بقلم حسين حمية
شهر رمضان هذا العام كان له نكهة خاصة بعدما توحّد المسلمون في بدء الصوم، على أمل أن يكون العيد واحداً موحداً ولا يكون هناك عيدان، في وقت استبقت مؤسسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله كل المرجعيات الدينية في تحديد يوم الصوم كما كانت تفعل كل سنة، وتكمل طريقها باعتماد العلم في توليد الهلال.
<الأفكار> التقت القيّم الحالي على هذه المؤسسة العلامة السيد علي فضل الله نجل الراحل الكبير الذي يكمل مسيرته الدينية والفكرية وحاورته على هذا الخط، بالإضافة الى شؤون وشجون العالم الإسلامي وما يتخبط فيه من اقتتال وتكفير وتطرّف والحلول المفترضة لإنهاء الأزمات في المنطقة بدءاً من السؤال:
ــ مؤسسة العلامة المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله كانت السباقة على الدوام في تحديد بدء يوم الصوم كما الحال هذه السنة. فما سرّ ذلك؟
- الأمر طبيعي لأننا اعتمدنا على العلم الذي وصل الى درجة أصبح الخطأ معه بالثواني وليس بالدقائق، ولذلك أخذنا هذا الخيار وسنبقى عليه ونعتبره الخيار الأسلم لتحديد بدء الصوم، وأي خيار آخر قابل للاختلاف.
ــ وهل هناك مغزى للتوافق الذي حصل لجهة توحيد يوم الصوم عند جميع المسلمين، وهل من آثار إيجابية لهذا المنحى؟
- ندعو الى تأكيد هذا التوافق حتى انه ليس من المنطق أن يكون في البيت الواحد صائم ومفطر في آن، أو ان يُعيّد أحدهم والآخر لا يعيّد، لما في ذلك من آثار سلبية على جو البلد بشكل خاص الى جانب التأثيرات على الصورة العامة، حيث نحرص على تجميع أي مفردة من المفردات التي تساعد على توحيد صفوف المسلمين. بالإضافة الى جمع كل النقاط التي تساعد على جعل صورة المسلمين أفضل، وقد تكون هناك إساءة للإسلام بأنه في الوقت الذي وصل العلم الى ما وصل إليه لا نستطيع أن نواكب هذا التطور رغم ان أول آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي <إقرأ>، أي إقرأ في كتاب العلم والحياة وليس فقط في كتاب الدين، ولذلك نحن ندعو لتأكيد هذه الصورة ونخشى ألا يتكرر التوافق يوم العيد.
العيد يوم 17 تموز
ــ هل لديكم حسابات خاصة بيوم العيد؟
- نظراً لطبيعة الحسابات التي يعتمدها الفقهاء في موضوع الرؤية، خاصة وان الكثيرين من الفقهاء يرون ان الهلال يجب أن يُرى في منطقتنا رغم وجود رأيين: الأول، انه عند رؤية الهلال في أي منطقة في العالم تثبت رؤيته، ورأي ثانٍ يقول انه يجب ان يثبت في البلد الموجود فيه، وبالتالي بحسب ما نرى ان العيد المقبل قد يحوطه اختلاف، وقد لا يكون عاماً. ونحن نرى ان العيد سيكون يوم 17 تموز/ يوليو المقبل، وبذلك نكون قد صمنا 29 يوماً.
ــ هل هناك علاقة للسياسة في تحديد الأوقات؟
- إذا دخلت السياسة خاصة في ظل التشنج الموجود في الساحة الإسلامية فالاختلاف حاصل، وكان هذا الجو موجوداً في السابق.
ــ طالما العلم موجود ووسائل الرؤية المنظورة متوافرة، فلماذا لا يعتمد أسلوب توحيد المواقيت؟
- هذا ما نتمناه وندعو إليه، لكن لا يزال هناك من يرى أن الرؤية البصرية هي الأساس. ونحن نقول ان الرؤية البصرية هي وسيلة، ومع تطور الوسائل، فإذا وجدنا وسيلة أفضل وأجدى وأكثر قدرة على تحديد وجود الهلال نعتمدها... ففي السابق كنا نعتمد على وسائل بدائية ثم تطورت هذه الوسائل وتطورنا معها. فعندما كنا نريد السؤال عن شخص كنا نرسل شخصاً للسؤال عنه، لكن اليوم نتصل به بأي وسيلة تليفونية ونحدد وجوده من خلال التليفون وما شابه. ونستطيع القول إن التفكير بدأ إيجابياً بهذا الاتجاه طالما حصل تطور، علماً ان بعض الفقهاء على الأقل في الدائرة الشيعية كانوا لا يعتمدون <التلسكوب>، واليوم تغير الوضع وأصبح هؤلاء يعتمدون <التلسكوب> والمناظير، كما ان بعض العلماء كانوا لا يأخذون بالجانب العلمي، واليوم تبدل وضعهم وصاروا يأخذون به من الجانب السلبي.
