تفاصيل الخبر

«وبعدين» مع جبال النفايات؟!

04/12/2015
«وبعدين» مع جبال النفايات؟!

«وبعدين» مع جبال النفايات؟!

 

بقلم طوني بشارة

النفايات1 أزمة النفايات ليست جديدة ولا مفاجئة، فهي واحدة من مظاهر الخلل البنيوي في النظام السياسي اللبناني، ومنذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، لم تُولِ الحكومات والسلطات الحاكمة أي اهتمام للاستثمار في البنية التحتية، كما لم تعطِ الحكومات المتعاقبة أهميةً للتخطيط والمشروعات طويلة الأجل، فاعتمد المواطن اللبناني على مزودي الخدمات من الشركات الخاصة وغير الرسمية التي يمتلكها رجال مال وأعمال مقربون من القيادات السياسية.

والمتتبع للامور يعلم ان ازمة النفايات التي حصلت منذ قرابة الاربعة اشهر تزامنت مع ثلاثة عوامل متداخلة تضافرت في تعزيزها، بعدما انتقصت من هيبة الدولة ودورها، وهي:

 أولاً: العامل السياسي حيث يعيش لبنان بلا رئيس منذ أكثر من سنة ونصف السنة، كما وقد فشلت الجلسات البرلمانية لاختيار رئيس وتعطل عمل البرلمان، ومُددت ولاية النواب مرتين، مع تجاهل الدعوة لإجراء انتخابات والتمثيل الشرعي..

ثانياً: العامل التمثيلي، فلبنان للاسف يعاني من انقسامات سياسية حادة، وهي انعكاس للتباينات الإقليمية المختلفة، حيث ما زالت القوى اللبنانية مرتبطة بأطراف خارجية وقراراتها رهن بتلك الجهات الخارجية، ولم ينجح اللبنانيون في معالجة أيّ من الأزمات رغم مضي أكثر من عشر سنوات على خروج الجيش السوري من لبنان.

ثالثاً: العامل الإصلاحي إذ أن العديد من القوانين بحاجة إلى تعديل بما يتوافق مع روح العصر وبما يؤدي إلى بناء دولة القانون، كما وتشهد حكومة سلام حالة من التعثر بفعل الخصومات الحزبية والطائفية وغياب البرنامج الإصلاحي..

 

أغنية فيروز... غير مناسبة

 

والمضحك المبكي انه وبسبب تفاقم ازمة النفايات كره المواطن الكلمات التي تبدأ بها المطربة المميزة فيروز أغنيتها بالعامية <شتي يا دنيي تا يزيد موسمنا ويحلى>، علماً ان فيروز اطلقت اغنيتها في ايام لم تكن أزمة النفايات تعم المناطق اللبنانية كافة، ولم يكن هناك تلوّث وانبعاثات سامة، نعم كان الناس يتمّنون أن ينهمر المطر بقوة ليروي المزروعات ويرطّب التراب العَطِش ويُغذّي الأنهار الجارية فتفيض البركة ويكثر الانتاج الزراعي. أما اليوم، وفي ظل استمرار ازمة النفايات يتمنّى اللبنانيون أن تبقى السماء صافية، ويقلقون من قدوم المطر، دافِع هذه الأمنية معروف، وهو أزمة النفايات المتراكمة بعد مضيّ اربعة أشهر على إقفال مطمر الناعمة - <عين درافيل> الذي احتمل أكثر من عشرة مليون طن من النفايات ولم يعد يحتمل المزيد، فالأزمة بعد المطر أسوأ مما قبله، وإذا كانت بعض نتائج هذه الأزمة وأضرارها قبل المطر محصورة، فالمخاطر بعد المطر أبعد وأعمق من التكهنات، وإذا كان ضرر النفايات اليوم يقتصر على تلوث الأرض وتلوث الهواء (خاصة بعد الحرق)، فإن هذا التلوث سينتقل إلى المياه الجوفية والسطحية، إلى الأنهار والبحيرات وصولاً إلى البحر، سيحاصرنا أرضاً وبحراً وجواً وسيتغلغل فينا لنموت موتاً بطيئاً..

