تفاصيل الخبر

وجــع الأيــام الـعـربـيـــة فـــي  أيـــام بـيـــروت السينمائيـــة..  

20/03/2015
وجــع الأيــام الـعـربـيـــة فـــي  أيـــام بـيـــروت السينمائيـــة..   

وجــع الأيــام الـعـربـيـــة فـــي  أيـــام بـيـــروت السينمائيـــة..  

صورة-نجود-علي-التي-كتبت-سيرتها--الصحافية-الفرنسية-دلفين-مينو

<القاعدة >، <الاصولية >، <حكاية يهوذا>، <الاوديسا العراقية>، <نجود> الطفلة اليمنية بنت العاشرة التي اشتهرت في العالم كله بعد ذهابها وحدها الى المحكمة طالبة الطلاق، <حمص المحروقة>، <البقرة السايبة> الآتية من فلسطين الى لبنان، <العقم عند المرأة> مواضيع بين غيرها عرضت في أيام بيروت السينمائية التي طغى عنصر الشباب عليها صناعة سينمائية ومشاهدة في الصالات. بقعة الضوء وسط المواضيع العاكسة للواقع المرير كان <تكريم الراحلة صباح> في أول ظهور سينمائي لها ضمن الفيلم المصري <القلب له واحد> للمخرج هنري بركات، وله ايضاً فيلم <أفواه وأرانب> الذي تكرم به أيام بيروت السينمائية سيدة الشاشة الراحلة فاتن حمامة.

تحت شعار <السينما والدين>، افتتحت أيام بيروت السينمائية الثامنة افلامها. هي افلام اليوم <طازجة >، من قلب الواقع، من صميم البركان الذي يغلي تكفيراً وقتلاً وحروباً ومذابح لعل الشاشة الفضية التي أضحت هي أيضاً منبراً هوليوودياً للجماعات التكفيرية تكفّر عن نفسها في الافلام التي يفوق عددها الخمسين بين روائي وقصير ووثائقي، تعرض على مدى عشرة أيام في السينمات البيروتية المختلفة (<متروبوليس> <امبير صوفيل>، <سينما سيتي>)، فضلاً عن فندق <سمولفيل> وأكاديمية <البا> و<المعهد الفرنسي>.

الجهاديون.. و<الأوسكار>

 

الافتتاح جاء من <كان> وجوائز <السيزار> عن أفضل فيلم وأفضل إخراج نالها فيلم <تمبكتو> للمخرج الموريتاني <عبد الرحمن سيساكو>. سبق واختير الفيلم للمنافسة على <السعفة الذهبية> في المسابقة الرئيسية في مهرجان <كان> السينمائي لعام 2014، وتم ترشيحه لجائزة <الأوسكار> في فئة أفضل فيلم أجنبي.

يتناول<تمبكتو> او <وجع العصافير> مأساة قرية في شمال <مالي> في ظل حكم الجماعات المسلحة فيها من آذار/ مارس 2012 حتى بداية 2013، والتدخل الدولي بقيادة فرنسا لمواجهة <القاعدة> في المغرب الاسلامي.

ليس بعيداً من <تمبكتو>، التي يحكمها الأصوليون المتدينون، يعيش <كيدان> بسلام مع زوجته <ساتما> وابنته <تويا>، وابنه <إيسان>. يعاني أهالي المدينة من النظام الإرهابي الذي فرضه الجهاديون. فقد تمّ حظر الموسيقى والضحك والسجائر وحتى كرة القدم، فيما تصدر يومياً المحاكم المرتجلة الجديدة أحكام مأساوية وعبثية.

نجا <كيدان> وعائلته من الفوضى التي تسود في <تمبكتو>. ولكن مصيرهم يتغير عندما يقتل <كيدان> <أمادو> من دون قصد، ويتعين عليه مواجهة القوانين الصورة-بطل-فيلم-تمبكتو-ابراهيم--احمد-في-بيروتجديدة لأصحاب السلطة الأجانب.

