاسترداد الموقعة بين لبنان وسوريا والتزامات لبنان الدولية.
والاستمرار والتشدد في ضبط الحدود والمعابر وفقاً لقرارات المجلس الاعلى للدفاع القائمة على اعادة اي داخل بطريقة غير شرعية، وتفعيل رقابة الدولة على عمل المنظمات الدولية في ما خص النازحين في لبنان وكل نشاطاتها ومشاريعها وطرق تمويلها من خلال خلق قاعدة بيانات خاصة بالجمعيات الاهلية وكل الجهات غير الحكومية التي تتلقى تمويلاً من الجهات المانحة بما يتسنى لاجهزة الدولة المعنية رصد هذه الجهات، متابعة انشطتها وتقييم عملها والاخذ بنتائج التقييم لعملية التمويل المستقبلية، الامر الذي من شأنه تجنب ازدواجية المبادرات الناتجة عن قلة التنسيق وتجنب هدر الموارد البشرية والمالية، والعمل على ارساء قاعدة ان كل مساعدة للنازحين تساويها مساعدة مماثلة للمجتمع اللبناني المضيف او للدولة اللبنانية ذلك ان انعكاسات النزوح لا تطال المجتمع السوري الضيف وحده وانما تمتد لتطال المجتمع اللبناني المضيف.
الأبعاد اللبنانية والسورية والاقليمية
ثانياً: تدعو الخطة الى التنسيق مع الدولة السورية وتشكيل لجنة لبنانية- سورية مشتركة تقوم بمهام عدة منها وضع خارطة طريق لعودة ممرحلة للنازحين تبعاً للمناطق الجاهزة لاستقبال العائدين، وتبادل المعلومات اللازمة والتنسيق من اجل تذليل العقبات القانونية، الامنية والادارية والتي قد تعيق عودة بعض النازحين، والتنسيق لتأمين انتقال النازحين من لبنان الى وجهتهم النهائية في سوريا، والتنسيق في هذا الاطار ما بين الامن العام اللبناني، مفوضية شؤون اللاجئين والجمعيات الانسانية العاملة في البلدين، واطلاق حملات اعلامية مشتركة للاضاءة على اوضاع العائدين وسلامتهم بغية بناء الثقة لتحفيز النازحين على العودة.
ثالثاً : في البعد اللبناني- الدولي فتقترح الخطة تفعيل العمل بأي مبادرة قد تساهم في عودة النازحين السوريين الى وطنهم كما ورد في البيان الوزاري، والعمل على حشد المزيد من المساعدات المالية خاصة وان الوضع الاقتصادي اللبناني مهدد اليوم بالانهيار، وان هذا الانهيار سيلقي بظلاله على جميع قاطني هذا البلد من مواطنين واجانب ولن تقف مفاعيله السلبية عند الحدود الجغرافية اللبنانية، ووجوب تخصيص نسبة معينة من المساعدات المقدمة للنازحين من قبل المنظمات الدولية والجهات المانحة باتجاه دعم الحلول المستدامة كاعادة التوطين في بلدان ثالثة والعودة، واشراف وزارة الشؤون الاجتماعية على حسن تطبيق هذه المعادلة، والعمل مع مفوضية شؤون اللاجئين لتذليل العقبات التي تحول دون عودة النازحين، وتبادل المعلومات ومطابقة قاعدة البيانات الكاملة بين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ووزارة الشؤون الاجتماعية والامن العام بهدف احصاء العائدين وتحديث سجلات النازحين لديهم، ووجوب تقيد مؤسسات المجتمع الدولي العاملة في لبنان بمبدأ مساعدة العائلات العائدة من لبنان الى سوريا، والتعاون مع المجتمع الدولي من اجل العمل على اعادة التوطين في بلدان ثالثة RESETTLEMENT للنازحين الذين لا تسمح لهم ظروفهم الامنية او الانسانية بالعودة الى سوريا لعدم جواز التوطين في لبنان بموجب احكام الدستور، وتكثيف المساعي السياسية والدبلوماسية مع جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة ومجموعة العمل الدولية لمساعدة لبنان على رفع الاعباء وفي سياسته الهادفة الى تنشيط العودة ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لخلق الظروف المؤاتية للعودة.