تمر الذكرى الثالثة لرحيل رئيس حركة التجدد الديموقراطي النائب والوزير نسيب لحود ولبنان لا يزال يعاني من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والمعيشية، فرئاسة الجمهورية شاغرة، ومجلس النواب شبه معطل والحكومة تعيش بالمساكنة والضغوط الأمنية خاصة المتمثلة بالإرهاب والخلايا الإرهابية تثقل كاهل الوطن وتهدد أمنه واستقراره في كل لحظة. فماذا يقول معارف هذا الرجل الذي عاش برفعة ورقي في سلوكه السياسي وزاوج بين العمل السياسي والفكر وأبى أن تعمل شركاته في المقاولات داخل البلد طالما هو نائب ووزير؟!
<الأفكار> استضافت في مكاتبها عضو حركة التجدد الديموقراطي الدكتورة منى فياض خريجة الجامعة اللبنانية وجامعة بلجيكا و<السوربون> في فرنسا وحاورتها على هذا الخط حول الرجل الذي عرفته عن كثب، وحول شؤون وشجون الوضع الداخلي بكل تفاصيله بدءاً من السؤال:
ــ متى كان ظهورك على المسرح السياسي أو ككاتبة تقول رأيها السياسي بصراحة؟!
- البداية كانت بين عامي 1990 و1991 عندما كتبت عن استبداد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حيث كان الجميع سعداء بإطلاقه صواريخ ضد اسرائيل آنذاك، وأنا كنت من القلائل الذي عارضوا ذلك، فلفت الأمر انتباه الناس.
الانتساب الى حركة التجدد الديموقراطي
ــ وما الذي أتى بكِ الى حركة التجدد الديموقراطي؟
- دخلت الى حركة التجدد الديموقراطي يوم كنا في مرحلة صعبة، وكانت الوصاية السورية موجودة عام 2001، وكانت هناك بداية حركة لنوع من طلب السيادة والاستقلال، خاصة بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، وكان رأيي آنذاك أن يعمد حزب الله الى تسليم سلاحه للدولة لأن الدولة وحدها من يجب أن تحتكر العنف، وحاولنا آنذاك إصدار بيان لمجموعة من المثقفين الشيعة بهذا الخصوص.
ــ وهل لا تزالين تصرين على هذا الموقف وأنت ترين ان الاحتلال يتربص بلبنان؟
- هذا موقف مبدئي دائم وليس موقفاً يومياً مؤقتاً، والمقاومة تكون موجودة عندما تكون هناك ظروف تمنع الجيش من القيام بدوره وتحرير الأرض، ومن ثم من المفترض أن تتعاون مع الجيش بعد التحرير عبر صيغة ما، شرط أن تكون تحت سلطة الدولة ولا تفتح على حسابها، ونحن كنا نقول انه مع تحرير الجنوب من الاحتلال كان لا بد من تحرير لبنان من الوصاية السورية، كما يقول اتفاق الطائف، وضمن هذا الإطار، كانت هناك بداية حركة واتصلوا بي من قبل حركة التجدد الديموقراطي عبر الدكتور أنطوان حداد كونه صديقاً قديماً، فقبلت الانتساب إليها عندما عرفت انها حركة جامعة ولا صبغة طائفية عليها، والأسماء التي تضمها نظيفة وغير متورطة بأي أعمال مخلة بالأمن ولم تقم بأي أعمال مشينة أو بأي أعمال فساد، وشعرت بأنه من واجبي كمواطنة أن أنتمي الى مكان يحقق طموحي ويعكس أفكاري ويكون مفيداً للبلد، فانتسبت الى حركة التجدد الديموقراطي، وبالفعل كما رأينا سيرة حركة التجدد فهي حتى الآن الحركة الوحيدة التي تملك مواصفات غير موجودة في الحركات الأخرى، فهي ليست عائلية ولا دينية ولا طائفية.
ــ هناك الحزب القومي والحزب الشيوعي، أليس كذلك؟
- الحزب القومي لديه الطابع الفاشي الى حدٍ ما، والشيوعي لديه الكثير من التبعية، لكن حركة التجدد مستقلة.
ــ أليست ضمن 14 آذار بكل تناقضاتها؟
- نحن أقرب الى أفكار وبرنامج 14 آذار 2005 يوم انطلقت حركة 14 آذار بمنطلقاتها الأساسية، لكن الأداء لقيادات 14 آذار يلزمه المزيد من التصويب حيث لم يتخذوا قرارات كما يجب، وهم يعانون من الخوف المزدوج.
