[caption id="attachment_82361" align="alignleft" width="516"] الرئيس ميشال عون بستقبل وزير الخارجية الاميركي "مايك بومبيو" في العام الماضي.[/caption]
أن يتصل وزير الخارجية الاميركي "مايك بومبيو" برئيس الجمهورية العماد ميشال عون فهذا ليس بالأمر العادي لاسيما وأن الوزير الاميركي كان يمضي اكثر من نصف ساعة في الاتصال والبحث كان يتناول كل المواضيع التي تهم البلدين بدءاً من العلاقات الثنائية، وصولاً الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع بدء الاجتماعات في مقر القيادة الدولية في الناقورة، مروراً بالاوضاع الاقتصادية والملف الحكومي والموضوع الدائم اي دور حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية....
ليس سراً ان الولايات المتحدة تريد انجاح المفاوضات لترسيم الحدود البحرية وهي شريكة مع الامم المتحدة في تنظيمها ورعايتها، وان توالي الاجتماعات اسبوعياً يدل على رغبة في الاسراع في تحقيق انجاز عملي لهذه المفاوضات تكون له نتائج ايجابية على صعيد المبادرة الاميركية يمكن استثماره في الانتخابات الرئاسية الاميركية الاسبوع المقبل، بعد سلسلة "انجازات" حققها الرئيس "دونالد ترامب" على صعيد تطبيع العلاقات بين عدد من دول الخليج واسرائيل ناهيك بالسودان الذي يتجه هو الاخر الى اقامة علاقات تطبيعية مع العدو الاسرائيلي.... اما الملف الثاني الذي يشغل بال المسؤولين الاميركيين فهو الملف المتصل بحزب الله ودوره في الحياة الوطنية اللبنانية ومدى تأثيره على القرار اللبناني في المجالات كافة. وبديهي ان تكون مواقف "بومبيو" من الحزب سلبية جداً لأن المعركة المفتوحة بين الطرفين تزداد شراسة يوماً بعد يوم مع توالي العقوبات الاميركية على مسؤولين او شخصيات قريبة من حزب الله او هي على صلة مع الحزب وتدعمه سياسياً ومادياً. واذا كان" بومبيو" يظهر تشدداً حيال حزب الله فإن معارضة الولايات المتحدة الاميركية لاشراك حزب الله في الحكومة العتيدة تبدو العقدة الاصعب التي يواجهها لبنان في مسار علاقاته مع الاميركيين ،اذ ليس من السهل ابعاد الحزب عن الحكومة الجديدة ولو من خلال وزير " صديق " يحل محل وزير حزبي ولا يكون في حقيبة حساسة في وقت يصر فيه الحزب على الاحتفاظ بوزارة الصحة وربما بالوزير نفسه حمد حسن الذي يلتقي اكثر من طرف على الاعتبار بأنه حقق انجازات عدة في وزارة الصحة وكان حضوره فيها مميزا وقاد "معركة" مواجهة داء "الكورونا" بحرفية عالية وباداء سليم ومقبول من جميع الاطراف، لكن الواقع شيء والمنطق الاميركي شيء آخر بدليل ان واشنطن مصرة على عدم تمثيل حزب الله في الحكومة وسط معلومات تشير الى ان هذا الموقف الاميركي المتصلب قد يكون احد اسباب تأخر صدور مراسيم الحكومة العتيدة اذا ما اصر الجانب اللبناني على تمثيل حزب الله بوزير " صديق " لا صفة حزبية له، لكن اللهجة الاميركية ليست طبيعية لدى مقاربة ملف حزب الله الامر الذي يربك الجانب اللبناني ويسبب له احراجات على اكثر من صعيد. ولعل ما زاد الامور تعقيدا ان الموقف الفرنسي من حزب الله بدأ يقترب من الموقف الاميركي من دون ان يكون مماثلاً له لأن فرنسا لا تزال تميز بين الشق العسكري للحزب والشق السياسي، وهي لا تزال تتواصل مع "الشق السياسي" من دون ان يصل الموقف الفرنسي الى حد المطالبة بعدم تمثيل الحزب في الحكومة العتيدة. وفي هذا الاطار تقول مصادر متابعة للملف ان باريس التي تتواصل مع الحزب السياسي لم تكن راضية على موقفه خلال تكليف السفير مصطفى اديب تشكيل الحكومة لاسيما وان احد اسباب اعتذار اديب كان موقف "الثنائي الشيعي" من التشكيل ما جعل مكونات سياسية اخرى تحذو حذوه.
