تفاصيل الخبر

نادين لبكي مزارعة تأكل "تبّولتها" من أرضها..."زريعة قلبي": مبادرة هدفها الإكتفاء الذاتي في ظل غياب الدولة!

27/05/2020
نادين لبكي مزارعة تأكل "تبّولتها" من أرضها..."زريعة قلبي": مبادرة هدفها الإكتفاء الذاتي في ظل غياب الدولة!

نادين لبكي مزارعة تأكل "تبّولتها" من أرضها..."زريعة قلبي": مبادرة هدفها الإكتفاء الذاتي في ظل غياب الدولة!

بقلم عبير انطون

[caption id="attachment_78243" align="alignleft" width="444"] اخضر دايم... عيش مستدام[/caption]

"ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين، ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر، ويل لأمة تحسب المستبد بطلا وترى الفاتح المذل رحيماً، ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت بجنازة..."    

كتابات الفيلسوف والاديب العالمي جبران خليل جبران هي طبعا للتأمل، ولكن ليس فقط! فليكن كلامه للحثّ على الفعل ايضا، ولنقطف من هذه العبارات البليغة في مقالنا هذا "نأكل مما نزرع"..

فبناءً على هذه القاعدة الذهبية كانت الأغنية والكليب المصور الفرح والمتفائل والملون بالأخضر في هذه الايام السوداء القاتمة  للمخرجة والكاتبة والممثلة نادين لبكي في مبادرة لافتة، في بلد يبدو ان لم يعد له ما يشفع غير "مناخه" وارضه الطيبة ولبنانيّيه اللبنانيين.

فما هي حملة "زريعة قلبي"، وكيف تشرحها لبكي؟ متى انطلقت فكرتها وما الهدف منها؟ مَن شبك يده بيدها لايصالها على اوسع نطاق وتشجيع المواطنين على العودة الى الأرض؟

مع اندلاع الأزمة الاقتصادية والتدهور الحاصل، تقول نادين، يضطر الناس الى ايجاد البدائل  والقيام بالمبادرات في ظل غياب الدولة وانشغال المسؤولين عن معيشة المواطن ويومياته وامنه الغذائي والاجتماعي. ومع غياب ادنى مقومات العيش للكثير من الأسر رحنا نفكر بما يمكن ان يسد الحاجة. واول ما يتبادر الى الذهن في هذه الحال هو ولادة نوع من الاكتفاء الذاتي، وان يأكل الفرد ما ينتجه اي ما حرثه في الارض وزرعه وسقاه ليقطف منه ويأكل ويتغذى من دون منةّ او مد يد العوز لاي كان، جهات او اشخاصا، خاصة مع غياب مساعي الدولة للقيام بواجباتها ومساعدتها وتأمينها ابسط حقوق العيش للمواطن فيها.

من هنا كانت انطلاقة فكرة "زريعة قلبي" والكليب المصور، وحتى تكون حملة وطنية واسعة فقد تطوع عدد من مبادرات الزراعة المستدامة لمساعدة المواطنين الراغبين في الزراعة في منازلهم او أراضيهم وتقديم المشورة لهم والاجابة عن اي تساؤل لهم في هذا الشأن.

فقبل الكليب، تساءلنا كثيرا عما يمكن ان يساهم في تعزيز فكرة الزراعة عند الناس، على ان يكون ذلك بشكل دائم وغير مرتبط بالازمة الاقتصادية الحالية، خاصة وان الاتجاه في العالم كله اليوم ينحو صوب العودة الى الزراعة وتعزيزها، وهذا ما هو بمنتهى الأهمية لبيئتنا اولا، ولطريقة العيش المستدامة من جهة اخرى، طريقة عيش مستقبلية صحية.

