عام 1991 عقد مؤتمر مدريد للبحث في السلام العربي الاسرائيلي، وقيل انه جرت على هامش المؤتمر مباحثات سرية اسرائيلية فلسطينية هي التي ادت الى اتفاق أو معاهدة حول ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني، والذي عرف فيما بعد باتفاق <أوسلو>، الذي هو اتفاق سلام وقعته اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الأميركي السابق <بيل كلينتون>. وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة <أوسلو> النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي مهدت له.
وبنظر المتابعين والمحللين، تعتبر اتفاقية <أوسلو> التي تم توقيعها أول اتفاقية رسمية مباشرة بين اسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك <شمعون بيريز>، ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس الرئيس الفلسطيني الحالي. وشكل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل، التزم بموجبها الأطراف بالآتي:
- التزمت منظمة التحرير الفلسطينية على لسان رئيسها ياسر عرفات بحق دولة اسرائيل في العيش بسلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الاساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من العنف، وطبقاً لذلك فإن منظمة التحرير تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشي مع هذا التغيير، كما سوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع إنتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.
- قررت حكومة اسرائيل على لسان رئيس وزرائها <اسحق رابين> أنه في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات معها.
كما وجه ياسر عرفات رسالة إلى رئيس الخارجية النرويجي آنذاك <يوهان هولست> يؤكد فيها أنه سيضمن بياناته العلنية موقفاً لمنظمة التحرير تدعو فيه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الاشتراك في الخطوات المؤدية إلى تطبيع الحياة ورفض العنف والإرهاب والمساهمة في السلام والاستقرار والمشاركة بفاعلية في إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والتعاون.
إعلان المبادئ
وينص إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338. بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.
ونصت الاتفاقية على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.
تبع هذه الاتفاقيات المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات مثل اتفاق غزة اريحا وبروتوكول باريس الإقتصادي اللذين تمّ ضمهما إلى معاهدة تالية سميت بـ <أوسلو 2>.
أهم ما تنص عليه الاتفاقية:
- تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية الإرهاب والعنف (تمنع المقاومة المسلحة ضد اسرائيل) وتحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها كالعمل المسلح وتدمير اسرائيل (الرسائل المتبادلة - الخطاب الأول).
- تعترف اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني (الرسائل المتبادلة - الخطاب الثاني).
- تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة اسرائيل (على 78 بالمئة من أراضي فلسطين - أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة).
- خلال خمس سنوات، تنسحب اسرائيل من أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتين تشكلان 1.5 بالمئة من أرض فلسطين.
- تقر اسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي (أصبح يعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية) على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربية وغزة (حكم ذاتي للفلسطينيين وليس دولة مستقلة ذات سيادة).
ردود فعل
ومنذ توقيع اتفاقية <أوسلو> يوم 13 ايلول/ سبتمبر 1993، شهدت أكثر من دولة عربية ردود فعل جماهيرية رافضة لهذه الاتفاقية ومن بينها لبنان، اذ وقعت صدامات بين الجيش اللبناني والمتظاهرين تحت جسر المطار أدت الى سقوط عدد من الضحايا والجرحى من الطرفين.
... وفي اسرائيل
اما في اسرائيل، فقد بدأ نقاش قوي بخصوص الاتفاقية، فاليسار الاسرائيلي دعمها، بينما عارضها اليمين. وبعد يومين من النقاشات في الكنيست حول تصريحات الحكومة الخاصة بموضوع الاتفاقية وتبادل الرسائل، تم التصويت على الثقة في 23 أيلول/ سبتمبر 1993 حيث وافق 61 عضو من الكنيست وعارض 50 آخرين، وامتنع 8 عن التصويت.
الردود الفلسطينية
الردود الفلسطينية كانت منقسمة أيضاً. فـ<فتح> التي مثلت الفلسطينيين في المفاوضات قبلت بإعلان المبادئ، بينما اعترض عليها كل من حركة حماس والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير الفلسطينية (المنظمات المعارضة) لأن أنظمتهم الداخلية ترفض الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود داخل فلسطين.
غصن الزيتون وبندقية الثائر
<.. أتوجه إليكم بأن تمكنوا شعبنا من إقامة سلطته الوطنية المستقلة، وتأسيس كيانه الوطني على أرضه. لقد جئتكم يا سيادة الرئيس، بغصن الزيتون وبندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي... سيادة الرئيس، الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين >.
بهذه العبارات اختتم رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات خطابه الشهير في الامم المتحدة يوم 13/11/1974.. لقد كانت الدولة الفلسطينية حلمه الابدي منذ ان أعلن قيام حركة التحرير الوطني الفلسطيني <فتح> في 1/1/1965.... وصولاً الى اتفاق القاهرة في 3/11/1969 واقامته ما سمي بـ <فتح لاند> في الجنوب اللبناني، ثم كانت دويلته الصغيرة في حي الفاكهاني...