 ابراهيم أحمد الممثل الرئيسي في الفيلم حضر الى بيروت في الأيام السينمائية اللبنانية. هو ممثل وموسيقي <مالي> من أصول <طوارقية>، حاصل على جائزة أفضل ممثل أفريقي لسنة 2014 في المهرجان الدولي للأفلام بمدينة <دربن> في جنوب أفريقيا، وهو نجاح شخصي يتطلع الممثل الأفريقي لأن يحوله إلى نجاح جماعي، مؤكداً أنه <بعد النجاح الشخصي نسعى إلى نجاح أفريقيا>.

 يقول أحمد ان سعادته بنجاح الفيلم وترشيحه الى <الأوسكار> كان على قدر سعادة <عبد الرحمن سيساكو> مخرج الفيلم، لأنه بفضل هذا العمل تمكنت القارة الأفريقية بأسرها من الإشعاع، ونجاح الفيلم سيساهم في تحفيز الأجيال الأفريقية على الإبداع. فالشباب يشعرون بالفخر بمشاركة قارتهم في التظاهرات الثقافية الكبرى، وهؤلاء الشباب هم من ينبغي تدريبهم من أجل المستقبل، معرباً عن ثقته بالشباب الأفريقي بقوله: <اذ ان أفريقيا ستجد إشعاعها الفني في شبابها، ونحن نريد تكوين الطاقات الشابة الأفريقية بكامل القارة السمراء لتطوير السينما الأفريقية في المستقبل>.

 

أنا نجود.. عمري 10 ومطلقة..

في مقلب آخر، استضاف لبنان ايضاً من خلال المهرجان حكاية البنت التي خطفت أنظار العالم لشجاعتها، اليمنية نجود علي، كانت سيرتها مادة كتابة صاغتها الصحافية الفرنسية <دلفين مينوي>. فقد طبلت قصتها الآفاق، ما جعل المخرجة اليمنية خديجة السلامي تروي قصتها في فيلمها الروائي <أنا نجوم ابنة العاشرة ومطلّقة> الذي حصد جائزة المهر العربي لأفضل روائي في مهرجان دبي. لا يحمل الفيلم هم نجود فقط التي أُرغمت على الزواج من رجل في عمر الثلاثين. فالمهر الذي دفعه الرجل سيسمح لعائلتها بالاستمرارية... انه تصوير للمجتمع اليمني بكامله من خلالها. فالزواج القسري للفتيات موضوع طاغٍ في اليمن بفعل التسلط الديني والاجتماعي والثقافي والسياسي. كانت مخرجة الفيلم خديجة السلامي هي ايضاً ضيفة على مهرجان أيام بيروت السينمائية وكانت قد تحدثت عن الفيلم قائلة: <لقد صورت الفيلم بميزانية صغيرة وبصعوبة في اليمن، وأردت تسليط الضوء على هذه القضية التي أدافع عنها وعن الأطفال مع استمرار وجود هذه الظاهرة بشكل ملفت. هزت هذه القصة الواقعية اليمن والعالم العربي والعالم، وقد اخترت العمل على هذه الفكرة، بسبب زواج الفتيات بشكل مبكر في اليمن نتيجة التقاليد والجهل والفقر والعادات القديمة، نجود فتاة مذهلة حقاً، لأنها البنت الوحيدة التي خرجت عن العادات والتقاليد، وذهبت إلى المحكمة بنفسها من أجل الحصول على الطلاق>.

وأشارت المخرجة اليمنية إلى أن <قصة الفيلم مستوحاة من قصة فتيات كثيرات يعانين من حالة الزواج المبكر>، موضحة أن هدف الفيلم هو توعية الآباء والأمهات، وتحذيرهم من ارتكاب هذا الفعل الخاطئ، وموضحة أن <الأهل لا يمكن وصفهم بالأشرار، بل بالجهل، وخصوصاً أنهم لا يعرفون الأثر الجسدي والنفسي على أطفالهم، وضرورة تعريف الفتاة بحقوقها>.

 

وعائشة ايضاً..

