بقلم عبير انطون
ها هي المرأة اللبنانية تلمع من جديد، وفي ميدان مختلف هذه المرة. ناهد عبد الساتر الآتية من مدينة الشمس الى رياضة كانت ولا تزال بغالبيتها حكراً على الرجال، اخترقت حواجز نفسية وجسدية عدة حتى وصلت الى الحلم الذي تطلب سنوات من الجهد والتعب والاصرار لتحقيقه، وفي بلاد العم سام كانت المنافسة.فقد دخلت ناهد في مسابقة لكمال الأجسام في الولايات المتحدة الأميركية وتغلبت على عشرين متبارية من مختلف دول أنحاء العالم في حفل أُقيم في المدينة السياحية <أتلانتيك سيتي> في ولاية <نيوجرسي>. وبهذا الفوز حققت عبد الساتر إنجازاً رياضياً ليس فقط على صعيد لبنان انما اعتُبرت المرأة الأولى عربياً في هذه الرياضة بإحرازها الميدالية الذهبية وبطاقة المحترفين.
متكلة على لياقة بدنية وغذاء صحي، كانا كفيلين وحدهما في وصولها الى ما تصبو اليه حيث حققت ناهد حلمها الذي لا يزال في خطواته الاولى على درب لا بد وانها ستكمل فيها، ذلك انها تؤمن إن الرياضة مصنع العقلاء، والانسان رجلاً كان ام امرأة، عليه بلياقة بدنية تجعل حياته افضل.
عضلات مفتولة..
تاريخياً، نشأت رياضة كمال الاجسام في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين. مبدؤها تضخيم عضلات الجسم وإبرازها، واستعراضها مقارنة بعضلات المنافسين الآخرين، وفق قواعد محددة، وقد انتشرت اللعبة في عقدي السبعينات والثمانينات بشكل كبير.
ومنذ القدم كان الإعجاب من نصيب الأجسام المكتملة القوية مفتولة العضلات، اذ قال <ويل ديورانت> واصفاً <جلجامش> الأسطورة الرافدية: «هو طويل القامة، ضخم الجسم، مفتول العضلات، جريء مقدام، جميل يفتن الناس بجماله.. لا يماثله أحد في صورة جسمه>. وفي مصر القديمة، كان الملوك والآلهة يُنحتون بالتماثيل التي تجسدهم مفتولي العضلات، ممشوقي القوام، مشدودي الأجسام، دليلاً على القوة والكمال والجمال الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان.
اما لدى اليونان، فقد كان البطل الخارق <هرقل> نصف الإله ونصف البشر يتمتع بجسم خارق للعادة، قوي البنيان، مفتول العضلات، وقد أصبح هذا البطل بقوته وعضلاته رمزاً للألعاب اليونانية القديمة على جبل <الأولمب> قرب أثينا. وتبعهم في ذلك الرومانيون الذين اقتفوا آثار اليونانيين خطوة بخطوة مع تغيير الأسماء.
وبعيداً ايضاً، في الهند والصين كان النحاتون ايضاً يتفننون بنحت الأجسام البشرية بكامل رونقها وقوتها، ويصورون في أساطيرهم نماذج الكمال الجسماني والعضلي والعقلي لأبطالهم وآلهتهم على حد سواء. وفي عصر النهضة الأوروبية تابع الفنانون أسلافهم اليونانيين والرومانيين بتمجيد الأجساد الكاملة البنيان والقوة، فصوروا الآلهة والأنبياء والقديسين بأجسام ممشوقة، مفتولة العضلات، بارزة الرجولة والقوة.
هذه نماذج عن شعوب صورت الجسم الكامل عبر التاريخ بالجسم القوي المفتول العضلات، الا اننا لم نسمع كثيرا عن اسماء نساء بطلات في هذا المجال. اليوم تأتي ناهد عبد الساتر لتفتح الطريق..
التقينا البطلة بعد فوزها باللقب وكان هذا لقاء <الافكار> معها، فسألناها اولاً:
ــ ما هي أبرز المحطات في حياة ناهد عبد الساتر، الولادة، النشأة؟
- نشأت وولدت في مدينة الشمس بعلبك سنة ١٩٨١ وتتكون عائلتي من تسعة أفراد وانا أصغرهم. درست ادارة الاعمال وعملت في مجالها لفترة، الا انني تركتها بعدما جذبتني رياضة كمال الاجسام. فالوظيفة مملّة واقتنعت بأنني أستطيع ان أساهم في العطاء اكثر من خلال الرياضة.
