دخل لبنان الفراغ الرئاسي بانتظار وصول كلمة السر الإقليمية والدولية لتمرير انتخاب رئيس جديد بالتوافق بين كل القوى السياسية بعدما فشل اللبنانيون في لبننة هذا الاستحقاق، لكن السؤال المطروح: ما هي صلاحيات الحكومة في تصريف أعمال الرئاسة حسب المادة 62 من الدستور؟ وهل يجوز للمجلس النيابي التشريع في هذا الظرف، أم لدى الاطراف التي تفكر في مقاطعة الجلسات أسبابها الدستورية والميثاقية؟
<الأفكار> التقت نائب رئيس المجلس السابق ايلي الفرزلي داخل منزله في الحازمية وحاورته في هذا الخضم، بالإضافة الى شؤون وشجون الوضع الداخلي بكل تفاصيله الدستورية والحكومية بدءاً من السؤال:
ــ الفراغ يتربّع في قصر بعبدا، فمن هو المسؤول؟ هل هم نواب الأمة، الأقطاب الموارنة الأربعة أم الذين عطّلوا النصاب بحجة وجود مرشح تحدٍ؟
- أولاً ليس هناك فراغ بل هذا شغور. وأنا هنا أتحدث بلغة دستورية لأن الدستور تحدث تماماً وكمالاً عن كيفية التعاطي في حال خلو سدة الرئاسة لأي سببٍ كان، وبالتالي فهذا شغور دستوري، ولا يوجد فراغ في مؤسسات الدولة وعملها وإداراتها. وثانياً فالسؤال الآخر الذي يفرض نفسه هو أن مركز الرئاسة الأولى والذي يعتبر مهماً لجميع اللبنانيين كرمز لوحدة البلد واستقلاله وسيادته، تكمن أهميته في أنه يأتي من مكوّن أساسي من مكونات البلد وتأسيسي للكيان اللبناني اسمه المكون المسيحي الماروني، وبالتالي غيابه وسير الأمور دون أن يكون لذلك نتائج أو شغور الاطراف الآخرين كتلك التي يرئسها رئيس الوزراء السنّي أو رئيس مجلس النواب الشيعي يطرح تساؤلات وعلامات استفهام حول شعور هذه الشريحة بمسألة اللاإطمئنان، وهذا شعور في موقعه الطبيعي. كذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه وهو انه عندما نتحدث عن ملء الشغور، هل نتحدث عن مطلق رئيس وكيفما كان يدير أزمة، أم رئيس يساهم في أخذ لبنان الى مكان يوضع على سكة الحل على المستوى الوطني ويعكس إرادة المكون الذي ينتمي إليه بحيث يمتلك حيثية وازنة حقيقية لهذا المكون كما جاء في بيان بكركي بعد اجتماع الزعماء الموارنة الأربعة، وكما جاء في مذكرة بكركي الوطنية التي تتحدث بداية أن يكون للرئيس حيثية وازنة ضمن المكون الذي ينتمي إليه؟ هذا هو السؤال المركزي، لأن هناك نوعين من الفراغ: الفراغ الظاهر والشغور الظاهر، والفراغ الآخر هو أن تمتلئ كرسي الرئاسي بشخص كيفما كان وأن يتم التصفية المنهكة للدور المسيحي في لعبة الشراكة الوطنية، لأن هذا الرئيس بعدما أخذت صلاحياته لا يملك أي شيء على مستوى القدرة والإمكانية وقد تكون الإمكانيات الذاتية هي المتنفس لكي يعبر حقيقة عن الشراكة الوطنية ويعكس إرادتها.
