تفاصيل الخبر

نضال الأشقر سيدة «مسرح المدينة» الباقي على قيد الحياة: دعـــــــم الـمـســــــرح فـــي لـبـــــنـان نــــــوع مـــــن الـمـقـاومــــــــة!  

11/12/2015
نضال الأشقر سيدة «مسرح المدينة» الباقي على قيد الحياة: دعـــــــم الـمـســــــرح فـــي لـبـــــنـان  نــــــوع مـــــن الـمـقـاومــــــــة!   

نضال الأشقر سيدة «مسرح المدينة» الباقي على قيد الحياة: دعـــــــم الـمـســــــرح فـــي لـبـــــنـان نــــــوع مـــــن الـمـقـاومــــــــة!  

بقلم عبير انطون

 

SAM_5956 تشبه نضال الاشقر بيروت الى حد بعيد جداً.. مثلها لم تكلّ من النضال والكفاح يوماً، مثلها لم تستسلم لعواصف عاتية، مثلها تحب الحياة ولا تؤمن بغيرها، ومثلها أيضا تريدها مسرحاً نابضاً لابطال يقاومون بالكلمة الحرة والحركة المعبرة وبالادب والغناء والفنون... كلتا السيدتين، <ست الدنيا> و<ست المسارح> تنشدان حلم رقيِ انساني حضاري كلما اقتربنا منه خطوة ارجعتنا الهمجية الى الخلف خطوات، الا ان الاستسلام ممنوع!

 منذ أسست مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين <محترف بيروت للمسرح>، ومن بعده فرقة <الممثلون العرب> وصولاً الى تأسيس وادارة <مسرح المدينة> في العام 1994 متوجة مسيرتها بالعديد من الادوار التمثيلية التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، تستمر نضال الاشقر بالحيوية نفسها وكأنها ما زالت في دورها الاول.. حياتها التي تصح احداثها لفيلم تشويق مذهل، هل نراها على الشاشة الكبيرة؟ الى من تولي مهمة اخراج العمل؟ ماذا تقول عن مسرح <باتاكلان> الفرنسي هي التي تعرف مسارح اوروبا كلها؟ وماذا بعد مسرحية <الواوية> آخر اعمالها؟

 واستقبال الاشقر لمجلة <الافكار> نابع من القلب ومن جيرة سنوات طويلة بين بيتها ومسرحها ومكاتب المجلة.

وبدأنا بالسؤال الأول:

ــ باتت الحفلة الطربية دعماً لـ<مسرح المدينة> محطة ننتظرها سنوياً. ماذا عن حفلة هذا العام؟

- هي حفلة سنوية تُقام في شهر كانون الاول/ ديسمبر من كل عام، تنظمها جمعية <مسرح المدينة> وهي جمعية اهلية للثقافة والفنون لا تتوخى الربح، ولها مجلس امناء تتم استشارته في الاسماء المقترحة لإحياء الحفلة. تعرفون انني اسست المسرح وأديره وهو يتطلب ميزانية لسير أعماله تُقدّر بخمسمئة الف دولار سنوياً، الثلث يؤمّن من خلال بيع البطاقات والثلث الثاني من التبرعات، ونبقى عاجزين عن تأمين الجزء المتبقي كما كل المسارح على الرغم من دعم وزارة الثقافة التي تساعد الجميع بالتساوي، وهي مشكورة. و<مسرح المدينة> هو المسرح الوحيد في شارع الحمرا الذي يعمل لمدّة اثني عشر شهراً متواصلة، ولسوء الحظ فإن المسارح في بيروت باتت نادرة، لذلك يجب دعم هذا المسرح كحالة ثقافية دائمة.. وهذه المساعدة من المفترض ان تقع على عاتق وزارة السياحة وليس الثقافة لان ميزانيتها اكبر، فميزانية وزارة الثقافة تبلغ مليون دولار تغطي من خلالها كافة الاحداث الثقافية في لبنان من ضمنها المهرجانات والمكتبات، واقول الحق ان وزير الثقافة روني عريجي هو من افضل وزراء الثقافة الذين مروا بلبنان، ونجده معنيا بالمسرح ويعرف قيمته.