وبعيداً عن هذه المبالغات الأدبية، واستناداً لمقالات علمية موضوعية تبرز الخطر البيئي والصحي الفاضح، لا يبدو هذا الخبر أقل خطراً، فبدايةً ستحلِّل المياه بعض المواد الموجودة في النفايات، وسيذوب البعض الآخر كـ<الأمونياك> و<النيترات> و<الكالسيوم> فيها، من ثم تمتصّ التربة هذه المياه، فتتلوث المياه الجوفية بالمواد المذكورة وببعض <البكتيريا> التي ما زالت تتراكم حتى اليوم.

والمعلوم ان المياه الجوفية ستؤثر على نقاوة مياه الينابيع التي نستحصل منها على مياه الشرب، كذلك ستؤثر على نقاوة الأنهار ومياه الريّ لعدة سنوات أخرى مقبلة، أما المياه التي تبقى على السطح فتشربها المزروعات التي تتغذى عليها الحيوانات كافة، وفي حال ظننت بأن أحداً قد يتجنّب التلوث، فالأمطار الحمضية لن تترك مجالاً للهرب، أما المستفيد الأكبر في هذه الحالة، فهم الحشرات والفئران، الأمر الذي يؤدي الى انتشار الأمراض والأوبئة.

وللإطلاع على هذا الخطر وعلى جدية الحل المطروح بترحيل النفايات قابلت <الافكار> الخبير القانوني - البيئي الاستاذ عبد الله بدر الذي اعتبر انه على مستوى الوطن من شماله إلى جنوبه عدنا عشرين عاماً إلى الوراء، إذ أكثر من ألف ومئتي مكب عشوائي للنفايات <ترصع> الشوارع والوديان والجبال والأنهار والتلال مخلفة وراءها أبشع صورة جمالياً، بيئياً وصحياً، وأول تأثير لها يتمثل في تردي نوعية الهواء في هذه المكبات من خلال انبعاث الروائح الكريهة الناتجة عن تحلل المواد العضوية ذات النسب العالية في النفايات وخصوصاً في لبنان حيث تصل إلى 50 بالمئة في بيروت و60 بالمئة في الجبال.

ــ ولكن دولاً اوروبية عديدة تعتمد فكرة المكبات ومبدأ الطمر والحرق، فلماذا الاعتراض على هكذا إجراء؟

 - هناك عالمياً تقنيات متبعة للطمر والحرق، اذ يتم حرق النفايات داخل أفران تحت درجة حرارة تقارب(1000C درجة) لتسخين الماء داخل أنابيب خاصة فينتج عنها بخار ماء يشغل محولاً لتوليد طاقة كهربائية تُقدر بـ<258 كيلوواط> لكل طن من المحروقات. خلال هذه العملية تتم معالجة الأدخنة قبل طرحها في الهواء عن طريق ترشيحها من الغبار والمعادن الثقيلة التي تُرسل إلى محطات خاصة للطمر تحترم شروط السلامة البيئية. اما في لبنان فبالنسبة لموضوع الحرق العشوائي فحدّث ولا حرج.

وتابع بدر:

- كما يُعد الطمر إحدى طرق معالجة النفايات المنزلية الصلبة حيث وفي معظم الدول تُحفر في الأرض حفرة يعتمد عمقها وسعتها على طبيعة وكمية النفايات المتوقعة، وفي بعض الأحيان تُستعمل مقالع الحجر المهجورة لطمر النفايات إذا توافرت فيها الشروط الصحية والبيئية المطلوبة بحيث توفر تلك المقالع تكاليف عمليات الحفر، وهنا لا بدّ من التأكيد انه بعد تجهيز الحفرة يتمّ عزلها عن المياه الجوفية بطبقة عازلة من الاسمنت أو معادن الطين أو بنوع خاص من البلاستيك لحماية المياه الجوفية من التلوث، كما تُجهز القاعدة بشبكة صرف للمياه الناتجة عن مياه الأمطار وعمليات تحلل المواد العضوية الموجودة في النفايات، وتوضع فوقها طبقة صلبة من الحصي والرمال لتسهيل عملية دخول المياه إلى شبكة الصرف، وتوزع النفايات على قاعدة الحفرة، وفي هذا السياق لا بدّ من التساؤل هل يعتمد لبنان هذه الاجراءات؟ او بمعنى آخر ما مدى توافر هذه الشروط في المكبات العشوائية المنتشرة على كافة الطرقات اللبنانية؟

