تفاصيل الخبر

نصيحــة الــرئيس فــؤاد شهــاب.. للــرئـيـس شــارل حلــو كانـت سببــاً فـي ولادة ”اتـفـــاق الـقـاهـــرة“!  

22/04/2016
نصيحــة الــرئيس فــؤاد شهــاب.. للــرئـيـس شــارل حلــو كانـت سببــاً فـي ولادة ”اتـفـــاق الـقـاهـــرة“!  

نصيحــة الــرئيس فــؤاد شهــاب.. للــرئـيـس شــارل حلــو كانـت سببــاً فـي ولادة ”اتـفـــاق الـقـاهـــرة“!  

بقلم صبحي منذر ياغي

الجنرال-اميل-بستاني  

  يُعتبر <اتفاق القاهرة> الذي وُقع بين الحكومة اللبنانية و<منظمة التحرير الفلسطينية> في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، قد ساهم في <شرعنة النشاط الفلسطيني المسلح في لبنان بدلاً من تحجيمه وتقليصه>، وقد ذهب البعض الى اعتبار هذا الاتفاق السبب الاساس للحرب اللبنانية الاهلية التي اندلعت في 13 نيسان/ أبريل 1975. وكانت صراعات مسلحة دامية قد سبقت هذا الاتفاق ودارت بين الفدائيين وقوى الامن اللبنانية، وكانت لها انعكاساتها السلبية على النسيج اللبناني وعلى العيش المشترك.

عملية تسليح الفلسطينيين في لبنان بدأت منذ العام 1968، وبات لبنان يتحول تدريجياً قاعدة مسلحة فلسطينية مقابل الجيش والقوى الامنية اللبنانية، في الوقت الذي لم يتوانَ فيه الفلسطينيون المدعومون من النظام السوري يومذاك ومن تيار شعبي وحزبي يساري ناصري واسع، عن مهاجمة المخافر والمراكز العسكرية اللبنانية. وكان يقيم في لبنان في نهاية الستينات ما لا يقل عن 235 ألف فلسطيني، ما مكن حركة المقاومة من تجنيد المزيد من المقاتلين يوماً بعد يوم.

وصار الجنوب منطلقاً لعمليات فلسطينية ضد اسرائيل، التي كانت ترد بغاراتها الوحشية الانتقامية التي كانت تستهدف منازل المدنيين الجنوبيين بقنابل <النابالم>. وكانت أبرز العمليات الانتقامية لاسرائيل في 28 كانون الاول/ ديسمبر 1968 عندما حطت طائرة عسكرية اسرائيلية بفريق من <الكوماندوس> على أرض مطار بيروت الدولي، وقام رجال <الكوماندوس> بتفجير ثلاث عشرة طائرة مدنية من الاسطول الجوي اللبناني التابع لشركة <طيران الشرق الاوسط>، كرد انتقامي على عملية فدائية فلسطينية قام بها عناصر من <الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين> في 26 كانون الاول/ ديسمبر، واستهدفت طائرة مدنية اسرائيلية تابعة لشركة الطيران الاسرائيلية <العال> في اليونان.

في الوقت نفسه اندلعت اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني وفدائيين فلسطينيين في مناطق في جنوب لبنان. ولم يتوقف الفلسطينيون عن استخدام لبنان منطلقاً لعملياتهم، ولا توقفوا عن تحرشاتهم بالجيش اللبناني، وبدأوا ومنذ العام 1968يتسللون من سوريا الى منطقة العرقوب في الجنوب. ورغم اجتماعات التنسيق التي كانت تُعقد بين قيادة الجيش وممثلين عن المنظمات الفلسطينية، فقد بقيت الأمور تزداد سوءاً، وكان الفدائيون يضربون عرض الحائط كل الاتفاقات والمواثيق.

ويؤكد أحد السياسيين اللبنانيين أن الامدادات والأسلحة والذخائر كانت تأتي من سوريا بشكل منظم الى منطقة العرقوب والى عدد من القواعد الفلسطينية في جنوب لبنان، حتى ان جنوداً نظاميين سوريين شاركوا في إحدى المرات في مهاجمة مركز الجمارك في منطقة المصنع وقتل ستة من الموظفين.

الرئيس-جمال-عبد-الناصر-وعرفات-خلال-توقيع-اتفاق-القاهرة  

23 نيسان/ أبريل: تظاهرة الدعم

 

وكانت حركة <فتح> قد بدأت تنشط في لبنان منذ العام 1965، وصارت تسعى لاقامة بناها التحتية واستقطاب الانصار والمؤيدين من الشارع اللبناني، وأنشأت حركة <مساندة فتح>. وقد اعتبر الدكتور النائب فريد الخازن انه في أواخر الستينات كان اوان التوسع قد حان، وكذلك اوان تعديل طبيعة الوجود الفلسطيني السياسي والعسكري في لبنان، من هنا كان القرار باعداد تظاهرة كبرى في بيروت، ولهذا الهدف شُكّلت <لجنة نصرة فتح> التي كانت مهمتها التخطيط للتظاهرة، وقد حضر اجتماعات الاعداد للتظاهرة ممثلون عن الحزب <الشيوعي اللبناني> و<منظمة لبنان الاشتراكي> و<حزب البعث العراقي> و<الحزب التقدمي الاشتراكي> وعدد من اليساريين ومساندي <فتح> بالاضافة الى ممثلي المنظمات الطالبية خصوصاً من <جامعة بيروت العربية>.

