تفاصيل الخبر

نهر الليطاني مريض بالتلوث وإنقاذه متروك للخبراء وأهل السياسة!

04/11/2016
نهر الليطاني مريض بالتلوث وإنقاذه متروك للخبراء وأهل السياسة!

نهر الليطاني مريض بالتلوث وإنقاذه متروك للخبراء وأهل السياسة!

 

بقلم طوني بشارة

جاسم-عجاقة-----6

لطالما اعتبر نهر الليطاني النهر الأطول والأكبر في لبنان، اذ يبلغ طوله 170 كلم، وقدرته المائية تبلغ تقريباً 750 مليون م3 سنوياً، حيث أقيمت عليه المشاريع والدراسات للاستفادة منه في إنتاج الطاقة الكهرومائية وتأمين مياه الري والشرب للبقاع والجنوب والساحل بهدف تنمية القطاع الزراعي والكهربائي، وللحد من النزوح والهجرة، واللافت ايضا ان حوضه يحتل المرتبة الأولى من حيث المساحة (2175 كيلومتراً مربعاً) أي حوالى 20 بالمئة من مساحة لبنان، يقع 80 بالمئة منها في سهل البقاع و20 بالمئة في لبنان الجنوبي، ومتوسط هبوط الأمطار في هذا الحوض يبلغ 700 مليمتر في السنة أي حوالى 764 مليون م3، تتوزع على الشكل التالي: 543 مليون م3 في سد القرعون و221 مليون م3 في باقي السدود، وكميات المياه التي يصرّفها الحوض تعادل 24 بالمئة من المتساقطات الصافية على مجمل الأراضي اللبنانية، وهذه الكمية تمثل أكثر من 40 بالمئة من مجموع كمية المياه الجارية في الأنهر الداخلية.

لكن بالرغم من ذلك فقد تعرضت وتتعرض يومياً مياه نهر الليطاني للعديد من الملوثات، كتلك الناتجة بشكل رئيسي عن المصانع، وكذلك النيترات والفوسفات الناتجة أساساً عن النشاط الزراعي، أما الملوث الرئيسي فيبقى مياه الصرف الصحي المنزلي الذي يصرف في مياه نهر الليطاني بدون حسيب أو رقيب.

ملوثات عديدة ادت إلى إختفاء المروج الخضراء والمياه العذبة وأفياء الصفصاف على ضفتي النهر، فلم تعد مقصداً لطالبي الراحة والإستجمام في ذلك السهل الذي كان يوما مقصداً لهواة الصيد، إذ أن حوض الليطاني كان شبه محمية لكثيرٍ من أنواع الطيور التي انقرضت جراء التلوث البيئي.

بحيرة القرعون والتلوث

ليطاني---LLL

حتى أن بحيرة القرعون التي أنشئت مع إنشاء السد بسعة تخزينية حوالى 200 مليون متر مكعب من مياه النهر أصبحت بيئة حاضنة للعديد من الملوثات والبكتيريا الضارة الموجودة بكثرة في مياه الصرف الصحي المنزلي، كما أن المطاعم والمنتزهات المنتشرة على جوانب البحيرة والتي كانت تغص بالمرتادين إليها، أصبحت اليوم خالية.

ملوثات عديدة تعرضت لها مياه الليطاني، تلك المياه التي تتمتع بأهمية كبرى حيث تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية في المعامل الكهربائية الثلاثة: مركبا، الأولي وجون التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وفي ري ما يزيد عن 1400 هكتار من أراضي سهل البقاع الزراعية وحوالى 36 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في الجنوب اللبناني، وكما بات معلوماً فإن الري بالمياه الملوثة يؤدي حكما إلى تلوث الغذاء وإلحاق الضرر الكبير بالأشخاص الذين يتناولون هذا الغذاء.