ــ تحدثت عن شروط معينة للطمر ولاختيار اماكن الطمر، فما هي هذه الشروط؟

- أهم الشروط التي يجب توافرها عند اختيار موقع طمر النفايات هي الآتية:

 - أن تكون بعيدة عن المصادر المائية الجوفية والسطحية لضمان عدم تسرب المواد الملوثة إليها.

 - أن تكون بعيدة عن التجمعات السكانية الحالية والمخطط لها في المستقبل.

 - أن تكون كمية التساقطات (أمطار، ثلوج) قليلة في المنطقة.

 - الأخذ بعين الاعتبار اتجاه الريح السائدة في المنطقة.

واستطرد بدر:

كما يجب القيام بعملية ضغط النفايات بكفاءة عالية وذلك:

 - لاستيعاب أكبر كمية ممكنة من النفايات الصلبة.

 - لمنع حصول فجوات يمكن أن تعيش وتتكاثر بها الحشرات والقوارض.

 - لمنع أو الحد من عملية الاشتعال الذاتي.

 ــ كثُر في الآونة الاخيرة مبدأ الحرق العشوائي للنفايات كحل للمشكلة، فما هي مخلفات ذلك؟

- تنتج عن احتراق النفايات المنزلية في الأماكن غير المراقبة غازات سامة نتيجة احتوائها على عدة عناصر كيميائية، فيزداد تلوث الهواء أكثر، ويصبح غير مقبول في حال إحراق النفايات لتخفيف حجمها، وبالرغم من الحرق فإن الحجم يبقى يناهز 8 إلى 15 بالمئة من الحجم الأساسي، وهنا تقع المشكلة الكبرى مع إنتاج غازات سامة، منها: <غاز الميثان> و<الكبريت> و<الهيدروجين> و<أول أوكسيد الكربون> و<ثاني أوكسيد الكربون>، و<غاز الأمونياك> فإن أبخرة المواد السامة المنبعثة من المكبات، والفضلات الناتجة عن صناعة البلاستيك والأصباغ تؤثر على الجهاز التنفسي وتسبب أمراض القلب وأمراض الرئة وتهيج العيون كما تتسبب بأمراض خطيرة أخرى (سرطان الرئة).

ــ وماذا عن حرق بعض البلديات للنفايات الآتية من المستشفيات؟

- ان الموضوع الأخطر في هذا السياق، هو حرق النفايات الطبية التي تُعتبر من أهم مصادر <الديوكسين>، فهناك 75 مادة كيميائية تنبعث في الهواء وتدخل هذه المواد في إطار السلسلة الغذائية حتى في المناطق البعيدة عن المكبات إذ تنقلها الرياح، وهنا تُعتبر اللحوم ومشتقات الحليب والبيض والأسماك من المواد الغذائية الأساسية التي ينتقل <الديوكسين> عبرها والذي يسبب مرض السرطان للإنسان.

وتابع عبد الله بدر:

- ونصل إلى موضوع الحشرات والفئران والكلاب الضالة التي تتجمع حول هذه المكبات، علماً انه إذا تركنا زوجاً واحداً من الفئران على النفايات للتزاوج لمدة 3 سنوات فإن النتيجة تكون 3,6 مليون فأر! مثل آخر لا يقل خطورة، انه خلال عشرين يوماً كل كلغ من النفايات العضوية يحمل 1000 ذبابة، وكل ذبابة تحمل 6 ملايين <ميكروب> وتنقل 42 مرضاً للإنسان والحيوان.