وتضيف صاحبة "كفرناحوم":

- في بلدنا، مَن منا ليس له على شرفة منزله او سطح بيته او البناية التي يقطنها مساحة ولو صغيرة، ومَن منا ليس بجوار بيته بؤرة تحولت مكبا للنفايات ولالقاء الردم وقطع السيارات القديمة او غير المستخدمة؟ هذه كلها يمكن تحويلها الى جنات صغيرة تملؤها البركة في مختلف احيائنا التي في الكثير منها بات يعاني سكانها من الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي رزحت الغالبية العظمى، وحتى الطبقة الوسطى، تحت وطأتها. فلِم لا يتحول سطح البيت او البناية او "البورة" الى مكان منتج، تأكل منه انت وعائلتك وجيرانك؟ إنه لأمر أساسي كي نتحصن في هذا الوقت العصيب ونستفيد من كل بقعة ارض ونحولها الى مصدر غذاء.

لا اخفي، تضيف مخرجة "كاراميل" ونجمته، انه لتنفيذ الفكرة مررت باكثر من تساؤل حول الطريقة الافضل لتحفيز فكرة الزراعة، وهل يكون ذلك عبر فيلم وثائقي او عن طريق تلفزيونية، الى ان اتى الوحي بطريقة مفاجئة ـ تقول نادين مبتسمة. وقد سألني زوجي (خالد مزنر) واضعُ الموسيقى لمختلف أفلامي السينمائية، لمَ لا احول اغنية "حشيشية قلبي" التي غنيناها في فيلم "كاراميل" فنعدل في كلامها ونجعلها "زريعة قلبي". وبعد بركة كاتبة كلماتها والتي غنتها في الفيلم الفنانة تانيا صالح، تم الاتصال بالصديق جورج خباز فوضع صيغتها الجديدة بكلامها الجديد مع خالد.

اما التواصل بين الاشخاص الثلاثين الذين أطلوا في الكليب فقد تم عن بعد بسبب التعبئة العامة، كما تواصلت مع صديقي المخرج ايلي فهد فكانت التوليفة كلها عبر "فايس تايم" و"الفيديو كول" وتمت منتجتها، وقد استغرق العمل حوالى الثلاثة أسابيع ليأتي مختصرا في دقيقتين هي مدة الفيديو كليب الذي تشاهدوه بحيث جمعنا كل مَن نعرف انهم يزرعون من حولهم، من اصدقاء وفنانين واعلاميين بينهم (رنيم بو خزام وجورج خباز ودارين شاهين وطلال الجردي ودوللي غانم وغيرهم) ومنهم اشخاص ليسوا تحت الضوء ونعرف عنايتهم بالزراعة وقيامهم بها.

كل لبنان..

[caption id="attachment_78245" align="alignleft" width="444"] التعلق بالارض[/caption]

 كما سبق وأشرت، تقول نادين، وحتى تصبح الفكرة قيد التنفيذ كان لا بد من التوجه الى أهل الاختصاص الذين لديهم خبرة طويلة في هذا المجال، وتم الاتحاد ما بين اكبر عدد ممكن من المبادرات والجمعيات التي تُعنى بالعمل الزراعي المستدام، لجعل هذه الحملة قدر المستطاع مشروعا متكاملا يبسط نشاطه على معظم المناطق اللبنانية. ومبادرات الزراعة المستدامة هذه  كانت تعمل على هذا الأمر منذ من وقت طويل، لكن الجديد كان في جمع قوانا لنكون يدا واحدة بحيث نشبك جهودنا على مساحة لبنان فنصل الى اكبر عدد ممكن من الناس ونقوم بمساعدتهم اذا طلب احدهم نصيحة زراعية إن كان لا يعرف مثلا من اين يبدأ أو كيف يزرع على السطح وغيرها...

باختصار تهدف هذه المبادرة الى مساعدة وإعطاء الإرشادات لمَن يرغب بزراعة ارضه، ومساعدة مَن يرغب بالاستفادة من المساحات الصغيرة كالزراعة في المدن على الشرفات او الأسطح، كما يمكن، ولمَن يرغب أيضا، التبرع بعمله او خبرته او حتى بتقديمه شتولا او أي مساعدة يمكنه المشاركة عبرها.

