تفاصيل الخبر

نورهان ودّعت الحياة من الطابق الثامن مع رسالة تقول: ”بعد قليل سأقوم بثورة صغيرة“!  

09/09/2016
نورهان ودّعت الحياة من الطابق الثامن مع  رسالة تقول: ”بعد قليل سأقوم بثورة صغيرة“!   

نورهان ودّعت الحياة من الطابق الثامن مع رسالة تقول: ”بعد قليل سأقوم بثورة صغيرة“!  

 

بقلم علي الحسيني

IMG-20160903-WA0007

وعدتها الحياة بسنوات تُشبهها وبأحلام بيضاء كلون ثوب زفاف لطالما حلمت به منذ أن اشرقت لها شمس الصباح ولوجهها الباحث عن ضحكة لا تنتهي حتّى ولو انتهى العمر أو سقط سهوا من بين نظراتها. وعدتها الحياة بطمأنينة طويلة وبحنان عائلي لا ينتهي حتّى ولو انتهت كل الاحلام الجميلة وتحوّلت إلى كابوس يومي يُلاحق أصحابها في يقظتهم ومنامهم. كل هذا لم يدُم وراح يظهر أمامها مثل كذبة خفيفة تتطاير مع هبوب النسيم وتبحث عمن يُصدّقها ويضمها إلى روزنامة مُعلقة على حبال الهواء، إلى أن تسقط ورقتها ذات خريف، كما أسقطت نورهان نفسها من على شرفة منزلها في محلة البسطة.

حكاية شابة من هذا الوطن

  

لن تعود الأحلام كما كانت، ولن يستيقظ الصباح لها مجدداً. اختارت قدرها بيدها فقفزت قفزتها الأخيرة في دنيا الحياة وراحت تبحث عن حضن آمن يُمكن ان ترتاح فيه بعد تعب الحياة الذي ارهقها وهددها بمستقبل مجهول وبحياة لن تعدل معها حتى ولو عدلت هي عن رأيها بها. نورهان، اسم تردّد خلال الاسبوع المنصرم على اكثر من شفة وراحت الالسن تتناقله ومعه صاحبته التي قررت ان تضع حداً لمأساتها العائلية والحياتية. هي ابنة العز وصديقة الاحلام والطموحات، هي ابنة بلدة كفر ملكي الجنوبية التي تضج بالحياة، لكن كل هذا تحوّل بين ليلة وضحاها الى مجرد وهم وذكرى في حياة شابة وجدت نفسها وحيدة وسط عائلة مؤلفة من ام وثلاثة اشقاء بعد ان هجرهم والدها وتخلّى عنهم في احلك الظروف وأصعبها. هو والد غامر بعائلته كما غامر بأملاكه ورزقه والقصر الصغير في البلدة، الذي ساهمت نورهان بتصميمه وجعلته حلم عمرها وملجأها. لكن حتى هذا الحلم الذي لا يُقاس بمال الدنيا كلها بالنسبة الى نورهان، قد باعه والدها بأقل من نصف ثمنه، بعد ان خسر كل أملاكه في سوق البورصة ودهاليزه.

وللحكاية بقية

 

بعد اسبوع تقريباً على رحيل نورهان، لم يُعبر اللبنانيون هذه المرة عن هوايتهم المفضلة في تناقل الصور ومقاطع <الفيديو> الذي يُظهر عادة المُنتحر وهو ممدّد على أرض لم تستطع ان تحمله في حياته. وحدها نورهان احتفظت بالمشهد الأخير من عمر طوت آخر فصوله بقفزة هي الأخيرة في حياتها. الجميع تكهّن وحلّل وناقش وأصدر الاحكام الغيابية بحقها. بعضها جاء مخففاً، وبعضها الآخر حكم عليها بالموت مرة ثانية. اتهمت الفتاة العشرينية بمعاقرة الخمر وبتعاطي المخدرات وبأنها تعيش الحياة بالطول والعرض وبأن المشايخ رفضوا الصلاة عليها كونها قتلت نفسها ورحلت <كافرة>، لكن هل ثمة من سأل عن الأسباب التي دفعتها إلى الانتحار؟ هل ثمة من سألها عن حلم واحد سعت الى تحقيقه لكنها لم تفلح؟ وحدها صديقة الشخصية المجهولة التي رفضت الافصاح عن اسمها الحقيقي جمعت من سنوات عمر نورهان ووضعتها على طاولة <الافكار>.

