تفاصيل الخبر

واجهات البيوت التراثية في بيروت في مجسّمات معدنية

07/10/2020
واجهات البيوت التراثية في بيروت في مجسّمات معدنية

واجهات البيوت التراثية في بيروت في مجسّمات معدنية

بقلم عبير أنطون

 

[caption id="attachment_81746" align="aligncenter" width="563"] الواجهات والنور من خلفها.[/caption]    

المهندس رمزي أبو فاضل مطلق مبادرة "شمعة الأمل": الجيل الجديد يقول "لا" ويحافظ على تراثه !

 

مبادرة جديدة تضيئ شمعة تنضمّ الى أخواتها في تقديم التحيّة الى بيروت علّها تساعدها على النهوض ببشرها وحجرها من جديد. "شمعة الأمل" مبادرة أطلقها المهندس المميز رمزي حبيب أبو فاضل لدعم "مبادرة بيروت للتراث" التي تضمّ مجموعة من الجمعيّات والمهندسين المختصّين لترميم الأبنية التراثيّة في المدينة.

[caption id="attachment_81747" align="alignleft" width="167"] رمزي أبو فاضل..لا مثيل للبنان.[/caption]

فمع المبادرات والنوايا الكثيرة لمساندة العاصمة في محنتها وبينها مثلاً ما عّبرت عنه المديرة العامّة لمنظّمة اليونيسكو،أودريه أزولاي،عن عزم "الأونيسكو" على صون المباني التراثية والثقافية في لبنان، وتعهّدها بدعم إعادة تأهيل المباني المتضررة، فإن القلق يساور الكثيرين لناحية المحافظة على ما تبقى من معالم تشكّل ذاكرة العاصمة وتاريخها الحافل، وتنطلق هذه المخاوف من أكثر من جانب بينها مثلاً أن يؤدي التأخير في الترميم الى القضاء على التراث العريق، أضف الى ذلك ما يثار عن أحاديث حول محاولات لشراء هذه البيوت والتواطؤ عليها بين جهات "لها مصلحة"، وصولاً أيضاً الى التخوف من أن تؤدي الدعوات لرفع الركام بأسرع وقت قبل أمطار الشتاء، وهو أمر مطلوب طبعاً، أن يأتي بشكل متسرّع وغير منظم وواع .

 

فماذا يقول أبو فاضل في كل ذلك؟ ماذاعن مبادرته المميّزة؟ وكيف لمجسّمات مشغولة باتقان وحبّ للمدينة أن تعيد نفخ الأمل و تضيئ شموعا تصلّي لصمود بيروت وعودتها كما في كل مرة الى قلب الحياة من جديد؟

في لقاء "الأفكار" مختلف التفاصيل، مع الاشارة الى ان العائق الأكبر اليوم هو العائق المالي، ذلك أن الخبرات موجودة وقد تطوع 150 مهندساً ومهندسة للعمل بلا أجر كي ينقذوا تراث المدينة.

 ومع ابو فاضل انطلقنا من السؤال :

- قرأنا في موقع "ليبانون ديبايت" الأسبوع الماضي مقالاً تحت عنوان" بيروت تخسر أبنيتها التراثية ...تواطؤ بين المعنيين والمتعهدين"! الى أي مدى يمكن أن نقلق على أبنية بيروت التي دمّرها أو شوّهها الانفجار؟

من الجيّد أن هناك "مبادرة بيروت للتراث" التي تجمع اختصاصيين ومهتمّين يتمتّعون بقوة وتأثير، وقادرين على إيصال الصوت. لأجل ذلك يمكنني القول إنني مطمئن نوعاً ما الى وجود هذه المبادرة التي يمكنها وضع حد لمن يفكّر أو يحاول تهميش تاريخ بيروت ومعالم حضارتها . سوف أطلع على المقال وأتّصل بنقيب المهندسين جاد تابت والمدير العام لمديرية الاثار سركيس خوري للوقوف عند حقيقة ما كتب. يجب أن ندافع ونلاحق حتى آخر لحظة، لأنه اذا استسلمنا تكون

[caption id="attachment_81745" align="alignleft" width="379"] الواجهات التراثية.[/caption] الكارثة الاكبر. سوف نحارب لثقافتنا وهي مصدر قوّتنا.  

