تفاصيل الخبر

نجاح إجراءات منع التهريب عبر الحدود مرهون بتفعيل التواصل السياسي مع سوريا !

20/05/2020
نجاح إجراءات منع التهريب عبر الحدود مرهون بتفعيل التواصل السياسي مع سوريا !

نجاح إجراءات منع التهريب عبر الحدود مرهون بتفعيل التواصل السياسي مع سوريا !

[caption id="attachment_78038" align="alignleft" width="434"] مجلس الوزراء يقرر ضبط الحدود ومصادرة شاحنات وصهاريج التهريب.[/caption]

 كثيرة هي الأسباب التي أدت الى تراجع مداخيل الدولة اللبنانية التي تواجه أزمة مالية واقتصادية حادة جعلتها تلجأ الى صندوق النقد الدولي للاستعانة به على سد ثغرات ولو قليلة في نظامها المالي كي تتمكن من الصمود ومواجهة الانهيار المالي والاقتصادي الذي يتهددها. ولعل أبرز هذه الأسباب تصاعد عمليات التهريب عبر الحدود اللبنانية ــ السورية المفتوحة والتي تعبر من خلالها يومياً قوافل تهريب النفط والغاز والطحين وما تيسر من المواد التي تدعمها الدولة اللبنانية مادياً فتخسر مرتين، الأولى ثمن البضائع المهربة في حافلات أو صهاريج أو شاحنات، والثانية مبالغ الدعم التي توفرها الدولة لهذه المواد الأساسية والضرورية في حياة اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية. ويبدو أن الدولة اللبنانية قررت، نتيجة الظروف القاسية التي تعيشها اقتصادياً ومالياً، مواجهة المهربين وما يقومون به عبر الحدود في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ فترة بعيدة، فقررت اتخاذ اجراءات لمنع التهريب أقرها المجلس الأعلى للدفاع  في جلسة الأسبوع الماضي وطلب من القوى الأمنية والعسكرية والجمركية تنفيذها ميدانياً مهما كان الثمن وصولاً الى حد مصادرة الآليات التي تستع

مل في عمليات التهريب وتوقيف المهربين والجهات التي تدعمهم وتيسر لهم عملهم.

 أول هذه التدابير إقفال المعابر غير الشرعية المنتشرة على طول الحدود اللبنانية ــ السورية والتي يربو عددها عن 15 معبراً من الحدود الشرقية الى الحدود الشمالية حيث يفترض أن تتولى أفواج الحدود البرية في الجيش اللبناني تنفيذ هذه المهمة بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي والجمارك، وكل القوى العسكرية التي توجد على الأرض، مع العلم بأن أعداد العسكريين والأمنيين لا تكفي لتغطية هذه الحدود على رغم بناء أبراج عالية للمراقبة يزيد عددها عن 39 برجاً على الحدود الشرقية، إضافة الى 9 أبراج على الحدود الشمالية. وهذه الأبراج بنيت بإشراف الحكومة البريطانية التي تولت تجهيزها وتقديمها للدولة اللبنانية منذ مرحلة مواجهة الارهابيين على الحدود ومعركة "فجر الجرود" التي انتهت بطرد هؤلاء الإرهابيين وتحرير الحدود. إلا أن الصعوبات التي تواجه القوى العسكرية، لا تقتصر فقط على اتساع مساحة هذه الحدود بل أيضاً على تداخلها مع الأراضي السورية، الأمر الذي حرّك المطالبة بفتح قنوات التواصل مع الدولة السورية لمساعدة لبنان على ضبط التهريب من الحدود، وهو أمر لا يزال يلقى معارضة سياسية على أساس أن أي حوار أمني مع المسؤولين السوريين يفتح الباب أمام حوار سياسي لم تتضح ظروفه بعد. ولعل هذا الواقع هو الذي دفع بالمجتمعين في قصر بعبدا في المجلس الأعلى للدفاع الى عدم التطرق الى مسألة التنسيق مع سوريا التي يطالب بها العديد من السياسيين وأبرزهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والاكتفاء بالاجراءات التي تقرر اتخاذها مع الاستمرار ضمناً في التنسيق الأمني، وليس السياسي، خصوصاً إذا ما تقرر إستحداث معابر حدودية جديدة في منطقة التهريب الممتدة من حوش السيد علي الى وادي فيسان والواقعة بين الهرمل ووادي خالد في منطقة عكار.