بعد عرفات، استمر الحلم ويستمر مع رئيس السلطة الوطنية الحالية محمود عباس، رغم ان الحلم يتعثر مع الجرح النازف في غزة التي احتفلت منذ اسبوع بانتصارها الثاني على الصهاينة.
الدولة الفلسطينية
برأي الباحث الفلسطيني ابراهيم عثمان <ان فكرة الدولة الفلسطينية قامت في أوائل العشرينات مع بدايات الصراع الوطني الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني، وضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأتت <الثورة الكبرى> سنة 1936 لتؤكد تصميم الشعب الفلسطيني على الكفاح لتحقيق الاستقلال. واستمرت الثورة حتى بدء الحرب العالمية الثانية عند توقيع الدول العربية على اتفاق <الكتاب الأبيض> الذي وعدت فيه بريطانيا بإيقاف الهجرة اليهودية وإقامة حكم ذاتي فلسطيني يكون خطوة أولى نحو الاستقلال الكامل. وعندما شنت الحركات الصهيونية الإرهابية (شتيرن والأرغون) هجماتها ضد القرى والمدن الفلسطينية بالاشتراك مع <الهاغاناه> كان الشعب الفلسطيني أعزل من السلاح، محروماً من القيادة، عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، مما أدى إلى كارثة 1948 وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم واحتلال اليهود 78 بالمئة من الأراضي الفلسطينية.
منظمة التحرير الفلسطينية
ورأى الدكتور علي الجمال خلال حديثه مع الافكار: <ان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر القمة العربي 1964 في القاهرة شكل بداية الاعتراف الرسمي بحق الشعب الفلسطيني في الكفاح من أجل تحرير أرضه، وكلف المؤتمر ممثل فلسطين أحمد الشقيري بالاتصال بالفلسطينيين وكتابة تقرير عن ذلك يقدم لمؤتمر القمة العربي التالي، فقام أحمد الشقيري بجولة زار خلالها الدول العربية واتصل بالفلسطينيين فيها، وأثناء جولته تم وضع مشروعي الميثاق القومي والنظام الاساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقرر عقد مؤتمر فلسطيني عام، وقام الشقيري رئيس المنظمة يومئذٍ باختيار اللجان التحضيرية للمؤتمر التي وضعت بدورها قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الفلسطيني الأول 28 آذار/ مارس إلى 2 حزيران/ يونيو 1964 الذي أطلق عليه اسم المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد انتخب هذا المؤتمر أحمد الشقيري رئيساً له، وأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وصادق على الميثاق القومي والنظام الاساسي للمنظمة، وانتخب الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة، وكلف المؤتمر الشقيري باختيار أعضاء اللجنة الدائمة الخمسة عشر>.
عرفات رئيساً للمنظمة
شكل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بداية جديدة للقوى الفلسطينية في الشتات، وتحولت منظمة التحرير إلى حركة مقاومة حقيقية بعد هزيمة 1967 عندما سيطرت عليها التنظيمات الثورية المختلفة.
ومنذ فبراير/ شباط 1969 أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، زعيم <فتح>. وفي اجتماع القمّة العربية في الرباط - المغرب في 1974، تم الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وكان هدف منظمة التحرير في البداية <تحرير الأرض من النهر إلى البحر> واسترجاع الحقوق الفلسطينية بواسطة <الكفاح المسلح>.
الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس
في تشرين الثّاني/ نوفمبر 1988، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني على أرض الجزائر، أعلن عرفات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. وصوّت المجلس على قبول قرارات الأمم المتّحدة رقم 242 و338، التي تعترف بسيادة كلّ الدول في الشرق الأوسط، ولتكون القرارات مع الحق الفلسطيني في تقرير المصير قاعدة لمؤتمر سلام دولي.
السلام الفلسطيني - الاسرائيلي
في كانون الثّاني/ يناير 1993، أبطلت اسرائيل الحظر على الإتصال بمنظمة التحرير الفلسطيني. وفي أيلول/ سبتمبر 1993، وافق عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي <اسحاق رابين> على توقيع اتفاقية سلام تاريخية مهّدت الطريق لحكم ذاتي فلسطيني في المناطق العربية المحتلة..
وحسب الدكتور هشام شرابي ان قيام الدولة الفلسطينية لن يتحقق في المرحلة المقبلة إلا من خلال صراع شامل - قد يقصر أو يطول - يؤدي إلى تغيير في موازين القوى ومن ثم إلى عملية سلام جديدة يخوضها الفلسطينيون بواسطة جبهة وطنية موحدة، وتدعمهم الدول العربية من خلال موقف عربي موحد تشارك به بالحد الأدنى دول الجوار والمملكة العربية السعودية، وإلى تبلور موقف دولي لا تسيطر عليه الولايات المتحدة وإنما تشارك فيه إلى جانبها الصين وروسيا على حد سواء، ويرتكز على قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية والرأي العام العالمي.