العلة في قانون الانتخاب وحكاية نجيب ميقاتي
ــ من المسؤول هنا؟
- المسؤول هو قانون الانتخاب الذي يسلب المسيحيين حقهم في إنتاج نوابهم، وبالتالي عندما تبرز الإرادة لتترجم نيابياً، تأتي منقوصة بنسبة 50 بالمئة، وبالتالي مشوّهة وهذا هو بيت القصيد. واليوم نقول إن هذا الامر يجب أن يعالج، خاصة وانه لدينا على الساحة صراع سنّي ــ شيعي كبير، انعكاساً لصراع المنطقة لا يستطيع لبنان أن يستمر عليه، ولدينا انقسام محوري بين ما يسمى 8 و14 آذار، والذي لم يعد له مبرر لأن الوظيفة السياسية لهذا الاصطفاف فقدت دورها السياسي على المستوى الاستراتيجي، إلا لبعض الأطراف التي تريد أن تعتبر هذه وسيلة من وسائل الارتزاق ومبرراً لدورها، بحيث تبرز بعض الوجوه التي تأتي أدوارها من وحي هذا الاصطفاف، سواء مقابل ثمن أو أجر أو وجاهة إلخ، ولذلك نقول ان هذا الصراع لم يعد له أي معنى.. وقد كان هناك حراك واعد من قبل العماد ميشال عون باتجاه دولة الرئيس سعد الحريري وترجم هذا الحراك على المستوى الحكومي بحيث ولدت الحكومة التي أنتجت الاستقرار الأمني والتوافق ولو في حده الأدنى بين مكونين أساسيين هما المكون السني والمكون الشيعي، وأنتجت انتخابات نقابة مهندسين بصورة جلية وواضحة، وأنتجت عدة أمور إيجابية، بالإضافة الى التعيينات الإدارية والحلول الأمنية في قضايا كانت تعتبر مركزية تؤثر على الاستقرار العام في البلد.
ثم أضاف:
- وبالتالي في ظل هذا الواقع هناك أمل واعد لكي يتم الاتفاق على رئيس في ظل استكمال التعايش الوطني والشراكة الوطنية، بحيث ان المكون السنّي يجب أن يأتي بسعد الحريري ليترأس الحكومة، بدليل أن الرئيس نجيب ميقاتي ترأس الحكومة ولم يستطع أن يحكم، إلا عندما ذهب الى دار الفتوى ووقّع الثوابت الاسلامية بمباركة الحريري، وبدليل أنه لم يأتِ أحد ويعترف به كزعيم للسنة في لبنان، وأيضاً هذا هو حال المكون المسيحي بعدما ترأس ميشال سليمان البلد. وأنا أعتقد بالدليل والبرهان أن البلد عاش فراغاً مقنعاً بوجود رئاسته. وأنا لا أطلب منه شيئاً، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. ولذلك نحن أمام مسألة ماذا يجب أن يُعمل لإعادة تكوين السلطة وهذا هو السؤال وليس السؤال عما إذا كان هناك شغور أم لا؟!
صفات الرئيس القوي
ــ يعني أنت ضد فكرة مقاطعة المجلس كما طرح البعض؟
- لست ضد الفكرة في المطلق، وإنما في هذا التوقيت، وضد ردة الفعل الفورية وإلا فإننا نكون نبرر ثقافة وجود رئيس جمهورية لتصريف الأعمال، وهذه النظرية المبكرة سخيفة وتافهة، وقد حاولت بعض الدوائر ان تمررها في المجتمع اللبناني. والأمر الآخر الذي هو في غاية الاهمية وسيكون عنوان المرحلة المقبلة، هو ان يسارع مجلس النواب لوضع قانون انتخاب، وهذا اللف والدوران للهروب من إنتاج قانون انتخاب أمر يعتبر استهدافاً استراتيجياً ليس فقط لمؤسسات الدولة، بل أيضاً للمسيحيين، كما لو أن هناك إرادة لاستيلاد النواب المسيحيين في كنف الكيانات المذهبية الأخرى، وهذه مسألة يجب التفكير بها بشكلٍ سريع.
ــ هل مشروع القانون الارثوكسي لا يزال صالحاً في نظركم بعدما حاولتم تمريره؟
- يا سيدي، لا نريد القانون الارثوذكسي وسنعمل حسب ما يقول اتفاق الطائف الذي يتحدث عن ان المحافظة دائرة انتخابية واحدة.. ليشرف المعنيون ويجعلوا المحافظة دائرة انتخابية مع النظام النسبي، ولكن لكل ناخب صوت تفضيلي واحد. أما ألا يعتمد هذا المخرج ولا القانون الأرثوذكسي ولا غيرهما تحت عنوان وخلفيات متعددة، فهذا غير مسموح لأنه في هذه الحالة يقولون لنا: إبقوا أنتم كما أنتم أيها المسيحيون.. فلا عودة لممارسة حقكم، ونريد الحفاظ على اتفاق الطائف الذي نفذ بشكل مزور على مدى 25 سنة.
