تفاصيل الخبر

نبيل دبس: تجربة بريطانيا شجعتنا و”بيروت آرت كلوب“ محطــة لقــاء بـيــن التــراث الاصـيــل والاقامــة الفريـــدة!

13/04/2018
نبيل دبس: تجربة بريطانيا شجعتنا و”بيروت آرت كلوب“  محطــة لقــاء بـيــن التــراث الاصـيــل والاقامــة الفريـــدة!

نبيل دبس: تجربة بريطانيا شجعتنا و”بيروت آرت كلوب“ محطــة لقــاء بـيــن التــراث الاصـيــل والاقامــة الفريـــدة!

بقلم عبير انطون

من-معرض-from-east-to-west

مدافع عن التراث الثقافي اينما حلّ، في منبت جذوره او خارجه. نبيل و<زوي> (وليامز) دبس زوجته، ثنائي اراد الاستثمار بفن، فجمعا العراقة الى الفنون الحديثة واسسا بيوتا أراداها مراكز للمعارض والفنون مفتوحة للزوار والسياح ان ارادوا الاقامة فيها. الفكرة انطلقا بها من بريطانيا، وها هما سعيدان بنجاحها في بيروت وعواصم أخرى، فما حكاية هذه البيوت والى اين يصبوان بعد؟

مع نبيل كان لقاء <الافكار> وفيه بدأ الحكاية من اولها... قائلاً:

- نحن بالأصل من منطقة الجميزة، ومع توسيع المرفأ في الاربعينات ارتأت عائلة جدّي الانتقال صعودا ناحية الاشرفية فتم تأجيرالبيوت التي يملكانها منذ بداية الالف وتسعمئة تقريبا. مع الحرب سافرنا الى الخارج وكنا ثلاثة شبان (توفي ايلي). في العام 2009 قررت وزوجتي <زوي> الانكليزية الاصل والتي عاشت في فرنسا واسبانيا العودة للعيش في بيروت بحيث يتعلم اولادنا اللغة العربية، إذ لم يعد عملي في مجال الاستثمار في لندن يحتم علي المكوث فيها وقد بات يمكنني ادارة اعمالي وانجازها من اي مكان في العالم... كانت مروحة الخيارات واسعة لكن افضلها بالنسبة لي كان لبنان حيث لا اجد مثيلا له في بقاع الارض كلها، كذلك فان بيروت قريبة من مختلف العواصم ومنها يمكن الوصول الى وجهات عدة. اردت لاولادي ان يتعرفوا الى جذورهم وعائلتهم والى جدتهم سونيا (توفيت العام الماضي).

وأضاف:

- قرار العودة اعقبته اجراءات وتداعيات عدة بالنسبة للاولاد، يقول نبيل، اما انا فباشرت بالعمل. الشرارة انطلقت من الصليب الاحمر الذي كان يستأجر مستودع احد بيوتنا الاحدى عشرة في الجميزة ذات الايجار القديم، وقد بات الوصول اليه صعبا بالنسبة للمرضى بسبب الدرج فيه.عرضوا ترك المكان على ان يتم ذلك وفق اتفاق مناسب للطرفين، وهذا ما حصل، ومن ثم رحنا <نخلص> البيوت، الواحد تلو الاخر بالطريقة المناسبة لنا وللمستأجرين في اطار من التفاهم المتبادل، وذلك انطلاقا من ايماني بحق السكن لكل فرد اكان في ملكه او عن طريق الايجار، وللأسف نعرف جميعا ان الدولة لا يمكنها المساعدة الا بالقليل في هذا المجال.

ويضيف بابتسامة:

صورة-نبيل-دبس  - بقي ريمون. أبى ان يترك إلا بشروطه.