مواصفات نسيب لحود
ــ ما الذي لفتك في نسيب لحود لأول مرة؟
- نسيب لحود كما يعرفه الناس نظيف ومبدئي ولا يغير مواقفه ويحارب الفساد لدرجة انه لم يقبل بأن يحصل على معاشه كنائب بعدما ترك البرلمان ورفض القيام بأي عمل مقاول طالما انه نائب، لكن ما يميزه انه يزاوج بين السياسي والمثقف، وهذه صفة تميزه كرجل فكر يقرأ ويطلع، وبالتالي فهو لم يكن سياسياً بالمعنى التقليدي وهذا ما أعطاه قيمة مضافة لأنه من المهم جداً أن يكون لدى السياسي هذه الميزة كمفكر يستند الى اطلاعه وانفتاحه حتى ان سلوكه يصب بهذا الاتجاه لدرجة أنه عام 2009 أصيب بصدمة عندما تخلى حلفاؤه في 14 آذار عنه كمرشح للنيابة، وذلك لأنه سياسي غير عادي، بالإضافة الى انه كان يصغي الى آراء الآخرين بشكل جيد.
الاستحقاق الرئاسي بعيد المنال
ــ نأتي الى الوضع الداخلي ونسأل: كيف تقاربين الاستحقاق الرئاسي وترين الحل لأزمة الشغور المتمادي منذ 25 أيار/ مايو الماضي؟
- نحن مع ملء الفراغ بأي طريقة لأن البلد لا يستطيع أن يكمل دون رئيس للجمهورية. لكن البلد لا يستطيع أن يتحمل مرشحاً يقول: أنا أو لا أحد... فهناك ظلم كبير في طريقة معالجة الأزمة الرئاسية خاصة عندما يضع البعض الطرفين أي 14 و8 آذار في السلة نفسها، لكن الأمور ليست مطروحة بهذا الشكل، إذ كان هناك اعتراض من طرف 8 آذار على مجرد ترشيح سمير جعجع، فكيف يتم الاعتراض في بلد ديموقراطي على ترشيح أي شخص؟! فأين الانتخابات وديموقراطيتها؟
ــ هل يعني ذلك أنك مع ترشيح جعجع؟
- مع ترشيحه وترشيح غيره دون اعتراض من أحد.
ــ 8 آذار لم تمنع كما نعلم ترشيح جعجع، لكن المآخذ هي على قوى 14 آذار التي تبنت ترشيحه وسجله العدلي معروف، خاصة لجهة اتهامه باغتيال الرئيس الراحل رشيد كرامي، في وقت تخوض هذه القوى معركة المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أليس هذا واقع الحال؟
- لن نتدخل في التفاصيل، لكن ما أعرفه أن هناك طرفاً فرض مرشحه من الأساس، وقال ان لا انتخابات رئاسية إذا لم يكن هو المرشح الوحيد، وهذا يتعارض مع مبادئ الدستور والديموقراطية، وقد برهنت الاحداث أن هذا الطرف منع أي شخص من الترشح وفرض مرشحه، ولذلك كانت الأزمة الرئاسية، وأنا أريد أن ينزل النواب وينتخبوا رئيساً وعلى كل الأطراف أن تتوافق في الكواليس على اسم من دون إعلام اللبنانيين به مسبقاً وبالتوافق عليه حرصاً على العملية الديموقراطية. ولا أقول ان لا تدخلات في السابق أو حصول توافقات، لكن ما كان يحصل ان الرئيس كان يأتي نتيجة توازن وتوافق بين كل القوى السياسية، والآن هذا هو المفقود، وحيث ان فريقاً إقليمياً واحداً هو ليس عربياً (إيران) يأتي ليتحكم بانتخاب الرئيس كما يتدخل في كل العالم العربي ويؤجج الصراع المذهبي ويساهم في تفتيت المنطقة، علماً ان كل القوى كانت تتدخل في الشأن اللبناني حتى السعودية، لكن ليس بهذا الشكل التي تفرض معه ايران علنياً اسم الرئيس العتيد بما يتعارض مع السيادة والاستقلال.
الحوار لتقطيع الوقت
ــ ألا يمكن لحوار ميشال عون وسمير جعجع أن ينتج رئيساً أم هو مجرد تمثيلية لتقطيع الوقت؟
- لا أعرف ما إذا كان حوارهما تمثيلية أو لا، لكن أي لقاء بين اللبنانيين أمر جيد.
ــ هل يمكن لهما أن يتفقا على <لبننة> الاستحقاق الرئاسي؟
- لبننة الاستحقاق تكون عندما يتفقان على شخص ثالث غيرهما، ولكن إذا حصل فرض من طرف على آخر، لا تكون هناك لبننة بل مجرد هيمنة والأمر يعود لهما، علماً ان الأمور ليست واضحة بينهما حتى الآن.
ــ وهل ممكن الوصول الى اسم ثالث؟
- ضمن هذه الشروط والمعطيات التي نعيشها لا يمكن ذلك حتى ان الموفد الفرنسي <جان - فرانسوا جيرو> جاء الى لبنان وعاد الى بلاده ولم يستطع إحداث أي خرق لأن انتخابات الرئاسة لم تعد شأناً لبنانياً، وهي تحولت لأول مرة الى ملف إقليمي تتحكم به إيران.
