تفاصيل الخبر

متحف )م( في ”جامعة القديس يوسف“ يضم ثاني أهم المجموعات الخاصة في العالم من حيث تنوع معدنياتها وجودة نوعيتها الرفيعة!

25/04/2019
متحف )م( في ”جامعة القديس يوسف“ يضم ثاني أهم المجموعات الخاصة في العالم من حيث تنوع معدنياتها وجودة نوعيتها الرفيعة!

متحف )م( في ”جامعة القديس يوسف“ يضم ثاني أهم المجموعات الخاصة في العالم من حيث تنوع معدنياتها وجودة نوعيتها الرفيعة!

 

بقلم وردية بطرس

حكاية هاوٍ بدأت في العام 1997 في باريس وتحديداً في واحد من شوارع حي (سان جيرمان) الذائع الصيت هو شارع (غينيغو) هذا الحي المشهور بوفرة تجار الأثريات والأنتيكات حيث كان سليم اده (صاحب ومؤسس متحف (م)) يمشي في ذلك الشارع، فتملكته حيرة شديدة ازاء المعروضات في الواجهة فوجد نفسه يجتاز عتبة المخزن ويلتقي صاحب مخزن (ميشال كاشو) الذي اندفع كعادته مسترسلاً في تقديم معدنياته وكشف أسرارها بمنتهى الشغف والتألق، فاقتنى سليم العديد من المعدنيات وفي الأسابيع اللاحقة قام بزيارة مخازن معدنيات باريس الأخرى ومنها مخزن (آلان كاريون) ومخزن غاليري (كلاريدج)، ونصحه (آلان) بأن يزور المتاحف الباريسية. وبعد سنتين باتت مجموعة سليم تتألق بمئتي عينة، فهو كان قد اقتنى قطعاً جليلة الشأن حصّلها من تجار أميركيين، وهو يفتخر خصوصاً بياقوتة حمراء تنزانية الأصل كانت قد غادرت مجموعة المانية ليبتاعها سليم من (ميشال كاشو)، ثم حملها الى متحف (جوسيو)، ثم توالت اللقاءات بين سليم ومدير مجموعة (جوسيو) جان كلود وباتا على علاقة وثيقة وبدأت بينهما نقاشات طويلة بشأن المعدنيات، وبحكم الدراسة الأكاديمية التي حصّلها سليم وتخرج على أساسها مهندساً كيميائياً وبوليتكنيكياً كان من الطبيعي ان تستثير المعدنيات لديه اهتماماً شديداً وهو ما تجلى بالتساؤلات العلمية التي راحت المعدنيات توحي له بها وتطرحها عليه.

اذاً بدأ سليم بتكوين مجموعة المعدنيات منذ العام 1997 وهي تضم قطعاً تتحدر من مجموعات مختلفة مشهورة في العالم قديمة وحديثة ومن مكتشفات منجمية رئيسية معاصرة كذلك.

وقد أُقيم احتفال افتتاح المتحف في تشرين الأول (اكتوبر) 2013 بحضور العديد من الشخصيات الدبلوماسية والثقافية، وكان الهدف من انشاء المتحف ابراز الجوانب التاريخية والصناعية والاقتصادية فضلاً عن الجمالية التي تتحلى بها المعدنيات غير الحاضرة حتى الآن في المشهد المتحفي في لبنان كما في الشرق الأوسط، كما يهدف المتحف الى اغناء تراث بيروت الثقافي العريق والاسهام بتعزيز دورها بصفتها قطباً للابتكار في حقل العلوم والتكنولوجيا.

وتعتبر اليوم مجموعة (م) ثاني أهم المجموعات الخاصة في العالم من حيث تنوع معدنياتها وجودة نوعيتها الرفيعة، اذ تحتضن المجموعة اليوم أكثر من 2000 معدنية تمثل حوالى 400 جنس مختلف، وتقدم المجموعة دعوة تغري بالسفر والتجوال اذ ان مصادر العينات المعروضة ترجع بأصلها الى كل أصقاع الكرة الأرضية.

شغف سليم اده بالعلوم!