  ــ يقدم الفنانون الحفلة مجاناً دعماً للمسرح، كيف يتم اختيارهم؟

- يتكرم علينا الفنانون بمشاركتهم المجانية، ففي السنوات السابقة استضفنا نجوى كرم وعاصي الحلاني وميشال الفترياديس وفنانين عديدين، جميعهم نجوم يحيون الحفلات والمهرجانات بحضور عشرات الآلاف، الا انهم في <مسرح المدينة> يجدون انفسهم في جو عائلي حميم، لذا فإنّهم يدعمون هذا المسرح. السنة الماضية قالت لي نجوى كرم التي ابدعت لساعتين: <انبسطت من قلبي يا نضال>!

المسرح ... مقاومة

ــ هل أثر خوف الناس أمنياً على حفلة الفنانة لطيفة التونسية لهذه السنة؟

- أبداً.. تم بيع بطاقاتها كلها من دون عناء. فللمسرح اصدقاؤه، يجتمعون في هذه السهرة لجوها الرائع ومأكولاتها اللذيذة والجمعة الحلوة. في لبنان هناك مقاومة حقيقية للخوف ولـ<داعش> والارهاب، مقاومة فنية وثقافية. تجدون اللبنانيين واقفين دائماً لا يلتوون، يرتادون المطاعم والمسارح، يستمعون الى الموسيقى. لا ننكر بان الحالة صعبة، فلبنان وسوريا حال واحدة، نتأثر بما يجري فيها وبالعكس، ونحن متعاطفون مع هذه الدولة التي قاومت الارهاب لخمس سنوات. من جانبنا نحن نقاوم ايضا ونقدم افضل ما لدينا. لندعم جميعنا معارض الكتب ايضاً ونشتريها، فبهذه الطريقة ندعم المطابع والكتاب والشعراء والفلاسفة. هذا نوع من المقاومة.

ــ هل تؤثر <طفرة> المهرجانات التي تُقام في كل منطقة على موارد المسرح فتأخذ من دربه، ولا نتحدث هنا عن المهرجانات اللبنانية الدولية الكبرى؟

 - أبداً. والمثال الاكبر هو تونس البلد الذي يضم اعرق المهرجانات واهمها في العالم العربي منذ خمسين عاماً حتى الآن. في كل مدينة تجد مهرجاناً. فذلك مهم لدورة الحياة ولتشغيل العجلة الاقتصادية اذ أنّ المهرجانات تحيي القرى والفنادق وتؤهل الناس لتأمين الجو الافضل والمأكل الاطيب. ما يأخذ من دربنا فعلاً هو حالات الرعب الامنية في بيروت ونحمد الله على وجود رجل اسمه اللواء عباس ابراهيم في الامن العام، وانا اتوجه له بالتحية لانه يبذل جهده، كما مختلف القوى الامنية الاخرى حتى يبقى لبنان آمناً، وحتى يكون هناك عمل وثقافة ومسرح.

ــ بعد اسماء لبنانية أحيت الحفلة السنوية سابقاً، اخترتم لطيفة لهذا العام، ما كان السبب؟

- لا فرق بين فنان لبناني او عربي عندنا.. لطيفة نجمة محبوبة وناجحة. لا انكر ايضاً اننا اتصلنا بفنانين لبنانيين الا انهم مرتبطون بحفلات في الخليج ولا نريد تعطيلهم، وقد وعدوني بالمشاركة في السنوات المقبلة. وهناك، حفلة ثانية ستُقام قريبا وستقدمها فنانة لبنانية نبقيها مفاجأة حتى الآن.

ــ هل الحفلة طربية هي ايضاً؟

 - نلجأ للطرب لتحقيق إيرادات من الحفلة إذ للطرب جمهور واسع. كذلك نحن نعد لمشروع مهم للعام المقبل سيشكل حالة كبرى تعم بيروت ولبنان كله، وهو عبارة عن حركة مسرحية مدعومة من اسماء لامعة SAM_5965كبيرة.

<باتاكلان>.. والخطأ الاكبر!

ــ تعلمت المسرح في اوروبا، وزرت مسرح <باتاكلان> الفرنسي الذي شهد جريمة شنيعة، ما كان شعورك تجاه ما حصل فيه؟

 - تعلمت المسرح في لندن الا انني كنت ازور باريس وارتاد مسارحها. اعرف مسرح <باتاكلان>، ولا يمكنني وصف شعوري تجاه ما حدث! من المحزن والمخزي ان يحصل هذا الارهاب، وفي المقابل، ومن اجمل ما حدث، انه في برج البراجنة اضيئت الشموع لأجل باريس. مؤثّر وعفوي ان يتوجه الناس وسط جرحهم وألمهم لاعلان تضامنهم ضدّ الجرائم الإرهابية، وقد أعلن العديد من الفنانين العالميين، وبينهم فنانون كبار مثل سلمى حايك عن اسفهم لما جرى في لبنان قبل فرنسا.

