بقلم عبير انطون
هو ابن ابيه وسرّه قلباً وقالباً. ايهاب هو ابن النجم المطرب الراحل فهد بلان الذي طبق الآفاق بأغانٍ شعبية لا تزال تردد حتى اليوم من قبل اشهر النجوم والفنانين، بعد ان التقى في بداياته بالملحن اللامع <والده الموسيقي> عبد الفتاح سكر وكانت أجمل الاغاني من: و<اشرح لها>، و<جس الطبيب>، و<لاركب حدك يا لموتور>، و<تحت التفاحة>، و<يا عيني لا تدمعي> وغيرها الكثير.. <ساحر العينين> والصوت والاطلالة الرجولية عرف مجدا لم ينطفئ مع رحيله في العام 1997، وها هو اليوم يكمل الدرب عبر ابنه ايهاب الذي اختار كما والده بيروت محطة اساسية ينطلق منها صاروخاً في عالم الغناء الجبلي الاشم.. فهل ينجح الولد حيث حلق الوالد؟ البشائر توحي بذلك فالارض خصبة، كذلك الموهبة والطموحات..
<الافكار> التقت> ايهاب الذي يختار عاليه اليوم لإقامة مؤقتة، وكان حوار صيفي منعش وسط غمامات الحزن العربي التي اخرت الكثيرين عن تحقيق احلام رسموها ولم يمحوها بعد!
مع ايهاب كان السؤال الاول:
ــ كيف وأين كانت انطلاقتك في عالم الغناء؟
- توفي والدي وأنا في سن المراهقة. لطالما كنت اول المعجبين به وبأعماله. شاء القدر ان تكون بدايتي الفنية من خلال مهرجان تكريم للوالد في السويداء مسقط رأسه بحضور عدد غفير من النجوم العرب والشخصيات المهمة، ولقيت تشجيعاً من الموجودين في الحفلة، ما شكل حافزاً كبيراً لي. فالبيئة التي نشأت فيها جعلتني اتشرب لون <الفهد> وغناءه.
ــ كيف كانت علاقتك بالوالد، وفي العادة ليست حياة المشاهير سهلة مع اولادهم؟
- لطالما كانت علاقتي به مميزة، فالوالد يحمل طيبة لا توصف ولديه حنان يضاهي حنان الام على ولدها و كنت احياناً أشاركه سريره. أذكر مرة انه عاد من حفلة له أحياها حتى وقت متأخر وانتظرته على الاريكة عند الشرفة وغفوت. لما وصل غمرني بشدة وراح يبكي. الامر الوحيد الذي كنا نتشاجر بسببه انه يريد سماع الاخبار او غيره من المطربين في حين انني لم أكن أريد سوى سماع أغنياته.
ــ هل تلاحقك المقارنة به اينما حللت؟
- المقارنة صعبة والعبء الاكبر هو حمل الاسم الذي لا يمكن الا ان يكون في افضل زمان ومكان. أتمنى لو ان والدي بقي على قيد الحياة حتى مرحلة بلوغ صوتي كما الآن، لكانت إرشاداته بالطبع بمثابة التوجيه الاكبر لي.
التاريخ يعيد نفسه !
ــ هل من أغانٍ خاصة بك ام انك تعتمد فقط على الإرث الفني للوالد؟
- هناك شارة مسلسل <الخربة> التي عرفت نجاحاً مهما، وأنا اليوم بصدد تحضير <ميكس> يضم اجمل اغنيات الوالد بتوزيع جديد، علماً ان ارشيف فهد بلان يفوق الألف ومئتي أغنية وهو بحر يمكن الغرف منه ما يجعل الخيارات المتاحة أمامي كثيرة، وهذا سيشكل انطلاقة كبيرة لي، مع هوية خاصة بالغناء الجبلي لاستمرارية هذا اللون الذي تبلور مع كثيرين وبينهم الملحن مصطفى قمر.
ــ الوالد كان <حباباً> كما يُقال وقلبه اتسع لأكثر من سيدة جميلة بينهن من الفنانات صباح وامال عفيش والممثلة المصرية الراحلة مريم فخر الدين التي تزوجها في الستينات. هل تذكر علاقته بهن؟
- أذكر ان النساء كن <يتخانقن> عليه. كانت له بناية عند منطقة الحازمية تسكن فيها الفنانة مريم فخر الدين وكانت له فيها زوجة اخرى. لم اكن <على أيامهن> حتى اعرف التفاصيل، وانا ابنه من زوجته الاخيرة التي بقيت الى جانبه لخمسة وعشرين عاماً ولم تفارقه. فهد بلان شكل قنبلة في كل شيء، فهو امتلك من <الكاريزما> والحضور ما يفوق الوصف وقد لاقى تجاوباً من الناس ومن النساء اللواتي تحمسن للخروج من ألوان الشجن والحزن.