كانت التظاهرة في 23 نيسان/ أبريل 1969 وقد أدت الى اضطرابات في بيروت والى حصول مواجهات بين المتظاهرين وقوى الامن الداخلي، كذلك ادت الاضطرابات الى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وحصلت اضطرابات مماثلة في صيدا وطرابلس وعدد من مناطق البقاع، فما كان من رئيس الحكومة رشيد كرامي الا ان قدّم استقالته احتجاجاً، وغرقت البلاد في ازمة وزارية دامت سبعة اشهر، في الوقت الذي استمرت فيه المصادمات بين الجيش والفدائيين... واستفاد الفلسطينيون من دعم جماهيري كبير في لبنان، امنته الاحزاب اليسارية، والقومية، والشيوعية، وسيطرت الفصائل الفلسطينية المسلحة بالكامل على عدد من المخيمات الفلسطينية، التي صارت ملجأ للهاربين من وجه العدالة، وتمكن الفلسطينيون والفصائل اللبنانية المتحالفة معهم، من تثبيت مواقعهم في بعض قطاعات المنطقة الواقعة بين راشيا وعكار، واقاموا فيها مراكز ومعسكرات للتدريب، وعمدوا الى توزيع السلاح الفردي على مناصريهم من اللبنانيين. وخلال هذه الاوضاع الحرجة، تعرض المسؤولون في لبنان لضغوط قوية من الانظمة العربية، واغلقت سوريا حدودها مع لبنان، ودانت انظمة كل من اليمن، الجزائر، ليبيا والسودان، تصرفات الحكومة اللبنانية بشدة.

 

<اتفاقية القاهرة>

الحرب-الاهلية-1975  

وبناء على نصيحة من الرئيس فؤاد شهاب، قام الرئيس شارل حلو بتوسيط الرئيس جمال عبد الناصر لحل الازمة اللبنانية - الفلسطينية. وفي 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، اجتمع في القاهرة الوفد اللبناني برئاسة قائد الجيش اميل البستاني، ووفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، وعن الجانب المصري وزير الخارجية محمود رياض ووزير الحربية محمد فوزي، وتم توقيع <اتفاق القاهرة>الذي ينظم الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان وطبيعة علاقاته بالسلطة اللبنانية، وقد نص <اتفاق القاهرة> على الاعتراف بحقوق الفدائيين الفلسطينيين بالوجود المسلح في لبنان، وخوّل <اتفاق القاهرة> الفلسطينيين حق الاشراف على مخيمات اللاجئين، على ان تستمر الدولة اللبنانية في ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها كاملة في جميع المناطق وفي كل الظروف (كريم بقرادوني - <لعنة وطن>).

ورغم توقيع <اتفاق القاهرة> فإن الاشتباكات بين الجيش والمقاومة لم تتوقف، وكان أبرزها الاشتباك الذي حصل في 18/3/1970 في بنت جبيل، كما حصلت اشتباكات بين عناصر من حزب الكتائب والفدائيين في منطقة الكحالة أدت الى مقتل حوالى 30 فدائياً، وانتقلت الاشتباكات بين الطرفين الى بيروت. ويومئذٍ حذّر الرئيس الراحل سليمان فرنجية من استمرار الاعتداء على الجيش وسيادة لبنان مؤكداً: <... لن يرضى لبناني واحد بجيش احتلال في لبنان>.

 

<اتفاق ملكارت>.. وحرب لبنان 

 

وبعد اصطدامات الجيش مع الفلسطينيين تمّ وضع <اتفاق ملكارت> في ايار/ مايو 1973، الذي حدّد اماكن وجود الفدائيين على الحدود وأماكن تدريبهم وكيفية تموين مراكزهم. اضافة الى تفاصيل اخرى تتعلق بالوجود الفلسطيني المسلح...الا ان مصير هذا الاتفاق لم يكن افضل من مصير غيره من اتفاقات ومواثيق بين الدولة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية.

وكان يوم 13 نيسان/ أبريل 1975 يوم حادثة عين الرمانة، التي شكّلت الشرارة للحرب اللبنانية الاليمة، والتي ما زلنا لليوم نحصد تداعياتها ونجني سلبياتها وتشعباتها. وقد لعب الفلسطينيون دوراً اساسياً في اشعال الحرب الاهلية، وشكّلوا طرفاً رئيسياً في هذا الصراع وفي تغذية المتصارعين، وفي المشاركة في احتلال مناطق لبنانية بهدف جعل لبنان الوطن البديل بعدما اخفقوا في تمرير مخطّطهم في الاردن، وصارت قياداتهم تتخذ من منطقتي الحمراء ورأس بيروت وغيرهما من المناطق مقراً ومسكناً، وصارت مناطق الفاكهاني وطريق الجديدة والجامعة العربية ومستديرة الكولا <غيتو> فلسطينيا بامتياز، وكذلك صيدا وطرابلس وغيرهما من مدن لبنانية، واطلق احد قادة الثورة الفلسطينية شعاره الشهير <طريق فلسطين تمر في جونية>.