ــ نختلف على رؤية القمر والإنسان وصل الى القمر. فكيف ذلك؟
- هذا ما نقوله، وللأسف فهذا يسيء الى صورة الإسلام والمسلمين، وان هذا الدين غير قادر على مواكبة تطور العلم ولا يزال في المراحل الأولى، رغم أنه بحسب فهمنا للدين، فإنه يأخذ بتطور الوسائل ويستفيد منها ويدعو إليها، وإذا كان البعض يتقيد بالنص الحرفي في بعض الأحيان، فالله يقول: <والخيل والبغال والحمير لتركبوها>، فهذه كانت وسيلة في مرحلة سابقة، ولكن بعد تطور الوسائل أخذنا نستقلّ السيارات والطائرات والقطارات وكل وسائل النقل الحديثة الأخرى، وإلا نكون نجمد النصوص، فالقرآن عندما نزل تحدث عن الواقع وليس هذا معناه أن نتجمد ونرفض التطور، ولذلك نعتبر أن الرؤية هي وسيلة وليست هدفاً.
الدين واستخدامه في السياسة
ــ مرّ رمضان هذه السنة وحال الأمة يرثى لها من اقتتال داخلي وتكفير وتطرف. فأين أصل العلة من وجهة نظركم؟
- أصل العلة هو في استخدام الدين لتصفية الحسابات السياسية، في وقت من الواضح أن الصراع الجاري هو صراع سياسي وصراع دول ومحاور ونفوذ، لكن الدين يستخدم في هذا السياق لتحريك الجماهير، وهذا أسوأ ما يكون. ومع الأسف فهذا الأمر عندما يحصل قد تحل معه الأزمات السياسية، لكن نثير معه الجانب المذهبي، والحل آنئذٍ قد لا يكون في يد أحد. كذلك نقول إن الذين يستخدمون الدين في الصراعات السياسية والشعارات الدينية من خلال الصورة التي نشاهدها الآن في واقعنا هم يسيئون الى الدين والعالم العربي والإسلامي ويعمقون الانقسام المذهبي والطائفي الذي يسعى البعض إليه أو الذي يحصل واقعياً، وهو أشبه بمشاريع الحرب.
وأضاف:
- هذا من جانب والجانب الآخر هو اننا نعاني من مشكلة عدم حسن ادارتنا للاختلاف الذي يتطور دائماً الى خلاف ونزاع. ونحن نقول ان لا مشكلة في الاختلاف، بل المشكلة في تحويل هذا الاختلاف الفكري والمذهبي والديني الى نزاع وفتنة. وحتى في حياتنا اليومية، فعندما يختلف كل واحد يستعمل عضلاته ولسانه ويستثير أحقاد الماضي. والآن وعندما نختلف نستعيد كل مفردات الخطاب المتشنج الذي يعمق الانقسام ويؤجج الفتنة.
ــ وهل موجات التكفير مرتبطة بالممارسة الدينية عبر التاريخ وهي ليست جديدة، أم هي نتيجة مخطط سياسي جهنمي؟
- هذا الفكر موجود منذ التاريخ الأول من خلال المنطق التكفيري والغلو والخوارج أبرز دليل على ذلك، وهذا لم ينتهِ ويبقى البعض لا يطيق الآخر.
وتابع يقول:
- التطرف وإلغاء الآخر ومنطق الإقصاء أمور موجودة قديماً، لكن ما حصل الآن هو الاستفادة من الجو السائد واستغلال هذا الجانب، حتى ان البعض تقوّى بهذا المنطق التدميري والإلغائي.
ــ هل اسرائيل هي التي استفادت لتبرير إعلان يهودية دولة الكيان وتفتيت المنطقة؟
- قد يكون هذا الأمر هو السبب بشكل أكيد، والبعض يريد ان يحقق مشاريعه من خلال وجود مثل هذا المنطق، ولكننا نضع دائماً المسؤولية على الآخرين، وأنا لست من دعاة ذلك، بل أسأل عن الجسم القادر على تقبل هذه الأمراض.