من مبنى يضم في أسفل طوابقه شركة <الشيخ موس> وأولاده في منطقة البسطة وتحديداً من الطبقة الثامنة، اطلقت الشابة نورهان حمود حرية جسدها المسجون بضغوطات الحياة ومصاعبها، لتسقط على الارض من دون أن تُحدث ضجيجاً كي لا توقظ حكام هذا البلد، الغارقون بنفاياتهم ومسرحياتهم السياسية. تقول الصديقة الصدوقة: <أهلها هم سبب انتحارها. نعم اهلها هم السبب>. تسأل الصديقة عن سبب عدم حضور والدها للجنازة. تركت نورهان مرغمة منزل الضيعة، بيت أحلامها بعد ان خسر والدها كل أملاكه في البورصة. كل هؤلاء الذين تناولوا سيرتها بالعاطل، اكلوا وشربوا على سفرتها في منزل الضيعة، فقد كانت كريمة من-صفحتها-على-فايس-بوكالنفس وتحب كل الناس، الفقير منهم والغني. كانت تتعاطف مع جميع أصدقائها وتمد يد العون لمن هو بحاجة، لكن معظم هؤلاء لم يحفظوا الجميل.

أين دور الوالدة؟

 

وتُضيف: عاشت نورهان القهر والعذاب وهي التي كانت ترى صور منزلهم في الضيعة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث كان يضع المالكون الجدد صوراً للمنزل على صفحاتهم. ظهر المشهد وكأنه رقص على جروحات نورهان، فلم تكن تحتمل كل هذه الضغوطات النفسية. وما كان يُزيد من نقمتها على الحياة، هو هروب والدها من لبنان حيث ترك عذاب عائلة مؤلفة من اربعة أفراد ووالدتها السيدة مريم مارديني، كانت المسؤولة عنهم وعن طلباتهم. حاولت ان تعمل في عدة أماكن من اجل إعالة اخواتها، لكن الجميع كان يحاول التحرش بها. كان الحزن يحتل مساحات واسعة في عينيها ويأخذها الى نوبات من البكاء والهيستيريا، فكانت أن لجأت الى الاصدقاء والسهر والنزول الى التظاهرات لتُعبر عن ألمها بطرق عدة ولتُخرج من صدرها كل أوجاعها. وتلوم صديقة نور والدتها كونها لم تُلاحظ كل هذا الاحباط التي عانت منه لفترة طويلة، ولكونها لم تُلاحظ أيضاً، الصور والافكار التي كانت تنشرها عبر موقعها على <الفايسبوك>، مع العلم ان والدتها هي صديقة لها على الموقع نفسه ومع هذا لم تأخذ بيدها ولم تحاول إخراجها من محنتها وأزماتها، كان كل هم الوالدة ان ابنتها جميلة وتُشبهها هي لا والدها احمد حمود.

وتتابع الصديقة:

- كانت نورهان تُشعر من حولها بأنها سعيدة، لكنها كانت على العكس، كان كل يوم يمر من عمرها هو يوم إضافي بالنسبة اليها. وتسأل اين دور عائلتها، اين اقاربها؟ اين عمها رئيس بلدية الضيعة السابق؟ حتى بعد موت نورهان، لم يتعاطَ افراد عائلتها في القرية بمسؤولية مع الموضوع، كان كل همهم عدم الفضيحة، فقد اعتبروا ان موت نورهان انتحاراً هو بمنزلة فضيحة بالنسبة اليهم. المؤسف انه لم يكن لنورهان منزل او غرفة صغيرة في الضيعة لكي تخرج منه جنازتها بعد ان كانت تملك وعائلتها قصراً يُشبه قصر الاحلام.

علي، جاد وكريم أشقاء نورهان، هم اكثر من سيفتقدها واكثر من سيسأل عنها وعن طيبتها وحنانها اللذين احتضنتهم بهما. أشقاؤها سيكبرون يوماً وسيعلمون ان شقيقتهم حاولت ان تبقى إلى جانبهم وان تظل سندهم في الحياة، إنما الحياة خذلتها تماماً كما خذلها والدها، لكنهم سيعذرونها وسيزورون قبرها كلما سمحت لهم الظروف. وسيؤكدون للمشككين بإيمان نورهان أن إمام بلدتهم كفر ملكي الشيخ احمد المالكي، قد صلّى على جثمانها قبل دفنها، على عكس ما أشيع أن المشايخ رفضوا الصلاة عليها باعتبار انها رحلت كافرة، بحسب إدعاءات البعض.