ــ من هو ريمون؟

- انه احد الساكنين في البيت اباً عن جد اذ ربما هو فيه من يوم استأجره اجداده. وضع شروطا مالية عالية وراح يتسلى بنا. اتفهمه تماما. هذه بيئته التي نما وعاش فيها. الى اين سيذهب ابن التسعين عاما وان تم توفير له اجمل البيوت خارج نطاقه وحديقة بيته؟  كنا نعمل على الترميم وكان يتفرّج علينا. يدخل ويخرج على هواه، والبيوت اللبنانية القديمة ليست كما هي اليوم شققاً مستقلة تماما، وكان نظام العيش الذي عرفته بيروت بعيدا تماما عن النمط الحالي. ما رممناه عبارة عن غرف يستأجرها السكان في كل طابق مع مطبخ وحمام مشترك و<كانوا متل الفل>. هذا النمط المثير للاهتمام ما عاد موجودا وكان يولّد جوا من الألفة منقطع النظير بين السكان. ذات يوم قلنا لريمون: <سننفذ شروطك وستحصل على المبلغ الذي تطلبه>. اجابنا بعبارة واحدة: <تعطوني المال ومن ثم اترك> كأنه يضع العصي في الدواليب لأنه لا يريد ان يغادر! ولم يترك البيت الى ان رحل عن هذه الدنيا...

ترميم...   وتحديث

هذه البيوت تعود الى زمن جدي، يقول نبيل الذي يضع الحفاظ على طابعها التراثي في المقام الأول. كان الجميع يسمع ببرج حنا الدبس الاكثر قدما في المنطقة، وكانت له ممتلكات أيضا عند منطقة البرج بينها مطحنة كبيرة، ضمتها <سوليدير> في مشروعها.

- لقد اعدنا ترميم بيوت الجميزة لتكون بيوت استضافة <غيست هاوس>. لم نقم بالكثير وخبرتنا، زوجتي وأنا في هذا المجال واسعة، اكتسبناها من خلال كثير من البيوت التي اشتريناها ورممناها من حول العالم، و<زوي> مختصة في ذلك. جلّ ما قمنا به هو تحديث هذه البيوت من حيث التكييف والتمديدات اللازمة ووسائل الراحة العصرية، وفي هذه المجال نجحنا في تحويل بيت انكليزي على الطراز <الفيكتوري> الى <بيد اند بريكفاست هاوس> وحافظنا على طابعه الفني الجميل فنجح مشروع الـ<ريفر هاوس آرت كلوب> وهو الاسم الذي اطلقناه عليه، بشكل رائع.

 قصة <الريفر - هاوس> عند منطقة <هيمينغفورد غراي> في بريطانيا والتي اراد الزوجان دبس نقل مفهومها الى لبنان حيث تجتمع النوادر والتحف الهندسية والفنية الموجودة في البيوت الاثرية مع الاقامة المريحة للنزلاء والانشطة الثقافية الحديثة يستعيدها نبيل فيشرح قائلاً:

- نملك بيتا في انكلترا من النوع الذي تصعب معه فكرة الاقتناع ببيعه لاهميته وفرادته في الهندسة مع ما يحتويه من عبق التاريخ وفنون تلك المرحلة بحيث يصعب ايجاد مثيل له إذ شيد البيت على النهر بالقرب من <غراي> وهي ضيعة صغيرة معروفة بانها عاصمة التذوق للطعام في المنطقة ويقصدها الزبائن من العاصمة وهي على بعد اقل من ساعة منها. شجعنا المستثمرون في محيطه على تحويله بيت ضيافة للنزلاء وساعدونا في التسهيلات من حيث الأمور اللوجستية، وتحول البيت - المتحف بكل موجوداته مقصدا للنزلاء، والناس تحافظ وتحترم وتنتبه الى كل ما فيه وكأنهم في بيتهم. هناك الخدمة المؤمنة بالطبع ان اراد النزلاء ذلك، كما يمكنهم ان يقوموا بالامر بنفسهم فالمجال متاح، ولا يدفعون ثمن ما استهلكوه الا في نهاية اقامتهم من دون ان يوقعوا على اية فاتورة. عامل الثقة والنزاهة في التعامل هذا جعلهم مرتاحين تماما، حتى ان بينهم من بات يرتاد المكان بشكل دائم كمثل مدير شركة معروفة باتت له غرفته المحجوزة لان المنزل يذكره ببيت اهله.