ــ وماذا عن حوار حزب الله وتيار <المستقبل> الذي أنتج نزع الصور والشعارات من الشوارع؟
- أعتبر طاولات الحوار منذ الأساس عودة الى الوراء والى ما قبل المؤسسات، وسبق أن قلت ان أول طاولة حوار في العالم كانت طاولة <الفرسان المستديرة> في إنكلترا للذهاب نحو المؤسسات، تماماً كما حال <اللويا جيرغا> مع وجود قبائل متقاتلة وعشائر وعائلات والتوافق بينها للذهاب نحو المؤسسات، وبالتالي نحن نعود الى الوراء من خلال اللجوء الى طاولة الحوار التي تلغي المؤسسات.
ــ هل يعني ذلك ان الحوار يتم من داخل المؤسسات؟
- صحيح، لكن إذا كانت الحوارات تهدئ الوضع بين أنصار الطرفين وتعطي أملاً بالاستقرار الداخلي فلا مشكلة من استمرار الحوار بينهما، ولكن إذا لم تنتج أي حلول ستترك خيبة أمل عند الناس، وستتسبب بنكسة، أضف الى ذلك ان الطرفين يأخذان مكان الدولة، وإذا كانا مختلفين حول مبادئ أساسية تنطلق من احتكار العنف وتدخل حزب الله في سوريا، وحول رئاسة الجمهورية وأمور أخرى، فهذه الأمور لم تناقش في طاولة الحوار لكي نصل الى مكان ما، وكل ما يحصل كما أرى هو لنزع الصور والشعارات وهي من الممكن أن تعود في أي لحظة.
ــ ألا يساهم حوارهما في تنفيس الاحتقان السني - الشيعي ومنع الفتنة؟
- ممكن إذا كنا نصدق ان الاحتقان السني - الشيعي هو فبركة لبنانية، فهذا الاحتقان هو جزء من صراع إقليمي ويعود الى سنوات مضت، بدءاً من دخول الوهابية الى أفغانستان وصولاً الى الثورة الإيرانية وقيام دولة الشيعة هناك وهي أول دولة اسلامية في المنطقة أحيت الإسلام السياسي، مروراً بحرب صدام حسين الى أن وصلنا الى الثورات العربية، حيث يشعر العالم العربي أن هناك دولة شيعية اسمها ايران وأحزاب متفرقة سنية من الاخوان المسلمين الى السلفية والأصولية، والآن <داعش> وما تمثله من بُعد مخابراتي أن كل هذه الحركات هي التي تجيش الشعب العربي لكن ينقسم سنياً - شيعياً حتى اننا نسمع الأخضر الابراهيمي يقول انه كان يشعر بأنه مسلم، واليوم أصبح يوصف بأنه سني، وكذلك الأمر في المغرب العربي، حيث لم يكن هذا البُعد موجوداً والآن تغيرت الأمور وأصبح الحديث عن سني وشيعي، ولذلك فالشارع محتقن جداً في لبنان، ولكن ظروف الفتنة والمعركة يلزمها شروط أكثر من حالة الاحتقان الموجودة وفشلت كل المحاولات حتى الآن لإشعال الفتنة، لأن شروط الاشتعال تلزمها خلطة أكبر، خاصة وأن الشعب اللبناني أصبح ضد العنف.
<داعش> وسر تمددها
ــ هل يعني ذلك انكِ لست خائفة من <داعش>؟
- هذا لا يعني انني لست خائفة من <داعش> وإذا حاولت <داعش> السيطرة على لبنان، فكلنا سنقف ضدها.. فكل لبناني لديه هذا الشعور، وخوفي من <داعش> ليس أمنياً، بل أخاف من <داعش> وما بعدها و من آثارها.. فـ<داعش> كما نرى استطاعت مدينة <كوباني> الكردية وقفها عند حدها، لأن كل سكان <عين العرب> توحدوا ضدها، ونحن هنا سواء في لبنان أم في سوريا أم في كل الأماكن الأخرى، هل توحدنا ضد <داعش>؟ بالطبع لا، لأن <داعش> <تفش خلق> كل عربي يشعر انه مقموع، وبالأمس كنا كعرب نعاني الأمرين من دولة واحدة هي اسرائيل، واليوم صرنا نعاني من ايران وتركيا. فالمواطن العربي اكتشف أنه سني لأنه يتعرض الى حملة من دولة شيعية هي ايران، وبالطبع هو ضد إرهاب <داعش>، لكن يرى أن <داعش> هي التي توقف المد الايراني الذي يهدده، ولذلك لا بد من اتخاذ تدابير عميقة تطال جوهر المسببات التي خلقت <داعش>، لكي تساهم في وقف تمدد هذا الإرهاب بدءاً من إزاحة بشار الأسد، وبالتالي فأي انتصار لإيران يثبت الأسد في موقعه والإتيان برئيس في لبنان والسيطرة في اليمن من خلال الحوثيين لن ينهي الأزمة بل سيمددها وهذا ليس الوصفة المناسبة لوقف العنف، بل الوصفة المناسبة لاستمرار العنف لمدة خمسين سنة إضافية، ناهيك عن إعطاء المبرر لاستمرار <داعش> واخواتها وتقوية الإرهاب في كل مكان.