- وهل تخشى من أن تؤدّي الدعوات الى السرعة في رفع الركام قبل أمطار الشتاء الى جرف "عن بو جنب" ونخسر معها ما هو قيّم فعلاً ؟

 سبق وكانت لنا تجربة مريرة في "سوليدير". هذا أمر يدعو الى التنبّه الّا ان الناس اليوم تواجه، وترفع الصوت لأجل معالمها وحضارتها، ومن يحملون المشعل هم كثر والجيل الجديد واع. لقد خسرنا قلب مدينة بيروت وأسواقها، لكن ّالجيل اليوم يقول لا!

- كيف انطلقت بمبادرة المجسّمات في مشروعك "شمعة الأمل"، وأين كنت يوم الانفجار؟

 كنت في بيتي عند منطقة الـ"مونتي فيردي". سمعنا بالحريق ومن ثم الانفجار الهائل ولمّا علمنا عن الدمار الذي خلّفه أصرّرت عند التاسعة ليلاً أن أطلّ على مكتبي في منطقة حرش تابت- سن الفيل. أضرار المكتب كانت جسيمة. شعرت بحزن وغضب كبيرين، فجهد الناس وتعبها الذي أسسته بعرق الجبين، والذي قد لا يكون بالامكان اعادة تأسيسه  يدمّر بلمح البصر. الا أنني وفي اليوم التالي ومع مشاهد الخراب والضحايا والجرحى،عرفت ان ما خسرته قد لا يساوي شيئاً امام ما يعانيه غيري. كبر قلبي بمشهد الشباب والصبايا الذين نزلوا ليساعدوا ويرفعوا آثار الدمار، وتمنّيت لو انني صحياً قادرعلى مساندتهم. هنا تساءلت  كيف يمكنني أن اساعد من جانبي؟ فكانت فكرة المجسمات والشموع.

[caption id="attachment_81748" align="alignleft" width="188"] ستعود مضيئة ..[/caption] ويزيد أبو فاضل :  

 منذ 3 سنوات بدأت بالعمل في لبنان مع تدريسي للهندسة في أحدى الجامعات وأنا احب الأشغال الحرفية واليدوية، فانطلقت بمجسمات مستوحاة من الهندسة في لبنان لاعادة التذكير بجمال واهمية هذه الهندسة وتسليط الضوء على الهوية الثقافية لبيروت اذ إنها خليط جميل من الحضارات والثقافات والفنون فأطلقت "براند" تحت اسم "يوك"

yook التي تستند على تصاميم الهندسة اللبنانية وكانت بينها قطع للملح والفلفل، وللزيت والخل، ولوحة تقطيع الأجبان، وغيرها العديد .عرضت المجموعة على المتحف الوطني في بيروت، وعلى متحف سرسق فرحبا بالفكرة ولاقت المجموعة اقبالاً كبيراً. الا ان الأزمة الأقتصادية أوقفت معها كل شيء للأسف. ومع وقوع الانفجار الرهيب، وفي ارادة مني لتكريم لبيروت وتحيّتها خاصة في هذه المنطقة التي تمثّل تاريخنا ، ارتأيت ان اقدم مجسمات لواجهات بيوتها التراثية التي تتشّكل منها شوارعها على ان نضيئ خلف كل مجسّم شمعة، ولهذا الأمر رمزيّة كبيرة . فنحن لمّا نصلّي نضيئ شمعة، وهكذا، ولبيروت الحبيبة، اردتها شمعات للأمل. وكلما ازدادت الأبنية والشموع اكتمل الشارع، وزاد ريع المبيع الذي يعود بشكل كلّي الى دعم "مبادرة بيروت للتراث". وبما ان متحف سرسق كان من أول المتاحف التي عرضت مجموعتي فيه شعرت بأنه من واجبي مدّ اليد للجنته على قدر الأمكان فكانت مجسمات لواجهة سرسق وشموع ترافقها على امل ان تعود الأنوار اليه والى بيوت وبيروت وشوارعها كلها ، ويعود اهلها الى مساكنهم بأقرب وقت ممكن.