ــ وكيف ترى المناعة في جسم الامة والمدخل إليها؟
- المطلوب تقوية جسمنا وتقوية عناصر الوحدة وتغليب منطق الاعتدال وتعزيز وجوده وان نعالج المشاكل السياسية والشعور بالغبن الذي يعيشه البعض ومشاكل الفقر وما شابه، حيث يجب ان تعالج مشاكلنا الداخلية، ولا نستطيع ان نواجه هؤلاء أو العقل التكفيري الإلغائي فقط عسكرياً، إذ نمنع تمدده عسكرياً فقط، ولكن ليس هذا هو الحل لأننا نعتقد انه يقوى آنذاك ويتحول الى مظلوم والمظلوم دائماً في مجتمعنا ينال الجمهور الأكثر، وبالتالي فالمواجهة تكون ثقافية وفكرية وعبر حل المشاكل العالقة، وأهم حل أن نوقف التوتر الأمني أو الخطابي في واقعنا لأن الخطاب العنيف يستدرج الردود العنيفة غير العقلانية، ولذلك فكل من يتحدث بمنطق انفعالي يساهم في تقوية هذا الفكر المتطرف.
التقريب بين المذاهب
ــ أمام ما يجري في المنطقة من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق ومصر، ألا يفترض بالمرجعيات الدينية في مكة والنجف والأزهر وقم أن تدعو الى كلمة سواء وتفتي برفض التطرف والتكفير، وألا يستحضرك هنا مجمع أو لجنة التقريب بين المذاهب والدور الذي يجب أن تقوم به؟
- هذا هو المطلوب، لكن المطلوب أيضاً أن تجتمع الدول لمواجهة هذه الظاهرة... فنحن ندعو المرجعيات الدينية الى أن تتخذ الموقف اللازم بشكل عام و لا تفرق بين ما يحدث هنا أو هناك، أو على سبيل المثال تندد بتفجير يحصل في هذا البلد وتمر مرور الكرام على تفجير جرى في بلد آخر، فالتفجير يطال الجميع والمرحلة تحتاج الى كلمة واحدة هي عدم استباحة الدم. فهذه هي الاولوية الآن، والجانب الفكري والثقافي نتحدث فيه قدر ما نشاء فيما بعد، لكن لا بد من التوقف عند استباحة الدم وتعزيز فتاوى رفض استباحته.
ــ استحضار تحريم قتل المسلم للمسلم على الأقل؟
- قتل الإنسان للإنسان، لأن الله قال: <من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً>، ولم يقل المسلم، وبالتالي المبدأ هو عدم القتل. هذا الذي يجب أن نعززه حتى نستطيع أن نرفع من واقعنا. ودور المرجعيات الدينية أن تتدخل وتتفق فيما بينها، بحيث يشعر كل جمهور بأن القضية ليست مذهبية. ولذلك علينا تعزيز هذه اللقاءات شرط ان تكون جدية ومنتجة.
وأضاف:
- أما عن مجمع التقريب بين المذاهب فهو موجود ودوره مهم، لكن لا بد من تفعيله، وان الإشكالية تكمن في ان هذه الدعوات تنطلق من هذا البلد تصطدم بحساسيات في البلد الآخر. ولذلك ندعو الى مجمع تقريب شامل على مستوى العالم الإسلامي ونأمل الحصول على ذلك قريباً.
ــ شهدنا في لبنان قمة إسلامية - مسيحية وقمة إسلامية نبذتا التطرف والتكفير ودعتا الى العيش المشترك. فهل هذا كافٍ لتحصين لبنان في وجه الفتنة؟
- هذا جيد، لكنه غير كافٍ لأن الخلاف أساسه سياسي وليس دينياً، ونشعر أحياناً ان المرجعيات الدينية لم تعد تملك الحضور المطلوب في الشارع، الى جانب انه يؤخذ أحياناً على المرجعيات الدينية انها تناقض نفسها في خطاباتها بحيث يكون الخطاب أحياناً عالي النبرة والسقف، وهذا من المآخذ، وبالتالي يجب أن يكون المسار واحداً حتى يثق الناس بصدقية المرجعيات الدينية.
ــ هل هذا ناتج عن خضوع هذه المرجعيات للوصاية السياسية؟
- صحيح، ومع ذلك نقول ان لا مشكلة في ان تكون لدى أي مرجعية آراء مختلفة، إنما لا بد من إدارة الخطاب بشكل يبقى عقلانياً بعيداً عن الانفعال، خاصة وان هناك تنوّعاً في الرأي وفي النظرة، لكن الخطاب العقلاني يجب أن يسود في كل الحالات ومع كل المأساة والمرارة.
