تفاصيل الخبر

”نَفَسْ“ جديد في إدارة جلسات مجلس الوزراء: استعـــادة الصلاحيــــات مــا قبـــل ”اتفـــــاق الطائــــــف“ أم تطبـيــق كامل للمادتيــــن 49 و50 مــن الدستـــور؟!

08/03/2019
”نَفَسْ“ جديد في إدارة جلسات مجلس الوزراء: استعـــادة الصلاحيــــات مــا قبـــل ”اتفـــــاق الطائــــــف“  أم تطبـيــق كامل للمادتيــــن 49 و50 مــن الدستـــور؟!

”نَفَسْ“ جديد في إدارة جلسات مجلس الوزراء: استعـــادة الصلاحيــــات مــا قبـــل ”اتفـــــاق الطائــــــف“ أم تطبـيــق كامل للمادتيــــن 49 و50 مــن الدستـــور؟!

<النَّفَسْ> الجديد الذي ستدار فيه جلسات مجلس الوزراء، والذي أشارت اليه <الأفكار> في عدد سابق، لن يقتصر فقط على إعطاء الأولوية في النقاش في كل جلسة للمواضيع المدرجة على جدول الأعمال، على أن تُثار المواضيع السياسية بعد الانتهاء من الجدول، بل على ممارسة الحكم من خلال مجلس الوزراء الذي لن تكون جلساته <روتينية> بعد اليوم، بل ستحمل كل جلسة <مفاجآت> مختلفة عن الجلسات السابقة. هذا التوجه الذي <دشنه> رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الجلسة الأولى للحكومة بعد نيلها الثقة النيابية خلال طرحه موضوع النازحين السوريين وضرورة عودتهم <الآمنة> الى ديارهم انطلاقاً من مصلحة لبنان العليا التي قال الرئيس عون انه مؤتمن عليها بحكم الدستور، أثار <مخاوف> مرجعيات سياسية رأت فيه إشارات الى أن رئيس الجمهورية أراد أن يرسم <اطاراً> جديداً لصلاحياته ومبادئ <اتفاق الطائف> ونصوص الدستور، بعدما اعتبر أن الحكومة الحريرية الثانية في عهده هي عملياً <حكومة العهد الأولى>، وبالتالي فإن نمط إدارته لجلساتها - عندما تنعقد في قصر بعبدا على الأقل - سيختلف قياساً على الماضي، خصوصاً أن العهد بدأ سنته الثالثة ولا بد أن يحقق إنجازات عملية ترضي الناس، علماً أنه في السنة الرابعة من كل عهد يبدأ عملياً العد العكسي للتحضير للعهد الرئاسي الجديد... وبالتالي فإن السنة الثالثة هي سنة الفرصة لمعالجة الملفات الحساسة ومنها، وفق أولوية الرئيس عون، مكافحة الفساد وإعادة النازحين السوريين الى وطنهم، وتصحيح الواقع الاقتصادي تدريجاً في البلاد.

 

<طحشة> على <اتفاق الطائف>؟!

 

وذهب <الخائفون> بعيداً في مخاوفهم الى حد اعتبار الرئيس عون من خلال <طحشته> على الحكومة وإدارته الجديدة لجلسات مجلس الوزراء، يريد أن يكرّس بالأمر الواقع، صلاحيات لم تعد لرئيس الدولة بموجب <اتفاق الطائف> الذي جعل السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء مجتمعاً، ولم يعط الصلاحيات الرئاسية التي كانت قبل <اتفاق الطائف> الى رئيس مجلس الوزراء وحده، وبالتالي لا يمكن لرئيس الجمهورية أن <يستعيد> صلاحيات لم تعد له... وثمة من قال ايضاً في الجدل الذي أثير حول إدارة رئيس الجمهورية لجلسة مجلس الوزراء، ان الرئيس لن يتوقف عن ممارسة المزيد من الصلاحيات التي قد تتعارض مع تلك المعطاة للرئاسة الثالثة، بحيث يعمل على تثبيت أعراف وتقاليد تُدرج ضمن خانة <الصلاحيات المستعادة> بحيث يبقى <سقف> الممارسات الرئاسية عالياً ليس فقط في موضوع النازحين السوريين، بل ايضاً في كل المواضيع المطروحة لاسيما تلك التي تثير خلافات وتباينات في الآراء. ويضيف <الخائفون> من <نهج عون> الجديد ان الخروق التي أعاقت في السابق تطبيق <اتفاق الطائف> زادت خرقاً إضافياً، مما يعيد الى الأذهان الاتجاهات التي نادى بها البعض لجهة تعديل <اتفاق الطائف> بالممارسة وليس من خلال النصوص، وبالتالي فإن كل ما يقال عن رغبة الجميع بـ<احترام> <اتفاق الطائف> لا يعدو كونه مواقف إعلامية واستهلاكية فيما الواقع هو غير ذلك في رأي <الخائفين> الذين سارعوا الى شن حملة مضادة أبرزوا فيها <مخاوفهم> على مصير <اتفاق الطائف> وصولاً الى حد الحديث عن <تعليق< العمل به أو التقيد بنصوصه كافة التي أنهت الحرب في لبنان ومهّدت للتوافق على تسوية سياسية بدعم عربي ودولي.

