تفاصيل الخبر

متحف تاريخي لرجل الدولة والتشريع والمؤسسات فؤاد شهاب

19/08/2016
متحف تاريخي لرجل الدولة والتشريع والمؤسسات فؤاد شهاب

متحف تاريخي لرجل الدولة والتشريع والمؤسسات فؤاد شهاب

 

بقلم عبير انطون

1

وبعد جدل واخذ ورد، اصبح العقار 167 في منطقة غادير الكسروانية ملكا للرهبانية اللبنانية المارونية التي كرسته باسم <متحف الرئيس فؤاد شهاب> مع افتتاحه رسمياً في 11 تموز/ يوليو 2016. البيت المتواضع تزنّره حديقة جميلة يقف وسطها الرئيس شهاب مستقبلا ضيوفه في منحوتة حجرية من تقدمة آل افرام وفي نحت للفنان برنار غصوب. الابواب مفتوحة، والمكتبة المهمة تفرد موجوداتها لمؤيدين وخصوم، لباحثين وطلاب ارادوا ان يعرفوا اكثر عن عهد قيل فيه الكثير، وعن رئيس جمهورية رفض التمديد لنفسه قائلاً في العشرين من شهر تموز (يوليو) العام 1960: <لقد اعدت القطار الى خطه.. لست انا من انتخبه اللبنانيون، فانني لا أمثل غير استحالة اتفاقهم على شخص آخر> وما أشبه اليوم بالبارحة!

زهد الأمير!

على مسافة قريبة من <ملعب فؤاد شهاب الرياضي> الذي تصدح فيه حفلات مهرجانات جونيه في كل صيف يقف بيت الرئيس شهاب صامداً، <مشبشباً> بعد اعادة ترميم واحياء لحديقته وجدرانه وغرفه، أبرزها تلك المستطيلة التي تدخلها الشمس وتنيرها من غير زاوية لتشهد على ولادة مراسيم مهمة ارست 6قواعد دولة القانون ولتكون الشاهد الأكبر على حقبة مهمة من تاريخ لبنان وجيشه ومؤسساته.

البيت الذي يقع في طابق واحد على امتداد 325 متراً مربعاً، حافظ على بواباته جميعها. تدخل الرئيسية منها، فتجد الرئيس شهاب أنيقا خلف مكتبه الخشبي يخط كلمته الاخيرة بالفرنسية على ورقة امامه استلقت عليها نظارته البيضاء وتربعت فوقها قبعته السوداء الشهيرة. بخط يده أيضا، يلاقينا كتابان خلف واجهة زجاجية صغيرة.. بغير الكتب، هناك اوراقه واواني الزيت المقدس والمسابح، وهناك أيضا نياشينه واوسمته ومجموعة المراسيم ومشاريع القوانين التي اصدرها، ورسائله من والى رؤساء وزعماء الدول.. ليس بعيدا تطالعنا صور الكاريكاتور، ارشيفه في الصحف، والهدايا الرئاسية المميزة بينها الخاتم الذي قدمته له الملكة اليزابيت، من دون ان تغيب عنا كؤوس الشمبانيا التي كان الرئيس يحبها ويقدمها لضيوفه. ولمن اراد الاستزادة بعد، ما عليه الا ان يشاهد على شاشة كبيرة مجهزة افلاماً اعدت حول خطاباته ونشاطاته، وافلاما وثائقية يمكن الاطلاع عليها ايضا من خلال الاجهزة الالكترونية.

 وعلى شمال المكتب غرفة نومه، متواضعة جدا من دون زخرفة ولا حفر، اثاثها بسيط بحيث اعيد تصميم سرير الرئيس كما كان الاصل تماماً الذي تكسّر، والذي كان يتماشى بالتأكيد مع الذهنية الاوروبية البسيطة والمتقشفة التي شبّت عليها زوجته السيدة <Rose Renee Boittiaux>، الآنسة التي تعرف بها الرئيس يوم كان الضابط فؤاد شهاب يقوم بعمليات عسكرية في جبل اكروم، وكانت هي ابنة زوجة المقدم الفرنسي <نواريه>، قائد الحامية العسكرية الفرنسية في بلدة عندقت في عكار، فتزوج منها في السنة ذاتها داخل دير مار ضومط في القبيات، وكان والدها قد استشهد في معارك الحرب العالمية الاولى فتزوجت والدتها المقدم <نواريه>.