وتتذكر السيدة في <فلاش باك> سريع:

- لقد عملت في <تياتر دو رون بوان> (مسرح المستديرة) في فرنسا، وهو مسرح عزيز جداً بالنسبة لي، مسرح <باتاكلان> يختص بالموسيقى اكثر، ومهما كان العمل الذي يُقدم فيه، فإن حرية التعبير مقدسة ونحن نؤمن بها أينما كان، وما جرى اجرام وبربرية يفوقان الوصف.

وتضيف:

- أنا تلميذة مسرح لندن، هذه المدينة العريقة ايضا والتي عشت فيها، وقد تدربت لدى <جون ليتلوود> استاذتي التي يحمل المسرح اسمها في شرق لندن.. و<جون ليتلوود> هي ام المسرح الحديث التي جعلت من المسرح حالة شعبية. علمتني ورعتني كل حياتها، ومن ابرز ما قامت به وأخذته عنها، انها قدمت المسرح الشعبي في منطقة تعج بأولاد الشوارع، فأخذت تعلمهم وتدربهم وتأتي بهم الى المسرح، ما شكّل جزءاً من تربيتي المسرحية، فمنذ ثلاثة أشهر أقمنا في <مسرح المدينة> ورشة تدريب لـ55 ولداً سورياً ودربناهم تدريباً عالياً من قبل 15 أستاذاً لمدة شهر.

ــ هل يمكن ان يشكل المسرح <حالة علاجية> ناجعة لأبناء الضواحي الباريسية، والعديد منهم عرب ومغاربة؟

- بكل تأكيد، اعتقد انه لو عرف الفرنسيون ادخال العرب إلى مجتمعهم ودمجهم في بيئتهم بالشكل الملائم، وبالمقابل لو تأقلم هؤلاء مع محيطهم وتقبلوه واستغلوا ايجاباً عطاءات هذه المدينة العظيمة، المدنيّة بامتياز، لما كانت وصلت الامور الى ما هي عليه. لقد ناضل الشعب الفرنسي ودفع دما ليصير حراً حرية مطلقة، ولتكون لديه مدارس وجامعات ومسارح في كل قرية. هذا الغنى الثقافي الكبير كان على العرب الموجودين في باريس ان يستفيدوا منه بدلاً من التقوقع. هل يمكن التعصب في بلد قاتل التعصب بشراسة؟ اعتقد انه الخطأ الاكبر.

 

<الواوية>.. راجعة!

 

ــ آخر اعمالك المسرحية كانت <الواوية> المقتبسة عن مسرحية <الأم الشجاعة> لـ<برتولد بريشت>، اما من عمل جديد؟

- لقد قمنا بجولة كبيرة لتقديم هذه المسرحية حيث كانت لدينا دعوات الى باريس ولندن وايران وسوريا والعراق. <الواوية> هي من اجمل ما قدمت، وقد نعيد عرضها. اضطررنا للتوقف لان المسرح كان محجوزا لعمل آخر، ولا ننسى ان العرض تزامن مع متفجرة السفارة الايرانية ومن ثم التفجير الذي اودى بالدكتور محمد شطح، وبالرغم من ذلك فقد بقينا مستمرين احتراماً لبيروت ومقاومتها الثقافية.

ــ لقد تطلب اداؤك في تلك المسرحية جهداً جسدياً جباراً، كيف تحافظين على لياقتك الجسدية؟

- انا سيدة متمرسة ومتدربة، عندي تقنية عالية جداً جددتها في <الواوية>. قوتي نابعة من ايمان كبير بأن المسرح يمكنه أن يغيّر في تطلعات الناس ورؤيتهم ولو جزئياً. في <الواوية> قدمنا عملاً مختلفاً جداً، معاصراً جداً..

ــ وكان هناك مشروع عمل مع الفنان القدير رفيق علي احمد؟

- قد نعود إليه .. بدأ رفيق معي صغيرا واحب ان نعمل سوياً ونحن نتبادل الاحترام . في مشروعنا المسرحي الكبير للعام 2016 سوف يكون لرفيق علي أحمد حيز كبير.

 

حب، ونضال..