اما الجمعيات والمؤسسات المساهمة فهي:

ارضي ارضك المتعاونة مع الجامعة الاميركية في بيروت

AUB Faculty of Agriculture

AUB ESDU

جمعية بيت البركة

بذورنا جذورنا

Regenerate Lebanon

Agronote

المبادرة الزراعية الشعبية

سكه

ازرع

*Help them seed*

الارض والجذور...

[caption id="attachment_78247" align="alignleft" width="444"] بذورنا... جذورنا[/caption]

من ارضها تأكل نادين وعائلتها التبولة اللبنانية الشهية: "نحن نملك قطعة ارض صغيرة في البترون مزروعة بمختلف انواع الخضار والفاكهة، وما اجمل ان يأكل الواحد منا مع عائلته  من ارضه. فالامر، وبغير ان له جدوى اقتصادية وبيئية كبرى فانه يتعداها الى فكرة الانتماء والتعلق بالجذور. خالد زوجي يحب الزراعة ويحب ان يأكل من خيرات الارض وهذا امر  يعني له كثيرا لأنه متعلق بلبنان وارض لبنان. هو يقول: لا يمكن ان تتعلق بوطنك من دون ان تنكش ارضه وتزرعها وتسقيها وتحصد ما بذرته، او كما يقول مطلع الأغنية: "انكشها وافلحها وازرعها واسقيها واقطفها وقصقصها واطبخها"..

غياب الدولة الذي أشارت له نادين في البداية والذي جعلها تنزل الى ساحة ثورة 17 تشرين مطالبة بالتغيير، سيجعلها تنزل من جديد: "سنكمل ونستمر ونثور، فالثورة لم تتوقف او تنطفئ، وما اجمل ان يكون الفرد منتجا وثائرا في الوقت عينه".

بذور...

مبادرة نادين في التشجيع على الزراعة وتعزيز فكرتها لها اخت مماثلة أطلقتها النائبة بولا يعقوبيان، وان في غير مقاربة وبطريقة منفصلة عنها، وتلتقيان على التحفيز الزراعي عينه.  فمن خلال مبادرة "دفا" اطلقت يعقوبيان دعوة الى الزراعة ايضا وتقديم يد العون لمَن يريد ذلك او يرغب بدوره في تقديم دعمه. وتقول يعقوبيان في هذا الصدد:

"لأن أمننا الغذائي بخطر نتيجة الاجراءات التي فرضتها "كورونا" كما نتيجة تدهور الوضعين الاقتصادي والمالي ما أثر على عمليات الاستيراد ورفع الاسعار، بدأنا كمتطوعين في حملة "دفا" بحراثة ‏احدى الاراضي في منطقة الاشرفية لزراعتها وتوزيع محصولها على العائلات المحتاجة مجانا. تبلغ مساحة الأرض ٥ آلاف متر مربع وهي تقدمة من السيد رضا جفال ويفترض أن تستفيد منها مئات العائلات. بدأنا اليوم بزرع الشتول والبذور كما أننا بدأنا بانتاج سماد عضوي بمساعدة المهندس زياد أبي شاكر، ولا نزال نحتاج لمساعداتكم وتبرعاتكم من شتل وبذور ومياه ري كما لمتطوعين لاعمال الزراعة".  

ومع شكرها للذين قدموا دعمهم بينهم الشركة التي قدمت خزانا كبيرا للمياه تزيد يعقوبيان:  

‏"للأسف الازمة معقدة وطويلة واعداد المحتاجين تتضاعف، ونحن على قناعة أننا قادرون اليوم على تأمين نوع من الاكتفاء الذاتي من خلال اللجوء لزراعة الاراضي المحيطة والمساحات المتوافرة... يدا بيد نستطيع ان نبعد عن وطننا شبح الجوع والعوز".