ــ كيف تم اشتراكك في المسابقة العالمية في مدينة <أتلانتيك سيتي> الأميركية؟ ومن شجعك على ذلك؟
- بعد الانتساب الى اكثر من بطولة والعمل على نقاط الضعف، أُتيحت لي المشاركة ضمن أركان الأبطال، وكان بين اكثر المشجعين لي أحد أقاربي وهو صهري اذ آمن بي، واختي شجعتني كذلك.
الاحتراف وارد..
ــ هل تنوين الاشتراك في بطولة العالم للمحترفات بعدما حصلت على بطاقة تخولك ذلك؟ وما هي ابرز صعوبات الاحتراف؟
- طبعاً املك الطموح لكي استمر في التقدّم، وإذا أُتيحت لي الفرصة للمشاركة سوف أخوضها بدون تردد. ليس للاحتراف صعوبات محددة وهي برأيي لا تختلف عن صعوبات الهواية، اذ انني انظر الى مختلف البطولات التي اخوضها بالجدية نفسها.
ــ في اية سنة بدأت التمرينات؟ وما هو معدلها اسبوعياً او يومياً؟
- بدأت رحلتي في الرياضة منذ العام ٢٠٠٧، وأنا أمارس التمارين الرياضية من ٤ الى ه ايام أسبوعياً على مدى ساعة لكل حصة.
ــ لا بد انك تتبعين نظاماً غذائياً معيناً لكن هل هو دائم؟ ومتى كانت آخر مرة خرقت فيها هذا النظام مثلا؟ (حفلات مناسبات، افراح..)؟
- بكل تأكيد، فالغذاء اساسي في مثل هذه الرياضة وهو مدروس بدقة ويجب اتباعه من دون اخلال به، لكن اذا ما كنت (off season - Preparation) اي خارج موسم المباريات، فيمكن للسعرات الحرارية ان ترتفع قليلاً اكثر من فترة التحضيرات التي ترتكز أساساً على البروتينات والخضار والفاكهة.
- هل من مواصفات محددة للطول والوزن في هذه الرياضة؟ وكم يبلغ طولك ووزنك شخصياً؟
- بعض الاتحادات يقسّم اللاعبين بحسب الوزن والبعض الآخر بحسب الطول او كليهما معاً، ولكن على اللاعب ان يتحلى بالتناسق والكمال كما وُصف في <الميثولوجيا اليونانية>، شخصياً يبلغ طولي ١٥٨سنتيمتراً ووزني ٥٨ كليوغراماً.
وراثة.. ولكن!
ــ الى أي مدى يساهم عامل الوراثة في كمال الاجسام بمعنى ان بين الاشخاص من يرثون عن اهلهم الجسد المتناسق؟ وهل يمكن لصاحبات الوزن الثقيل القيام بهذه الرياضة؟
- الجينات لها دور كبير في هذه اللعبة، ولكن من نقاط جمالها التمرينات النفسية التي تسمح للاعب ان يتخطى هذه الحواجز، اذ ان هذه الرياضة هي الطريق الفضلى للشخص النحيف حتى يبني جسمه بطريقة مقبولة، وللسمين أيضاً حتى ينحف ويخفض من وزنه فيصل الى وزن صحي، إذيجب ان نتحكم بجسدنا ولا نجعله يتحكم بنا.
ــ هل من تعقيدات صحية يمكن ان تواجه من يقوم بهذه الرياضة بشكل خاص بالنسبة للسيدات؟
- ليس بالنسبة لمن يتبع نظاما غذائيا مدروسا وتمارين صحيحة إذ يمكن الوصول الى نتيجة جيدة من دون اي تعقيدات صحية.
ــ من الواضح انك لم تخسري أنوثتك بفعل ممارسة هذه الرياضة، كيف تعرّفين انوثة المرأة؟ وماذا عن قولك: <اكتشفت نفسي مع هذه الرياضة>؟
- هذه الرياضة علمتني أن اي هدف ارسمه استطيع ان احققه. لقد كشفت لي رياضة اللياقة البدنية وكمال الاجسام الكثير عن جسدي وقدراته، والى اين يمكنني ان اصل به، وهذه كلها لم اكن اعرفها سابقاً. وبالنسبة للأنوثة لا اعرف ما المقصود بها في العادة.. هل هو الماكياج، والشعر المصفف والكعب العالي؟ لا اعتقد. لقد علمتني هذه الرياضة ان الأنوثة تكمن في القوة، لان هذه ترفع الثقة بالنفس، والثقة بالنفس هي جوهر القوة والجاذبية لدى السيدة كما عند الرجل.
