تفاصيل الخبر

مئة يوم من عمر حكومة دياب هل تكون المئة الثانية أفضل؟

27/05/2020
مئة يوم من عمر حكومة دياب هل تكون المئة الثانية أفضل؟

مئة يوم من عمر حكومة دياب هل تكون المئة الثانية أفضل؟

[caption id="attachment_78274" align="alignleft" width="270"] الرئيس حسان دياب يقدم جردة حساب عن إنجازات حكومته خلال مئة يوم من ولايتها[/caption]

 عندما قرر رئيس الحكومة حسان دياب مخاطبة اللبنانيين لتعداد "انجازات" حكومته بعد مئة يوم من نيلها ثقة مجلس النواب، فاته ربما أن اللبنانيين واللبنانيات أيضاً، ينتظرون من حكومتهم انجازات فعلية على أرض الواقع وليس مجرد عناوين لمسائل لم تكتمل بعد أو إجراءات لم يتم الاتفاق بعد على اتخاذها للحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد. صحيح أن الرئيس دياب يعمل ليل نهار مع عدد من الوزراء في حكومته، وصحيح أيضاً أنه من غير المنطقي محاسبته عن ثلاثين سنة مضت من الاعوجاج والأخطاء، وهو الذي أمضى ثلاثة أشهر فقط في السرايا. لكن الصحيح أيضاً أن استمرار الرئيس دياب في إلقاء تبعات الاخفاق على غيره من رؤساء الحكومات (من دون أن يسميهم) والحديث عن "عقبات" و"عراقيل" و"أفخاخ"، لا يعفي رئيس الحكومة من تحمل المسؤوليات مع حكومته التي لا تبدو، ويا للأسف، على موجة واحدة مع رئيسها. فالوزراء الـ19 ما زالوا بحاجة الى فترات سماح اضافية ليتمكنوا من إدارة شؤون وزاراتهم على نحو سليم وفعال، بدلاً من إضاعة الوقت في سرد الصعوبات التي تواجههم في عملهم. قد يصح مثل هذا الكلام في الشهر الأول من عمر الحكومة، لكن أن يستمر تكراره مع ولوج الحكومة شهرها الرابع، فإن الأمر يقتضي إعادة نظر في الأداء لأن استمرار التعاطي مع الشأن العام على النحو الذي يتم فيه سوف يجعل من العمل الحكومي "حفلة رثاء" دورية يعيش اللبنانيون فصولها الحزينة يومياً، وفي كل جلسة لمجلس الوزراء حيث يقول الرئيس دياب كلاماً أشبه بـ"مرثاة" تزرع اليأس في النفوس بدلاً من أن تضيء شمعة في الظلام الذي يخيم على لبنان واللبنانيين.

قرارات جريئة...ولجان!

 لا أحد ينكر أن الحكومة عملت خلال الأيام المئة الماضية من عمرها واتخذت قرارات جريئة من مثل تعليق سداد سندات "اليوروبوندز" والدخول في مفاوضات مع أصحاب هذه السندات بالتوازي مع مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن كثرة الاجتماعات الماراتونية وتزايد عدد اللجان والمستشارين يكاد يغرق حكومة الرئيس دياب في مستنقع النظريات والنظريات المضادة ما يعرقل العمل من جهة، ويرتب انعكاسات سلبية من جهة أخرى...والوعود الكثيرة التي أعطتها الحكومة تبقى وعوداً اذا لم تتحول الى التنفيذ ولو على مراحل، ذلك أن اللبنانيين يريدون أن يروا نتائج فعلية لـ"الجهود" التي يبذلها الوزراء الذين أصيب بعضهم بداء تجاهل الواقع والعيش في عالم آخر ما جعل تجربة الوزراء التكنوقراط ــ أو الوزراء الاختصاصيين ــ تجربة منقوصة يسهل الحكم عليها سلباً بدلاً من التعاطف مع هؤلاء الوزراء الذين أرادوا ربما أن يكونوا مختلفين عمن سبقهم، فإذا ببعضهم يغرق في شبر ماء ويتصرف كما تصرف من كانوا قبلهم...

 وإذا كان أبرز إنجاز حققته الحكومة خلال المئة يوم، هو خطة التعافي المالي والاقتصادي التي عبرت عن "تطلعات" الحكومة وطموحاتها لمستقبل لبنان الاقتصادي والمالي، فإن ما سمعه اللبنانيون من ردود فعل على هذه الخطة من أفرقاء ممثلين في الحكومة جعلهم يتساءلون هل صحيح أن الخطة الموضوعة هي للنهوض الاقتصادي أم لتدمير ممنهج للنظام الاقتصادي الحر وضرب لأسس الحرية الفردية والانفتاح، وإلا كيف تفسر الحكومة ما يجري في مجلس النواب من ردود فعل واجتماعات مع ممثلي القطاع الخاص ومن تضارب في أرقام الخسائر بين تلك التي تعلنها الحكومة، وتلك التي يوردها مصرف لبنان أو جمعية المصارف؟