الحوار وحق الاختلاف
ــ ألا ترى ان حوار <المستقبل> وحزب الله يساهم من جانبه في نزع فتيل الاحتقان في الشارع؟
- سبق ودعونا الى هذا الحوار والى استمراره مهما كانت نتائجه، لكن أحياناً تحصل على جوانب هذه اللقاءات قبل وبعد خطابات عالية السقف تقلل من نتيجة هذا الحوار، وبالتالي نحن نؤكد على فكرة أساسية وهي ان الاختلاف السياسي موجود في لبنان، وندعو المرجعيات الدينية الى ان يكون خطابها مختلفاً والمرجعيات السياسية الى ان تبرّد خطابها وتتحدث بالاختلاف قدر ما تشاء، لكن بطريقة هادئة وعقلانية ولا يجوز لأحد ان يفعل ذلك بحجة استثارة شارعه وتقويته، لأن هذا الهدف يوتر الشارع الآخر في المقابل ويساعد التطرف على النمو خاصة وان الكلمة عندما تخرج تصبح كالرصاصة بلا حدود، خاصة في هذه الأيام في زمن مواقع التواصل الاجتماعي ووسط جو الفتنة العامة التي تعم المنطقة.
ـــ هل نظرتكم تشاؤمية بالمستقبل أمام ما يجري أم أن هناك بصيص أمل؟
- أملنا بالله سبحانه وتعالى دائم وحاضر، لكن أمام المعطيات الموجودة والأجواء السائدة لا نرى ان هناك حلولاً لأي مشكلة من المشاكل خاصة وان المشاكل أصبحت مترابطة مع بعضها البعض بحيث لا يمكن حل مشكلة دون أخرى والدول الكبرى والمؤثرة يبدو انها غير مستعجلة على إيجاد الحل في لبنان، وهي تستنزفنا وتقوى أكثر على حسابنا ونحن نضعف أمام اسرائيل أكثر فأكثر. وللأسف سوف نترك لأولادنا إعادة الإعمار نتيجة الدمار في بلداننا والفوائد على الأموال اللازمة لعملية الإعمار حتى اننا في لبنان وصل مبلغ الدين العام الى 70 مليار دولار وأهل السياسة يشغلون العالم بقضايا هامشية في الوقت الذي نرى ان العواصف تحيط بنا وتطرح خرائط جديدة للمنطقة.
ــ وكيف ترى الحل للتعطيل الحاصل على كل المستويات السياسية ومؤسسات الدولة؟
- تعلمنا في لبنان الحلول الوسط، ولذلك ندعو الجميع الى عدم تكبير الحجر وعلينا ان نفكر بالحلول الوسط التي ستأتي حتماً، ومن المفيد ان تأتي عاجلاً بدل أن تأتي آجلاً لكي نوفر المزيد من الخسائر.. ففي رئاسة الجمهورية لا توجد إلا الحلول الوسط. وهكذا نحن في لبنان قادرون على ذلك لأن لبنان خارج الاهتمام الأولي، وإذا استطاع حل مشاكله، فالعالم يصفق له، لكن مع الأسف، نحن لا نستفيد من فرصة ان العالم مشغول عنا بقضايا أكبر وهو يريد للبنان ان يبقى هادئاً ويؤكد على ذلك بشكل دائم، وبالتالي على اللبنانيين أن يستفيدوا من هذه الفرصة وأن يحلّوا مشاكل بلدهم بدءاً من رئاسة الجمهورية وإعادة تنشيط المؤسسات. لكن للأسف نحن نتصرف في لبنان كملكيين أكثر من الملك نفسه، ونعمل لإرضاء هذا الفريق أو الجهة أو المحور الذي ننتمي إليه على حساب بلدنا، والخارج يتفرج علينا، لكن لا بد من التأكيد بأن التعايش هو خلاصنا ولا يستطيع أحد أن يلغي الآخر، لا الأكثرية تستطيع إلغاء الأقلية، ولا الأقلية تستطيع إلغاء الأكثرية. وفي النهاية سنعيش معاً ولا يمكن إلغاء طائفة أو مذهب، وعملية إضعاف أي طائفة أو مذهب هي مشاريع حرب للمستقبل، ولذلك لا بد من إعطاء كل واحد الحق بالوجود على أن لا يستأثر أحد لأن الاستئثار مشاريع حرب هي الأخرى إن لم يكن الآن، فالأكيد في المستقبل.