قرار سياسي وإجراءات ميدانية!

[caption id="attachment_78039" align="alignleft" width="430"] المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يكثف تفعيل التواصل الأمني مع المسؤولين السوريين[/caption]

 القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة وكرسته في مجلس الوزراء الذي تلا اجتماع مجلس الدفاع الأعلى يفرض عملياً رفع الغطاء السياسي عن المهربين المعروفين بالأسماء والمواقع والمعابر وهو أمر قد يبدو صعباً في بلد مثل لبنان حيث تلعب الاعتبارات الطائفية والمحميات السياسية والحزبية دوراً أساسياً، لكن اتخاذه لايكفي فقط، بل يحتاج الى تنفيذ، وهذا ما أشارت إليه القيادات الأمنية التي أبدت استعداداً لتشديد المراقبة على المعابر الشرعية، واغلاق المعابر غير الشرعية، لكنها ترى أنه تدبير غير كاف إذا لم ترفع يد السياسيين عن المهربين الذين أقاموا "دويلات" ضمن الدولة واستفادوا من طول المنطقة الحدودية المتداخلة مع الأراضي السورية بطول يزيد عن 33 كيلومتراً حيث معابر التهريب المتزايد مع الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة. وفيما تدرس الدولة إمكانية استحداث أكثر من معبر شرعي يضم الأمن العام والجمارك بحماية قوى الجيش، فإن موافقة السلطات السورية للقيام بخطوات مماثلة من ناحية الحدود السورية، تبقى ضرورية لاتخاذ إجراءات تضبط عمليات العبور وتحد تدريجاً من أعمال التهريب خصوصاً في الأماكن التي تتداخل فيها الحدود والتي فرضت أن يعيش لبنانيون في أراض سورية، أو أن تقام منشآت ومنازل على هذه الأماكن، قسم منها في الأراضي اللبنانية، والقسم الآخر في الأراضي السورية!

ويقول وزير شارك في أعمال مجلس الوزراء ومجلس الدفاع على حد سواء، إن الجيش جاهز لتنفيذ الاجراءات التي اتفق عليها لكن من غير المنطق أن يتولى هو وحده عملية ضبط التهريب عبر الحدود لأن القوى الأمنية الأخرى وبعض الادارات مسوؤلة أيضاً عن تجفيف المنابع التي يتغذى منها العدد الأكبر من المهربين، فضلاً عن امكانية ضبط المسالك التي تتبعها الشاحنات والصهاريج المهربة من خلال عمل مشترك بين الجمارك وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، فضلاً عن وزارتي الاقتصاد والطاقة للتدقيق في طلبات الحصول على مادتي المازوت والطحين للتأكد ما إذا كان طلب التجار من هاتين المادتين يفوق الاستهلاك المحلي، إذ تبين أن استهلاك المازوت مثلاً ارتفع بأكثر من مليون ليتر عن استهلاك السنة الماضية ما يعني أن الكميات الاضافية يجري تهريبها الى سوريا، حتى إن هذه المادة إما غير متوافرة بشكل كاف للاستهلاك السوري، أو أن أسعارها تفوق بكثير الأسعار في لبنان فيتم شراء طن المازوت في لبنان بسعر متدن عن السعر في سوريا والفارق يبلغ نحو 3 آلاف دولار للطن الواحد. أما الطحين الذي يهرب أيضاً عبر المعابر غير الشرعية، فإن أسعاره تختلف في سوريا عما في لبنان ما جعله مادة مفيدة للتهريب لأن مدخوله يتزايد يوماً بعد يوم، علماً أن الدولة تدعم هذه المادة كي يكون سعرها متدنياً في لبنان.

مصادرة السلع والشاحنات!