ويتوقف المراقبون عند إعلان الرئيس عون في تلك الجلسة الوزارية عن أن مصلحة لبنان العليا يحددها رئيس الجمهورية الذي أقسم اليمين وفق المادة 50 من الدستور، وتوصيف مهمة رئيس الدولة في المادة 49 من الدستور ايضاً، متجاهلاً دور رئيس مجلس الوزراء شخصياً، ومسؤوليات المجلس ككل، ما يدفع الى الاعتقاد بأن ثمة رغبة رئاسية بإحالة <اتفاق الطائف> على <التقاعد>، في وقت لم يشأ فيه الرئيس الحريري في تلك الجلسة إبداء أي موقف لا من خلال المناقشات حول البنود، ولا من حيث ما ذهب إليه الرئيس عون في رده على وزيري القوات اللبنانية ريشار قيومجيان ومي شدياق بشأن ملاحظاتهما على التواصل مع سوريا للبحث في أزمة النازحين في إشارة الى زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب الى العاصمة السورية. <صمت> الرئيس الحريري في تلك الجلسة لم يكن بسبب عدم رغبته في التعليق أو إبداء الرأي، بقدر ما كان للتعبير عن انزعاجه من قرار المجلس الدستوري الذي تبلغه قبل دقائق من وصوله الى قصر بعبدا، بإسقاط نيابة السيدة ديما جمالي عن دائرة طرابلس بعد الطعن الذي قدمه المرشح الخاسر طه ناجي. إلا أن الرئيس الحريري رد من خلال مصادر السرايا، وفي وقت لاحق للجلسة، مؤكداً على صلاحيات رئيس الحكومة داعياً للعودة الى النصوص الدستورية وروح <اتفاق الطائف>. ويقول القريبون من الرئيس الحريري إن <صمته> لا يعني أنه في وارد التكيف مع المحاولات الجارية لـ<تعليق> العمل بـ<اتفاق الطائف> ولا محاولات تعديله بالممارسة حيناً وبـ<الأصوات المرتفعة> حياناً، بل ان هذا <الصمت> مرده الى عدم رغبة الرئيس الحريري في إقحام لبنان في فوضى سياسية، لذلك اعتمد سياسة الصبر لعل هذه <المغامرات> تتوقف على حد تعبيره.

بالتوازي، عاد الى الذاكرة الحراك الذي قام به رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام في كل مرة كانت صلاحيات رئيس الحكومة  <تتهدد> فيها للتحذير من المساس بهذه الصلاحيات، وصولاً الى تعديل <اتفاق الطائف> بـ<الممارسة> وليس في النصوص لوجود صعوبة في الاحتكام الى المجلس النيابي في هذا الخصوص. صحيح أن رؤساء الحكومة لم يكن هدفهم - خلال حراكهم المتكرر - <التمريك> على الرئيس الحريري وهو في مرحلة تشكيل الحكومة، لكن في الواقع أرادوا لفت انتباه الرئيس الحريري الى ضرورة حماية شبكة الأمان السياسية التي أوجدها <اتفاق الطائف> الذي كان وراء تحقيق الشراكة في السلطة من جهة، وفي تهيئة الأجواء للقبول بالرأي الآخر. وقد استذكر أحد الرؤساء الثلاثة ضرورة <إعادة الاعتبار> الى <اتفاق الطائف> من خلال اعتماد مقر خاص لمجلس الوزراء كما ينص الدستور، وبحيث يترأس رئيس الحكومة الجلسات، وفي حال حضور رئيس الجمهورية فإنه يرأس الجلسة!

 

استغراب في بعبدا...

ولا تراجع!