 

لطالما أحب سليم اده العلوم ودفعه شغفه بالعلوم لانشاء هذا المتحف المتميز ويقول:

- ما استمالني الى الاهتمام بالكيفية التي تتشكل وفقها المادة المحيطة بنا، يرجع الى دراستي الجامعية التي أعدتّني لأكون مهندساً كيميائياً... كيف تسنى لمثل ذلك الانتظام الباهر ان يولد من رحم خلطة الطينة الهيولية البهيمة قُبيل نشأة الكون؟ ذلك هو اللغز الذي طالما استحوذ عليّ ازاء التنوع المذهل للأشكال الهندسية التي ينجبها هذا الانتظام، وحيال تلك الأسطح التي صقلتها الطبيعة غاية في الاكتمال واستواء الزوايا في ما بينها بدقة لامتناهية. ولما كنت أصلاً غير موهوب البتة لا في النحت ولا في الرسم، وجدت نفسي أكثر انجذاباً الى ظاهرات الخلق هذه، وهي التي تشكلت دونما اي تدخل بشري، بل فقط بفضل مفاعيل تأثيرات الحرارة والانكباس، وبفعل بالغ التعقيد للماء كما بفعل الزمن بشكل خاص. واذا كنت أدين لوالدي بشغف الانكباب على هواية التجميع (وهو قد أمضى وقتاً طويلاً في جمع السجاد الشرقي والنقود القديمة..) فأنا مدين بفكرة المتحف الى جدتي على الأرجح، إذ فيما كانت مجموعتي تتنامى وتغتني شيئاً فشيئاً، لم أكفّ عن التفكير بما كانت جدتي تردده دائماً كلما رأت الناس ينكبّون على تكديس الثروات: <يا تيتا ما بعمرو حدن أخد شي معو>... مستقوياً بهذا المبدأ، وتوّاقاً بالأخص الى تقاسم هذا الشغف مع أكبر عدد ممكن من الناس، أخذت تتمكّن مني وتتبلور لدي بدءاً من العام 2003 فكرة انشاء متحف للمعدنيات يحمل اسم (م).

ويتابع:

- لقد شئت ان أتقاسم هذا الانبهار بجمالية العالم المعدني الذي عليه بُنيت الحياة على كوكبنا، فكل من لم يتسنّ لهم أبداً ان يتواصلوا ولو عرضاً مع هذا العالم، ميّالون بصورة طبيعية الى التساؤل عمن نحت كل هذه الأشكال الرائعة، وصقل كل هذه الأسطح باكمل اتقان؟ ومن تدبّر ترتيب كل هذه الأجناس المختلفة؟ ومن أين أتت كل هذه الألوان؟ وهم انما يعربون بذلك عن اقتناعهم الراسخ بأن هذه المجسمات والمظاهر لا يسعها الا ان تكون من صنيع فنان مبدع، اذ يستحيل عليهم الاعتقاد بأنها من خلق الطبيعة. ولقد وجدت ان الجامعة هي المكان المثالي لعرض هذه المجموعة بصورة دائمة على غرار ما يجري في جامعة (السوربون) في باريس، وهي التي طالما شكّلت مجموعتها مصدر استلهامي الرئيسي ونموذجي الخاص الذي أنستُ به في داخلي اندفاعاً للاقتداء به. وعندما عرضت هذه الفكرة على رئيس <جامعة القديس يوسف> في بيروت الأب رينيه شاموسي في العام 2004، سارع فوراً الى تبنّيها وبادر الى حجز 1300 متر مربع مكرّسة لتشييد المتحف الخاص بالمجموعة، وذلك في طابق تحت الأرض من عمارة كان بُوشر ببنائها ضمن حرم الجامعة في المجمّع المخصص للابداع والرياضة الذي يقع قرب مبنى

المتحف الوطني.

مديرة متحف (م) السيدة سوزي حاكيميان وفكرة انشاء المتحف!