نورهان-12 

نورهان تُحدث ضجيجاً حتى بعد رحيلها

لحظة الإعلان عن خبر وفاتها المأساوي تحوّل حسابها على <الفيسبوك> الى محجة لأصدقائها ومحبيها الذين كتبوا عبارات الرثاء والمواساة والدفاع عنها وعن حياتها المعقدة التي عاشتها. في البداية علقت والدتها مريم بالقول: <هذه ابنتي عمرها 20 سنة.. متل قلب النهار.. جمال من جوا ومن برا.. يا خسارة شبابك كيف بدي عيش من دونك يا قلبي>. ونورهان نفسها كانت نشرت قبل ايام قليلة من رحيلها، اغنية باللغة الانكليزية بعنوان النهاية وأرفقتها بتعليق قالت فيه: <الآن أكثر من أي وقت مضى>. ومن بعض تعليقات نورهان على صفحتها تقول: <بس يكون عبالك بحر، بس ما عبالك تشوف عالم>، وأرفقت العبارة هذه بصورة تظهر ثياباً وعلبة سجائر وأغراضاً أخرى. ومن جملة ما كتبت: <ركوة فيها مي وملح كرمال حس بمية البحر. صينية بطيخ للبوردة. زيت جوز الهند ومنشفة لنشّف مية الركوة. <فلب فلوبس> لحتى حس اني ما حرقت اجريي من الرمل ومنشر غسيل لأن ليش لا>.

  

وللأصدقاء دور في الحياة الافتراضية

 

<الفايسبوك> هو عالم مفترض، نعيشه بآلامنا وأحزاننا وأفراحنا. وفي هذا العالم ثمة من ودع نورهان على طريقته شعراً وقولاً واحساساً. يسأل خلدون ليش هيك يعني .. ليش الحلوين بكير بفلوا؟ وكتب عبد الله بكري: <ما في محل لفسحة أمل بهالبلد ولا حتى للجمال، عجزت الكلمات عن وصف الألم، بس الحقيقة انك ارتحتي، ارتحتي من وجع المرأة بمجتمعنا الشرقي يلي كنتي دايماً أول المدافعين عن حرياتها، ارتحتي من الأحزاب وقرفها، ارتحتي من المكبوتين اللي كيف ما برمتي يضايقوكي، ارتحتي، ارتحتي من تحطيم طموحك كل يوم، ارتحتي يا نورهان، أنا انصدمت بس انت الوحيدة اللي حالياً عايشة ببيروت مقبرة الأحلام، حلو التمرد، حتى على الارادة، ولو كانت ارادة العيش، هلق انت حصلتي عالحرية المطلقة اللي كنا دايماً نتخانق عليها>.

نورهان وكلمة الوداع الأخيرة

مهما قيل أو ما سيُقال عن رحيل نورهان الشابة التي ملأت القلوب حزناً على طريقة رحيلها عن هذا العالم. يبقى المؤكد انها هي التي اختارت هذه الطريقة وهي التي قررت أن ترتمي في أحضان العالم الآخر. من جملة ما كتبته نورهان على صفحتها والأكثر ايضاحاً حول ما ينتظرها من مصير مجهول قالت: <بعد قليل سأقوم بثورة صغيرة في هذه الغرفة السوداء، أمزّق الكتب والأحزان والصور القديمة وأضع الكرسي مكان المدفأة>.

 

حارس الورشة يروي المأساة

في-هذا-القصر-حلمت-نورهان-بحياة-جميلة  

يروي احد حراس الورشة التي تقع بالقرب من منزل نورهان فيقول: كانت الساعة الثانية والنصف فجراً تقريباً عندما سمعنا ارتطام شيء ما بالأرض، ظننا للوهلة الاولى ان حجر بناء او اي شيء آخر قد يكون سقط من المبنى، لكن المفاجأة كانت أن فتاة مرمية على الارض تنزف دماً من جهة الرأس لكن من دون اي اثار لكسور في جسدها وكانت حافية القدمين وترتدي بيجاما نومها. بعد ذلك حضرت القوى الامنية بعدما ابلغها احد السكان وباشرت بالتحقيقات مع الجميع.

ويضيف حارس الورشة:

- علمت ان حارس المبنى وهو سوري مثلي قد تم استجوابه لمدة يوم كامل ثم تم اخلاء سبيله بعدما ادلى بإفادته امام المحققين. لكن سمعنا لاحقاً كما كل الناس هنا ان الفتاة انتحرت نظراً لقساوة الظروف التي كانت تعيشها وأنها كانت اخبرت احدى صديقاتها عن رغبتها في وضع حد لحياتها عن طريق الانتحار.