 <روز رينيه> شريكة حياة الرئيس بحلوها ومرها من دون ان يكون لهما اولاد، رجت بشارة نفاع الطبيب الشرعي والصديق المخلص للرئيس شهاب ان يفعل شيئاً في السابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل 1973 < JE VOUS PRIE FAITES QUELQUE CHOSE> بعد ان اتصلت بطبيب الرئيس الخاص الدكتور مرعب، <الا ان ابرة الانعاش التي ادخلها الدكتور نفاع في احد شرايين جسد الرئيس لم تدخل لانه كان قد تجمد وتجلد بسرعة البرق> بحسب ما يروي صديق الرئيس شهاب الاب يعقوب السقيم في كتابه <بين راهب وأمير> ( منشورات جامعة الروح القدس) والذي يسرد فيه ذكرياته مع الرئيس الراحل حتى يوم وفاته. ففي هذا اليوم المشؤوم كان آخر من زاره على امل اللقاء مثلما فعل ايضا الوزير الراحل فؤاد بطرس الذي مر به في اليوم نفسه الذي فارق فيه الحياة عن واحد وسبعين عاماً.

نيران الاستقالة!

A

الى المكتب وغرفة النوم والمطبخ المتواضع، يلفت الزائر في الصالون المستطيل ذاك الشمعدان الفضي وله قصته الشهيرة. فبين نيران شموعه احرق الرئيس شهاب ورقة استقالته <العابرة> التي عاد عنها تحت ضغط الجماهير والوفود والزعامات، يوم فوجئ اللبنانيون في العشرين من شهر تموز( يوليو) من العام 1960 بنبأ من الاذاعة اللبنانية يعلن استقالة رئيس الجمهورية وتأليف حكومة انتقالية ودعوة المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد، وذلك غداة نتائج الانتخابات النيابية. وفي ذلك اليوم غادر شهاب القصر الجمهوري في صربا وعاد الى منزله في جونيه الا انه عاد عن الاستقالة بعد ضغط وإلحاح من النواب، وكان بينهم الرئيس صائب سلام وعثمان الدنا ورينيه معوض وعدنان الحكيم.

وبغير الشمعدان، استوقفتنا رسالة باللغة الفرنسية كتبت بخط اليد وبأناقة لافتة. سألنا عنها فكان الجواب انها من بنت فرنسية صغيرة كتبتها للرئيس شهاب تطلب فيها لعبة، وتم تأمينها لها على الفور. في هذا الجانب، الجانب الانساني، عرف عن الرئيس شهاب الكثير، وبشكل خاص محبته لعمل الخير بطريقة سرية!

الى الرسالة، تفحصنا في اكثر من صورة: واحدة كبيرة في خلال ادائه القسم الرئاسي، واخرى تجمعه برئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل، فيما يسلم في الثالثة على العماد ميشال عون وكان في اولى رتبه العسكرية. وبين المحفوظات المعروضة ايضا هوية الرئيس، بطاقته العسكرية، دفتر معاشه التعاقدي، مطرقة الرئاسة، وثيقة الزواج، وصيته، مجموعة غلايينه وقداحاته مع مساحة مفردة على الجدار لبزته الرسمية، وتلك العسكرية التي دافع عنها بشراسة رافضاً حين كان قائداً للجيش اقحامه في الشارع لقمع الثورة عام 1958، محيداً اياه عن التجاذبات بين الاطراف السياسية. وكان الرئيس شهاب قد طلب بحسب وصيته ان يتم دفنه وهو يرتدي البزة العسكرية، طالبا ايضا ان <تقتصر النعوة على كاهن الرعية وعلى المقربين جداً>. فالأمير ومن ثم اللواء وقائد الجيش (اختاره رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري)، ورئيس الحكومة الانتقالية (غداة استقالة رئيس الحكومة صائب سلام وانتخاب الرئيس كميل شمعون في 23 ايلول/ سبتمبر 1952)، ورئيس الجمهورية في 31 تموز/ يوليو 1958، الذي انجز الكثير اراد ان يختم حياته بهدوء: <لا اريد طبلاً وزمراً>.. عبارة أسرّ بها الرئيس ذات يوم الى صديقه المقرب الاب يعقوب السقيم الذي تشارك واياه جلسات طويلة ومسهبة.