 اضرار صحية عديدة نتجت عن هذا التلوث وترافقت مع اعتراضات شعبية وسياسية متعددة من اجل معالجة هذه المشكلة، اعتراضات قابلتها وعود بإيجاد حلول، البعض وصفها بالجذرية والبعض الاخر بالمؤقتة، وكان اخرها اعلان الحكومة الحالية عن رصدها مبلغاً من المال او اقرارها ما يسمى <اعتمادات الليطاني> بغية البدء بتنظيف هذا النهر... ولكن هذا القرار كان موضع جدل ونقاش سياسي بإمتياز، فهل يطبق بحذافيره؟ وهل ان اقرار الاعتمادات دون خطة عملية يوقف الكارثة؟

عاصم عراجي: تلوث البقاع كارثة تعني الجميع

 

النائب عاصم عراجي علق على قرار الاعتمادات قائلاً: <ما جرى هو إنجاز مهمّ وضروري، خاصة أنّ مشكلة التلوّث في البقاع هي كارثة وطنية لا تعني فئة معينة من السياسيين أو المواطنين دون أخرى، فالجميع يعاني من الأمراض والأوبئة الناتجة عنها، وقد كشفت الدراسات التي أجريت على النهر أرقاماً مخيفة لنسبة التلوّث، وأظهرت الفحوص أنّ نسبة الرصاص في البقدونس، على سبيل المثال، هي ضعف النسبة المعتمدة عالمياً 21 مرة، ومن المعروف أنّ الرصاص سبب أساسي لمرض السرطان، بالإضافة إلى الزئبق وغيره من المواد السامة، ما يشكل خطراً كبيراً على صحة الناس وسلامة غذائهم، ونحن نعلم أنّ المزروعات تُروى من مياه النهر>.

وأضاف عراجي: <لم يعد هناك نهر بل مجرور للصرف الصحي ونفايات المصانع والمستشفيات، إضافة إلى التلوّث الكيميائي بسبب الأسمدة ووجود خيم للنازحين على ضفاف النهر بحيث يشكل الصرف الصحي 85 بالمئة من تلوّث النهر أما التلوث الصناعي، الذي يُعتبر الأخطر، فهو يشكل 15 بالمئة>.

وختم عراجي: <على السلطة التنفيذية أن تنفذ القرارات، والسقف الزمني المحدّد هو سبع سنوات، ومهمّتنا أن نسرّع تنفيذ برنامج القانون الذي وضعناه وقدّمناه لمجلس النواب لوقف هذه الكارثة>.

علي-فياض------4 

المقداد ومراحل تنظيف الليطاني

 

اما النائب علي المقداد فاعتبر ان اقرار اقتراحي القانون لمعالجة مشكلة تلوث نهر وحوض الليطاني اللذين أقرا في الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب هو بمنزلة انجاز تاريخي حيث انطلقت الحملة الوطنية لتنظيف الليطاني المكونة من مراحل عدة، الأولى عند مجرى نبع العليق وامتدادا على طول مجرى النهر، والتي تتضمن التنظيف اليدوي للمجرى بمساعدة البلديات والجمعيات الاهلية والكشفية، تتبعها المرحلة الثانية بمنع رمي أو تصريف أي مواد ملوثة على مجرى النهر، أما المرحلة الثالثة فهي تتضمن إنشاء البنى التحتية من معامل تكرير وانجاز شبكات الصرف الصحي.

وتابع المقداد: <يجب ألا ننسى أن نبع اليمونة يجب أن يكون مشمولا بهذه الحملة، لأن ثمة روافد من مياه اليمونة تصب في مجرى نهر الليطاني>.

كما طالب المقداد جميع المعنيين <من بلديات وصناعيين وأصحاب مزارع ومؤسسات ومزارعين التقيد بتعليمات هذه الحملة، لأنها مشروع وطني بامتياز وتهم كل مواطن>.

