تفاصيل الخبر

نائب المدير الطبي في ”مركز الانجاب والصحة الجينية“ في لندن الطبيب اللبناني الدكتور وائل صعب: مــــرت السنـــوات ولــم اتمكـن مــن العـــودة الــى لبــــنان ويـبقـــى الحنـيــــن والاشتـيـــــاق لبـلــــدي غصــــة بقلبـــي!

21/06/2019
نائب المدير الطبي في ”مركز الانجاب والصحة الجينية“ في لندن الطبيب اللبناني الدكتور وائل صعب: مــــرت السنـــوات ولــم اتمكـن مــن العـــودة الــى لبــــنان ويـبقـــى الحنـيــــن والاشتـيـــــاق لبـلــــدي غصــــة بقلبـــي!

نائب المدير الطبي في ”مركز الانجاب والصحة الجينية“ في لندن الطبيب اللبناني الدكتور وائل صعب: مــــرت السنـــوات ولــم اتمكـن مــن العـــودة الــى لبــــنان ويـبقـــى الحنـيــــن والاشتـيـــــاق لبـلــــدي غصــــة بقلبـــي!

 

بقلم وردية بطرس

منذ صغره أراد أن يصبح طبيباً فكان له ما أراد، اذ بعدما أكمل دراسة الطب النسائي في الجامعة الأميركية في بيروت، سافر الى لندن منذ 13 سنة لمتابعة دراساته العليا هناك... ولم يكن الدكتور صعب يفكر أنه لن يعود الى لبنان اذ كان ينوي متابعة التخصص ومن ثم يعود الى الوطن، ولكن مرّت السنوات وحقق نجاحاً باهراً في مجال تخصصه في الخصوبة، ليصبح في ما بعد نائب المدير الطبي في <مركز الانجاب والصحة الجينية> في لندن <Center for Reproductive & Genetic Health> وهو أيضاً عضو <الجمعية الملكية البريطانية للجراحة النسائية والتوليد>. تجدر الاشارة الى ان الدكتور صعب تدرب في أمراض النساء والتوليد مع تخصص في أمراض العقم وعلاجه عند الزوجين، وقد احتل مرتبة متقدمة في امتحانات الطب الدولي أثناء التدريب. وهو من ذوي المهارات العالية في المسح الثلاثي الأبعاد باستخدام الموجات فوق الصوتية في أمراض النساء، والمسح الثلاثي والمسح الأولي بالموجات فوق الصوتية للأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. ومعرفته الواسعة في مختلف مجالات الطب جعلته مهتماً بالبحث. ولدى الدكتور صعب منشورات في الكتب وفي المجلات الطبية عن التلقيح الاصطناعي ومختلف جوانب الخصوبة والتوليد وأمراض النساء، كما انه عضو في جمعية الوخز بالابر الطبية البريطانية، وهو من ذوي الخبرة في علم المناعة الانجابية وادارة فشل علاجات الاخصاب خارج الجسم <IVF> المتكررة، وهو محاضر طبي فخري في مجال العلوم الانجابية وصحة المرأة لطلاب الماجستير في كلية لندن الجامعية.

الدكتور وائل صعب وذكريات

 الدراسة في لبنان

 

<الأفكار> تفرد صفحاتها للبنانيين الذين حققوا نجاحاً باهراً وانجازات في مختلف الميادين، واليوم نجري مقابلة مع الدكتور وائل صعب المقيم في لندن لنتحدث عن ذكريات الدراسة في لبنان فيقول:

- كنت محظوظاً انني درست في مدرسة الشويفات الدولية وهي من أهم المدارس في لبنان ولديها مئة فرع حول العالم. ومنذ الصغر كنت أحلم بأن أصبح طبيباً، وما يحدث للانسان في حياته هو نتيجة أمور نفسية تحدث خلال طفولته. بالنسبة الي منذ صغري تعلّمت أموراً عديدة في ما يتعلق بالدواء وما شابه، اذ كان لدى أخي اعاقة ذهنية وجسدية وبالتالي اعتدنا في البيت ان نعرف متى نعطيه الدواء، وما هي الأدوية التي يجب ان يتناولها. وأذكر حتى عندما دخلت الى المدرسة كنت قد حفظت أسماء الأدوية، وهكذا كان هذا الحلم يراودني طوال فترة الدراسة، وبعدما انهيت تعليمي الثانوي اذ كنت من بين الخمسة الأوائل في البكالوريا العلمية، تم قبولي في الجامعة الأميركية في بيروت حيث درست علوم الأحياء، وتخرجت من الجامعة ونلت البكالوريوس مع التميز، من ثم تقدمت الى كلية الطب في الجامعة نفسها، اذ انني افتخر بكل اساتذتي الذين درسوني، وكلما امر ببيروت وبالتحديد في شارع <بلس> اشعر بالحنين للجامعة والمستشفى. وبعدما انهيت دراسة الطب لمدة اربع سنوات، كان علي ان اختار الاختصاص، اذ كانت مرحلة اساسية اذ أحببت ان اكون طبيباً، وان يكون الاختصاص في الطب يجلب الفرح ويساعد، والطب النسائي هو الطب الوحيد الذي يساعد روحين: روح الأم وروح الطفل، وبأغلب الأحيان يجلب الفرح، ولكن طبعاً هناك أحزان كما في كل شيء اذ لا يقدر الانسان ان يساعد كل الناس، وبالتالي أردت التخصص في الطب النسائي فدرست هذا الاختصاص أربع سنوات وقبلها كنت قد درست علم الاحياء (ثلاث سنوات).

السفر الى المملكة المتحدة للتخصص!

ــ ولماذا قررت السفر الى المملكة المتحدة لمتابعة الدراسات العليا والتخصص؟

- عندما تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت، كان الوقت الفاصل لأقرر ماذا سأفعل بحياتي. كان قرار السفر وارداً لكي أدرس الطب في الخارج، ولكن الظروف حكمت علي ان اكمل دراستي في لبنان واتخصص واعمل في لبنان، اذ انني افتخر انني وشقيقاي أصبحنا أطباء حيث بذلنا جهداً كبيراً لتحقيق النجاح اذ كنا عصامين اعتمدنا ولا نزال على أنفسنا، فعندما توفي والدي كنت لا ازال تلميذاً في المدرسة وكان اخي الصغير بعمر الأربعة أشهر، واليوم تخرّج طبيباً من الجامعة اللبنانية الأميركية، ولكن والدتنا ضحّت كثيراً من أجلنا اذ لها فضل كبير علينا لأنها عملت جاهدة لنصل الى ما نحن عليه اليوم، وبالتالي كان القرار صعباً بأن أسافر بعدما انهيت تخصصي في الطب النسائي، وكانت هناك أسباب عدة اذ كنت أحاول أن ادرس اختصاصاً محدداً اذ كنت مهتماً بالخصوبة وافضل مكان لتعلم اختصاص الخصوبة هو في المملكة المتحدة، اذ انه البلد الذي ساعد بولادة أول طفل انبوب في العالم، وهكذا قررت ان اتخصص في الخصوبة في انكلترا لقرب المسافة بين لبنان وانكلترا، وذلك لكي اتمكن من زيارة والدتي واخوتي بالمقارنة مع المسافة بين لبنان واميركا، لأنني كنت قد خضعت للامتحانات في الولايات المتحدة ونلت أكثر من 99 بالمئة وبالتالي كان بامكاني متابعة دراسة التخصص في الولايات المتحدة الأميركية ولكنني قررت الذهاب الى لندن.

ويتابع:

- اضافة الى حلمي فان سبباً من الأسباب التي دفعتني للسفر الى الخارج كانت حرب تموز 2006، اذ ان الحرب سرعت باتخاذ القرار بالسفر الى انكلترا، لأنني أذكر انه خلال حرب تموز كنت لا ازال اتخصص في الجامعة الأميركية في بيروت، وأذكر انني وزملائي بقينا في مستشفى الجامعة الأميركية اذ كنا في حالة جهوزية تامة لأنه كانت هناك صعوبة ان يصل الأطباء الى المستشفى، ولهذا لم نغادر المستشفى، حتى انني لم اقدر ان أرى أهلي في الجبل طوال حرب تموز، ولا هم استطاعوا ان يزوروني، وشعرت وكأنني في هجرة داخلية، انها ذكرى أليمة.

 

مزاولة مهنة الطب في أهم مركز انجاب في المملكة المتحدة!