قصة نجود قابلتها من جانب آخر قصة عائشة، هي الطفلة في شريط المخرجة المغربية تالا حديد في <إطار الليل>، يخطفها القواد ويتقاضى مبلغاً من المال لقاء تسليمها الى أحد المتحرشين بالأطفال. وتدور أحداث الشريط، وهو عمل مشترك بين المغرب وبريطانيا وقطر، ومن تمثيل عدة وجوه شابة حول الطفلة اليتيمة التي عُثر عليها وحيدة في غابات وسط المغرب، حيث اشتراها عباس الممثل الفرنسي الجزائري الأصل (حسين شوتري) من أجل بيعها لغني فرنسي مقابل 100 ألف يورو ربما لاستغلالها جنسياً، وهي القضية الأخرى التي فتحتها المخرجة في الفيلم، والمتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال، وما تطرحه هذه الإشكالية من أسئلة لدى الرأي العام الدولي، وكذلك لدى المنظمات والجمعيات التي تُعنى بحقوق الإنسان.

في الفيلم، ترفض <ماجدولين> صديقة عباس بيع الطفلة بهذه الطريقة، لأنها تدرك المستقبل الغامض الذي ينتظرها جراء إمكانية استغلالها جنسياً من قبل الثري الفرنسي، وتدرك أيضاً عواقب ذلك، خاصة أنها مرّت بالتجربة نفسها، حيث مسار عائشة الشجاع يكشف عن إرادة قوية في أن تجد لنفسها مخرجاً من ورطتها، وهي التي سلبت من جبال الأطلس، حيث ترعرعت هناك، ليتم بيعها كما قلنا وتجد نفسها تحت رحمة المجرم عباس.

مخرجة الفيلم تالا حديد عراقية الأب ومغربية الأم. حاولت أن تجمع في فيلمها كل هذه الهويات والثقافات وهي رافقت فيلمها الى الأيام السينمائية البيروتية. برأيها لا يقدم فيلم <إطار الليل> للمشاهد حكاية للاستهلاك، لها بداية ونهاية، بل هو مشروع سفر داخلي يحمل المشاهد على التفكير في أسئلة قلقة ومفتوحة.

صورة-من-فيلم-الوادي-للمخرج--اللبناني-غسان-سلهب

ولنابلس حصة..

بعد المغرب نابلس التي صور فيها فيلم <عيون الحرامية> للمخرجة الفلسطينية نجوى نجار الذي يشارك فيه الممثل المصري خالد أبو النجا. الفيلم مستوحى من قصة حقيقية وقعت أثناء حصار قوات الاحتلال لبعض القرى الفلسطينية عام 2002. عنه قالت مخرجة الفيلم: <كثيرون سألوني: لماذا لم تختاري ابطال فيلمك من الفلسطينيين؟ أجيبهم ان جميع البلاد العربية تعيش وفي قلبها القضية الفلسطينية.. الى جانب ذلك ان الفنان خالد أبو النجا فنان لديه الروح الثورية. هو مناضل أيضاً وإنسان عربي مهتم بالقضايا العربية، فهذه أول مرة في تاريخ السينما الفلسطينية يؤدي فنان مصري دور رجل فلسطيني، رغم المعاناة التي وجدناها لاستخراج تصريح إقامة لخالد أبو النجا، لم نستطع الا ان نحصل على شهر واحد فقط لإقامة خالد داخل فلسطين، ولظروف خاصة بانشغال سعاد ماسي (مطربة جزائرية بطلة الفيلم)، ضغطنا مدة تصوير الفيلم الذي كان من المقرر الانتهاء منه خلال 45 يوماً، تم إنجازه فقط في 25 يوماً، كل طاقم الفيلم بذل مجهوداً كبيراً للانتهاء من التصوير في الموعد المحدد، ولا أخفي ان الفنانة الجزائرية سعاد ماسي فاجأتني بموهبتها في الأداء، خاصة المشاهد التي تؤديها بانفعالات وجهها فقط من دون حوار، وهو اصعب أنواع الأداء، خاصة انها تجربتها الاولى في التمثيل>.

الوادي.. والبقرة...

 

وللبنان حصة <الوادي> الذي ينظر المخرج اللبناني غسان سلهب الى عاصمته بيروت بعد <الجبل>. بطله  كارلوس شاهين العائد كي يلتقط صوراً لبيته الذي احتله السوريون في البقاع، الا انه في طريقه لاستعادة ماضيه ينجومن حادث سير على طريق البقاع، فيفقد ذاكرته ولا يعرف من هو ومن أين أتى والى أين يذهب، فيأخذونه معهم الى مزرعة في البقاع مزنرة بالسلاح لأنها تنتج المخدرات. وحده اقتحام الطائرات لسماء بيروت في نهاية الفيلم يعيده الى ذاكرته الى يوم اندلعت الحرب في الشرق الاوسط وطال الدمار مدينة بيروت.