إنجازات...

3

 لقد انجز الرئيس فؤاد شهاب الكثير في بناء دولة القانون والمؤسسات، فبعد عودته عن الاستقالة، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضابطان في الجيش، وبعد قيام حكومة جديدة شعر الرئيس بالارتياح فقرر الاسراع في تنفيذ المشاريع الاصلاحية والاجتماعية التي كانت محصلة دراسات بعثة <ايرفد>، فكانت ورشة تنظيمية اصلاحية، من قانون تنظيم التعليم العالي الى انشاء <المجلس الوطني للسياحة> الى تنظيم وزارة الاعلام وتنظيم وزارة التخطيط وانشاء <المجلس الوطني للبحوث العلمية> و<قانون التنظيم المدني> الشامل لكل لبنان وصولاً الى وضع اول خطة وطنية عامة للانماء.

وفي عهده ايضاً تم انشاء المشروع الاخضر ووضع <قانون النقد والتسليف> وانشاء <مصرف لبنان المركزي> وتدشين بنائه، وتأسيس<الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي> وتوسيع التعليم المهني الحكومي ومديرية الرياضة والشباب وتنظيم عمل الاجانب في لبنان والمخطط التوجيهي العام لضواحي بيروت وتنظيم معهد المعلمين العالي وتعاونية موظفي الدولة، كما انشئ في عهده ايضاً الحوض الثالث لمرفأ بيروت وتم توسيع المطار ومرفأ جونيه، كما وضع كتاب التنشئة الوطنية وتم تنفيذ قسم من خطة التنمية الشاملة لكل المناطق... الى غيرها الكثير بعد.

الاب سقيم: مشوار الاستملاك!

 هذا الارث التاريخي الثقافي والتراثي كان ليفقد الكثير لو قدر لبيت الرئيس شهاب في جونيه ان يتحول عن وجهته، ولولا <الالهام الرباني> كما سماه الاب وديع السقيم رئيس المدرسة المركزية في جونيه الذي استقبل <الافكار> في مكتبه شارحاً عملية استملاك العقار من قبل الرهبانية ومراحلها:

4 يقول الأب السقيم:

- في العام 2010 تم الحصول على رخصة تحويل البيت الى مطعم وبدأت الصحف حينئذٍ تثير قضية تحويل بيت الرئيس شهاب الى مطعم. بعد ذلك اتخذ قرار بتحويله الى مجمع سكني ونعرف جميعا ما لموقع الارض التي شيد عليها البيت من قيمة كبيرة وكان المهندس المعماري عادل بجاني قد اشتراه وكان تجاوبه مشكوراً تجاه الرغبة بالحفاظ عليه.

ادت الضغوطات المختلفة الى جعل بلدية جونيه تطالب باستملاك العقار على أساس تحويله الى متحف لان الرئيس شهاب ابن المنطقة وابن غزير وله افضال كثيرة في بناء الدولة وارساء مفهوم المواطنة. بعد حوالى السنة ونصف السنة على القرار لم تستطع البلدية دفع رسم الاستملاك. فتوجه رئيس البلدية آنذاك طوني افرام الى وزير الثقافة في تلك الحقبة غابي ليون واطلعه على عدم قدرة البلدية على دفع الرسوم فما كان من الوزير الا ان طرح استملاكه من قبل وزارة الثقافة على ان تديره البلدية، فتوجهوا الى رئيس الحكومة في ذلك الوقت نجيب ميقاتي وتم طلب استملاك العقار من قبل الوزارة بمبلغ مليونين ومئة ألف دولار.