 

ــ كيف بدأت بمزاولة مهنة الطب في المملكة المتحدة ولاحقاً تسلمت منصب نائب المدير الطبي في <مركز الانجاب والصحة الجينية> في لندن؟

- عندما وصلت الى لندن ومثل بقية الناس، لم أكن أعرف أحداً هناك، صحيح انني اعرف لغة البلد، ولكن لم تكن الأمور سهلة كما في يومنا بفضل وسائل التكنولوجيا المتاحة للجميع، اذ بامكان كل واحد ان يعرف كل ما يريد معرفته من خلال استخدام <الغوغل> وما شابه، وبالتالي أصبحت هذه الأمور اليوم أسهل بوجود وسائل التواصل الاجتماعي الى ما هنالك. وصلت الى لندن وتم قبولي كزمالة في <University College London> وتلقيت عرضاً ان اعمل بأهم المراكز في المملكة المتحدة: <مركز الانجاب والصحة الجينية> في لندن، اذ انه في هذا المركز تُسجّل أعلى نسب النجاح في العقم والخصوبة في المملكة المتحدة. استمررت بالعمل في الوحدة داخل المركز اذ قمت باضافات عديدة وأدخلت علاجات جديدة، اذ قصدت اميركا وأتيت بعلاجات جديدة، واليوم اينما تكون هناك مؤتمرات طبية وأبحاث طبية نكون نحن من أوائل المشاركين بما يتعلق بالعلاجات الجديدة، واضيفها الى الوحدة داخل المركز، والحمد لله قمت بكل ذلك بجهد وتعب اذ لم يُقدّم لي شيء طوال حياتي على طبق من فضة مثل العديد من اللبنانيين الذين نجحوا في الخارج، اذ عملت بكد اذ عندما بدأت العمل بالوحدة أذكر انني على مدى أشهر لم اكن اخذ اي عطلة او استراحة على مدار الاسبوع، وما يدفعني للعمل باستمرار هو حبي لعملي ولزملائي وطبعاً حب المرضى لي لأن ذلك يمنحني حافزاً ايجابياً لأعمل وأقدم اكثر فأكثر.

 هجرة الادمغة الى الخارج!

 

ــ معظم اللبنانيين الذين هاجروا الى الخارج انما فعلوا بسبب الحرب اللبنانية والأزمات الاقتصادية وكان البعض منهم يفكر بالعودة والبعض الآخر يتردد، فهل قررت البقاء في المملكة المتحدة ام فكرت مراراً بالعودة؟

- طبعاً لا أحد يغادر لبنان وهو يفكر انه يغادر ولن يعود. لا أزال اذكر كم شعرت بغصة يوم ودّعت امي وأخوتي، اذ كنت أفكر دائماً انني سأبقى في لندن لمدة سنة وسنتين واعود الى لبنان وأقدّم خبرتي لبلدي، ولكن كما أغلبية اللبنانيين الذين سافروا الى الخارج اذ تمر السنوات ولا يرجعون الى البلد. للأسف هجرة الأدمغة في لبنان ليست جديدة، واعتقد ان هجرة اللبنانيين موجودة في جيناتنا منذ ايام الفينيقيين اذ اشتهر الفينيقيون بصناعة السفن وأبحروا الى العديد من البلدان ونقلوا جيناتهم الى أماكن عديدة، ربما هذا الأمر لا يزال يشعر به اللبنانيون اذ اينما نذهب ننشر الثقافة والفرح، فربما ذلك في جيناتنا، وهكذا بقيت في لندن. وطبعاً الحياة في الخارج أسهل من العيش في لبنان، اذ في لبنان لا نزال نتحدث عن أمور بدائية مثل الماء والكهرباء، طبعاً في الخارج تُبذل الجهود في سبيل العلم والتقدم ويستغل الانسان الوقت بالعمل والعلم، وهناك احترام للانسان في الخارج للأسف اكثر مما هو في لبنان، وكما قلت هناك اسباب عديدة تدفع اللبناني للهجرة الى الخارج مثل الوضع الاقتصادي وعدم الاستقرار، صحيح ان لبنان أجمل بلد ولكن ليس هناك استقرار وتوازن في المجال الاقتصادي، اذ لا أحد يعلم متى ينهار الاقتصاد او تقع الحرب، وبالتالي هذا دفعني لأبقى كل هذه السنوات في لندن، وطبعاً أُتيحت لي فرص العمل بجهدي وتعبي بدون اي وساطة وهذا كان حافزاً مهماً لي لكي أبقى في لندن.