وتابع يقول:
- هنا وفي مفهومنا الرئيس القوي لمن يريد أن يتفلسف كثيراً، هو الرئيس الذي يحافظ على اتفاق الطائف وينفذه. الرئيس القوي هو الذي يحافظ على استقلال لبنان وسيادته بوجه القريب والبعيد، والرئيس القوي هو الذي يقف في وجه اعتداءات اسرائيل، ويستطيع ان يأخذ اللبنانيين الى مرحلة متقدمة من الحوار الوطني، والرئيس القوي هو الذي يلغي الصراعات المذهبية ولا يراهن عليها ليستقر على التناقضات المذهبية، وهو الذي يرسي استراتيجية دفاعية تحدد جغرافية المقاومة وتجعل من الجيش أولوية مطلقة على كامل التراب الوطني اللبناني، ويحدد علاقة السلاح بالدولة. وأيضاً الرئيس القوي هو الذي يستطيع أن يبني علاقة جيدة مع الرئاسات الأخرى سواء رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء، ويحرص على تطبيق المادة الدستورية التي تقول بتعاون السلطات والفصل فيما بينها، بحيث يكون <الزيح> الذي يرسم هذا الواقع.. وهو الذي يجعل من القرار المالي في الدولة في يد المؤسسات المالية والدستورية، وليس في يد طائفة دون أخرى كما عملية الدفاع الوطني التي تكون في يد المؤسسات الدستورية، وليست في يد طائفة دون أخرى.. هذا هو الرئيس القوي، وبالتالي كل هذه الألاعيب والمناورات التي تهدف فقط الى تمييع انتاج الرئيس تأخذ لبنان وتضعه على سكة الحل أو تساهم في وضع لبنان على سكة الحل مستفيداً من القرار الدولي بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، ومستفيداً من فصل أزمة سوريا عن أزمة لبنان، ومستفيداً من البند الاستقلالي الأول الذي يؤكد اننا لا نريد لبنان ممراً أو مقراً... وهو الرئيس القوي الذي يجب أن يتمتع بـأول سمة وهي ان يكون ممثلاً وازناً ومحترماً لدى المكون الذي ينتمي إليه، والادعاء بأن المسيحيين يتحملون مسؤولية هذا الهدف هو ادعاء غير صحيح، لأن الذي يتحمّل هذا الموضوع هو وجود مجلس نيابي يضم بين ظهرانيه نواباً مسيحيين استولدوا في كنف الزعامات الأخرى، ولو كان النواب المسيحيون يمثلون الإرادة المسيحية في حدها الادنى، كان لا بأس بالأمر، لكن في الوقت ذاته فالاستشهاد بما كان عليه الأمر قبل العام 1975 كذبة كبيرة، لأن قانون الستين في حينه ويوم كان الانتشار المسيحي على كامل تراب الوطن، كان محكوماً بالتوازنات وكان النواب المسيحيون والمسلمون يأتون بالتساوي نتيجة مشيئة مسيحية ــ اسلامية مشتركة، ولا يأتي أناس على حساب آخرين من خلال <غيتو> سني، <غيتو> شيعي، <غيتو> درزي، ومن ثم يتوزع المسيحيون أشلاء أشلاء... فهناك معادلة بسيطة: ماذا تريدون من المسيحيين؟! إذا كنتم تريدون رئيساً يعيد تكوين السلطة ويساهم في بناء الدولة الوطنية وبناء المؤسسات ويرسي التعاون بين السلطات ويحترم الرئاسات الأخرى ويترجم قسمه بالحفاظ على استقلال لبنان وسيادته ويرسم استراتيجية دفاعية... فما عليكم إلا انتخاب رئيس سبق وحددت مواصفاته.
ــ هل هو العماد ميشال عون؟
- ليأتِ من يأتي شرط أن يكون حائزاً هذه الصفات، والعماد عون يمثل اليوم الكتلة المسيحية الأكبر ولا يوجد ممثل عملي للمسيحيين غيره اليوم. وهذا أمر مؤكد دون الرجوع الى مؤسسات الإحصاء أو دون الركون الى الزعامات التي تقول مرة بأن مجلس النواب يمثل، ومرة أخرى انه لا يمثل.. عليهم الاختيار، اما هذه أو تلك وإلا فليذهبوا الى الانتخابات على أساس قانون عادل وحديث يعيد تكوين السلطة من جديد. ونحن هنا نؤكد من جديد ونعيد القول اننا متمسكون باتفاق الطائف تمسكاً كاملاً، ونتمسك بالمناصفة تمسكاً كاملاً، ولكننا نحذر من ان استمرار عملية تهميش الدور المسيحي سيؤدي الى إعادة النظر في كل شيء.