فياض: كل اللبنانيين شاركوا وسيشاركون في تنظيف الليطاني

بدوره، لفت النائب علي فياض إلى أن الحملة الوطنية لحماية الحوض التي دعا اليها الرئيس تمام سلام بالتعاون مع الرئيس نبيه بري ورعايته، قد نجحت لانها شكلت يوما وطنيا توافقيا حقيقيا، فاللبنانيون من مختلف المناطق والطوائف والقوى السياسية شاركوا بتنظيف النهر، والتجمعات البشرية التي كانت في منطقة الخردلي امتدت على طول مجرى النهر اي بطول 170 كلم من نبع العليق الى مصب النهر في القاسمية.

وتابع فياض: <صحيح انه كانت هناك نقاط تجمع اساسية كبرى، الا انه حتى في المناطق التي لا يمكن للسيارات ان تصل إليها، كان هناك مواطنون يعملون رغم المخاطر والقنابل العنقودية. ما حصل هو سلسلة من مجموعة نشاطات ستستمر>.

ندى-زعرور--(1)-------5فياض والمراحل المقبلة للتنظيف

 

وأضاف فياض: <الايام المقبلة ستشهد مزيدا من الانشطة التي تتعلق بإقفال كل المجارير على النهر من قبل المنتزهات، والعمل على اقفال المجاري الصناعية في البقاع، وصولاً الى الاعلان في زحلة عن بدء تشغيل محطة تكرير زحلة التي تغطي 20 بالمئة من المشكلة في البقاع، وسيتوج كل ذلك بالعمل على قانونين يحولان الى المجلس النيابي، وهما تشديد العقوبات على من يتعدى على النهر وتطوير هيكلية مصلحة الليطاني كي تتحول الى الهيئة الوطنية لحماية الحوض، وسنسعى إلى أن يكون هناك شرطة نهرية>.

 

قاسم هاشم وتكامل المجتمع المدني مع المستوى الرسمي

وبدوره، رأى النائب قاسم هاشم أن هذه الحملة الوطنية هي فعل وطني وتأكيد على التضامن الوطني بين كل مكونات الوطن، على مستوى المجتمع المدني، الذي لا بد وان يتكامل مع المستوى الرسمي من اجل البيئة السليمة وبيئة الانسان ومن اجل جمال لبنان.

وشدد قاسم على <أهمية المحافظة على هذه الثروة، بخاصة بعدما تبين حجم التلوث الذي اصاب الليطاني، ونظراً لأهمية الليطاني في تاريخ لبنان ومستقبله، مما يستدعي الاستنفار الوطني للتأكيد على ان كل اللبنانيين، رغم كل ازماتهم، قادرون على تجاوزها عندما تتضافر جهودهم>.

وختم هاشم:

- بدء الحملة هو فعلاً تأكيد على ما يمكن أن ينتظرنا اذا ما تلمسنا الخطر الذي يطالنا من اي جهة من الجهات، هذه المبادرة هي بادرة أمل وتفاؤل بان مستقبل لبنان واعد.

كما يبدو فإن مواقف السياسيين نوعاً ما متشابهة، فما هو موقف الجمعيات البيئية ومن ضمنها <حزب الخضر>؟

علي-المقداد-------3  

زعرور: لمعالجة الأسباب أولاً

في مقابل التطمينات من الجهات السياسية، قالت رئيسة <حزب الخضر> ندى زعرور: <لدينا تخوّف لأنّ المعالجة تتمّ تحت ظروف ضاغطة، وما كنا نطالب به ولا نزال هو أن تتمّ معاقبة ملوّثي مجرى النهر وقد باتت الشركات وأصحاب المرامل والكسارات والمصانع معروفين بالاسم>.