 

قافلة من الانتحاريين

 

نصري عكّاوي، آمنة اسماعيل، ستيفاني جاك الزغبي ونيكول عساف، وغيرهم كثيرون قرروا الرحيل عن هذه الدنيا على طريقتهم الخاصة ومن دون ان يودعوا حتى أقرب الناس اليهم والى روحهم، ربما لكي لا يتركوا مجالاً للعودة عن قرارهم النهائي، وربما لكي يتركوا لهؤلاء أجمل اللحظات التي عاشوها سوياً. امنة أو ايمي كما سمت نفسها على مواقع التواصل الاجتماعية، قررت ان ترمي بنفسها من الطبقة الثامنة كما نورهان، من منزلها الزوجي في الرملة البيضاء، والغريب ان زوجها كان يقوم بتصويرها على هاتفه الخاص قبل ان ترمي بنفسها. وربما الجميع يذكر الحوار الذي دار بين الاثنين قبل القفزة الاخيرة: (الكاميرا بيد الزوج ترتجف وصوته يرتجف أيضاً)، <شو في يا قلبي إذا في شي بدّك تحكيني ياه حكيه يا قلبي. ترد الزوجة بكلام يُصعب فهمه نظراً للمسافة التي تبعد بينهما إضافة إلى جلوسها وراء الزجاج الذي يفصل بين الشرفة والفراغ، ويعود الزوج بصوته المرتجف مع تصاعد في تنفسّه، الله يخليكي يا آمونة أرجوكِ يا قلبي إمك ما بتستاهل وإذا انت مش مرتاحة معي شو بدّك فيّ، انا ما اشبني شي حياتي، ليكي مسؤولياتي، حبيبتي وين ما رايح رح أخدك معي، في تلك اللحظة رمت آمنة بنفسها غير آبهة بكل ما قاله زوجها الذي راح يصرخ حينئذٍ، حبيبتي، يا حبيبتي>.

 

والسبحة تكر

 

ونيكول عساف هي الأخرى رمت بنفسها من مبنى قيد الانشاء قريب من منزلها في شارع الحمرا من دون ان تتضح الاسباب التي جعلتها تُقدم على هذا الفعل، رغم ان بعض التسريبات المحت الى وقوع خلاف بينها وبين حبيبها. ونصري عكاوي الصحافي هو الآخر وضع حداً لحياته بعدما رمى بنفسه من شرفة منزله، يومها هرع البعض ليسأل، لماذا انتحر نصري؟ هل كان يشكو في الفترة الاخيرة من مرض عقلي؟ هل قرر الهرب من الديون؟ ، ليأتيهم الجواب وعلى لسان نصري، لا، لا هذا ولا ذاك، إنه الجوع وغياب أبسط الحقوق، غياب العمل، غياب الإنسانية، غياب الدولة، غياب الضمان الإجتماعي لرجل أفنى عمره في سبيل الكلمة. عذراً أصدقائي وزملائي لأنني لم أكن على قدر توقعاتكم وتحليلاتكم، لقد قررت وضع حد لحياتي بعدما كبرت على مهنة وهبتها صحتي وسني عمري علني أجد الراحة في العالم الاخر.

و<الافكار> تمكنت من الحصول على المعلومات الواردة في تقرير الطبيب الشرعي والذي جاء فيه: تبين ان هبوط بالقلب واشتراكات نجمت عن ارتطام الجسد بالارض من دون ملاحظة اي اثار او علامات على جسده تشير الى تعارك او عملية دفع من الوراء.

مع-والدتها منتحر كل ثلاثة أيام في لبنان

غالباً ما يستنكر أحدنا وبالصوت العالي أو في سره نبأ انتحار شخص ما. فالانتحار المحرم دينياً وغير المقبول اجتماعياً والمستهجن انسانياً لم تردعه كل الاسباب المذكورة وبقيت الارقام العالمية تشير الى ارتفاع هذه الظاهرة، إذ ذكر تقرير صدر أخيراً عن منظمة الصحة العالمية أن عدد المنتحرين سنوياً في العالم قارب الـ800 ألف شخص عدا عن محاولات الانتحار التي يفشل أصحابها في وضع حد لحياتهم. والعام الفائت كرست المنظمة يوم العاشر من أيلول/ سبتمبر الماضي يوماً عالمياً لمنع الانتحار بالاشتراك مع الرابطة الدولية لمنع الانتحار، واصدرت لهذه المناسبة تقريراً شمل 172 دولة في العالم ومنها 17 دولة من أصل 22 دولة عربية لكن الصدمة تمثلت بالارقام التي ذكرها التقرير عن لبنان اذ افاد عن وجود منتحر كل ثلاثة ايام ومع ذلك فإنها لا تحظى بإبلاغ الأهل عنها لعدم قبول الانتحار كحالة اجتماعية.