ــ كمغترب هل كنت تشتاق لأمور في لبنان مثل جمعة العائلة والعادات والتقاليد التي يفتقدها اللبناني في دول الاغتراب؟

- طبعاً هناك غصة واشتياق للبنان كل الوقت، زوجتي لبنانية وبالتالي لم تتغير الأمور علي كثيراً، صحيح انني مواطن بريطاني ولكنني افتخر بالاثنين اذ افتخر انني بريطاني من أصل لبناني، وافتخر بلبنانيتي، وأفتخر ببريطانيا التي فتحت لي الأبواب والتي ساعدتني علمياً وقدمت لي وفي الوقت نفسه قدّمت بنفسي لبريطانيا أيضاً، وطبعاً للبلدين فضل عليّ، ولكن هناك اشتياق دائم للبنان وكما يقال <لبنان يا قطعة سما> بالفعل <لبنان يا قطعة سما>، وطبعاً نحب التقاليد والتراث اللبناني وهي موجودة في حياتنا ونعيشها عندما نزور لبنان. وبوجود وسائل التواصل الاجتماعي فان العولمة هي الطاغية حالياً، فالناس تقريباً يتناولون الأطعمة نفسها في كل مكان، ويتصرفون بالطريقة نفسها، وردة الفعل هي نفسها، وبالتالي للعولمة ايجابياتها وسلبياتها، ولكن طبعاً نحب التراث والتقاليد اللبنانية، وسأربّي أولادي بحسب تقاليد معينة تربّيت عليها، فالحنين للبنان لا يزول، ولكن طبعاً مع مرور الزمن يعتاد الانسان ان يفكر بعقله أكثر من قلبه في بعض الأحيان.

ــ هل شعرت يوماً انك غريب في المجتمع الانكليزي؟

- بالنسبة للمجتمع الانكليزي فهو مجتمع راق جداً، وكوني أعمل في لندن هذه المدينة التي تضم شعوباً من كل دول العالم، فإنني لم أشعر يوماً انني عُوملت بطريقة عنصرية او كغريب، على العكس اذ انهم ينظرون الى الانسان كانسان ويحترمون الشخص ولا يسألون من أين أتى ويحترمون الثقافة والعلم ولا يميزون بين الناس من حيث العرق او الجنسية، وهذه من الخصائص التي افتخر بها وأحب ان اربي أولادي عليها، وهذا ما يميز الشعب الانكليزي الذي لا يميز بين الناس، لأنه للأسف في لبنان لا نزال وفي بعض الأحيان نمارس العنصرية تجاه الجنسيات الأخرى، وحتى العنصرية بين طائفة وطائفة وبين عائلة وعائلة، على أمل ان تتغير هذه المفاهيم ونتعلم من الدول الحضارية احترام الآخرين.

 

العودة الى الوطن!

ــ أخيراً، هل فكرت بالعودة الى لبنان؟

- بالنسبة للعودة الى لبنان فوالدتي دائماً تطرح علي هذا السؤال، اذ امي كما بقية الأمهات اللبنانيات اللواتي يردن ان يرجع ابناؤهن الى الوطن. بالنسبة الي فوالدتي هي أعز انسان على قلبي فهي التي ربّتنا وتعبت كثيراً لحين اصبحنا أطباء، وهي تسألنا دائماً متى سنعود الى لبنان اذ لا تريد ان تبقى لوحدها، وتقول لنا صحيح انكم نجحتم كأطباء في دول الاغتراب ولكنها تريد ان ترانا في بلدنا نقدّم له الخبرات التي اكتسبناها، وكما يقولون هنا في بريطانيا (لا تقل ابداً أبداً) فربما قبل ان نتقدم في السن نعود الى لبنان وربما تُتاح لنا فرص عمل جيدة، وبالتالي هناك دائماً أمل بهذا البلد الصغير ان يتغير سياسياً واقتصادياً، وكلما سمعنا عن المجتمع المدني وعن سياسيين شباب لديهم طموحات ويودون ان يكافحوا الفساد والمحسوبيات نشعر بالأمل أكثر، وبالرغم من كل شيء سيبقى لدينا بصيص أمل بهذا البلد الذي هو فعلاً صغير من حيث الحجم على الخريطة ولكن فعلاً هو <سويسرا الشرق>، ولا أحد يعرف ماذا تخبئ الأيام المقبلة، واذا تحسن البلد لمَ لا؟ اذ ممكن ان نعود الى لبنان.