 عندما أعلنت الحكومة تعليق سداد سندات "اليوروبوندز" قَبِلَ اللبنانيون أن تتخلف الحكومة، لأول مرة في التاريخ الحديث، عن سداد التزاماتها الخارجية، وتقبّل اللبنانيون أن يقال إن سمعة بلدهم باتت على المحك وإن صدقيته انهارت لاسيما وأن هذا الاعلان لم يترافق مع مفاوضات مع الدائنين لإعادة هيكلة

[caption id="attachment_78277" align="alignleft" width="393"] حكومة مواجهة التحديات أمام الامتحان بتجسيد الأقوال الى أفعال[/caption]

محفظة الدين بشكل منظم. لكنهم انتظروا في المقابل خطوات عملية لتفادي المزيد من انهيار العملة الوطنية قياساً الى الدولار، واجراءات تحول دون الارتفاع الجنوني للأسعار في المتاجر والمحلات من دون رقيب ولا حسيب، وفوجئوا بعجز وزارة الاقتصاد عن حماية المواطنين من جشع التجار...ومع ذلك عضّوا على الجروح وأرادوا انتظار المزيد من "الانجازات" الحكومية، لكن الأيام مرت من دون تثبيت سعر الليرة ولو على سعر 3200 ليرة للدولار، ولا الحد من تدني مستوى دخل الفرد وتراجع الناتج المحلي، وسط علامات استفهام كثيرة تحوم حول مستقبل القطاع المصرفي الذي يقول مصرفيون إن الحكومة أعادته نصف قرن الى الوراء!

 وإذا كان الرئيس دياب أراد من خلال "الجردة المئوية" تعداد ما تحقق فقد فاتته الاشارة الى ما حل بمصرف لبنان وبحاكمه رياض سلامة من نتائج بعد الحملة التي استهدفته والتشكيك بأدائه وطلب التدقيق بحساباته والحديث عن "إفلاسه" في خطوة غير مسبوقة على مستوى المصارف المركزية. لا بل أكثر، فبدل أن ينسق معدو الخطة الاصلاحية مع الحاكم لـ"تصحيح" الوضع فيه، وضعت الحكومة خططاً لإعادة هيكلته من دون التنسيق مع حاكمه الأمر الذي أثار استغراب المؤسسات المالية الدولية، فاضطر الرئيس دياب الى إعادة وصل ما انقطع بينه وبين الحاكم ببركة من الرئيس نبيه بري الذي دخل على خط المعالجة. كذلك لم ترد في "انجازات" الحكومة ما ستفعله لإعادة ثقة الاغتراب اللبناني بالمصارف بالقطاع المصرفي اللبناني الذي كان يتلقى تحويلات المغتربين الى ذويهم وبات من الصعب اليوم انتظار دولار اغترابي واحد يحوّل على لبنان ولا يتمكن المرسل إليه من قبضه. ناهيك عن الانهيارات المتتالية في القطاعات التجارية والسياحية والخدماتية التي لم يشر إليها الرئيس دياب في كلمته ولا الى السبل التي ستعتمد لانقاذها!

 من حق رئيس الحكومية أن يعدد ما يسميه "انجازات" حكومته بعد مئة يوم على نيلها الثقة، لكن ثمة حقائق غابت عن الكلمة التي ألقاها أمام الوزراء...لعل أبرزها أسباب الاخفاق في تنفيذ تعيينات في الأماكن الشاغرة وأكثرها دقة التعيينات المالية، وهيئة مكافحة الفساد ولجنة الرقابة على المصارف، وصولاً الى تعيين محافظ جديد للعاصمة بعد الضجة التي قامت على رغبة الرئيس دياب بتعيين مستشارته للشؤون الصحية بترا خوري. ثم ماذا عن زيارات عدد من الوزراء لبيوتات السياسيين، ألم يقل رئيس الحكومة إن ممارسة وزرائه لن تكون تقليدية وسيبتعدون عن السياسة لأنهم أهل اختصاص فحسب؟ وماذا عن الانتماءات التي كادت أن "تطيّر" وزيرين من الحكومة، ويقاطع غيرها من الجلسات، ويتحدث أحدهم بالعودة الى مرجعيته "عند الحشرة"؟...وماذا عن المحاصصة التي ميزت تعيينات مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي والآتي أعظم...

 لقد قال الرئيس دياب في رسالته الى اللبنانيين ــ من دون ذكر اللبنانيات ــ "إن اللبنانيين فقدوا الثقة بالكلام وملّوا من المعارك الكلامية الوهمية التي تحاول استنفار العصبيات لخدمة مصالح شخصية أو سياسية"...وهو بذلك وضع الاصبع على الجرح، لكنه اكتفى بذلك من دون أن يحدد وسائل العلاج. صحيح أنه أقرّ بوجود صعوبات...لكن دور المسؤول أن يجد العلاج المناسب، وهذا ما ينتظره الناس منه...

 قد تكون الأيام الـ200 المقبلة أفضل من الأيام المئة التي مرت، لكن خوف اللبنانيين يبقى من أن تكون... أسوأ.