- أين تعرض المجسمات حالياً؟

  في المتحف الوطني في بيروت وفي مكتبة انطوان.

فن ..وعمارة

[caption id="attachment_81749" align="alignleft" width="404"] شمعة الأمل.[/caption] - هل هذه المجسمات مأخوذة عن ماكيت أو صور معينة لها ، أم أنها أبنية ومعالم تعرفها شخصياً؟  

بما أنني مهندس معماري ودارس لفن العمارة وتاريخها وتصميمها فإنني أعرف أصول الهندسة اللبنانية وتصاميمها. من هنا ، كانت واجهات المجسمات تعود الى حقبات لبنانية معروفة في القرنين التاسع عشر والعشرين (يذكر انه تم احصاء تضرر 331 مبنى تعود للفترة العثمانية الواقعة بين العامين 1860و 1920) من دون الدخول في القرن الحادي والعشرين لأن هناك نماذج كثيرة منه.

-هل تحمل المجسّمات تسميات معينة ..متحف سرسق ...بناية الوردة الحمراء مثلاً ؟

أنا أعرف الأسماء، كـ"المبنى الأصفر" الى غيره، الا انني لم اتفلسف على الناس . كل ما في الأمر أنني أطلب منهم ان يضيئوا شمعة لأجل بيروت.

- ماذا عن الأسعار . هل هي بمتناول الجميع ؟ وهل يمكن تأمينها لمن يطلبها من الخارج ؟

طبعاً. لقد طلب منها الى السعودية كما الولايات المتحدة وفرنسا، علماً أنني لم اقم بالاعلان عنها سوى على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بي .أسعارها مقبولة جداً، سبعون الف ليرة لبنانية للبيت مع الشمعة خلفه، وقد تقصّدت ان يكون المعدن المصنوع منه المجسّم جيداً ولا يصدأ.

-هل من طلبات خاصة لأبنية تذكّر طالبها بأمر معين مثلاً ؟

 نعم هناك طلبات لتصاميم خاصة لكنها لا تدخل من ضمن المبادرة . همّي الآن ان أبيع من هذه المجسمات لصالح "مبادرة بيروت للتراث"ودعم لجنة متحف سرسق ، وإن استطعت أن أصلح بيتاً او باباً او حتى شبّاكاً فإنني لن اتأخر .

- هل تشعر بندم ما على العمل في لبنان والفرصة متاحة لك للعمل من خارجه ؟ 

"مش ممكن اندم". لبنان لا مثيل له. نحن كبرنا في السبعينات، وفي عز الحرب كان أهلنا يزرعون في قلبنا حب الوطن وأن لا بديل لنا عنه . هذه قوة تجرّعناها صغاراً ونتمسك بها حتى آخر لحظة.

- كل المبادرات التي تقدم لبيروت مشكورة ومرحب بها الا انها لا تشكّل سوى سند صغير جداً أمام هول الدمار الذي سببته الكارثة. ما السبيل الى ذلك برأيك؟   

فعلاً. مبادرتي قد لا تكون "بحصة بتسند خابية" بل حبّة رمل، الا انني أتأمل ان تصنع فرقاً ولو بسيطاً. التمويل المطلوب كبير جداً، لكننا سنبقى نحاول ونعلي الصوت حتى لا نفقد تاريخنا وحضارتنا.  وأشعر هذه المرة بنية من البلدية والمحافظة لانقاذ بيروت وتاريخها وآمل ان يكونوا على قدر الآمال المعقودة عليهم .