بقلم صبحي منذر ياغي
نوادر وقصص وحكايات تحصل معنا في هذه الحياة بطريقة عفوية، نتذكرها بعد فترة من الزمن، فتبعث في داخلنا الفرح، وترسم البسمة على وجوهنا، تصبح ملجأنا كلما قررنا الهرب من واقعنا، ومن حاضرنا المؤلم.. وتظل قيمة هذه النوادر انها حصلت بعفوية، دون <رتوش> أو تعديل، او <فوتوشوب>!
الكمية...لا النوعية!
لنا صديق اشتهر بحبه ( للكمية) لا (النوعية)، فهو دائماً يخبرنا مثلاً، متباهياً وناصحاً، عن مطاعم يقصدها مع عائلته، وعن أسعارها الرخيصة، وأنك تأكل في هذا المطعم اللحوم، والسمك، والمازات، ومع مشروب.. وان الوجبة لا تكلف الشخص الواحد مثلاً 10 دولار ...فنضحك في سرنا ونسأل عن نوعية هذا الأكل الذي يتناوله هذا الصديق في هذا المطعم الرخيص..احد الأصدقاء وبعد ان استمع الى صاحبنا وأخباره عن المطاعم الرخيصة التي يقصدها، قرر ان يبلغ الوزير وائل ابو فاعور ان يراقبه، ويراقب المطاعم التي يرتادها، ليكتشف من خلال صاحبنا تلك المطاعم غير المطابقة للمواصفات، وأن يكون هذا الصاحب (الملطش) الذي من خلاله يصطاد الوزير هذه المطاعم ...
أنا والشرود
أكثر ما يعاني منه اولادي شرودي الدائم، خاصة خلال قيادة السيارة، فعندما اكون مثلاً في مهمة ايصال ابنتي (زويا) الى بيت احدى صديقاتها تكون المسكينة في حال استنفار، فلا تتوقف عن تنبيهي (انتبه على مهلك.. اول مفرق ما تشرد..وين رحت قطعت البناية!) اما ابني (نبيل) المسكين، فكم من مرة انتظرني على تقاطع الشوارع، فأمر من امامه، وهو يصرخ ويومىء لي، وأنا اسير دون ان انتبه، ودوماً يرن هاتفي بعدها (بابا وين رحت ما شفتني كنت جنب السيارة؟)... أذكر ذات يوم في زمن المراهقة، كنت في الصالون في بيت الاهل، وكان في زيارتهم احد الضيوف، عندما وقف الضيف يصافح الجميع مودعاً مترافقاً بعبارات <مع السلامة والله معك>، الا انا وعندما اقترب مني، ودون ان انتبه صافحته وقلت له (أهلاً وسهلاً، كيفك؟) فغرق الجميع في الضحك..اما المسكينة الاخرى احدى قريباتي، واعتبرها كابنتي، فكانت على علاقة حب مع (زوجها الحالي) خلال الدراسة الجامعية، وكانا على موعد غرام في احد الاماكن وينتظران <السرفيس>، واذا بي امر قربهما وألقي نظرة نحوهما، واكمل طريقي بالسيارة، فظنت انني شاهدتها وانزعجت من تصرفها، وقضت ليلتها على اعصابها، وهي في كل لحظة تنتظر ان اتصل بها، وان أوبخها من باب (الابوة)، بينما انا لليوم لا اتذكر انني رأيتها مع انها دوماً لا تصدق، وتؤكد لي انني نظرت اليها في ذلك اليوم، وأطلت النظر...كل ذلك بسيط عندما اتذكر مرة انني فتحت خزانة الاحذية، وانتعلت حذائي، وكنت متأخراً عن موعد الشغل، وأنا في عز العمل لاحظت ان كل فردة حذاء تختلف عن الأخرى ....
تلفزيون الاسود والأبيض
كان امتلاك جهاز التلفزيون في اواخر الستينات نادراً جداً، وكان المنزل الذي يوجد فيه مثل هذا الجهاز مقصد أهل الحي لحضور مسلسلات وبرامج تلك الايام التلفزيونية اللبنانية والاجنبية... والكل يتذكر تلفزيون الاسود والابيض الموضوع في صندوق خشبي له أربع قوائم، وكلكم حولتم هذا (الصندوق) فيما بعد الى خزانة للكتب أو الأحذية.... وبما اننا كنا نملك تلفزيوناً في تلك الفترة، كان منزلنا كل ليلة يشهد زواراً من الاصدقاء وأهل الحي يتابعون المصارعة الحرة، أو مسلسلات ابو ملحم، من يوم ليوم، ابو سليم، حمام الهنا..وتظل السهرة حتى ساعة متأخرة... حتى يرتفع العلم اللبناني ويصدح النشيد الوطني، ويقفل البث..فما كان من والدي الذي يكتب الشعر، ومن باب النكتة والمزاح، إلا أن كتب قصيدة من وحي هذه الأجواء، ونشرها يومئذ في مجلة (الجندي اللبناني)، قال فيها : بيتي عندي تلفزيون/ عرفني عألف زبون/ ما بيفضى لنو ساعة/ بيشبه سوق البياعة/ بينكبسوا بنص الصالون/ بضيفهم قهوة ودخان/ هيدي العادة يا اخوان/ عندي دزينة وفنجان/ ما بتكفي القاعد بلكون/ وطباع مراتي صعبة/ جبتلها طاسة رعبة/ بيعقدو الرقبة عالرقبة/ كأني موظف كرسون/ بنعس بالسهرة وبمل/ لحتى يشوفوني الكل/ قالولي لما منفل/ نحنا منطفي التلفزيون ...
الإنشاء.. ومثالية الطلاب
اعتبرت دوماً ان مادة الانشاء العربي وكتابة المواضيع هي المادة التي ينتحل الطالب من خلالها <شخصية المثالي> خاصة في المواضيع التي كنا نكتب فيها عن البيئة والفقراء والوطن والاحسان والتسامح والمحبة.... بحيث عندما تقرأ هذه المواضيع تحس أن كل الطلاب من طينة القديسين والمثاليين، بينما الكتابة أمر، والواقع أمر آخر. ولأن المواضيع تتطلب منا ان نصف شعورنا في نهاية الموضوع، أذكر قصة (ومن باب النكتة) ان طالباً كان يكتب موضوعاً عن رحلة الى الطبيعة مع أهله، وكيف قضوا نهاراً ممتعاً في أحضان البساتين، وقال في نهاية الموضوع: <وبينما كنا نلعب صعد شقيقي الى رأس الشجرة وفجأة سقط على الارض ومات، فدفناه وعدنا مسرورين>...