تفاصيل الخبر

ولادة "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد":أهداف واعدة وآلية مستدامة... والعبرة في التنفيذ!

13/05/2020
ولادة "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد":أهداف واعدة وآلية مستدامة... والعبرة في التنفيذ!

ولادة "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد":أهداف واعدة وآلية مستدامة... والعبرة في التنفيذ!

[caption id="attachment_77901" align="aligncenter" width="596"] الوزير دميانوس قطار... "الاستراتيجية الوطنية" وثيقة غير مسبوقة لحماية الوطن من خطر الفساد[/caption]

يلاحظ المراقبون هذه الأيام سباقاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لسن اقتراحات ومشاريع قوانين وتدابير لمكافحة الفساد، فمجلس الوزراء يدرس تدابير اقترحتها وزيرة العدل ماري كلود نجم وهو أقر معظمها، ووزير التنمية الادارية دميانوس قطار أنجز "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد"، وأمام مجلس النواب مشاريع واقتراحات قوانين... كل ذلك بهدف ارضاء المواطنين بأن عملية مكافحة الفساد جدية وان الاجراءات التي تتخذ تصب في مجرى واحد عنوانه الشفافية ومنع الرشاوى والفساد على أنواعه... لكن، يضيف المراقبون، ان هذا النشاط الاستثنائي خلط ملف مكافحة الفساد وأوجد أزمة تداخل الصلاحيات بعد ورود ملاحظات على التدابير التي اقترحتها الوزيرة نجم، واعتراضات على بعضها أيضاً، في وقت يسير مجلس النواب ببطء في اقرار النصوص المقترحة أو يحولها الى اللجان المختصة لدرسها، وعلى رغم الرأي الذي أبدته هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل للحؤول دون استمرار هذا التضارب في العمل لاسيما في "التدابير الآنية والفورية" المقترحة من وزيرة العدل، فإن "فوضى" مكافحة الفساد لا تزال مستمرة في انتظار الوصول الى حلول عملية سواء يقرها مجلس النواب، أو مجلس الوزراء، علماً ان النقاش الذي دار في مجلس الوزراء في الجلسة ما قبل الماضية حول تدابير وزيرة العدل كاد أن يعلق البحث خصوصاً لدى مناقشة الشق المتعلق بالإثراء غير المشروع وذلك بعدما اعتبر المعترضون ان في بعض التدابير ما هو مخالف للقوانين وغير قابل للتطبيق من دون تعديل قوانين في مجلس النواب. وحسب بعض المعترضين فإن التدابير تجعل الأمانة العامة لمجلس الوزراء تؤدي دور القضاء وتحولها الى ضابطة عدلية.

وفي موازاة عمل الحكومة والاعتراضات التي تحصل على بعض البنود المتعلقة بمكافحة الفساد، فإن "الورشة" في مجلس النواب مستمرة بقيادة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان من خلال اللجنة النيابية الفرعية التي شُكلت والتي تعمل على دراسة اقتراحات القوانين وقد انتهت من مناقشة قانون الاثراء غير المشروع واقترحت ادخال تعديلات عليه كي يصبح قابلاً للتنفيذ ويحدد الأموال سواء كانت منهوبة أو مهربة أو غيرها، ومعه نموذج التصريح عن الذمة المالية في لبنان والخارج الواجب على أي موظف في الدولة بما فيها السلطات الدستورية والمناصب التشريعية والتنفيذية والادارية والعسكرية والأمنية والمالية والاستشارية المدفوعة الأجر وغير المدفوعة الأجر. واقترحت اللجنة تسويع مهام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أقرت في الجلسة التشريعية الأخيرة والمرتبطة بهذا الاقتراح. وتم التوافق على ان تكون التصاريح علنية أمام هيئة مكافحة الفساد، أي أن يقدم المظروف بطريقة مقفلة بعدما كانت هناك مطالبات بأن تكون علانية بشكل كامل.

وتعتقد مصادر نيابية ان الانتهاء من هذا القانون في اللجنة الفرعية لا يعني انه أصبح نافذاً، فاللجنة الفرعية مهمتها الوصول الى صيغة موحدة لعدة اقتراحات مقدمة من مختلف الكتل حول موضوع معين، ومن ثم ترسله الى اللجان المشتركة لاقراره. ويبقى تأمين الارادة السياسية التي تسمح لمثل هذه القوانين بأن تصبح نافذة في الهيئة العامة حيث تتفاوت مواقف الكتل وتتناقض.

"الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد"!

[caption id="attachment_77902" align="alignleft" width="431"] لجنة المال والموازنة برئاسة ابراهيم كنعان تناقش قانون الاثراء غير المشروع[/caption]

في أي حال، بين تدابير وزيرة العدل، ومداولات اللجنة الفرعية في مجلس النواب، برزت "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" التي قدمها الوزير قطار معرفاً عنها بأنها "أول وثيقة من نوعها في تاريخ الجمهورية اللبنانية وتعبّر عن ارادة سياسية غير مسبوقة ورغبة مجتمعية ملحة لحماية الوطن من خطر الفساد بما يدعم الجهود الهادفة الى استنباط حلول مستدامة لمعالجة التحديات الاقتصادية والمالية الجسيمة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية واصلاح أوجه الخلل البنيوي في حوكمة الدولة وصولاً الى وضع البلاد على طريق تحقيق التنمية العادلة والشاملة بجوانبها كافة". ويقول الوزير قطار في العرض الذي قدمه أمام مجلس الوزراء ان "الاستراتيجية الوطنية" تسعى الى ترجمة التوجهات الاصلاحية التي التزمت بها الحكومة تجاه المواطنين والشركاء الدوليين والى تلبية نداءات التغيير المتكررة التي أطلقها الناس والمطالب المشروعة للانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، والتي وضعت جميعها مكافحة الفساد في قائمة أولوياتها. وتلتقي الاستراتيجية أيضاً مع مندرجات الخطة العالمية للعام 2030 في شأن التنمية المستدامة، كما تتواءم مع التزامات الدولة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وباقي المعاهدات والمواثيق الاقليمية والدولية ذات الصلة.