 بعد الحديث عنه كأجمل الانتاجات اللبنانية الجديدة، سيعرض فيلم <الوادي> لغسان سلهب في الصالات بعد التظاهرة السينمائية.

أما عن فئة الافلام القصيرة، فقد شارك لبنان في ثلاثة أفلام واحد منها مشترك مع المانيا بعنوان <سايبة> لباسم بريش عن بقرة تتخطى الحدود آتية من فلسطين الى لبنان، وآخر مشترك مع كندا لياسمينا كرجه بعنوان <ضوء> عن رجل يواجه فقدان ولده عند الولادة ويطالب والدته بإقامة جنازة على الطريقة الاسلامية في حين يروي فيلم <ذات يوم> لرواد حبيقة قصة طبيب أسنان أربعيني تأتيه فرصة الانتقام من وزير فاسد.

ومن لبنان ايضاً، تسرد رين متري في فيلمها الوثائقي الجديد <لي قبور في هذه الارض> حكايتها عن علاقتها بوالدها الراحل وبمنزلها في الجبل وقريتها ومدينتها منتقلة الى الأعم والأكبر حول الحرب اللبنانية والتهجير والطوائف و<سوليدير> وغيرها.

 

والختام.. <جسر الى السماء>

الفيلم-السوري-سلم-الى-دمشق--للمخرج-محمد-ملص 

اما الختام فهو لفيلم <سلم الى دمشق> الذي لعبت أدواره وجوه جديدة تقف للمرة الاولى أمام الكاميرا وذلك تحت صوت القصف والمدافع في سوريا، ما اضطر مخرجه محمد ملص الى إعادة تصوير لقطات عديدة وسط روائح البارود والدخان التي عبقت بها ثياب الممثلين، هو الذي كتب في يومياته: <تحولنا من شعب الى كومة حطب ليس لها دور سوى ان تموت قتلاً او صلباً او كمداً، أو ان تفر او تهاجر>. الهجرة اختارتها نجلاء الوزة بطلة الشريط الى جنوب افريقيا وبعد أشهر وصل خبر انتحارها هناك، الذي شكل طوقها الى النجاة.

لم يكن شريط ملص شهادة فقط عما تعيشه أرضه، بل هو ضمن من نفسه، من حياته في هذا الشريط بشكل خاص حبه للسينما وشغفه بها. فيه ايضاً، وجّه تحية الى صديقه المخرج الراحل عمر اميرلاي عبر المصور الشاب في الفيلم الذي وضع ملصقاً من أحد افلامه على رخام الضريح، لينتهي الفيلم بمشهد تحطيم جهاز التلفزيون بعد ان يستمع أحدهم الى خبر موت سينمائي شاب في حمص. يحمل بطل ملص السلم الى السطح، مقرراً الصعود الى السماء هاتفاً: <حرية>.

فيلم <سلم الى دمشق> لم يكن الوحيد في الأيام اللبنانية، اذ رافقته ثلاثة افلام تسجيلية <الرقيب خالد> لزياد كلثوم و<العودة الى حمص> لطلال ديركي و«<ماء الفضة - سوريا>، سيرة ذاتية لأسامة محمد ووئام سيماف بدرخان. فأسامة محمد المقيم في باريس تعاون مع وئام سيماف بدرخان العالقة في الداخل الحمصي. ولّف ما صوّرته مع عدد كبير من مقاطع صادمة على <اليوتيوب>. باختصار هو الواقع المصور عما يجري على الأرض السورية اليوم.

خلف كل من الافلام الخمسين المشاركة موضوع وحكاية. قصة فيلم وجهد وتعب وبلاد مخنوقة الانفاس، مهرجان بيروت السينمائي شكل متنفساً لهذه الاوطان جميعها بانتظار اللقاء المقبل بعد سنتين.