موقف اسرائيل العنصري
من ناحية أخرى، فإن حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ودائماً لن يتم أيضاً إلا بتغيير موقف اسرائيل العنصري إزاء الفلسطينيين والعرب. هذا الموقف الذي يتبناه الاسرائيليون أو معظمهم بمختلف اتجاهاتهم السياسية من اليمين الديني والفاشي إلى الوسط واليسار التقليدي.. يقوم على احتقار العرب والخوف منهم في آن واحد، فمعظمهم غير مقتنعين بأن السلامة والأمن اللذين يسعون إليهما يمكن أن يتحققا بمصالحة الفلسطينيين والعرب، وهم مستمرون في قناعتهم الجنونية بأن سلامتهم وأمنهم لا يحققهما إلا قدرتهم على إخضاع العرب والفلسطينيين إلى الأبد. إنهم لا يرفضون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحسب، بل إن بعضهم لا يعترف حتى بوجود <الشعب> الفلسطيني.
<أوسلو> وغزة
ولكن اين اصبح اتفاق <أوسلو> في ظل هذه الهجمة البربرية الصهيونية على قطاع غزة؟ في رأي الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله شلح أنه لا يمكن الرهان بأي شكل من الأشكال على استراتيجية المفاوضات، لا مكان للرهان على المفاوضات وابحثوا عن مسار المفاوضات في حطام قطاع غزة، مسار <أوسلو> قصفته الطائرات في غزة، ابحثوا عنه تحت ركامها، وعلى الجميع حسم خياراته.
وقال الدكتور شلح: <هذه المعركة ليست آخر المعارك وليست أم المعارك لكنها تؤسس لأم المعارك وستضع أقدام المقاومة على الطريق وخاصة أن هذه المعركة من أهم نتائجها حسم الجدل حول صراع الإيديولوجيات. ندعو الجميع إلى حسم الخيار بأن المقاومة التي يقدم لها الشعب اليوم الدم يجب أن نحتضنها كما احتضنها الشعب>.
وقال: <يجب أن يطمئن الجميع أن سلاح المقاومة وقدراتها العسكرية نقطة لم نسمح ان تكون على طاولة المفاوضات>.
وقال: <اتخذنا قراراً كمقاومة فلسطينية أن معركتنا فقط مع اسرائيل، نحن بحاجة لوحدة موقف>.
قريع: مضيعة للوقت
بدوره، أكد أحمد قريع، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس طاقم المفاوضات النهائية السابق مع اسرائيل، وأحد مهندسي اتفاق <أوسلو> الاتفاقات الملحقة به، ان الحرب على غزة تأتي في إطار تنفيذ اسرائيل «مخططاتها الاستراتيجية لإنهاء القضية الفلسطينية» من خلال فصل القطاع وتفتيت الضفة الى «كنتونات ومعازل» وضم القدس الكبرى التي تتعرض لحرب صامتة الآن، مشيراً إلى أن مبدأ المفاوضات الذي انتهجه الجانب الفلسطيني كخيار استراتيجي مع اسرائيل فشل ووصل لطريق مسدود، وأن خيار الصمود والمقاومة صمد، وتجلى ذلك الصمود في مواجهة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.
المطار والميناء
واضاف قريع: « أنا أقول ان المفاوضات بعد عشرين سنة من اتفاق <أوسلو> ثبت انها ليست هي الآلية الصالحة بل هي مضيعة للوقت لغاية الآن»، مشيراً الى ان بسالة المقاومة في قطاع غزة صدمت اسرائيل التي تواصل ارتكاب المجازر في غزة من جراء التمزق العربي السائد في المنطقة على حد قوله، معتبراً ان «اسرائيل ما كان لها أن تجرؤ على مثل هذا العدوان الذي ارتكبت فيه المجازر، لولا التمزق العربي السائد في المنطقة والصمت الدولي المريب خاصة من قبل الادارة الاميركية التي اثبتت أنها ما زالت غير معنية بشكل فعلي لحل القضية الفلسطينية عبر حل عادل على اساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وبما لديها من نفوذ ومقدرة على ممارسة الضغط على اسرائيل>.
وشدد قريع على أن المطالب الفلسطينية بشأن رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة إعمار مطار غزة وإنشاء ميناء في القطاع هي مطالب حياتية للشعب الفلسطيني، إضافة إلى أنها التزامات على اسرائيل وفق ملاحق مفاوضات اتفاق <أوسلو>، مؤكداً على عدالة المطالب الفلسطينية التي هي في حقيقتها مطالب للشعب الفلسطيني بشرائحه وقيادته كافة>.