في ظلال ما يحدق بالبلاد من مخاوف مصدرها تنظيم <داعش> الذي فاق بوحشيته رموزاً للقتل والنهب والحرق والاعتداء على الأعراض مثل <هولاكو>، و<جنكيز خان>، و<نيرون> ومن لف لفهم، جاءت دعوة الرئيس تمام سلام الى احتفالية الذكرى الرابعة والتسعين لإنشاء دولة لبنان الكبير داخل السراي الحكومي في توقيتها المناسب للتأشير على الصف الاسلامي ــ المسيحي الواحد لبناء تلك الدولة بخريطة طريق من رئيس وزراء فرنسا <جورج كليمنصو> والبطريرك الياس الحويك، ومباشرة بالتنفيذ من المفوض السامي الفرنسي الجنرال <غورو> في قصر الصنوبر.
يومئذ كان مفتي البلاد هو الشيخ مصطفى نجا، وقاضي القضاة الشيخ محمد الكستي، وقد حضر الاثنان الاحتفال باسم المسلمين، وإن كان زعيم طرابلس عبد الحميد كرامي غير متحمس للحضور، والموالاة، لولا أن أقنعه أصدقاؤه السوريون مثل لطفي الحفار وسعد الله الجابري بالانضمام الى هذه الدولة فيما بعد، وبذلك اكتمل عقد المسلمين في الترحيب بالدولة الجديدة. وفي الصورة التذكارية داخل قصر الصنوبر جلس الجنرال <غورو>، وعلى يمينه البطريرك الياس الحويك، وعلى يساره المفتي الشيخ مصطفى نجا، وبين الزعماء المسيحيين كان هناك اميل اده وحبيب باشا السعد.
أراد الرئيس تمام سلام بهذه الاحتفالية أن ينبه بصورة غير مباشرة الى أن هذه الدولة التي ارتضاها المسلمون والمسيحيون عام 1920، تمر في مرحلة من الخطر الجسيم، و<نكون أو لا نكون> كما قال <وليم شكسبير>، وتتطلب تضافر جهود المسيحيين والمسلمين للحفاظ على بنيانها، ورفض كل شكل من أشكال التغيير فيها. ومما قاله الرئيس سلام في هذه الاحتفالية بعد كلمة السيدة بهية الحريري، والمطران بولس مطر: <إن الاخفاق في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، وأولها انتخاب رئيس للجمهورية هو التعبير الأوضح عن الوضع غير السليم الذي تكتسب معالجته أهمية مضاعفة في ضوء موجة العنف والتطرف الهائلة التي تجتاح المنطقة وتضرب كياناتها السياسية وتركيبة مجتمعاتها>.
والخطر على لبنان جزء من الخطر على المنطقة سواء بسواء، ونابع من عاملين رئيسيين: الأول خطة <داعش> لإلغاء الحدود بين العراق وسوريا وصولاً الى الأردن ولبنان، أي الاطاحة باتفاقية <سايكس بيكو>، والثاني هذا الصمت المريب للدول الكبرى في العالم حيال هذا المخطط، وعدم استنفار قواها العسكرية والديبلوماسية لتعطيل لعبة تغيير خرائط المنطقة. وليس المطلوب طائرات تقصف من الجو تجمعات <داعش>، بقدر ما المطلوب دعوة مجلس الأمن الى الانعقاد لحسم الآفة الممثلة في <داعش>، خصوصاً وأن الروس والصينيين أعلنوا موقفهم ضد الارهاب الممثل في <داعش> وأخواتها.
<داعش> وملف الموقوفين!
ولئن كان ذبح الصحافي الأميركي <جيمس فولي> بسكين <داعش> هو ناقوس الخطر الأول، فإن ذبح العسكري اللبناني علي السيد ابن بلدة فنيدق في عكار، هو الناقوس الثاني، خصوصاً وأن التنظيم يهدد بذبح عسكري لبناني ثانٍ من بين العسكر المخطوفين إذا لم تستجب الدولة اللبنانية لمطالبه، وأولها الافراج عن الاسلاميين المعتقلين في سجن رومية. وهذا الطلب بحد ذاته يهدد الكيان القضائي للدولة. صحيح ان المحابيس الاسلاميين في سجن رومية لم يصدر بحقهم أي حكم، وأنهم محتجزون على ذمة التحقيق، إلا أن الافراج عنهم يحتاج الى سياق قضائي، ولا يتم هكذا بشحطة قلم. كما يؤشر هذا المأزق الى خطأ التأخر القضائي في بت ملف هؤلاء الموقوفين منذ أكثر من سنة، وهذا يتطلب من وزير العدل اللواء أشرف ريفي ورئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد، مراجعة جذرية لمسيرة القضاء.