من ضمن هذا المفهوم البعيد عن المفهوم التجاري للاوتيلات والفنادق أي جمع الفن الجميل في حنايا البيوت التراثية مع الاقامة المريحة لنزلاء يشعرون بأنهم ينتقلون من يومياتهم الى فضاء آخر، يأمل نبيل ان توفر البيوت التي يرممها اكان في مار مخايل حيث الحركة الدائمة او الجميزة حيث الهدوء، الهدف منها. والاتكال كبير على السياحة الداخلية للبنانيين خاصة وان الاسعار مقبولة...

حتى كوبا...

بيروت-آرتس-كلوب-1--جميزة  

حب الفنون الجميلة والمشهدية من لوحات وتحف وغيرها واقتناء النادر منها في مجموعات فضلا عن الحفاظ على التراث وروائعه، اكتسبه نبيل واخواه من امه التي كانت بين اولى من ارتدن اكاديمية الـ<البا> اللبنانية للفنون الجميلة وهي سافرت وتخصصت في الفنون، كذلك استقاه عن خالته صولانج طرزي الفنانة القديرة، في حين ان الوالد كان يميل  باتجاه الاداب اكثر.

ميل نبيل هذا الى الفنون العديدة جعله يقوم مع ميشال الضاهر صاحب غاليري <ساوث بورد> العام الماضي، وفي تعاون ثالث بينهما، بتقديم معرض رائد في <بيروت آرت كلوب> الذي يملكه نبيل وزوجته في الجميزة، اذ استقبل المنزل التراثي الجميل بقناطره الفاخرة ونوادره اللبنانية، لوحات من الفن اللاتيني يتعرف الزوار من خلالها الى الفن والفنانين الكوبيين الذن عاشوا تجارب مرة زمن الثمانينات، فقد كان الفنانون يملكون حرية استخدام التقنيات التي يريدونها من دون ان تكون لهم الحرية المماثلة في اختيار المواضيع التي يعبّرون عنها، والبعض من هؤلاء الذين رفضوا تقييد ملكة الحرية لديهم استقبلهم الضاهر في بيروت ليتيح لهم حرية التحليق برسوماتهم بعيدا عن تجربة الثمانينات تلك. وقد قدموا نماذج من هذا الفن في معرض لهم في بيروت تحت عنوان <من الشرق الى الغرب>، كما ان المركز يتعاون مع <معرض بيروت آرت فير> الموعد السنوي للفن في مجالاته المتعددة، كما سبق واستضاف عروضا موسيقية وتصاميم لشباب لبنانيين موهوبين يراهن نبيل دبس على اسمائهم في مستقبل هذا العالم الواسع.

 معارض <بيروت آرت كلوب> في الجميزة في قلب الحي التراثي البيروتي ليست يتيمة، والمفهوم انتقل الى شارع ارمينيا أيضا عند منطقة مار - مخايل بحيث اراداه الزوجان نبيل و<زوي> ملتقى للفنانين هنا ايضا، فماذا عن بيت مار مخايل للمعارض والفنون؟