<الأفكار> جالت في أرجاء المتحف حيث شرحت لنا مديرة المتحف السيدة سوزي حاكيميان وهي رئيسة <ICOM LEBANON> (كانت مديرة المتحف الوطني سابقاً، وعملت أيضاً في مواقع أثرية مثل متحف جبيل ومتحف بعلبك، وبدأت العمل مع سليم اده منذ انشاء المتحف في العام 2013 ولا تزال) عن فكرة انشاء المتحف وتقول:

- هناك العديد من الناس لديهم هواية جمع المجموعات ولكن ليس كل الناس ينتقلون من مبدأ الهواية الى مبدأ المتحف كما فعل سليم اده. لقد بدأ سليم اده في العام 1996 باقتناء مجموعة من المعدنيات، اذ كانت مجرد هواية، وبينما كان يمشي في أحد شوارع باريس وجد محلاً لبيع المعدنيات فأُعجب بها كثيراً وسأل عنها فشرح له صاحب المحل عن تلك المعدنيات، وعندئذٍ راح يفكر في نفسه انه وحده يتفرج على هذه المجموعة ولكن يجب ان يرى الناس هذه المجموعات، من هنا أراد ان يشارك الآخرين هذا الشغف والتمتع بمشاهدة تلك المجموعات الرائعة. واليوم هذه المجموعة المعروضة في متحف (م) فيها جمال، وأيضاً تجعل الانسان يسأل أسئلة عن هذه المعدنيات.

وأضافت:

- في العام 2000 راودت سليم اده فكرة انشاء المتحف، اذ منذ صغره يتذكر كلام جدته ان لا أحد سيأخذ معه شيئاً. ومن هذا المنطلق اراد ان يتقاسم هذا الشغف مع الناس فقرر انشاء متحف في احدى الجامعات في لبنان، فالتقى برئيس <الجامعة اليسوعية> ليطلعه عن هذه المجموعة، فانبهر رئيس الجامعة بتلك المجموعة، وعندها اعلمه رئيس الجامعة انه سيقوم ببناء حرم جديد والذي هو قائم الآن وانه مستعد ان يقدم له مساحة داخل هذا الحرم، على ان يقوم سليم بتجهيزه ولكن للأسف وقعت حرب تموز 2006 فتأخر بناء الحرم فتوقف لغاية 2009، وفي العام 2010 بدأت الجامعة ببناء هذا المبنى وكانت نقطة انطلاق المتحف... بالنسبة لتسمية المتحف فلقد استقى سليم اده (م) من الحرف الرابع والعشرين من أحرف الألفباء العربية وهو شبيه بحرف (M) في الألفباء اللاتينية، هذا لأنه الحرف الأول الذي تبدأ به كل من الألفاظ العربية التي سُمي بها المتحف والمعدنيات والمناجم والأمر ذاته يسري أيضاً في الفرنسية والانكليزية على حد سواء. وسليم اده يشعر بالفخر ان لديه في لبنان مجموعة تمثل 70 بلداً وأجمل المعدنيات موجودة في هذا المتحف وقد بدأ بجمعها منذ العام 1996 اي ان هذا المتحف هو ثمرة جهد سنوات طويلة. بالنسبة اليه كان من المهم اقامة متحف معدنيات لأنه يتم الحفاظ عليها والا سيكون مصيرها الاندثار، لأن هذه المعدنيات تُستعمل في الحياة اليومية مثلاً في مجال الطب كما تدخل بالمكنات والليزر وغيرها... والهدف الذي ترمي اليه متاحف المعدنيات هو حفظ عينات المعدنيات التي تعتبر بحق من روائع الطبيعة فتكون جديرة بأن تُعرض في المتحف.

تقسيم المتحف ومقتنياته

ــ وكيف يتم تقسيم المتحف؟ وماذا يحتوي من معدنيات؟

- يتألف المتحف من الطابق الارضي اذ يضم التذاكر والمتجر والزجاجية والاستراحة، أما الطابق السفلي فيقسم على الشكل الآتي:

1 - ردهة الاستقبال: اذ تربط هذه الردهة أجزاء المتحف بعضها ببعض وتشكل نقطة التقاء ومكاناً مخصصاً للمناسبات، وترتفع ضمن مساحتها مجموعة من خمسة أعمدة تستعيد مرأى مداخل الهياكل القديمة وقد تم تزويدها بواجهات تُعرض فيها معدنيات من المجموعة.

2 - حائط بانروز: وهذا الجدار الذي يفصل ردهة الاستقبال عن قاعة الكنز يحمل اسم عالم رياضي انكليزي في القرن العشرين (روجز بانروز).