وليس من حق أحد أن يلوم أهالي الجنود ورجال الأمن المخطوفين عند <داعش> و<جبهة النصرة>، إذا عمدوا الى قطع الطرقات وتعطيل المرور، فالجرح عادة لا يدمي إلا صاحبه، ومعذورة الأم التي تصرخ على شاشة التلفزيون خوفاً على ولدها المخطوف، أو الزوجة الملتاعة لغياب معيلها وشريك حياتها، ولكن ماذا يستطيع الرئيس تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش جان قهوجي أن يفعلوا؟! السبيل الوحيد الى معالجة هذا المأزق، أو الملف الشائك، هو الاعتماد على همة هيئة العلماء التي لها خطوط تواصل مع <جبهة النصرة>، ولكن إذا جرى ذبح جندي آخر غير علي السيد، فستكبر المشكلة وتستعصي على أي حل.
والخوف الآن ليس من ذبح جديد فقط، بل من هجوم جحافل من <داعش> على عرسال مرة أخرى لاحتلالها بصورة دائمة، واتخاذها قاعدة للتنظيم في تنفيذ المخططات التي أعدها. وهنا يبرز دور الجيش اللبناني بأسلحته الحديثة التي تسلمها في مطار بيروت من الادارة الأميركية، وتملك القدرة بصواريخها ومدافعها على تفتيت جموع من المسلحين، كما يبرز دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في صد الهجوم الداعشي بالطيران، مثلما الحال الآن في العراق، وهذا يتطلب أن تحلق الطائرات الأميركية في الأجواء السورية. فهل يكون ذلك هو المشهد الآتي في سماء سوريا، وبقبول من النظام السوري؟!
طيران أميركي فوق سوريا
وحين يعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم استعداد النظام السوري لمد اليد الى كل من يساهم معه في صد هجمة الارهاب، فهذا يعني ضوءاً أخضر من الدولة السورية لطيران أميركي يحلق في الأجواء السورية، بالتنسيق مع وزارة الدفاع السورية.
كما ان المباشرة في تسليم السلاح الفرنسي الممول من جانب المملكة العربية السعودية للجيش اللبناني، بعد اجتماع ولي عهد السعودية ووزير دفاعها الأمير سلمان بن عبد العزيز مساء الأحد الماضي مع الرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> في قصر <الإليزيه> وفتحهما ملف المساعدات العسكرية للبنان، يهيئ الجيش اللبناني لتسلم الدفعة الأولى من صفقة السلاح الفرنسية، ويفتح له كل سبل الانقضاض على مقاتلي <داعش> وردهم على أعقابهم. وهذا هو المأمول، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
على أن الخطط الأمنية لا تكفي وحدها، بل يجب أن تتعزز بالخطط الدستورية، وهذا يستدعي نزع الألغام من طريق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يتفق عليه سواد اللبنانيين، ولا يشكل استفزازاً أو تحدياً لأي فريق، ولكن الطريق مقفل، بحكم فقدان النصاب البرلماني مرة أخرى صباح الثلاثاء الماضي وسقوط كل احتمال لولادة رئيس جمهورية جديد. وستبقى أوصال الدولة مخلخلة حتى يتم انتخاب رئيس. وأخبار طهران تقول إن وزير الخارجية الإيراني <محمد جواد ظريف> سيطلب موعداً لزيارة المملكة العربية السعودية. وعندما يجتمع وزير الخارجية الإيراني <ظريف> مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بعد اجتماع الأخير بوكيل الوزارة الإيراني عبد اللهيان، فذلك يعني أن حزب الله أصبح مستعداً لفتح الطريق الى قصر بعبدا، وأن تيار <المستقبل> وبالتالي فريق 14 آذار أصبحا جاهزين لانتخاب رئيس جديد.
اسألوا الرئيس بري
ولأن أيلول في طرفه مبلول، كما يقول المثل الشعبي، فثمة مؤشرات الى أن شهر أيلول (سبتمبر) لن ينقضي إلا ويكون هناك جليس جديد في كرسي الرئاسة داخل قصر بعبدا. والضباب حتى الآن يكتنف لائحة الأسماء المرشحة لهذا الكرسي، وهي العماد جان قهوجي من العسكريين، ومع قيام مجلس النواب بتعديل الدستور على نحو يسمح بمجيئه، ثم حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة صاحب الحضور العالمي في صندوق النقد الدولي، والمصرف المركزي الأميركي، ومصارف أوروبا المركزية، والوزير السابق جان عبيد، والوزير بطرس حرب (إذا انسحب له الدكتور سمير جعجع المرشح باسم قوى 14 آذار)، وزياد بارود (يدعم ترشيحه الرئيس السابق ميشال سليمان)، والرئيس أمين الجميّل والنائب سليمان فرنجية.
فعلى أي اسم ستستقر طابة <الروليت>؟
اسألوا الرئيس نبيه بري كاتم الأسرار والمحتفظ في جيبه باسم الرئيس... الآتي!