ويزيد الأب السقيم قائلاً:

- وفي العام 2013، وبالهام رباني طلبت موعدا من الوزير ليون معرفا بنفسي وباننا كمدرسة جيران الرئيس فؤاد شهاب، وقلت له: عندنا عرض نقدمه لك. نحن كمدرسة على استعداد لترميم البيت على ان نديره نحن، فندعو تلامذة المدارس والجامعات للتعرف بالرئيس وارثه. فاجابني الوزير يومذاك: <منين ربنا بعتلنا اياك ابونا؟>، مستكملاً: <امامنا عقبة واحدة، وهي اننا لم نستطع دفع اموال الاستملاك بعد فما رأيكم كرهبنة بشراء العقار؟>.

وتابع يقول:

 - استمهلته لساعات وقصدت الرئيس العام الاباتي طنوس نعمة طارحا عليه الموضوع فمنح موافقته على الفور بالشراء، وفي خلال 15 يوماً كانت كل عملية البيع والشراء مستكملة ومنفذة، وقد وقع رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان الغاء 2مرسوم الاستملاك من قبل وزارة الثقافة قبل نهار واحد من انتهاء ولايته الرئاسية، فاصبح العقار ملكا للرهبنة اللبنانية - المدرسة المركزية بالقيمة نفسها المدرجة بحسب قانون الاستملاك.

 ويضيف <ريّس> المركزية:

 - على الرغم من جميع الشروط الصعبة التي فرضتها وزارة الثقافة، ووضعه على <لائحة الجرد للابنية التاريخية>، ومنع تقاضي اي رسوم للدخول اليه وغيرها من البنود، سيفتتح <متحف فؤاد شهاب> ابوابه يومياً بدءا من الاول من شهر ايلول (سبتمبر) المقبل، بعد ان انجز ترميمه وتصميمه بالكامل تحت اشراف المهندس انطوان عطالله الذي اراده على غرار المتاحف العالمية من <شارل ديغول> الى <جورج بومبيدو> في كلفة بلغت نحو المليون ونصف المليون دولار.

وفي مقارنة بين ما كان عليه البيت قبل الترميم وما بعده يطلعنا الاب السقيم عبر شاشة كبيرة في مكتبه على صور صادمة عن البيت المهمل منذ اوائل السبعينات، وما اصبح عليه مؤكداً على فخره بالخطوة المهمة قائلاً:

- الرئيس شهاب عايش <المركزية> ودخل كنيستها مصلياً كل اسبوع، كما انه من دفع رهبنتنا الى شراء المدرسة الني تحتفل هذا العام بيوبيلها الخمسين من الاخوة المريمية، ومن واجبنا ان نقدم لاجيال لبنان احد رجالاته الزاهدة بالمناصب والمؤمنة بالدولة ومؤسساتها... وهو رجل يعتبر قدوة ونموذجاً. ولهذا الغرض لدينا داخل المتحف مكتبة مهمة جداً من الصور والوثائق التي تولى <مكتب فينيكس للدراسات> في جامعة الروح القدس ارشفة المستندات والمطبوعات وتوثيقها، وكنا قصدنا دائرة المحفوظات الوطنية وتم جمع المقتنيات من ولدي شقيق الرئيس الأميرين عبد الله وطالب فريد شهاب ومن وزارة الدفاع و<مؤسسة فؤاد شهاب> والعديد من الصحف ودور النشر لجمع كل ما يتعلق بالرئيس فؤاد شهاب وقد أُنجز على ايامه ما يزيد على ألف تشريع..