 

عبدالله-بدر2النفايات ومصادر المياه

 

ــ ما اثر النفايات الناتجة عن المكبات العشوائية على مصادر المياه لاسيما بعد سقوط الامطار؟

- في المضمار نفسه المتعلق بالتلوّث نصل إلى التلوث الذي لا يقل خطورة ألا وهو تلوث مصادر المياه وما يرافقه من خطر على نوعية المياه ونسبة عصارتها، وكل ذلك يُعتبر من مخلفات المصانع والمستشفيات والنفايات العضوية الرطبة التي ينتج عنها تلوث المياه السطحية وتلوث الأنهار والعيون والينابيع الجارية والأودية، وبعد سقوط الأمطار يزداد الوضع سوءاً بما لا يقاس، ويتعرض الإنسان للأمراض الفيروسية في الكبد والتيفوئيد، والتلوث بالزئبق من أخطرها.

ويستطرد بدر قائلاً:

- وهنا لا بدّ من الاشارة الى تلوث المياه الجوفية التي تُعد الخزان الحقيقي للوطن، وتلوث التربة والنبات بحيث تُسدّ مسامات التربة فتتغيّر خصائصها الفيزيائية، ومن أخطر أنواع النفايات في المكبات، البطاريات المستهلكة، وفيها الرصاص والكادميوم والصوديوم الأكثر تسميماً للتربة، هذا غيض من فيض والمساحات لا تتسع لسرد أضرار المكبات، فهذه المكبات، هي رديف للموت، رديف لكل ما هو بشع، ولكل ما يتعارض مع روعة وعظمة وإبداع الطبيعة.

الترحيل... بحراً!

ــ الرئيس تمام سلام اقترح حلاً يقضي بترحيل النفايات بحراً، فما تعليقك على هكذا اجراء، لاسيما ان البعض تطرق الى فكرة معالجة النفايات في المياه الاقليمية وامكانية رمي الفضلات في البحر؟

 - ان موضوع نقل النفايات من بلد لآخر يخضع لاحكام معاهدة <بازل> وقانون البحار. لذا، فإن نقل هذه المواد يجب ان يترافق مع موافقة مسبقة من قبل الدول المعنية والمتعاقدة في المعاهدة، على ان يتطابق ذلك مع الشروط والآليات المنصوص عنها في القوانين الدولية المرعية الاجراء، فمثل هذا التدبير يحتاج وقتا وجهداً.

ــ ضمن عملية نقل النفايات، هناك إشارة الى امكانية معالجة النفايات ضمن سفن في عرض البحر والبعض أشار الى امكانية رمي النفايات على عمق معين، فهل هذا الاجراء مسموح به قانوناً؟

- من غير المقبول أن تصل النفايات إلى البحر لأنها ستلوّث البحر المتوسط الذي ليس ملكاً للبنان وحده بل <يحضن> 27 بلداً.

ــ هل ستقاضي دول المتوسط لبنان اذا تمّ رمي النفايات في البحر؟

- من حقها أن تقاضي لبنان لأن التلوث سيصل إلى شواطئها، علماً أن النفايات في البحر ستؤثر سلباً على الثروة السمكية وحركة الملاحة البحرية.

وتابع بدر:

- ان ما يجري في لبنان قد يشكل سابقة في هذا الاطار، فالنفايات الصناعية الخطرة التي قد تعجز بعض الدول عن معالجتها بسبب انعدام التقنيات والخبرات لديها في هذا المجال تُرسل عادة الى دول اكثر تقدماً لمعالجتها، وليس النفايات المنزلية غير المفرزة.

وأشار بدر الى أن فكرة استقدام بواخر تحوي مصانع للتخلص من النفايات عبر تقنية التفكك الحراري تعمل في المياه الاقليمية اللبنانية على شاكلة باخرتي توليد الطاقة الكهربائية قد تشكل حلاً مؤقتاً، في حال توافرها، لمشكلة نفايات بيروت الكبرى المكدسة، ولكن هذه البواخر لا يمكن ان تقوم بمعالجة النفايات في المياه الدولية طبعاً، وذلك لامكانية تعارض مثل هذه الانشطة مع القوانين الدولية المرعية الاجراء.

وختم بدر حديثه قائلا: أن حل استقدام بواخر معامل التفكك الحراري سيكون مكلفاً حيث لن تقلّ تكلفة معالجة الطن الواحد من النفايات عن مئة دولار اميركي في احسن الاحوال، أضف الى ذلك تكاليف الجمع والتوضيب والشحن.