إلزامية توقيع 24 وزيراً
ــ الماد 62 تقول إن الحكومة تتسلم صلاحيات الرئيس اذا خلا مركز الرئاسة والسؤال هنا: ما هي حدود هذه الصلاحيات، وهل هي كاملة أم مجرد تصريف أعمال؟ وهل المجلس النيابي يصبح هيئة ناخبة فقط؟
- هذه حلقات مرتبطة ببعضها البعض، والنقاش الدائر في وسائل الإعلام هو نقاش غير علمي وغير دستوري، فهناك وجهتا نظر دستوريتان: الأولى تقول انه عند خلو سدة الرئاسة تصبح مهمة المجلس النيابي فقط هي إنتاج رئيس، وبالتالي يتحول الى هيئة ناخبة، والدكتور ادمون رباط يقول ان هذه الهيئة الناخبة تكون عندما يلتئم المجلس بنية انتخاب رئيس، أي في الجلسة التي يتم فيها الانتخاب، ولكن لا يجوز سلب المجلس صلاحياته التشريعية، ووجهة النظر الاخرى تقول انه بعد خلو سدة الرئاسة يتحول المجلس الى هيئة ناخبة فقط، لا اشتراعية. ودخل المشرعون في مسألة الالتئام وصدرت تفاسير عديدة، لكن يجب الأخذ بالاعتبار انه اذا صار المجلس هيئة ناخبة فقط، يعني لم يعد هيئة اشتراعية، وبالتالي فقد سلطة الرقابة، وعندما يفقد سلطة الرقابة لا يستطيع مجلس الوزراء أن يتصرف كحكومة فاعلة، بل تحت سقف تصريف الأعمال في الحد الأدنى، لأنه لا يجوز للحكومة أن تحكم دون رقابة. والمشترع وضع هذا النص ليجعل منه حالة ضاغطة في الإسراع بانتخاب رئيس، بحيث لا تعتبر الطبقة السياسية ان البلاد تسير على ما يرام دون وجود رئيس وتصرف النظر عن انتخاب رئيس حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً..
ــ وصلاحيات الحكومة؟
- طبعاً صلاحياتها كاملة.
ــ وكيف توقّع المراسيم وهل يوقّع الوزراء جميعاً أم رئيس الحكومة بتوقيعه الخاص وبتوقيع رئيس الجمهورية كوكيل عنه؟
- يوقع الوزراء الـ24 جميعاً.. فرئيس الحكومة مثل أي وزير.
ــ كيف ترى من وجهة نظرك فلسفة نصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية، رغم ان البعض قال انه في الدورة الثانية يلغى حضور 65 نائباً وما فوق، ما يعني ان الرئيس ينتخب بـ33 صوتاً إذا حضر 65 نائباً؟
- ما يقال هرطقة وأمية دستورية وسياسية، فالخلفية السياسية عندما وضع هذا النص واشترط نصاب الثلثين، هو لمنع طائفة تتفق وبصوت واحد خارجها، للاتيان برئيس.. فهذه كانت فكرة مسيحية في الأساس، ولكن أصحاب المصالح المسيحيين يريدون دك النص من أساسه ظناً منهم أنهم يستطيعون أن يصبحوا رؤساء.. أضف الى ذلك فالرئيس بشير الجميل لم يسمح لنفسه أن يخرج عن هذا النص، ولم يعقد جلسة انتخابه إلا بحضور 62 نائباً أتى بعضهم بملالات الجيش.. فهذا هو النص وهنا هو الفرق، وأي كلام آخر هو هرطقة ومن المعيب أن تناقش هذه المسألة، وإذا كان البعض يغني كمستشار عند أحدهم فتنطبق عليه مقولة: <من كان الديك دليله، فالقن مأواه> أو <لحاق الديك، وشوف لوين بوديك>.