ــ في قراءة لتاريخ حياتك، نجد خطوطاً درامية غنية جداً تصلح لفيلم او مسرحية، هل فكرت بالأمر؟

- فكرت لكن الأمر صعب. هي دراما، واي دراما؟ اخبرت استاذتي <ليتلوود> قصتي في السبعينات، هي التي لطالما زارت لبنان وكانت حاضرة معنا في افتتاح <مسرح المدينة> في كليمنصو، وقبلها مسرحية <المفتش العام> أواخر الستينات في <مسرح بيروت>، فأجابتني: <كأنك تخبرينني قصة من القرون الوسطى>. والدي اسد الاشقر كان رجلاً مؤمناً وعقائدياً يعيش مع والدتي في فرنسا وهما شابان في اول حياتهما، ولدى نشأة حركة انطون سعادة، ترك امي في مرسيليا ولحق به الى البرازيل حيث كانت المرة الاولى التي يُلقى فيها القبض على انطون سعادة ويسجن بعدها وهذا ما لا يعرفه الكثيرون. كان المؤمنون بأفكاره يبشرون بعقيدة جديدة متحررة وسابقة لعصرها، ولو طُبقت لكان الواقع مختلفاً كلياً. حاربوا انطون سعادة خمسين عاماً في لبنان خوفا من عقيدته، من الدولة المدنية، من فصل الدين عن الدولة الى ان كان القرار في غضون 24 ساعة وأُعدم ليلاً رمياً بالرصاص على رمال بيروت. رياض الصلح وبشارة الخوري وقعا قرار الإعدام، بعدما دخل على الخط حسني الزعيم والملك فاروق من مصر والمخابرات الاميركية والاوروبية . عانينا جداً اخوتي وانا وكل من آمن بهذه العقيدة القومية. تأثرنا بها، وهي جبلتني وجعلت مني الشخصية التي انا عليها الآن.

ــ ما هي صعوبات تحويلها الى عمل مسرحي او سينمائي او درامي؟

SAM_5967- هذا يستلزم الكثير. الفكرة الاولى التي تراودني هي كتابتها. سأخبر القصة.. التداعيات.. هذه الحكاية التي بدأت مع جدي حتى اليوم. لقد عاش والداي قصة حب رائعة اذ كانت والدتي امرأة مقدامة، بهية الطلعة، قامتها ممشوقة وبشرتها بيضاء. إحياء قصة الحب هذه، وايمان والدي بعقيدة انطون سعادة وتكريسهما حياتهما لها حتى اعتنقها اولادهما الاربعة ليس سهلاً. احب ان احولها الى فيلم سينمائي. بدأت الكتابة، وقد يستغرق الامر سنتين او ثلاث. لن افصح عن العنوان علماً انني اخترته. هي فعلا حكاية لا توصف وأتمنى ان يتولى اخراجها ابني عمر نعيم المخرج الموهوب الموجود الآن في اميركا، فبعد كتابتها وتسجيل الذكريات والاستعانة بمذكرات والدي ايضاً، يمكنه ان يخرج بعمل متكامل.

ــ اية موهبة لبنانية مسرحية ترين فيها تميزاً اليوم؟

- كثيرون يتمتعون بالموهبة للحقيقة. هناك مواهب كبيرة في لبنان. الاشخاص الذين عملوا معي صاروا نجوماً من عمار شلق ومجدي مشموشي وحسن فرحات وندى ابو فرحات وكارمن لبس وجوليا قصار الرائعة، وهؤلاء اعتبرهم مع غيرهم عموداً فقرياً للمسرح والتلفزيون اللبنانيين.. والجيل الاصغر ايضاً يضم مواهب لافتة لكن للأسف ما من فرص مسرحية تظهر إبداعهم.

 ــ والحركة المسرحية اليوم كيف تصفينها؟

 - كثيرون يحاولون، منها تجارب سطحية، ومنهم من يقتبسون وينجحون.. المهم العمل والمحاولة. لكن حذار، هناك من يجربون من دون ان يدركوا ان المسرح قد يؤذي اذا ما نوّه بالارهاب مثلاً!

ــ هل هذا يجري فعلاً على خشباتنا اليوم؟

- نعم.. ولن اسمي، وذلك من حيث لا يدرون.. البعض يخلط <شعبان برمضان> واقول لهم انتبهوا. فالمسرح، وان كان جمهوره قليلاً، الا ان مفعوله كبير ولذلك هو حي ولن يموت، يحارب ناطحات السحاب والتلفزيون و<الانترنت> منذ ايام نشأته في بلاد ما بين النهرين وليس في بلاد الاغريق كما يُشاع..