ــ لماذا اخترت لبنان للانطلاقة، هل الاحداث في سوريا هي السبب؟
- في سوريا رصيدي كبير وأفتخر بمحبة الناس لي، فأنا معروف على مستوى سوريا كلها وشاركت في مختلف مهرجاناتها. اما بالنسبة لبيروت فهي لا تزال وجهة اي فنان يريد ان يحجز له مكاناً في المستقبل الغنائي. اليوم، مع انتشار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت الانطلاقة أصعب. لقد سلك الفن درب التجارة ما يُصعّب الأمور على أصحاب الموهبة حتى يثبتوا أنفسهم.
ــ هل تتعاون مع شركة انتاج لجديدك؟
- ليس بعد وآمل ان أوّفق بالشركة التي تساعدني على شق طريقي التي سأحفرها بالصخر اذا تطلب الأمر.
ــ ايهاب فهد بلان، أنس صباح فخري، الاسم الثلاثي ركيزة كبيرة لكما. لكن هل تعتقد انك او كذلك <انس> ستبلغان مهما عملتما نجاح والديكما؟
- لكل زمن ظروفه وزمنه وفنانوه. الرصيد المعنوي الذي نحمله كبير وعلينا ان نحافظ عليه واذا استطعنا ان نزيد عليه. انا أحمل هوية والدي الغنائية وآمل ان أكون استمرارية لا تقليداً لهذا التاريخ الفني العريق.
ــ هل من نصيحة كان الوالد يقدمها لك؟
- لطالما قال لي: <صوتك يشبه صوتي جداً> وقد كنت حينئذٍ صغيراً.. لم يكن يشجعني كثيراً على الدخول الى عالم الفن الذي عرف الكثير من أشواكه.
ــ هل أعدت التعاون مع من تعاملوا مع والدك سابقاً؟
- هناك الشاعر والملحن سعد الذيب الذي تعاون معه في أغنية تتحدث عن الجولان والاغنيات العديدة الأخرى التي اشتهرت في مراحل الوالد الاخيرة مثل اغنية <يوم ورا يوم> وغيرها.
جبل العرب.. وصوته!
ــ هل يزعجك ان تلقب بمغني منطقة معينة فتعرف بـ <مغني السويداء>؟
- لست أحمل هذا اللقب على الرغم من اعتزازي بالغناء لأي بقعة عربية. لا تهمني لا الألقاب ولا الاطراءات، إنما تحقيق ذاتي في هذا الحلم الفني الذي أسعى الى تحقيقه على أكمل وجه.
ــ كيف يستقبلك الجمهور اللبناني وأنت تحيي الحفلات المختلفة في الربوع اللبنانية؟
- بلهفة حلوة وشوق كبير وحماس الى التعرف على ابن فهد بلان. التفاعل رائع و لقد باتت لي الخبرة في التعامل مع الجمهور. مؤخراً أحييت حفلة في بيصور الشوفية فاق عدد الحاضرين فيها الألف وستمئة شخص وكانت رائعة حقاً. يبدو ان التاريخ يعيد نفسه، فانطلاقة والدي الكبيرة كانت من بلد الارز ايضا.
ــ الفنان فارس كرم غنى للوالد <لركب حدك يا لموتور> وضمها لأحد <ألبوماته>، وكذلك الفنان عاصي الحلاني الذي غنى لفهد بلان ايضاً. هل تم ذلك بناء على إذن لهما او حقوق حصلتم عليها؟
- لا، ذلك ان الفنانين يعتبرونها بحكم مرور الزمن الطويل عليها نوعا من الفولكلور. كذلك فإن الحقوق تعود للكاتب والملحن وليس للمطرب.
ــ كيف وجدت اداءهما لأغنيات والدك؟
- جميل، وانا أشكر الجميع على استعادة هذه الاغنيات للوالد.
ــ دخل النجم فهد بلان باب السينما والتمثيل. هل تنوي دخول معتركهما ايضاً؟
- لا أشعر انه يمكنني ان أكون ممثلاً إلا اذا..
ــ اذا ماذا؟
- اذا مثلت سيرة حياة فهد بلان وهي حياة مليئة بالاحداث والمواقف، يمكن ان ينتج عنها اجمل المسلسلات. فالوالد لم يبدأ من الصفر وحسب، بل أقله، وهو جاء من بيئة فقيرة حتى انه عمل مرافق سائق <باص> من وإلى دمشق الى ان اشترك في مسابقة فنية وادى أغنية الفنان الكبير فريد الأطرش <تطلع يا قمر بالليل> ونجح بشكل كبير. بعد ذلك في دمشق تقدم إلى الإذاعة السورية وعمل في <كورس> الإذاعة، إلى حين كانت أغنيته الأولى <آه يا قليبي> وبعدها <آه يا غزال الربى> التي لُحنت من قبل رجل غير موسيقي على إيقاع عزف من قبله. كان حلم والدي بسيطاً على نطاق قرية صغيرة، فتوسع حتى شمل العالم العربي بأكمله.