3 - باحة الصوري المجنح: وهنا يتعرف الزوار على أحفورة (Mimodactylus Libanensis) الفريدة الى جانب صورته الهولوغرافية المنقولة بالليزر، ويكتشفون طريقة عيشه في فيلم ثلاثي الأبعاد ويقومون بتحريك الحيوان على الشاشة.

4 - السمعي البصري: يتعرف الزائر على بواعث سليم اده في تكوين مجموعة المعدنيات والأسباب التي دفعته لانشاء المتحف.

5-  قاعة البلورة: اذ تستضيف قاعة البلورة المعارض المؤقتة وأنشطة ثقافية واجتماعية مختلفة.

6 - الزجاجية: ترتدي هذه الزجاجية الشكل الثماني الأضلاع المتميز كونه يستذكر شاكلة هندسية مشهورة هي أنظومة الأهرامات.

واستطردت قائلة:

7 - اما الأصناف التسعة المعروضة في المتحف فهي: الصنف الأول: المعادن الخليقة والمعادن الخليطة. الصنف الثاني: السولفورات والأملاح السولفورية. الصنف الثالث: الهالوجينورات. الصنف الرابع: الأكسيدات والهيدروكسيدات. الصنف الخامس: الكربوناتات والبوراتات. الصنف السادس: السولفاتات، الكروماتات، الموليبداتات، والتونغستاتات. الصنف السابع: الفوسفاتات، الفاناداتات، والزرنيخاتات. الصنف الثامن: السيليكياتات. الصنف التاسع: المعدنيات العضوية.

8 - اما المعدنيات فتعرض هنا حوالى 900 معدنية بحسب الصنف الكيميائي الذي تنتسب اليه.

9 - المعدنيات المشعة: تُعرض هذه النماذج في مكان محصّن بأعلى درجات الأمان، وفي واجهات زودت بفتحات خاصة تمتص الغاز المنبعث من النشاط الاشعاعي (الرادون) لتلفظه خارج المبنى.

10 - الفرائد: استُوحيت طريقة عرض هذه الواجهة من منصة الفائزين في المباريات الرياضية، اذ يكتشف الزائر قصة الفرائد ويتعرف على المعايير المستخدمة من قبل هواة جمع المعدنيات.

11 - الكنز: تستضيف هذه القاعة المعادن الثمينة (الذهب والفضة) بالاضافة الى الأحجار الكريمة او النفيسة (المرو، التوباز على أنواعه، الزمرد بتنوعه...) والتي تم اصطفاؤها عمداً على أساس شفافيتها، ولونها، وأشكالها الهندسية الصريحة. ويحتوي الكنز على 21 واجهة بانورامية تسمح بمشاهدة النماذج من جميع الزوايا كما هو الحال في معرض المجوهرات.

12 - المعدنيات بحسب البلد: تتوزع المعدنيات في الواجهات وفقاً لبلد وقارة المنشأ، وان سبعة بلدان تقدم لوحدها أكثر من نصف عينات المجموعة بحيث يتجاوز نصيب ما يقدمه البلد الواحد منها المئة قطعة، ألا وهذه البلدان هي: البرازيل، المكسيك، الولايات المتحدة، ناميبيا، الباكستان، افغانستان والصين. كما يشاهد الزوار على شاشة تعمل باللمس صور الأقمار الصناعية لمواقع مصدر المعدنيات، كما يمكنهم رؤية صور لمناجم لا تزال في الخدمة وأخرى لمناجم مهجورة او مغلقة.

ــ ومن يزور المتحف؟

- هذا المتحف هو للعلوم، وسليم اده يعتبر انه اذا استطاع من خلال هذا المتحف ان يخلق عند الولد حب العلوم فيكون قد حقق هدفه، اذ يزور التلاميذ المتحف حيث يستمتعون بالتعرف على عالم المعدنيات وخصوصاً انه تُستخدم تقنيات تساعدهم على فهم تلك المعدنيات من حيث تشكيلها وتكوينها وشكلها، كما يزور الكبار والباحثون والطلاب الجامعيون المتحف. وفي ليلة المتاحف هذا العام زار المتحف حوالى 9000 شخص، وهذا دليل على اهتمام الناس بزيارة المتاحف.