لا فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين
في اي حال، الموقف الاميركي ليس جديداً ويتعاطى معه لبنان بواقعية في وقت تراقب بيروت بدقة انعكاسات الانتخابات الرئاسية الاميركية يوم الثلاثاء المقبل وان كان ثمة من يعتبر انه سواء اعيد انتخاب الرئيس "ترامب" او فاز المرشح الديموقراطي "جو بايدن"، فإن سياسة الولايات المتحدة حيال حزب الله ستبقى واحدة وان اختلفت نسبة التشدد صعوداً او هبوطاً في مسألة استمرار العقوبات الاميركية على الحزب ومناصريه او المتعاونين معه على اساس ان هذه السياسة اثبتت فعاليتها في رأي الاميركيين الى اي اتجاه سياسي انتموا، ديمقراطيين كانوا او جمهوريين. ذلك انه في العقود السابقة التي تناوب فيها على الرئاسة الاميركية رؤساء من الحزبين لم تشهد الساحة اللبنانية اي متغيرات اساسية وجذرية يمكن التوقف عندها لتبيان حسنات وسيئات وجود رئيس في البيت الابيض من هذا الحزب او ذاك. وفي وقت يراهن جزء من اللبنانيين على وصول "بايدن" الى البيت الابيض لتوقع انفراجات على الساحة اللبنانية والمنطقة، يعتقد آخرون ان من الصعب ان يكون ذلك ثابتاً لأن التجارب السابقة لم تشهد تغيراً في سياسة واشنطن الخارجية برئيس ديموقراطي او جمهوري، فاصحاب الدعاء والتمني بعودة الديموقراطي الى البيت الابيض يعتقدون انه سيكون اكثر انفتاحاً ويمكن ان يقود الى الانفراج المتوقع في لبنان والمنطقة. فيما يتوقف الاخرون امام بعض المحطات التي تقلل من اهمية هذه النظرية الى حدود مناقضتها لاقتناعهم ان في واشنطن عاصمة اكبر دول العالم "ادارة عميقة " تحكم، واي تغيير يعكسه توجه الرئيس سيكون محدوداً جداً، سواء كان جمهورياً ام ديموقراطياً.
وتأسيساً على النظرية الثانية، يقول احد الديبلوماسيين ان جردة سريعة للعقود الرئاسية الاميركية، تظهر ان الجمهوريين امضوا سنوات اكثر من الديموقراطيين في البيت الابيض، ولم يشهد لبنان اياً من الانفراجات في عهودهم ليهلل وليمنن البعض النفس بفوز "بايدن" بدلاً من "ترامب"، وليدخل البيت الابيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، فلا شيء يمكن ان يتغير بسهولة، وهو استند في قراءته الى المراجعة التاريخية الاتية: ترافق استقلال لبنان عام 1943 مع وجود الرئيس الديموقراطي "فرانكلين روزفلت" ( 1933-1945). وخلفه ديموقراطي آخر هو "هاري ترومان" ( 1945-1953) وهو من استخدم القنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي لاستعجال استسلام اليابان والفوز في الحرب العالمية الثانية قبل ان يقود "مشروع مارشال" لاعادة اعمار اوروبا، فقدم نموذجين متناقضين بوجهيهما الاجرامي والاعماري، ومن بعده دخل الى البيت الابيض الرئيس الجمهوري "دوايت ايزنهاور" ( 1953-1961)، قبل ان يستعيد الديموقراطي "جون اف كينيدي" الرئاسة الاميركية عام 1961 والذي اغتيل في العام 1963، ليغيب من بعده الديموقراطيون عن البيت الابيض لمصلحة الجمهوريين، فكانوا على التوالي: "ريتشارد نيكسون"( 1969-1974) ومن ثم "جيرالد فورد" ( 1974-1977) ومن بعده "رونالد ريغان" ( 1981-1989) ثم "جورج بوش الاب"( 1989-1993) قبل ان يعود الديموقراطي "بيل كلينتون" الى البيت الابيض لدورتين( 1993-2001) ويخلفه الجمهوري "جورج بوش الابن" ( 2001-2009) فالديموقراطي "باراك اوباما" ( 2009-2017) انتهاء بوصول الجمهوري "دونالد ترامب" عام 2017.
اي رهان على التغيير... غير مضمون
ويضيف الديبلوماسي ان ليس الهدف تاريخ الحياة الرئاسية الاميركية بمقدار الاشارة الى ان ما عاشه لبنان من مسلسل الازمات والحروب التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ الاستقلال العام 1943 الى اليوم. لم يتأثر بمقدار كبير بوجود رئيس جمهوري او ديموقراطي في البيت الابيض، فقد خسر العرب جزءا من فلسطين العربية عام 1947 بوجود رئيس ديموقراطي "ترومان"، ووقعت احداث 1958 في لبنان في عهد رئيس جمهوري هو "ايزنهاور"، وجاءت احداث نيسان (ابريل) 1996 في عهد الديموقراطي "كلينتون"، واندلعت حرب تموز 2006 (يوليو ) في عهد الجمهوري "جورج بوش الابن"، وانفجرت الازمة في سوريا والعراق وانعكست على الساحة اللبنانية في عهد الديموقراطي "اوباما". وعليه، ومن دون التوقف امام كل الغزوات الاسرائيلية، تظهر هذه الوقائع ان كثيرا من المحطات المأسوية التي عاشها لبنان في عهود مختلفة لم تنحرف خلالها السياسة الخارجية الاميركية عن خط ثابت اكثر تقدماً بالنسبة الى لبنان خصوصاً في مواجهته للعدوان الاسرائيلي المتمادي على اراضيه، او لحمايته من التأثيرات التي سببتها النزاعات الاقليمية والعربية التي استخدمت في كثير من الاحيان الساحة اللبنانية مسرحاً لحروب الاخرين على ارضه!.
في اي حال، وبصرف النظر عما سيكون خيار الاميركيين بعد ايام قليلة، فإن الثابت بأن اي رهان في لبنان على تغيير محتمل نتيجة الانتخابات الاميركية وخصوصاً على الشؤون الداخلية، هو رهان غير مضمون، الامر الذي يدعو الى عدم المبالغة في ترقب تبديل في السياسة الاميركية حيال لبنان سواء عاد ترامب او اتى بايدن، فالوجهان هما لعملة واحدة!.