 

الاضطرابات النفسية تتزايد

 

دراسات في علم النفس تؤكد ان الانتحار هو حال قصوى من حالات الضيق التي بدأنا نلمس تزايدها عند الشرائح الاجتماعية والامر لم يعد محصوراً بفئات عمرية معينة، فالاضطرابات النفسية تتزايد ومثلها تعاطي المهدئات مثل حبوب المنومات، إدمان الكحول، وطبعاً المخدرات ويضاف اليها عوامل الضغط اليومي التي يجب ان تقابل بقيم التربية وحماية المجتمع ووجود الاصدقاء والتمسك بالايمان، وهذا ما نلاحظ تراجعه كقيم في أيامنا هذه مما يدفعنا الى ضرورة التنبه الى تنمية حس الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة وتوعية المجتمع لأهمية التماسك القيمي الاخلاقي. أما دور الدولة ومؤسساتها فهي عديدة في مجال الوقاية وابرزها تأمين الرؤية الواضحة لمستقبل الشباب وأيضاً في بث شعور الامان لدى المواطنين.

وتشير الدراسات إلى ان عدم ابلاغ الاهل عن انتحار احد أفراد العائلة يعود الى الخجل غير المبرر بالإضافة الى عدم اعتراف شركات التأمين بدفع البدل المالي عن هذه الحالات، وهنا يجب معالجة المراحل التي تسبق ما قبل الوصول الى مرحلة الضيق والانتحار لأن الموضوع مركب ومعقد، مقترحة ادخال مادة المهارات الحياتية في المناهج التربوية لأهميتها في التعرف الى الذات وكيفية التواصل الفعال مع الآخرين والتربية على اتخاذ القرارات وسبل مواجهة الضغوط، ومادة المهارات الحياتية مادة اساسية في مناهج التعليم في العديد من دول الغرب.

الصلاة-على-نورهان-في-بلدتها-في-ظل-غياب-والدها 

خذ الحكمة من فقراء الرصيف

 

ينتهي التحقيق وفي قرارة ذاتنا يُمكن أن نكون قد وضعنا الاصبع على الجرح أو تمكنا من إلقاء الضوء على اكثر من مسألة حساسة لها علاقة بقضية الانتحار بشكل عام، ولكن هناك أمر آخر في غاية الاهمية استوقف الجميع ربما يتعلق بمتسوّل عجوز أراد ان يُعبر عن حزنه على السيدة السورية المتسوّلة التي قضت خلال تفجير زحلة الاخير، وعن غضبه لانتحار الشابة نورهان، حيث قال: <أليست جميع الاديان تحرم قتل النفس؟>، ليعود ويطرح سؤاله الثاني: <ماذا عن الذين يعتنقون هذه الاديان ويؤمنون بها، لكنهم يقومون بنحر الآخر بعبوات الموت والذبح بالسكين؟>.

 

الانتحار بالأرقام

 

تفيد إحصائيات صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وفقاً للدولية للمعلومات بأن عدد المنتحرين في لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة يوزّع على الشكل التالي: 111 منتحراً في عام 2013، ليرتفع الى 144 منتحراً عام 2014، لينخفض إلى 138 شخصاً عام 2015، ليعود ويسجّل 76 منتحراً منذ بداية العام 2016 وصولا إلى أول تموز/ يوليو الماضي. كل هذا يؤكد أن عمليات الانتحار في البلد، آخذة بالازدياد وتحديداً داخل المجتمعات التي تُعتبر فقيرة نوعاً ما، وهذا الامر يستدعي من الدولة القيام بواجباتها تجاه المواطن الموضوع بين خيارات موت متنوعة: اما بحادث سير، او عن طريق رصاص طائش، او عند ابواب المستشفيات وإما انتحاراً كما هو حال آمنة ونصري ونيكول ونورهان، وغيرهم كثيرين ظلت أسماؤهم مخفية خشية من الفضيحة.