ــ تختلف صورة الجسد لدى المرأة في الشرق بشكل كبير عن النظرة اليه في الغرب، حيث هو في الشرق للحمل والانجاب اولا، هل بدأت تلمسين ان هذه النظرة عندنا تغيرت نوعاً ما؟
- دور المرأة في مجتمعنا العربي بدأ يتغير، بالامس لم نكن نجد امرأة عربية واحدة في نخبة أركان الدفاع الوطني، أما اليوم فيوجد بين النساء العربيات من يقدن الطائرات الحربية الاكثر تطوراً، وان ممارسة هذا النوع من الرياضة لن تمنعني من حياة زوجية طبيعية كأي امرأة عربية او اجنبية.
ــ هل انت متزوجة؟
- لا لست متزوجة.
ــ هل اختيارك لهذه الرياضة هو تحد لذاتك ام لمجتمع لا يعترف ببعض الرياضات الا للذكور؟
- أنا أنافس نفسي لتحسين نفسي، وهو إنجاز جسدي وعقلي وربما روحاني.
ــ ماذا لديك من هوايات أخرى؟
- الفنون القتالية، الرقص والطبخ.
حذار.. المنشطات !
ــ بماذا تتوجهين الى الشباب بشكل خاص الذين يلجأون للمقويات والمنشطات لابراز عضلاتهم؟
- أقول لهم: استعمال المنشطات هو خدعة كبيرة تنبهوا لها جيداً واحذروها، هي طريقة سريعة فعلاً إلا انها غير صحية، وبذلك نهدم جسدنا وندمر صحتنا عوض ان نبنيها.
ــ هل وردك اتصال تهنئة من اية جهة رسمية او خاصة تتبنى رياضتك وتساعدك على الغوص فيها اكثر لاسيما انها غير منتشرة في لبنان؟
- وردني العديد من اتصالات التهنئة الا انها اقتصرت على أقربائي وأصدقائي وليس من اي جهة رسمية.
ــ لم تتابعي تمريناتك مع مدرب شخصي واعتبرت انه بإمكانك القيام بذلك بنفسك، هل سهّل عدم وجود مدرب الامر ام جعله اصعب؟
- للأسف اضطررت للسفر للخارج لعدم وجود مدربين ذوي خبرة كافية في بلدنا، مما صعّب الامور قليلاً.
ــ هل من مجال لهذه الرياضة وخاصة للسيدات برأيك في لبنان؟ وهل من سيدات تعرفينهن في هذا المجال؟
- إنني سعيدة بمشاهدتي لتدفق الكثير من النساء الى صالات الرياضة والاهتمام ببناء اجسادهن، ومن الطبيعي اننا سنرى منافسات شديدات لي في السنوات المقبلة. حتى الآن لا أعرف كثيرات في هذا المجال إلا انني على معرفة بـ<هيفاء الموسوي> وهي بحرينية الجنسية.
ــ هل تفكرين بافتتاح نادٍ خاص بك في لبنان؟
- نعم انوي افتتاح فرع في لبنان، وهذا حلمي بإذن الله.
ــ هل من عمر محدد لهذه الرياضة؟ وحتى متى يمكن ممارستها في البطولات؟
- في هذه اللعبة المبدأ العام هو كالآتي: < never too late to start and never too old to quit> بمعنى انه لا يفوت الاوان ابداً لممارسة هذه الرياضة الجسدية، فلا عمر محدداً للبدء بها او لتركها.
ــ هل تعتبرين نفسك من الاشخاص الذين يسعون الى الكمال في كل شيء حتى في اجسامهم؟ وهل من <جسم كامل> او <مثالي>؟
- الكمال يعني بالنسبة لي ان أكون كفوءة وممتازة بكل عمل أقوم به، والحياة كاملة بعدم كمالها. الكثير من الأجسام نجدها ملفتة ولكن دائماً ما توجد طريقة لتحسينها أكثر.