في المقابل، يبدي القريبون من الرئيس عون <استغرابهم> الشديد للحملة المبرمجة التي انطلقت بعد مداخلة رئيس الجمهورية في جلسة مجلس الوزراء، لاسيما في ما خص التركيز على توجه سيد بعبدا الى <تعليق> العمل بـ<اتفاق الطائف> أو <تعديل> نصوصه بالممارسة نظراً لتعذر تعديل الدستور في مجلس النواب، ويشير هؤلاء الى أن الرئيس عون يريد فعلاً اعتماد نمط جديد في عمل مجلس الوزراء لإخراجه من الحالات التي كانت تحصل في الحكومة السابقة والتي عطلت الانتاجية في الجلسات وحولتها الى جلسات نقاش وجدال بحيث تأجلت مواضيع ومشاريع كثيرة وجُمّدت قرارات... إلا أن ذلك لا يعني أن الرئيس عون يريد تجاوز صلاحيات رئيس الحكومة أو مجلس الوزراء مجتمعاً، وهو ليس في وارد <الاستئثار> بالسلطة كما روّج البعض، إلا أنه في ما خص موضوع عودة النازحين السوريين، فإن موقف الرئيس عون غير قابل للنقاش لأنه من خلال مطالبته بعودة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا إنما ينطلق من ضرورة المحافظة على المصلحة الوطنية العليا، لأن مسألة النازحين باتت مسألة وجودية تتصل بمصير لبنان والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي والتربوي فيه، وهذا يتجاوز النصوص وأي جدل على الصلاحيات، لأن بقاء السوريين في لبنان وعرقلة كل جهد لعودتهم آمنين سالمين الى بلدهم، سوف يعرّض لبنان لمزيد من المخاطر والأضرار. أضف الى ذلك فإن الدول الكبرى تتجاهل المطالب اللبنانية المتكررة بتسهيل إعادة النازحين وتعمل على إبقائهم في لبنان من خلال إرسال المساعدات إليهم بدلاً من توزيعها عليهم في أرضهم ووطنهم.

ويضيف المطلعون على موقف رئيس الجمهورية أن <المنطق> الدولي بضرورة انتظار الحل السياسي لإعادة النازحين السوريين يتعارض كلياً مع توجهات الرئيس عون الذي يرى في التجربة الفلسطينية درساً قاسياً للبنان واللبنانيين، لأن 71 سنة مرّت حتى الآن على بدء القضية الفلسطينية ولم يتم التوصل الى حل سياسي لها يؤدي الى إعادة اللاجئين الفلسطينيين الى أرضهم ووطنهم، لا بل كل المعطيات تؤكد أن حل القضية الفلسطينية مؤجل الى إشعار آخر. وكذلك التجربة القبرصية لأن أزمة قبرص لا تزال حتى الآن من دون حل على رغم مرور نحو نصف قرن على وقوعها ولا يزال القبارصة الذين احتُلّت أرضهم ينتظرون العودة إليها من خلال <حل سياسي> لم ير النور بعد... وقد لا يراه! من هنا يضيف المطلعون أن ردة فعل الرئيس عون على مداخلة وزيري القوات اللبنانية لا تندرج في إطار <تجاوز الصلاحيات>، لأنه فعلياً لم يتجاوزها لأن <حفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه> من ضمن صلاحياته وفق القسم الدستوري، وكذلك وحدة الوطن لأنه <رمز> هذه الوحدة ورئيس الدولة على حد توصيف المادة 49 من الدستور لرئيس الجمهورية. ويطمئن المطلعون على موقف الرئيس عون <الخائفين> على <اتفاق الطائف> بأن رئيس الجمهورية التزم احترام <اتفاق الطائف> في خطاب القسم، لكن تطبيق هذا الاتفاق شيء، والتخلي عن ممارسة المسؤوليات الدستورية أمر آخر، وبالتالي ينصح المطلعون بالتوقف عن اللعب على وتر <اتفاق الطائف> في محاولة يائسة لتعطيل قدرة رئيس الجمهورية على الوفاء بقسمه، لاسيما وأن عودة النازحين السوريين مهمة سيسير بها الى النهاية ولن يأبه للأصوات التي تنطلق من هنا أو من هناك، والتواصل مع دمشق لتسهيل هذه العودة سيستمر من دون أن يعني ذلك تدخلاً في الشأن السوري الداخلي أو اتخاذ مواقف تتعارض مع مبدأ <النأي بالنفس>، وهو قال أمام الوزراء: <كيف يمكن لي، أنا رئيس الجمهورية، أن أنأى بنفسي عن وجود مليون ونصف مليون سوري على أرض وطني ولا أعمل ليلاً نهاراً على إعادتهم الى أرضهم وإحباط المؤامرات التي تحاك كي يبقوا في لبنان؟!>.

ويؤكد المطلعون على موقف الرئيس عون بأن الحديث عن <مصادرته> صلاحيات أو <تعليق العمل باتفاق الطائف> و<استعادة صلاحيات رئاسية بالممارسة>... هو حديث خرافة يا أم عمرو!