- انها فيلا بستاني التي تم تشييدها في العام 1873 والتي بقيت مهملة لعقود من الزمن بعد ان عرفت تاريخا حافلا، وتتألف من طوابق ثلاثة على نمط <الباروك> تجمع بين ثناياها التأثيرين الايطالي واللبناني في فن العمارة ولا زالت اعادة تأهيلها مستمرة حتى الآن. في شقها الارضي توالت معارض عدة ابرزها للفنان البريطاني <توم يونغ> العام الماضي تحت عنوان <في البيت> مع مجموعة من الفنانين. و<يونغ> الفنان الذي بات معروفا بالحفاظ على التراث الثقافي وقدم اعماله في اكثر من بيت لبناني تراثي بينها <فيلا باراديزو> على سبيل المثال، استعاد في معرضه في مار مخايل مع زملاء له، وبادوات مختلفة، حكاية البيت الذي كلف سليم البستاني وهو مالكه الاصلي، مهندسا معمارياً ايطالي الجنسية لبنائه، اما فيكتور ابن سليم وآديل فكان صيدليا او يصنع الأدوية وقد عثر في حديقة منزله على عقاقير اعدها بنفسه، كذلك فان ابنة البيت جورجيت البستاني تزوجت بالضابط الاسكتلندي الذي تعرفت به في هذا البيت ايضا اذ كان الطابقان العلويان منه مؤجرين الى القيادة العسكرية البريطانية آنذاك، فتزوجا وعاشا فيه.

مركز الفنون والمعارض في مار مخايل واخاه في الجميزة وجهان حضاريان لعاصمة تريد ان تستعيد بريقها الثقافي وتبقي على تراثها الاصيل في احياء بيروتية شكلت وجه المدينة التاريخي. نبيل و<زوي> يناضلان لبقائها بعيدة عن غابات الباطون وابراجها المشوهة والبناء المرتجل دونما تخطيط، بشكل يراعي المشهد المتكامل للحي، ويشاركهما نظرتهما هذه الكثيرون بينهم اخو نبيل المهندس حبيب ووزير الثقافة السابق طارق متري الذي عمل ايضا من ضمن هذا التوجه. وهنا يحمّل نبيل مسؤولية التناسق وضرورته للمهندسين وليس للمطورين العقاريين، فعلى هؤلاء يقع عاتق اقناعهم بما هو افضل للحي وللمنطقة فلا يكون الهدف الربح السريع بأي ثمن. وليس بعيدا من هذا المجال، فان نبيل سعيد بوقف مشروع اوتوستراد فؤاد بطرس الذي وضعت دراسته زمن الخمسينات وما عادت الحاجة اليه اليوم، وهو سيستعاض عنه بحديقة تحمل اسم وزير الخارجية اللبنانية الاسبق ابن الأشرفية وصاحب المذكرات الشهيرة.

الطوابق العلوية لـ<بيروت آرت كلوب> مخصصة للاقامة، والفنانون من حول العالم مرحب بهم لعرض اعمالهم. نبيل و<زوي> ارادوها واحة فن واقامة هادئة، تماما كما الفندق الذي يعملان على بنائه حاليا في الجميزة.. كذلك فانهما يأملان من الفنانين الذين يعرضون في بيوتهم ويقيمون فيها رد التحية للعاصمة اللبنانية بأخذ اليد ومساعدة الموهوبين من ابنائها وسكانها علّ ريشتهم تحلق بدورها بعيدا، كمثل أولئك الاطفال السوريين والفلسطينيين والايتام اللبنانيين الذين شاركوا في ورشة العمل مع يونغ وزملائه في مركز الجميزة حين رسموا المنزل وحديقته.

<مراكز الفنون والمعارض> حيث التزاوج بين الفن والتراث والاستثمار الذكي تعدى مع نبيل و<زوي> الحدود اللبنانية الى انكلترا وهافانا وغيرهما من بلدان العالم، قد تحط قريبا في سوريا ايضا حيث احد الاوتيلات الجميلة التي اشتراها نبيل من <مسيو قلعي> بعدما اقنعه الاخير بزيارة سوريا بسيارة مصفحة، فأُخذ رجل الاعمال اللبناني ذو الهوى الفني بالاوتيل المشيد على الطراز الشامي القديم برخامه وبركة مائه، والذي سبق ان زارته ملكة اسبانيا وكبار النجوم مثل <انجلينا جولي> قبل اندلاع الحرب الاليمة، بانتظار ان تنطفئ نيرانها لتضيء مكانها شعلة الحياة والفنون من جديد ويكون الاوتيل الشامي بدوره فضاء رحبا للفن والمعارض وللاقامة الطيبة الفريدة.