مسار تراكمي!

[caption id="attachment_77900" align="alignleft" width="387"] اقتراحات وزيرة العدل ماري كلود نجم لمكافحة الفساد تلقى تجاوباً من مجلس الوزراء[/caption]

وحسب معلومات "الأفكار"، فإن إعداد "الاستراتيجية الوطنية" تم في إطار مسار تراكمي قادته اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد واللجنة الفنية التي تعاونها، المنشأتان في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2011، بالتشاور مع وزراء ونواب وقضاة ومسؤولين في القطاع العام وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص، وبالاستفادة من الخبرات والتجارب المقارنة وبدعم فني من جانب برنامج الأمم المتحدة الانمائي. وبدأ العمل على صياغة الاستراتيجية في شباط (فبراير) عام 2016، وذلك بالاستناد الى التقارير والتوصيات التي تمّ إعدادها أثناء المرحلة التحضيرية، وانتهى الى إقرارها من جانب مجلس الوزراء لتنضم بذلك الجمهورية اللبنانية الى عداد الدول التي تُولي مكافحة الفساد اهتماماً رسمياً متمثلاً بوجود سياسة عامة متخصصة في هذا المجال تعبّر عن الأولويات والاحتياجات الوطنية، وتتوافق مع التزامات الدولة على المستويين الاقليمي والعالمي، وتشكل نقطة انطلاق منهجية لعمل جاد في هذا المضمار وصولاً الى نتائج ملموسة على أرض الواقع يمكن المراكمة عليها مستقبلاً استكمالاً لمسار بناء دولة حديثة وتحصين السلم الأهلي وتحقيق مستلزمات العيش الكريم لجميع اللبنانيات واللبنانيين دون تمييز.

ويقول الوزير قطار ان هذه الوثيقة توفر خارطة طريق وطنية واقعية وعملية وقابلة للقياس للفترة الممتدة بين عامي 2020 و2025، منطلقة في ذلك من قراءة موضوعية لواقع الفساد وجهود مكافحته في لبنان، لتصوغ بناءً عليها رؤية طموحة ورسالة واضحة تسعى من خلالهما الى تحقيق ثلاثة أهداف كبرى وهي: تعزيز الشفافية، وتفعيل المساءلة، ومنع الإفلات من العقاب. تُترجم الوثيقة الأهداف المذكورة الى سبع "محصلات" مُستهدفة قابلة للقياس بواسطة مؤشرات علمية، ومقسّمة الى أربعة وثلاثين "مُخرجاً". ثمّ تُفرد لكلّ "مُخرج" من تلك "المُخرجات" مجالات عمل ملموسة، ومدد زمنية محددة، وجهات مسؤولة رئيسة بغية ضمان أكبر قدر ممكن من الفعالية، على أن تتولى كل مجموعة من تلك الجهات مسؤولية إعداد واقتراح خطط العمل السنوية والموازنات اللازمة لها في إطار آلية موحّدة ومنسّقة على المستوى الوطني لمتابعة تنفيذ "الاستراتيجية الوطنية" برمّتها.

وتُعنى أولى "المحصّلات" المستلهمة باستكمال وتفعيل تشريعات مكافحة الفساد المتخصصة وهي العمود الفقري لاي منظومة فاعلة في مكافحة الفساد، وتركّز الثانية والثالثة على تعزيز نزاهة كلّ من الوظيفة العامة والشراء العام وتقليل تعرّضهما للفساد باعتبارهما مدماكين أساسيين في عمل القطاع العام وعلاقته بالقطاع الخاص والجمهور عموماً. يأتي بعد ذلك التركيز على المنظومتين القضائية والرقابية في "المحصلتين" الرابعة والخامسة تباعاً نظراً لدورهما المحوري في ضمان حسن تطبيق القوانين والأنظمة المرعية الاجراء لاسيما تلك المتعلقة بمكافحة الفساد. أما "المحصّلة" السادسة التي تستهدف الاستراتيجية تحقيقها فهي إشراك المجتمع بكافة مكوناته في نشر وترسيخ ثقافة النزاهة، فيما تقوم "المحصّلة" السابعة والأخيرة بإفراد مساحة غير مسبوقة لإدماج نهج الوقاية من الفساد بشكل مُمأسس على مستوى قطاعات بعينها، وبشكل تدريجي، وصولاً الى تغطية القطاعات الكافة، مما سيسمح بتطوير حلول تتلاءم مع خصوصية الفساد ومقتضيات مكافحته في كلّ منها، ومن ثمّ تعزيز فرص تحقيق نجاحات ملموسة يشعر بها المواطنات والمواطنون والعاملات والعاملون في تلك القطاعات إضافة الى عموم الجمهور المتعامل معها، وذلك بموازاة الجهود المبذولة في إطار المحصّلات الست الأخرى المذكورة أعلاه وبالتكامل معها.

في أي حال تبقى العبرة الحقيقية في حُسن تطبيق الاستراتيجية على أرض الواقع، وعلى امتداد السنوات الخمس المقترحة، وأبرز مقوّمات النجاح المطلوب توافرها لتحقيق ذلك، الآلية الوطنية المطلوبة لمتابعة التنفيذ وفق أفضل الممارسات المستلهمة من التجارب المقارنة والتي تتناسب مع السياق اللبناني.