زعرور وغياب اي خطة لمعالجة مصدر التلوث

وأضافت زعرور: <للأسف، حتى الآن لم نلحظ أيّ خطة لمعالجة مصادر وأسباب هذا التلوّث، ونخشى أن تُصرف هذه الأموال على التنظيف والتعزيل فقط وإهمال معالجة الأسباب الحقيقية، فنحن لم نلحظ خططاً لإنشاء شبكات صرف صحي وإجراءات لحماية ضفاف النهر من التعديات، مثل وقف الكسارات عن العمل وكذلك المرامل غير المرخصة الموجودة في محيط منطقة النهر والتي تغسل رمولها في النهر عن العمل، وإنشاء محطات تكرير للبلديات لكي لا تحوّل مياه الصرف الصحي إلى النهر، واتخاذ إجراءات في حقّ المصانع والمستشفيات التي ترمي مخلفاتها فيه، ومنع رش المبيدات عشوائياً.

واستطردت زعرور:

- الأخطر من كلّ ذلك أنه لم يتمّ توقيف أحد من أصحاب الكسارات أو المرامل، فهم يعالجون التلوّث كنتيجة ويغفلون عن الأسباب الحقيقية، ومن جهة أخرى، هذه الأموال التي ستصرف على تنظيف النهر ليست هبات بل هي قروض سيدفعها اللبنانيون، وقد لاحظنا أنّ هناك أرقاماً كبيرة قد رُصدت لحلّ هذه المشكلة لكنّ طريقة صرفها غير واضحة.

وختمت زعرور:

- نعوّل على دور المجتمع المدني في مواكبة تنفيذ خطة أو مشروع مكافحة التلوّث في الليطاني وفي ردع المخالفين وتوعية المواطنين، والضغط على البلديات ومتابعة آلية العمل على الأرض من قبل أهالي المنطقة الذين يتأثرون بهذا التلوّث.

عجاقة وخطوة الدولة الناقصة

عاصم-عراجي------2

اما البروفيسور جاسم عجاقة فوصف الخطوة التي اتخذتها الدولة في ما يتعلق بالليطاني بالخطوة الناقصة اذ تم حصر مشكلة المياه في لبنان بالليطاني فقط ولم يتم النظر الى نهر الكلب مثلاً او الى بحيرة القرعون، وشدد عجاقة على انه جوهريا مع تنظيف الليطاني ولكن التكلفة يجب ان تقع على عاتق من لوث الليطاني، إذ بات معروفا وبالاسماء اصحاب المصانع والمعامل التي لوثت وتلوث نهر الليطاني، فلماذا لا يتم الزام هذه المصانع بدفع تكاليف التنظيف، فمبلغ 840 مليون دولار مبلغ كبير جدا وهو مبلغ يمكن من خلاله بناء جسر على سبيل المثال ما بين طبرجا وبيروت مما يوفر ملياري دولار خسارة على الاقتصاد اللبناني.

 

عجاقة: بات معروفاً وبالاسماء من يلوث المياه

 

وأردف عجاقة قائلاً: كما الليطاني فإن القرعون ايضا تعاني من المشكلة نفسها والمسبب واحد المصانع المحمية تحت ما يمكن تسميته بـ<المظلات السياسية>.

وفي السياق ذاته تساءل عجاقة: من سيمنع هذه المعامل من اعادة التلويث من جديد بعد الانتهاء من التنظيف؟ بالطبع لا احد على اعتبار انه ما من رادع لمنع التلوث، وهناك تساؤل آخر: هل هناك من يراقب عملية التنظيف؟

وختم عجاقة حديثه بالقول: التكلفة مبالغ بها نوعا ما من الناحية الكيميائية، ولكن في حال كان هناك اشعاعات نووية داخل مياه الليطاني ولم يتم التكلم عنها عندئذ تصبح التكلفة مبررة.

ختاماً لا بد من التساؤل: هل ان اقرار اعتمادات الليطاني دون آلية تنفيذ ودون حلول موضوعية مدروسة كفيل بحل مشكلة تلوث الليطاني؟ فاللبنانيون باتوا ينتظرون حلولاً عملية علها توقف الكارثة!.