ــ هل من كاتب معين يمكن ان يُعهد له تنفيذ هذه السيرة الذاتية الزاخرة؟
- الأمر يتطلب كاتباً محترفاً يعمل على تنفيذها بإخلاص كبير من دون ان يكون الغرض منها الإفادة المادية حتى يوفى هذا الفنان الاستثنائي حقه.
ــ تردد للوالد اغنيته <عالبال بعدك يا سهل حوران> وهي عزيزة عليك، ما السبب؟
- جاءت في الفترة التي كنت أرافق فيها والدي الى حفلاته وأرى بأم العين تفاعل الناس معه. كنت أعجب لهذه العلاقة ما بين والدي وجمهوره. في هذه الفترة بتُّ <سرّ ابي>.. ألا يقولون الولد سرّ أبيه؟ أحببته إنساناً وفناناً ولم أفصل بينهما وتكوّن لدي حلم ان أكون مثله.
ــ يحكى أنك تزور الولايات المتحدة، واشنطن تحديداً، بشكل دائم وان لك مشروعاً فيها.
- لست أدري من أين انطلقت هذه الشائعة. كان هناك مشروع إحياء حفلات لي في ولايات اميركية عدة ولم يتحقق الأمر.
ــ هناك من عرقل المشروع؟
- صارت هناك <لخبطات>.. سنعوضها بإذن الله.
ــ هل سنسمعك بلهجات لبنانية او خليجية في اغنياتك؟
- سوف ألوّن في مسيرتي الفنية مع الحرص على عدم إضاعة هويتي الاصلية. الموسيقى لغة عالمية، انها غذاء الروح ولا نسمع من يسأل في اي بلد صنعت هذه الاغنية او هذه الموسيقى، الا ان اللون الجبلي يبقى قبلتي الاساسية.
ــ هل تلحن او تعزف على آلة معينة؟
- سميها <دندنات> لي على العود. تعلمت العزف على العود وعلى <الأرغن> وطوّرت ادائي فيهما بنفسي. والدي فارقني باكراً، وكان رحيله صعباً جداً عليّ اذ لم أكن متحضراً لهذا الرحيل، فكنت كمن فقد جناحاً يحميه.. وجدت نفسي فجأة في صحراء واسعة. عرفت قيمة والدي في حياتي بعد رحيله، وعندما بت أحتك بالجو الفني بشكلٍ أكبر أصبحت أعرف ما كان يعنيه عندما كان يحذرني منه.
ــ ماذا اخذت عن والدك غير البنية الجسدية القوية، ووالدك كما جدك محمود اشتهرا بقوتهما الجسدية التي استخدماها في عدة أعمال عُرِفا فيها؟
- آخذ عنه الشكل الحلو الحمد لله ( ضاحكا).. لا أعرف ان أشيد بنفسي. أترك لكم التقدير.
ويصمت ايهاب لحظة ثم يكمل بعدها:
- لطالما تميّز والدي بالعطاء وبالحس المرهف. لقد أوقف اعمال البناء لأشهر عديدة في <الفيلا> التي شيدها في منطقة السويداء لأنه رفض ان تُزال منها أعشاش لعصافيرٍ صغيرة.
ــ وقلبك واسع كقلبه من حيث الجنس اللطيف؟
- لا.. لا، لا أحمل ذلك بالوراثة..
ــ ما الأمر الذي قام به فهد بلان ولن تقوم به انت؟
- لن أغني الاغنية الطويلة، حتى والدي لم يغنِ الكثير منها.
ــ هل يمكن القول ان فهد بلان ترك ثروة كبيرة خلفه؟
- يكفينا اسمه.
ــ هذا بالجانب المعنوي، ماذا عن الجانب المادي؟
- هناك أملاك ضمن سوريا إلا انها لا تزال في خضم الميراث الخ. التركة الفنية هي الأبقى والأهم.
ــ ما هي مشاريعك الجديدة اليوم؟
- سأحيي حفلة عيد الاضحى المبارك في عاليه، ونحن نحضر للسنة المقبلة مهرجاناً ضخماً تكريماً لفهد بلان برعاية البلدية، وذلك في <كازينو بيسين عاليه> الذي لطالما غنّى فيه فهد بلان ولمع، ولمع معه زمن الفن الجميل الخالد!