إلغاء <اتفاقية القاهرة>

الرئيس-الحسيني

مع مرور الزمن واشتداد الأزمات التي عصفت بلبنان، كان لا بد من التوجه الى الغاء الاتفاقيات الامنية التي وقّعها لبنان في ظروف صعبة وكانت سبباً من أسباب الحروب والخلافات والانقسامات، لا بل أنها شكّلت ذرائع حتى للعدو الاسرائيلي لخرق الهدنة مع لبنان، فكان القرار بالغاء <اتفاقية القاهرة>.

وقد لعب رئيس المجلس النيابي يومذاك حسين الحسيني دوراً اساسياً في هذا الاطار، ويشير النائب السابق الراحل رفيق شاهين في هذا المجال مؤكداً في احدى مقابلاته الصحفية: <ان إلغاء الاتفاق جاء بعد حقبة طويلة باتت فيها الاجواء الشعبية والسياسية اللبنانية مهيأة لإلغاء <اتفاق القاهرة>، اذ جاء الإلغاء بعد جملة الحروب الفلسطينية والتجاوزات في لبنان، وأذكر ان الرئيس نبيه بري يومئذٍ اتصل بي ثم التقيت به وقال لي: <انتبهوا لتحركاتكم فقد يقدمون على الاعتداء عليكم>، لكننا ألغينا الاتفاق نتيجة الاجواء التي اصبحت سائدة ضد الفلسطينيين والاسرائيليين>.

وفي حزيران/ يونيو 1987، وقّع الرئيس اللبناني امين الجميّل على قانون إلغاء الاتفاق الموقع من قبل البرلمان اللبناني في 21 أيار/ مايو 1987، وتمّ توقيعه في وقت لاحق من قبل رئيس الوزراء سليم الحص.

 

الحسيني: <حكموا علي بالاعدام>

 

وقال الرئيس حسين الحسيني خلال حديث مع <الافكار>... اكتشفنا ان <اتفاق القاهرة> و<اتفاق 17 أيار> يطمسان مفعول قرار اتفاقية الهدنة بيننا وبين اسرائيل، والذي يفرض على قوات الأمم المتحدة تحت باب الفصل السابع تحقيق الأمن والاستقرار على جانبي الحدود تمهيداً للوصول الى تسوية شاملة في المنطقة، لذلك ولكي لا تتذرع اسرائيل بخرق اتفاقية الهدنة من خلال <اتفاق القاهرة>، قمت بإلغاء هذا الاتفاق كحال <اتفاق 17 أيار> الذي طمس قراري 425 و426 لعام 1978 الذي يطلب انسحاب اسرائيل من الجنوب بلا قيد أو شرط، كما طمس قراري 508 و509 عام 1982 الذي يحسم هذه المسألة، وكان لا بد من إلغاء <اتفاقية القاهرة> و<اتفاق 17 أيار>. ويعترف الحسيني انه بعد الغاء الاتفاق وصلته تهديدات من الفلسطينيين مؤكداً .. <الفلسطينيون حكموا عليّ كوادر_التنظيم_الشعبي_بعد_توقيع_اتفاقية_القاهرة_1969بالإعدام آنذاك>.

ووفق الزميل فؤاد دعبول ان <اتفاق القاهرة> الذي وُقع في القاهرة ايام الرئيس جمال عبد الناصر، على يد قائد الجيش يومئذٍ اميل البستاني ورئيس المنظمة الفلسطينية ياسر عرفات، تحرر لبنان منه عندما دعا الرئيس الحسيني في عهد الرئيس الشيخ أمين الجميّل البرلمان اللبناني الى اجتماع طارئ تمّ خلاله إلغاء <اتفاق القاهرة>.

هذا، أصبح من الماضي، فماذا يسجّل الآن على رقعة الحاضر؟

تابع دعبول: انتهى موضوع سلاح المقاومة الفلسطينية عملياً، ليحل مكانه سلاح المنظمات الطائفية أو المذهبية، وفي مقدمتها سلاح حزب الله عند الطائفة الشيعية، وسلاح المنظمات المذهبية عند الطائفة السنية، وما زالت المخيمات الفلسطينية في لبنان تشكّل بؤراً وجزراً امنية، وتجمعاً لمجموعات وعناصر اصولية من جنسيات مختلفة، وخصوصاً في مخيم عين الحلوة قرب صيدا، كذلك ما زال للوجود الفلسطيني المسلح امتداداته خارج المخيمات، وخصوصاً في سهل البقاع وفي مناطق الناعمة في الدامور .

ويبقى الامل بعودة الدولة بقوتها وسيادتها الحقيقية ومؤسساتها الدستورية في ظل وجود سلاح شرعي واحد فقط هو سلاح الجيش والقوى الامنية اللبنانية.