[caption id="attachment_78040" align="alignleft" width="349"] السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي يبدي استعداد بلاده للمساهمة في وقف عمليات التهريب من سوريا.[/caption]

 وتكشف مصادر أمنية أن قرار مجلس الوزراء الذي أعطى القوى العسكرية والأمنية صلاحية مصادرة السلع المهربة عبر الحدود مع الآليات والشاحنات المستعملة في عمليات التهريب، أعطى دفعاً كبيراً على مستوى محاربة التهريب لأن إعطاء تلك الأجهزة أداة لقمع التهريب يردع العدد الأكبر من المهربين. صحيح أنه قبل صدور قرار المصادرة، كانت تتم مصادرة السلع المهربة، لكن لم تعط الأجهزة الأمنية والعسكرية صلاحية توقيف المهرب. والجديد في هذا السياق تحويل التهريب الى جناية وكل من يضبط  بالجرم المشهود يتم توقيفه، وتم تحصين الغطاء القانون من خلال اعتبار عمليات التهريب خاضعة لقانون مكافحة تبييض الأموال الذي ينص على إجراءات وعقوبات أشد قساوة من القانون العادي. إلا أن الامكانات تبقى ضئيلة وتحتاج الى المزيد من العسكريين لتنفيذ انتشار مميز على طول الحدود، على رغم أن الجيش اتخذ تدابير جديدة واستحدث نقاطاً عسكرية جديدة لمنع التهريب على مسالك محلة المشرفة ــ القصر عند معبر معروف باسم تلال قبش وحرف السماقة، كما أزال ثلاثة جسور حدودية تستعمل للتهريب في محلة حوش السيد علي. إلا أن تلك المعالجات، حسب المصادر العسكرية المعنية، لا تكفي لاقفال كل المعابر لاسيما وأن الحدود مع سوريا شاسعة وعديد الجيش مع أبراج المراقبة المشيدة، لا يكفي لتأمين الحدود والسيطرة على كل المنافذ. من هنا كانت اقتراحات بمواكبة الشاحنات والصهاريج من أماكن تسلم الطحين والمواد الغذائية والمحروقات من بداية تحميلها في المصدر، حتى الوصول الى أماكن توجهها، بحيث يكون أصحاب الصهاريج والشاحنات تحت طائلة الملاحقة والتوقيف إذا لم تذهب الحمولة الى وجهتها الفعلية.

 إلا أن ثمة من يؤكد بأن الشبهات تحوم حول قيام عناصر أمنية من أكثر من جهاز أمني أو عسكري بتسهيل عمليات التهريب لقاء رشى أو شراكة في العملية، الأمر الذي يفرض اتخاذ اجراءات مسلكية بحق المخالفين والمرتشين ومحاسبتهم، مع اقرار المعنيين بأن تلك التدابير المسلكية لا تؤدي الى ضبط عمليات التهريب واقفال الحدود غير الشرعية لتسهيل عمليات المراقبة، ما لم يتم تفعيل التنسيق الأمني بشكل واسع مع الجانب السوري لاسيما وأن "العدو" واحد وهو التهريب الذي يقف خلفه مستفيدون وشركاء وأمنيون شركاء في أعمال تهريب تحرم خزينة الدولتين من المليارات من الايرادات.

 ويبدو أن مسألة التنسيق مع سوريا ستبقى صعبة التنفيذ وإن كانت الاتصالات الأمنية بين البلدين غير مقطوعة ويتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي كثف تفعيل التواصل الأمني مع المسؤولين السوريين بهدف إنجاح التدابير المتخذة على الحدود لضبط عمليات التهريب، مع الإشارة الى أن ردود الفعل السورية الأولية على الاجراءات اللبنانية أتت ايجابية، وعبر السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي عن استعداد بلاده للمساهمة في وقف عمليات التهريب من سوريا وإليها لأن ثمة مصلحة مشتركة لنجاح الاجراءات الأمنية خصوصاً عبر الحدود الواسعة والسهول والمعابر الوعرة. وفي تقدير مراجع معنية أن نجاح التنسيق الأمني اللبناني ــ السوري ينعكس ايجاباً على البلدين، إلا أن لا مجال للتهرب من التواصل السياسي الذي تتمسك دمشق بحصوله، ويمتنع لبنان عن القيام به لأسباب داخلية معروفة. وترى هذه المراجع أن هذه المسألة لن تدوم طويلاً لأن المصالح المشتركة بين البلدين ستفرض حصول تطور نوعي في العلاقة اللبنانية ــ السورية لاسيما وأن الظروف الاقليمية في تغيير دائم، والانفتاح العربي يتقدم تدريجاً من دول بعيدة جغرافياً عن سوريا، فكيف والحدود اللبنانية ــ السورية متداخلة، والمصالح المشتركة كثيرة؟